اللجنة السرية

زمان مثل هذا
اللجنة السرية
الصادق الشريف
? مراكز البيع المخفض.. تجربة حديثة.. ابتدرتها ولاية الخرطوم لتهدئة فوران الأسعار.. ولفتح متنفسات للمواطنين (المعذبين في الأرض) بنقص المال.. بل غيابه.. وللأسف.. لم تكمل التجربة مائة يوم.. حتى نامت التجربة على ذات اللحاف الذي نامت فيه الخدمة المدنية.. ولم تصحُ حتى الآن. ? بيد أنّ التجربة أصابتها أدواء الخدمة المدنية.. للدرجة التي دفعت ولاية الخرطوم لتكوين (لجنة سرية).. مهمّتها مراجعة ومتابعة مراكز البيع المخفّض.. ويترأس اللجنة محمد الحسن الجعفري المعتمد برئاسة الولاية (وبالطبع هذا الاسم سري للغاية.. نرجو من القراء ألا يخبروا به منسوبي مراكز البيع المخفّض.. حتى لا يهزموا الفكرة). ? حسناً.. يكفي مزاحاً. ? فكرة إنشاء مراكز بيع (حكومية) مخفضة الأسعار كانت (اضطرارية) منذ البدء.. لجأت إليها الولاية مضطرةً وليست باغية.. لا سيما مع وجود (حركة!!) التحرير الاقتصادي. ? كان هنالك هدف رئيس من تأسيس تلك المراكز.. وهو إرسال رسالة للتجار أنّ الحكومة يمكن أن تدخل إلى السوق فتنافسهم أقسى منافسة.. وتهزمهم شرّ هزيمة. ? والمدى الزمني للتجربة الحكومية كان مؤقتاً.. أسابيع معدودة (اثنا عشر أسبوعاً).. وبعدها ترجع (حليمة/ ريمة) للعادة إيّاها.. وبالتالي لم تكن تحتاج لتعيين عمالة ثابتة حتى تضطر الحكومة لمراقبتهم عبر (اللجان السرية). ? فكرة الرقابة عموماً.. ثبت إدارياً أنّها غير فعّالة.. فهي لا تعطي نتائج إيجابية متصاعدة أو على الأقل ثابتة.. حتى في أفضل النظم الاقتصادية تحفيزاً.. وهو نظام العمل بالساعة الذي تتبعه الولايات المتحدة.. حيثُ يحتاج ذلك النظام لرقابة (بشرية/ إلكترونية) على مدار الساعة. ? لكنّ نظام العمل بالإنتاج.. حيثُ يدخل العامل في (صيغة الانتاج Production Formula) فيكونُ له جُعل من إنتاجه.. هو نظام أفضل تحفيزاً ويأتي بنتاج أكبر من نظام الأجر.. فقط يحتاج ذلك النظام إلى تحديد الأسعار ومواطن متمسك بحقوقه.. حيث يكون المواطن هو الرقيب.. وليس اللجنة (السرّية). ? يسند ذلك النظام.. نظام آخر لتلقي الشكاوي من المواطنين (عبر الهاتف مثلاً).. ويشترط فيه أن يكون نظاماً فعّالاً يقوم بالبت في الشكوى في يوم البلاغ ذاته.. وتُعلن النتائج على الملأ.. بحيث تصبح (نتيجة الشكوى والإجراء الإداري المُتخذ بشأنّها) درساً للعاملين الآخرين.. هذا إذا كان في نيّة ولاية الخرطوم الاستمرار في خطتها (الطارئة) لمعالجة ارتفاع الأسعار. ? أمّا أن يعلم الجميع.. بمن فيهم العاملون بمراكز البيع المخفّض.. وعبر وسائل الإعلام بتكوين (لجنة سرية) لمراقبتهم.. فهذا يفتحُ باباً لِـ (الإبداع العكسي) الذي أفلحت فيه الخدمة المدنية السودانية. ? ومن ذلك الإبداع.. أن يأتي يوم الزيارة (السرية) التفقدية.. فيجد المسؤول الزائر أنّ لافتات قماشية كبيرة تعلّقت بأسوار وحوائط المؤسسة التي نوى زيارتها مكتوبٌ عليها (مؤسستنا العامرة.. ترحّب بزيارتكم السريّة المفاجئة).. أمّا كيف عرف منسوبو المؤسسة بالزيارة.. فهذا هو السر الذي أفلحوا في كتمانه. ? لا أعتقد أنّ الأمر يحتاجُ إلى لجنة (سرّية).. ما دام مؤقتاً.. لكن لو أرادت ولاية الخرطوم أن تستمر في هذا النظام (شبه التعاوني).. أن تبتدع نظاماً إدارياً يجعل (مصلحة العامل) جزءاً من الصيغة الإدارية لمراكز البيع المخفض.
التيار
اقامة هذه المراكز دليل على فشل الدولة الذريع في سياساتها، ابتداءا من سياسة التحرير الى عجز سياساتها الاقتصادية و فشلها في الحفاظ على وحدة السودان و ضياع البترول اضافة الى فشلها الاكبر و هو الاستفادة من عائدات البترول حين كانت تصب في خزائنها، فتحولت تلك الايرادات بقدرة قادر الى حوافز و امتيازات مليارية لاهل السطوة، و قصور في دبي و ارصدة في جنوب شرق اسيا و سيارات فارهة و مكاتب فخيمة و اثاث صيني و ماليزي، و لم تر الزراعة و لا الصناعة و لا الخدمات نكلة من هذه الايرادات مما ادخلنا في هذه الحوسة التي جعلت الحكومة تمارس تجارة القطاعي….
سياسة تحرير الانقاذ كانت و ما تزال عبارة عن فوضى اقتصادية اذ لا قانون و لا رقابة و لا حماية من الاحتكار و جعلت الدولة تتفرج في اللت و العجن في السوق بل و يشارك تجارها الكثيرين و شركاتها المسيطرة في ذلك اللت و العجن و الفوضى…بل صارت الدولة و الحكومة بمتنفذيها الشبعانين يشاركون في حملات المقاطعة للسلع التي زادت اسعارها بصورة خرافية بدلا عن دراسة الاسباب و اتخاذ قرارات حازمة وحاسمة لمحاربة ظواهر الاحتكار و الارتفاع الجنوني في اسعار سلع محلية!
تجربة تجارة الحكومة بالقطاعي و الجملة بدات بها الانقاذ مسيرتها و كانت بهدف محاربة التجار الوطنيين و السيطرة على السوق حين اقامت الخيم لبيع السلع المختلفة و استيرادها و هي معفاة من الجمارك و الضرائب و الاتاوات فافقرت تجار السوق بعد ان عجزوا عن المنافسة بما فرض عليهم من جبايات مقابل ممارستها الاتجار في نفس السلع و هي معفية من كل اتاوة!