أخبار السودان

القوات الدولية ستحمي مصالح الصين في نفط السودان

على مدى سنوات، تبنت الإدارات الأميركية عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بديلاً منخفض الكلفة عن التدخل العسكري الأميركي، وأتاحت السياسة هذه لواشنطن أن تدّخر قوتها، وأن تحمل الحكومات الأجنبية على تعزيز أمن أميركا والمصالح الإنسانية في الخارج. وقال الرئيس (باراك) أوباما أخيراً في وست بوينت إن «هذا استثمار ذكي».

ويأتي الاستثمار أُكله فعلاً في جنوب السودان… بالنسبة إلى الصين. أمنت بكين الشهر الماضي وبهدوء صفقة تقضي بتولي «الخوذات الزرق» التابعة للأمم المتحدة حماية العمال في منشآت جنوب السودان النفطية حيث تستثمر الصين بلايين الدولارات منذ سنوات وتمتلك مصالح مالية كبيرة? لا تقل عن الأربعين في المئة – في أكبر حقول نفط جنوب السودان. وسيساعد دافعو الضرائب الأميركيون الذين يموّلون 27 في المئة من تكاليف مهمات حفظ السلام الدولية، في حمل العبء المالي لضمان استثمارات الصين.

صيغ الاتفاق الذي يعتبر سابقة الشهر الماضي في مفاوضات وراء الأبواب الموصدة ? لم تعلن تفاصيلها مسبقاً- حول كيفية تعزيز بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان بحيث تتمكن من تحسين حمايتها لمئات الآلاف الذين يتعرضون لخطر التطهير العرقي. وسينطوي رفع مستوى البعثة على ضم آلاف من الجنود الإضافيين من دول أفريقية ومئات من الصين.

وفي مقابل انحدار جنوب السودان نحو صراع أهلي وعرقي في الأشهر السبعة الماضية، سعت الولايات المتحدة في مفاوضاتها في مجلس الأمن إلى تبني قرار جديد يقوم على توفير سلامة السكان ويركز على أن «النشاطات الأساسية للمهمة هي حماية المدنيين ومراقبة حقوق الإنسان والتحقيق في الانتهاكات التي تتعرض لها وتسهيل تسليم المساعدة الإنسانية» كما قالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة بعد التصويت على القرار في 27 أيار (مايو).

بيد أن كسب تأييد الصين جاء بثمن: ضمان حماية العمال في حقول نفط الجنوب.

وقررت الولايات المتحدة وفرنسا وكبار مسؤولي حفظ السلام في الأمم المتحدة تغيير تفويض البعثة الدولية التي أنشئت عام 2011 من تثبيت أركان السلام والأمن ورفع قدرة الحكومة على الحكم ديموقراطياً، بعد العنف العرقي الذي خلَّف آلاف القتلى ومئات الآلاف من المشردين. وينقسم الهدف قسمين: تحسين قدرة الأمم المتحدة على حماية المدنيين على جانبي الشقاق العرقي، وتقليص الدعم لحكومة تورطت بالفظائع الجماعية.

وقرار تكليف قوات حفظ السلام حماية صناعة النفط? وهي إحدى مؤسسات قليلة في هذا البلد الفقير توفر القدرة على دفع ثمن أمن البلاد – واجه مقاومة من داخل قسم عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة.

وحذر المسؤولون هناك من أن ذلك قد يهدد حياد الأمم المتحدة ويضعها بوضوح إلى جانب حكومة جنوب السودان التي ارتكبت فظائع كثيرة في حرب أهلية قسمت البلاد في معسكرات سياسية وعرقية متنافسة. ولفتوا إلى عدم جواز وضع قوات السلام الحائزة على جائزة نوبل في خدمة مؤسسات تجارية بغض النظر عن مدى حيوية المؤسسات هذه بالنسبة إلى رفاهية البلاد.

بيد أن الصين حصلت على إسناد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من القوى المهمة والتي تذرّع ممثلوها بأن الهجمات على البنية التحتية لحقول النفط في جنوب السودان تهدد بمزيد من الاضطراب في البلد الوليد، من خلال تدمير وسيلة معيشته الوحيدة.

والصين مشغل ومستهلك كبير لنفط جنوب السودان الخام، وهي أكبر مستثمر أجنبي في صناعة النفط في السودان وجنوبه. وقبل استقلال الجنوب تولت قيادة تجمع شركات (كونسورتيوم) بناء خط أنابيب من حقول جنوب السودان النفطية إلى بورتسودان السودانية. واليوم، تسيطر «شركة النفط الصينية الوطنية» على 40 في المئة (الحصة الأكبر) في «كونسورتيوم» آخر هو «شركة التشغيل النفطية للنيل الأكبر» التي تضم أيضاً العملاق النفطي الماليزي «بتروناس» وشركة النفط الهندية المملوكة للدولة «شركة النفط والغاز الطبيعي – فيديش».

وأثناء المفاوضات التي أجريت وراء الأبواب الموصدة مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى النافذة في الأمم المتحدة، أصرت الصين على أن تحمي بعثة المنظمة الدولية أيضاً العمال المدنيين في منشآت النفط في جنوب السودان، وفق ديبلوماسي قريب من المحادثات. وعرضت تزويد الأمم المتحدة كتيبة من 850 جندياً صينياً لقوة حفظ السلام.

ويدعو القرار الذي جرى تبنيه في 27 أيار، قوات حفظ السلام إلى منع العنف ضد المدنيين بمن فيهم الأجانب وعمال الإغاثة الإنسانية والمحققون في ملف حقوق الإنسان- وإلى تخصيص انتباه خاص إلى «المناطق العالية الأخطار في الصراع وضمنها المدارس ودور العبادة والمستشفيات ومنشآت النفط، خصوصاً عندما تعجز حكومة جنوب السودان أو تفشل في ضمان الأمن».

وبرر مسؤول أميركي الاتفاق معتبراً أن منشآت النفط في الجنوب «مناطق عالية الأخطار» في حال تركت من دون حماية ما قد يساهم في زعزعة البلاد. ويشكل تصدير النفط أكثر من 97 في المئة من واردات الحكومة ما يجعل النفط حيوياً لبقائها.

ورأى الباحث في «جمعية القانونيين في جنوب السودان» ديفيد دنغ أن الاتفاق في الأمم المتحدة يشكل المثال الأحدث على تدخل القوى الإقليمية والدولية في الصراع في الجنوب لمصلحة حكومته.

* مراسل، عن «فورين بوليسي» الأميركية، 16/6/2014، إعداد حسام عيتاني

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..