أخبار السودان

أسرار أنقلاب الأنقاذ، مقتطفات من كتاب (السودان سقوط الأقنعة) لفتحي الضو (1)

اليوم تمر مجدداً ذكرى انقلاب الجبهة الإسلامية المشؤوم على الحكومة الديمقراطية في السودان، وحال البلاد يغني عن السؤال.

ترى كيف كانت الأيام الأخيرة في سودان الديمقراطية؟!!
كيف خططت الجبهة للأنقلاب، ولماذا دانت بلاد المليون ميل بسهولة للإسلاميين الذين أذاقوها الويل، ودفعوها ثمن تخاذل من بيدهم القرار وقتها.. دموعاً ودماً، وضياعا؟!
هل كان أنقلاب الأنقاذ مفاجأة، أم أنه كان معروفاً، ساهم تراخي وضعف قادة البلاد وقتها أو تآمرهم في نجاحه؟!
اسئلة كثيرة يجيب عليها كتاب وثّق لتلك الحقبة، ورصد أحداثها بدقة وحياد… أنه كتاب السودان سقوط الأقنعة”
الشكر للأستاذ “فتحي الضو” الذي سمح (للراكوبة) بنشر مقتطفات من كتاب نعده الأهم في توثيق وكشف أسرار حقبة غيّرت مجرى تاريخ، حاضر، ومستقبل السودان إلى الأبد.

وحتى تصبح القراءة ميسورة سوف نقوم باضافة الفقرات في عدة مواضيع تحمل العنوان نفسه ولكن بأرقام..

المَشْهَدُ الأوَّل: عَشِيَّة الكَارِثة

تميَّز الانقلاب الأخير في السُودان عمَّا سواه من الانقلابات الماضية, بأنه الأول الذي تواترت أخباره من وراء الحدود.. وخلالها، كان هناك من يُحاول القيام بواجبه, وقرع ناقوس الخطر قبل فترة طويلة, مُستشعراً السُلطة التنفيذية التي يقف على رأسها السيد الصادق المهدي، رئيس الوزراء.. «في يوم 18/3/1989في حديث عابر مع سفير دولة أوروبية, سألني عن الأوضاع بالسودان, وقال لي إنه سمع من بعض المسئولين المصريين أن انقلاباً سوف يحدث بدون شك, وأن الأمور لا يمكن أن تستمر على تلك الحالة, وبعدها حدثت محاولة انقلاب صلاح الضوي والمرحوم الزبير محمد صالح, وبعدها قمت بإرسال تقرير ضافٍ باليد للسيد رئيس الوزراء, مقيّماً الوضع بين السودان ومصر على ضوء التصريحات المتبادلة بين البلدين, وأشرت فيه إلى موضوع الانقلاب». ثم بعدئذٍ تكاملت الرؤى والمعلومات والوقائع مع ما كان يجري داخل الحدود.

صباح الجمعة، 23 يونيو/حزيران 1989، تحلَق حول السيد الصادق المهدي، رئيس الوزراء ?المُنتخبُ? آنذاك، بعض ضيوفه، في منزله الكائن بمدينة أمدرمان ?حي المُلازمين?.. دخل عليه ضابط من ذوي الرتب الوسيطة في القوَّات المسلحة، وكان يتأبَّط خبراً مزعجاً، تشيبُ له الولدان، وقد جاء تحديداً لإبلاغ المهدي به، فقال له: «هناك ترتيباتٌ تَجرِي لتنفيذ انقلابٍ عسكري لتَغيير السلطة الديمقراطيَّة»!!

سألَه المهدي في البداية -ولم يُبدِ اكتراثاً ملحوظاً لمجالسيه- عن مصدر معلوماته.. فقال له الضابط: «ليس هناك مصدر معيَّن».. لكنه شرح للمهدي أنه، بعلاقاته المتشعِّبة وسط زملائه من العسكريين، استطاع التقاط كثير مِن الهمس الذي يدور بين ضبَّاط المؤسَّسة العسكريَّة, لدرجة أصبح ذلك في حكم اليقين.. وأضاف أنه لا يعلمُ متى سيحدث الانقلاب، ولا كيف؟! وبعد فترة ران فيها صمت رهيب على المكان, باغته المهدي بسؤالٍ استنكاري: «تفتكر مُمكن ضابط يغامر ويهِد الشرعيَّة الدُستورِيَّة؟!».

لم يكن المُساءل في حالٍ يستطيع معها أن ينفى ولعاً شرهاً وطموحاً أرعن، أصاب كثيرين من منتسبي تلك المؤسَّسة بداء الانقلابات العسكريَّة, عبر سنوات من تأسيسها، لحماية ?الأرض والعِرْض?.. فردَّ على سؤال المهدي بقوله: «يا سيِّد الصادق، الضابِط المُغامر عندما يركب الدبَّابة، لا يعرِف ?المؤسَّسة الشرعيَّة?, وكلُّ تفكيره يكونُ مركَّزاً في اتجاه أن حياته في خطر، ممَّا يحفِّزه لتنفيذ تلك المُهمَّة فقط»!!

عاجلَه المهدي بسؤالٍ تَقريري آخر، ينضح تواضعاً: «تفتكر ما الذي يمكن عمله؟».. لَم يتحذلق المُساءل في سؤالٍ يعلم أن سائله بمقدوره أن يؤلِّف فيه كتباً، فحصر اجتهاده فيما يعلمه، وقال له: «مِن الناحِية العسكريَّة، أستطيع أن أقول لك إن قادة الوحدات العسكريَّة يجب أن يكونوا ملازمين في وحداتهم بدرجة استعدادٍ قُصوى، وتَأهُّبٍ كامل, كما يمكن أن توضع كتيبة، أو أكثر، في منطقة ?فتَّاشة? تحسُّباً».

بدا السؤال الذي ألقى به المهدي فضفاضاً، يغري بالاجتهاد, فكسر حاجز الصمت الذي خيَّم على الحاضرين، وتمطَّى الحديث بنهمٍ، تنظيراً وتفعيلاً، باستدعاء كل شاردة وواردة.. فمن قائل بأهمية تسريع خطى اتفاقية السلام, ومن رأى ضرورة طواف السُلطة التنفيذيَّة -التي على رأسها رئيس الوزراء- على الوحدات العسكرية المختلفة، لتوضيح أهميَّة الحفاظ على النظام الديمقراطي، وحماية ?الشرعيَّة الدُستوريَّة?.. وشمل الحديث ضبط الأسعار الفالتة في الأسواق، لإشعار المواطنين بأنَّ هنالك سلطة ترعى شئونهم!!

كان المهدي يصغي -كعادته- بإيحاء من تدبَّر لغده أمراً، أو هكذا ظنَّ مجالسوه، فانفضَّ سامرهم، كلٌ مضى إلى حال سبيله، بِما فيهم ناقل ?الكُفر? بالنظام الديمقراطي.. ونودي على المهدي ليدرك صلاة الجمعة.

بعد يومين مِن ذلك التاريخ، وتحديداً في يوم 25 يونيو/حزيران 1989، كان بِضعة أفراد مِن جهاز الأمن الداخلي يحاولون رصد وقائع اجتماعٍ هام لعدد من قيادات ?الجبهة القومية الإسلامية? في ضاحية ?المنشيَّة?، شرقي الخرطوم، منزل ربيع حسن أحمد, وكانت الإجراءات التأمينيَّة لهذا الاجتماع مثيرة بدرجة تثير الفضول, وتَشي باحتمالات حدثٍ قادم.. «ومن المفارقات العجيبة، أن يمر بهم السيد عبدالرحمن فرح، رئيس جهاز أمن السودان، في ساعةٍ متأخرة من الليل، وهو في طريقه إلى منزله بالمنشيَّة, وحرص أحد هؤلاء الضباط على إطلاعه على مهمَّتهم، وتنويره بما يجري في هذا الاجتماع المصيري.. ومن أطرف الحوارات التي دارت في تلك الليلة، المشحونة بالتربُّص، حوارٌ بين رئيس الجهاز وذلك الضابط، الحريص على أداء الواجب في تلك الساعة المتأخِّرة من ليلٍ خانق، اشتدَّت فيه وطأة الأحداث، ووطأة الحرِّ.. في هذا الحوار، قال الضابط، وهو برتبة نقيب أمن، لرئيسه: يا ريِّس، نحن الآن نقوم بِرصد اجتماعٍ هام لقيادات الجبهة الإسلاميَّة.. وعلى الفور سأله رئيس الجهاز: وما هي الأسباب من وراء هذا الرصد؟ أجاب النقيب: سعادتك.. الجماعة يرتبون لشيء ما.. أعتقد أنه انقلاب.. وقد وزَّعتُ القوة لمعرفة ما يدور، ولمتابعة الأمر.. ضحك عبدالرحمن فرح، وقال باستخفاف: الجماعة ديل يعملوا انقلاب؟! ثم تابع قائلاً للنقيب: إنتو مشغولين بالفارغة.. عينكم لـ?المايويين? متحرِّكين وبيعملوا في انقلابات، وإنتو ترصدوا في ناس الجبهة؟ ثم طلب رئيسُ الجهاز في هذا الحوار القصير من ضابط أمنه أن ينهوا هذه المهمَّة، ويعودوا إلى أشغالهم، والاهتمام بالمايويين».

?المايويُّون? الذين عناهم رئيسُ جهاز الأمن، هم بقايا الرئيس المخلوع جعفر نِميري, وقصد بحديثه ذاك محاولة انقلابيَّةَ مزعومة، قيل إنها كان ينبغي أن تحدث في يوم 18 يونيو/حزيران 1989، لتغيير الحكم, وكان اللافت فيها صمت كل المسؤولين في أجهِزة الدولة، بأجنحتها المختلفة, عدا ثلاثةٌ من الجهاز التنفيذي، جميعهم بهويَّة حزب الأمَّة, انبروا في الحديث عنها بسيناريوهاتٍ مثيرة, وتفاصيل استخفَّت بالعقل الجمعي لأهل السُودان بصفة عامة، وساسته بصفة خاصَّة.. ابتدرها السيِّد مُبارَك الفاضل المهدي، وزير الداخليَّة آنذاك، بالحديث إلى عدَّة صحفٍ محليَّة ودوليَّة، مؤكداً أن الخطة الانقلابيَّة كانت ستنفَّذ يوم 18/6/1989، لتتزامن مع مخاطبة رئيس الوزراء للجمعيَّة التأسيسيَّة, حيث كان من المتوقع أن تهاجم المجموعة الانقلابيَّة البرلمان، وتقضي على القيادتين، العسكريَّة والسياسيَّة، وتشل الحركة في الدولة، فيما يعود نميري.. ثمَّ أضاف شيئاً من ?المشهِّيات? اللازمة، بما يجعل من السيناريو حدثاً مهضوماً!! فيما رأى رئيس جهاز الأمن، المسكون بـ?فوبيا المايويِّين?، أن الأمر يتطلب مؤتمراً صحفياً, عقده بالفعل يوم 20/6/1989، واسترسل فيه بخيال خصب, بدءاً مِن اكتشاف مبالغ مالية كبيرة في حوزة المعتقلين, مروراً بخططهم, وانتهاءً باتخاذ الحكومة لإجراءاتٍ أمنية مشدَّدة، في المطارات والموانئ، لئلا يهرب ?المتورِّطون والمتعاملون معهم? من البلاد.

أما رئيس الوزراء، الصادق المهدي، فلم يتوان في خلع جلبابه المدني، وارتداء بزَّة الجنرالات، وهو يخاطب الجمعية التأسيسية صباح اليوم التالي 21/6/1989، فأكد أن الانقلابيين كانوا يزمعون إطلاق قذائف مدفعية على مبنى البرلمان، للقضاء على السلطة التنفيذية والتشريعية, وتحريك الوحدات العسكرية المختلفة، والمبعثرة في أرجاء العاصمة وضواحيها، للاستيلاء على مبنى الإذاعة.. وتجاوز رئيس الوزراء في حديثه سقف الخيال، في التأكيد أيضاً بأن الانقلابيين، حال ما تؤول لهم السلطة، فإنهم سيقومون: «بإحضار السفاح نميري، وتصفية كل المعارضين, وبعد ذلك تتم تصفية السفاح نفسه»!! وأحكم رئيس الوزراء الحبكة الدرامية، بتحديد ساعة الصفر، والتي قال إنها: «الحادية عشرة صباحاً».

واقع الأمر، كان ذلك أمراً عصياً على الفهم والإدراك، في روايات المسؤولين الثلاثة, ولكن بغضِّ النظر عن خيالاتها الشاطحة, وبرغم المثالب التي اعتورتها, فقد كان من الطبيعي أن يستدعي الحدث -بمقاييس الفعل ورد الفعل- الشروع في تحوُّطات عسكرية وأمنية وسياسية, تحمي ?الشرعية الدستورية? وتكسبها واقعاً مُهاباً. غير أنَّ البديل، كان ?استرخاءً? سمجاً، حشرت السلطة نفسها في دولابه, ونام كل من أدلى ببيانه للناس قريرُ العين، هانئها, علماً بأن الفارق الزمني بين الانقلاب المزعوم والواقعي الذي حدث بعدئذٍ, لم يتجاوز العشرة أيام.. والمسؤولون الثلاثة، هم المُناط بهم بالدرجة الأولى السهر لحماية ?الشرعية الدستورية?.

أكد كثيرٌ من المراقبين، والمحللين السياسيين أن الانقلاب الحقيقي في 30 يونيو/حزيران 1989، استخدم الانقلاب المزعوم كغطاء تمويهي لتعزيز نجاحه, وهو افتراضٌ -بغضِّ النظر عن جدليته- يوضح مدى استخفاف الانقلابيين بـ?الشرعية الدستورية?، لأن الفاصل الزمني يستلزم التحوطات التي ذكرنا، وليس العكس.. بالتالي، فالذي أقدم على ?مغامرة? كتلك، كان يدرك تمام الإدراك أنها سلطة لن تحرِّك ساكناً، طالما أن ?حرَّاسها? في أوهامهم سادرون.

سواءٌ كان الانقلاب المزعوم غطاءً تمويهياً للانقلاب الفعلي، أم لا, فالأنكى والأمرُّ في كل تلك الرواية, أن الانقلاب المزعوم نفسه, والذي تبارى السادة المذكورون في رسم سيناريوهاته بخيال ?هوليودي? استند من جهة في حقيقته على طموحٍ أقرب إلى الهذر والسذاجة، ممن سُمِّي بقائد المحاولة، ?العميد أحمد فضل الله?، نائب مدير كلية القادة والأركان.. ومن جهة أخرى، ألبس ذلك الطموح ?اللواء صلاح مصطفى?، مدير الاستخبارات العسكرية، ثوباً فضفاضاً، وقدَّمه لمرءوسيه في هرم القيادة, حيث التقط القفاز بعضهم، وطرحوه طازجاً بين يدي السلطة التنفيذية, والتي أضافت له من خيالها الخصب ما جرى ذكره.

كنا قد توقفنا حيث أنهى نقيب الأمن مهمة مجموعته، استجابة لطلب رئيس الجهاز عبدالرحمن فرح.. انصرفوا لقضاء ما تبقى من الليل مع أسرهم, على الرغم من أنهم كانوا قد استيقنوا -دونما تفاصيل تشبع رغبتهم- بأن الاجتماع كان محوره الأساسي التخطيط لتنفيذ انقلابٍ عسكري لصالح الجبهة القومية الإسلامية.

بَيْدَ أن المهمة لم تنته في صباح اليوم التالي 26/6/1989، بالنسبة لمدير إدارة الأمن الداخلي، اللواء صلاح الدين مطر, الذي أعدَّ تقريراً ?خاصاً وعاجلاً? إلى رئيس الوزراء، بنسخة منه إلى وزيري الدفاع والمالية، رصد فيه بصورة شاملة ردود الفعل المتباينة في أوساط الأحزاب، والتنظيمات النقابية والعسكرية، وكذلك آراء المواطنين، بالنسبة لما أُعلِنَ عن المحاولة الانقلابية المذكورة، جاء فيه: «يرى بعض العسكريين أن القوات المسلحة كان لها رأى واضح في الوضع الراهن بالبلاد, عكسته مذكرة الجيش في فبراير 1989, وما أوردته من أسباب موضوعية فيها -على حد تعبيرهم- يجعل أمر التحرك العسكري لتغيير الحكم شيئا متوقعاً, وأنه سيلقى الدعم من الوحدات».. وخلص فيه إلى أنه: «ظل يتردد أن بعض قيادات الجيش صرَّحت بأنها لن تتمكن من السيطرة والتحكُّم في من هم تحت إمرتها، ومنعهم من المغامرة، طالما أن الأسباب لقيام الانقلابات قائمة».. وأورد التقرير أيضاً مواقف الأحزاب المختلفة، بما فيها الجبهة القومية الإسلامية, ثم آراء المواطنين بصورة شاملة.. وختم مدير الأمن الداخلي ما جاء في التقرير بتعليقٍ وضع فيه قلمه على الجرح النازف، ذاكراً: «من خلال استطلاع آراء المواطنين، اتضح أن الكثيرين، وبسبب المعاناة المعيشية والحياة، أبدوا تعاطفهم مع ?التغيير?، وليس ?الانقلاب?».. ثم أسدى النصح لرئيس الوزراء، الذي لم يستبنه إلا ضُحى الغد: «والبعض الآخر يرى، ولتفادي السلطة لأي مغامرة جديدة، أن تعالِجَ مشاكل البلاد الاقتصادية والمعيشية، وتحارِب الفساد، وعلى أعلى المستويات، وتقديم كل من يثبُت فساده للمحاكمة، وأن تمضى قدماً في مساعي إحلال السلام في الجنوب والغرب».

هذا التقرير، الذي أصبح يُعَدُ من أهم الوثائق التي تجاوزت أحاديث الشفاهة, فيما كان يصل إلى مسامع رئيس الوزراء في شأن الذي كان يجري فوق -وتحت- سطح الواقع السياسي السُوداني, ماذا كان حظه؟! كتب السيد الصادق مُلاحظاته عليه بخط يده، ووجَّهه إلى ?أخي الحبيب?.. ورغماً عن أن الوثيقة المنشورة كشطت الاسم, إلاَّ أن قرائن الأحوال تشيرُ إلى أنه واحدٌ من اثنين، لا ثالث لهما: إما وزير الداخلية نفسه، السيد مُبارَك الفاضل، بحُكم أن إدارة الأمن المذكورة تقع تحت دائرة مسؤولياته, أو رئيس جهاز أمن السُودان، السيد عبدالرحمن فرح، الذي تتكامل مسؤولياته مع الإدارة المعنية, وكلاهما من قادة الحزب العتيد.. بل إن رئيس الوزراء وصف التقرير لأحدهما، بأنه: «كالعادة، مُبتسرٌ من حيث الحقائق والتحليل»!! وتساءل باستخفافٍ مُمعنٌ في السُخرية: «متى يرقى الأمن الداخلي للإحاطة بالحقائق والتحليل الأشمل؟».

تساؤل لم يكن الله وحده -جلَّ شأنه وعلا- يعلمه، كما قال المهدي في ختام تعليقه، فالثابت عندئذٍ أنه هو أيضاً كان يعلمُ إجابته.. والمُوقنون بهذه القدرية -فيما نعلم- يشمِّرون عن سواعد الجد، ليدرأوا الشبهات بالحيطة والحذر, ويَعمَدون إلى السياسات التي تطعم المُسغبين, وتحارب المُفسدين, وتبُثُ الأمن والطمأنينة في نفوس المُتعبين, وتُعِدُّ القوة ورباط الخيل للمستهترين بمصائر الخلق, وبعدئذٍ سيجدون أن الخالق الذي سألوه إلهاماً وإلحافاً أقرب إليهم من حبل الوريد!!

في اليوم التالي لتقرير مُدير الأمن الداخلي, كان ثمة سيناريو يجري في موقع آخر.. فقد أورد سياسي ينتمي أيضاً للحزب الكبير شهادته عنه, ولكن بعد عشر سنوات من وقوع الطامة الكبرى، إذ قال: «في يوم الثلاثاء 27/6/1989، زرتُ الأخ إدريس البنَّا، ممثل حزب الأمة في مجلس رأس الدولة (قيادة جماعية) في مكتبه بالقصر الجمهوري، للتشاورِ معه حول ما كان يتردَّد عن انقلابٍ يوشك أن يقع، فيما رئيس الوزراء لا يحرِّك ساكناً.. اقتحم علينا خلوتنا الأخ أحمد عبدالرحمن محمد، وهو من قيادات الجبهة القومية الإسلامية، وهو يقول ?قفشتكم يا رجعيين, قاعدين تتآمروا على كيفية الفرار من الانقلاب؟ والله جاييكم.. جاييكم?.. هكذا أكد لنا عن مرئياته حول المتوقع».

غير أن السيد إدريس البنَّا نفسه كان أكثر تحديداً في تحميل رئيس الوزراء -وهو رئيس حزبه أيضاً- المسؤولية، حيث قال في حوارٍ نشر مبكراً، بعد نحو عامين من الانقلاب, في صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 7/11/1991: «ذهبتُ إلى المهدي في مكتبه قبل خمسة أيام من وقوع الانقلاب، لأخطره بمعلوماتٍ تؤكد حدوث انقلابٍ وشيك, إلا أن المهدي لم يهتم.. بل استبعد تلك المعلومات». ولعل المُفارقة الغريبة فيما أدلى به من اعتراف, أنه بالرغم من عُضويته في أعلى هرم سيادي في السلطة الديمقراطية, إلا أنه، هروباً من المسؤولية التاريخية أيضاً، جعل من نفسه رسولاً يلقي البيان المُبين على مسامع رئيس الوزراء، دون إقرارٍ بمسؤولية المجلس الخماسي نفسه، فيما يمكن اتخاذه من تدابير، تقطع الطريق على الانقلابيين, علماً بأن ذات المجلس كان قد فاجأ المواطنين السُودانيين, بعد نحو عام ونيف من اختياره، وتحديداً في 25/7/1987، باستلهام آليات النظم الديكتاتورية، وتلبيسها للنظام الديمقراطي، حيث أصدر بياناً أعلن فيه فرض حالة الطوارئ: «تأميناً للجبهة الداخلية في مواجهة أعداء الديمقراطية والوطن».. والمُدهش أن الأعداء المُفترضين والمُتربصين بالوطن، وديمقراطيته، كانوا في واقع الأمر طلاَّباً ومواطنين، قاموا بتظاهرات تطالب أُولِي الأمر برفع أعباء المعيشة المُتصاعدة عن كاهلهم، المُنهك أصلاً ببلايا ورزايا من انتخبوهم لتمثيلهم.

ما أكثر الرواة، والحدث واحد.. فقد تعدَّت أخبار الانقلاب دوائر الخرطوم العاصمة، التي لا تعرف الأسرار، والتي ?نامت نواطيرها عن ثعالبها?, ووصلت إلى بعض الأقاليم، فشاطرتها العلم بها.. ففي مساء الثلاثاء 27/6/1989 أيضاً، كانت نذرها قد وجدت طريقها إلى راعي الحزب الشريك في الائتلاف.. جاء قادماً من مدينة كسلا العميد محمد عثمان كرَّار، حاكم الإقليم الشرقي، إلى الخرطوم، وقصد منزل السيد سيد أحمد الحسين، وزير الخارجية والأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي, ووجد معه أحد كوادر الحزب ?محمد المعتصم حاكم?, وأوضح أن سبب مجيئه تواتر أخبار مؤكدة عن حدوث انقلاب، فاقترح عليه الحسين إبلاغ السيد الميرغني بذلك، فذهب ثلاثتهم إليه، وأطلعه اللواء كرَّار على المعلومات التي من أجلها قطع الفيافي، وترك تصريف شئون الإقليم، وهو يقود سيارته بنفسه.. كان رد الميرغني عليه: «الحديث عن انقلاب مالي البلد.. لكن دا ما حيحصل.. مُجرد إشاعات»!! وكرَّر الأخيرة هذه ثلاث مرات، حتى يبث الطمأنينة في نفوس زائريه, وطلب من اللواء كرَّار العودة صباح اليوم التالي إلى إقليمه، لأن هناك مهام كثيرة في انتظاره!!

ثم جاءت شهادة أخرى ?بعد أن حلب الدهر أَشطرَهُ?، كما تقول الأعراب, وقائلها هو من وردت مسئوليته فيما سبق, ولكنه هنا أراد التحلحل منها، ورميها على كاهل رئيس الوزراء، وصنوِّه الآخر، الذي يحلو له إدارة الشأن السياسي من وراء حجاب.. ففي أول إفادة مقروءة له، بعد عقدٍ ونصف من وقوع الكارثة, قال السيد عبدالرحمن فرح: «كنت مستشاراً، أو وزيراً مركزياً للأمن، وكنت أعلم بالكثير، حتى بهذه الإنقاذ وخلافها, غير أنني كنت مغلول اليد, مبتور اللسان.. ورغم ذلك بلَّغتُ لطرفي الحكم في ذلك الوقت، رئيس الوزراء السيد الصادق المهدى، والآخر السيد محمد عثمان الميرغني يداً بيد, ولا أملك غير التبليغ». ويضيف بما هو أسوأ: «سقط الحكم على يد الإنقاذ, وإن لم تفعل كان سيسبقها عليه آخرون».. وبالرغم من إقراره -أو إن شئت- علمه بأن السُلطة المسؤول عن أمنها قد تزلزلت هيبتها، حتى تبارت فيها الحركات الانقلابية.. وبالرغم من رد فعله حيال الذين كانوا يرصدون اجتماع قيادات الجبهة القومية الإسلامية، وفق ما جرى سرده من قبل، فهو يقول إنه كان ?مبتور اللسان?، ?مغلول اليد? و?لا يملك غير التبليغ?!! والذي أوصل من خلاله الرسالة إلى المصب، الذي تتجمَّع فيه أسرار الدولة العليا.. ومن عجبٍ، لعله هنا قد روى الرواية أعلاه، ليضاعف مسؤولية رئيس الوزراء، ويستثني نفسه منها.

كانت المعلومات تتدفق، حتى قبل ساعاتٍ من ساعة الصفر.. ففي يوم الخميس 29/6/1989، الساعة الواحدة ظهراً، كان السيد جيمس جرانت، مدير اليونيسيف، على موعدٍ مع رئيس الوزراء.. قبيل ذلك بلحظات قليلة، لاحظ السفير علي حمد إبراهيم، رئيس مكتب التنسيق بالأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأحد قيادات حزب الأمَّة، أن ضابطاً برتبة عقيد -سقط اسمه من ذاكرته- يذرع ردهات مجلس الوزراء جيئة وذهاباً، بصورة قلقة، تلفت الانتباه.. فسأله عن غرضه، فقال إنه يريد مقابلة رئيس جهاز الأمن لأمرٍ هام، ثم أفصح له عنه، دون مُداراة: «أنا ضابط ملحق بمؤسسة الزبير رجب, وبناء على معلومات توفَّرت لي، هناك انقلاب سيحدث غداً».. أبدى السفير اهتماماً شديداً برواية الضابط، وأثناء ذلك، دخل إلى المبنى السيد عبدالرحمن فرح، فانتحى بحامل الرواية جانباً، وقضى معه وقتاً ليس بالقصير، غادر بعدها الضابط المبنى، بعد ما أفضى بمكنون صدره.. فسأل السفير السيد فرح، الذي قال له: «المعلومة ما جديدة عليَّ.. الحاجة الماعندي هي ساعة الصفر.. وأنا رئيس جهاز، لا أستطيع أن أعتقل، وإنما لدي سلطة تبليغ مجلس الأمن الوطني». ثم دخل على رئيس الوزراء، ولا يُعرَف إن كان مجيئه لهذه الغاية، أو تداول معه المعلومة؟! وبعده حضر السيد جرانت محمَّلاً بعرضٍ جاذب لرئيس الوزراء، وهو تخصيص الهيئة الأممية لمبلغ 500 مليون دولار للحكومة السُودانية، لتعمير ما دمَّرته الحرب في الجنوب، إن هي مضت في اتجاه تنفيذ مبادرة السلام!! وأيضاً لا يُعرَف إن كانت أخبار الانقلاب قد طرقت آذان المسؤول الأممي، وبناء عليه جاء بذلك العرض المُغري، أم أنها الآلية الوحيدة التي تعرفها الأمم المتحدة في مثل تلك المواقف؟!

ثم جاء التوثيق الأخير -بعد أن سبق السيف العذل- وكان أكثر شمولاً، لأنه أُثير في جمعٍ من المُصابين بتعدُّد مشاربهم السياسية، وقد أمَّن على تفاصيله كل من كان عليه شهوداً.. ففي إحدى حلقات النقاش التي دأب المعتقلون على عقدها داخل سجن كوبر، بعد الانقلاب، بُغية طرد الملل وتبديد السأم الذي يضجر النفوس، صَدَرَ عن السيد الصادق المهدي قولٌ أراد به تعميم المسؤولية، فقال: «كلنا مسئولون عن الانقلاب».. فبادره السيد محمد إبراهيم نُقد بعبارة اعتراضية، قائلاً له: «الحقيقة أنتم لوحدكم المسئولون».. فسأله المهدي قاطباً جبينه، كتعبيرٍ عن حالة الضيق التي اعترته: «كيف؟!».. فقال نُقد: «أبلغناكم به».. فردَّ المهدي: «أبلغتم مَن؟!».. فرد نُقد: «أبلغنا صلاح عبدالسلام (أحد قيادات حزب الأمَّة وكان يشغل منصب وزير شؤون الرئاسة) الذي يجلس بقربك»، مشيراً نحوه بسبابته.. فسأل المهدي الأخير: «صحيح الكلام ده يا صلاح؟!».. فقال صلاح: «نعم»!! ساد صمتٌ عميق، تبَعثرت خلاله نظرات الجالسين، واهتزَّت له جدران السجن العتيق، والمتشققة أصلاً من هول أحداثٍ جسام، عَبَرَت خلالها طوال عقود زمنية.

يتبع…

‫7 تعليقات

  1. مَلأوا سَماءَ بلادنا تضليلاَ *** وبأرْضها غَرسوا لنا تَدْجيلا
    واستمطروا سحب الضلال فأنبتتْ *** في كلِّ شبرٍ للضلالِ حُقولا
    يتحدَّثون عن الطهارة والتُّقى *** وهُمو أبَالِسةَ العُصور الأُولي
    وهُمو أساتذةُ الجريمة في الورى *** وأخَالُهُمْ قد علَّموا قَابيلاْ
    هم قادة الانقاذْ أربابُ اللحى *** جاءوا وقد صَحِبوا الغُرابَ دليلا
    ركبوا على السَّرجِ الوثير وأسرعُوا *** بإسم الشريعةِ يبْتَغون وُصولا
    وثبوا على حُكمَ البلاد تجبُّرا *** فأتى الشقاءُ لنا يجرُّ ذُيُولا
    ماأنقذُوا السودانَ بل دفعوا بهِ *** صوبَ الهلاكِ وأقْعَدوه عَليلا
    ما قدَّموه وإنَّما هَبطوا به ***تحت الحَضِيضِ وأرْدَفوه نُزولا
    وضعوا أصابعهم على آذانِهم *** وأستكبروا وأستمرأوُا التَّنْكِيلا
    ذبحوا السماحةَ والفضيلةَ بيننا ***والعدل أمْسَى بينهم مَقْتُولا
    أتَخذوا المصاحفَ للمصالح حِيلةً *** حتىَّ يكونَ ضَلالهُم مَقْبُولا
    ماأَصَّـــلوا شرعَ الإله وإنَّما ***هم يَنْشدونَ لحكمهم تأصْيلا
    لَعبُوا على أوتار طيبةِ شــعبنا *** فالشعبُ كان مصدِّقاً وبَتُولا
    قَد خــدَّروه بكل قولٍ زائفٍ *** كيْ يَسْتكينَ مُسالما وجَهُولا
    ويغطُّ في نومٍ عميقٍ حــــالمٍ *** ويدور في فلك الظلام طويلا
    قد أفرَغوا التعليمَ من مضمــونهِ *** وكَسُوُا عقولَ الدارسين خمُولا
    قتلوا البراءة في عيون صغـارنا *** فغدوت عيونهم البريئة حُوُلا
    أضحى الوباءُ يدبُّ في أوْصَالهم *** والشرُّ بين ضلوعهم مَشتولا
    فلْتُدركوا أبناءكمْ يا إِخْــوتي *** كيلا لا يكون سَّويهم مَخْبُولا
    قد أفســدوا أبناءَنا وبناتنا *** وأستعبدوهم يُفَّعا وكُهُولا
    خَتموا على أبصارهم وقلوبهم *** حتى غدا تفكيرهم مَشْلولا
    دفعوا بهم نحو الجنــوب غِوايةً *** فتجرعوا كاس الرَّدى مَعْسُولا
    نسبوا إلى حرب الجنوب خرافةً *** لو قالها إبليسُ باتَ خَجُولا
    زعموا بأن الفـيل كان يُعينهم *** والقردُ ظلَّ جهاده مَبْذولا
    فيفجــر الألغام قبل وِصولهم *** حتى يُسهِّل زحفهم تسهيلا
    وتردد الأشجــارَ رجعَ هُتافهم *** وتسير خلف صفوفهم تشكيلا
    وتحلق الأطيار فوق رؤوسهم *** وكذا الغمام يظلهَّم تَظْليلا
    هذي شمائلــهم وتلك صفاتهمْ *** هل نَرتْجيِ من هؤلاء جَليلا
    تاللهِ ما خَبروا الجــــهادَ وإنَّما *** لَبِسوا الجهاد أسَاوِراً وحُجولا
    في الساحة الخضراء كان جهادهم *** في محفل كالظار كان حَفيلا
    رقـص الكبار مع الصغرا كان تهتكاً *** ونسوا الوقارَ وعاقروا المرذولا
    حسبوا الجهاد هو النشيدُ وليتهم *** تركوا التغني بالجهاد قليلا
    رفعوا العِـصِىَّ وهــللوا فكأنهم *** يستعرضون الجيشَ والأسطولا
    حذقوا أفانين الـرقيص وصيروا *** جيش البلاد مطبلا ضِلِيلا
    لمواكب التـهريج أمسى شادياً *** وغدا يدق طبوله مشغولا
    ومكـبرات الصوت تهدر فوقهم *** بالتُرِّهات ولا تكف صليلا
    فتصــكُّ آذانَ العباد نكاية *** لتزيد فوق عذابهم تَخْذِيلا
    عــجبي لكل مثقـف متهالــك *** يسعى إلى حُضن الطغاة عَجُولا
    يقتات من عرق الضمير ويـرتمي *** فوق الموائد جائعاً وأكُولا
    أو يرتدي ثوب الخــيانة خائِفاً *** أو خَائِفاً مُتخاذلاً وذَلِيلا
    قد أسرفوا في كذبهم وضـــلالهم *** حَسِبوا الشهورَ جميعَها إبريلا
    جعلوا من الإعــلام إفكاً صارخاً ***يستهدف التَّزييف والتجهيلا
    فالقـطن في التلفاز بَانَ مفرهداً *** لكنه في الحقل كان ذَ بولا
    والقمــحُ يبدوُ سَـــامِقاً متألقاً *** والفولُ مال يداعب القندولا
    ظلـوا يمنـونا بأبـركِ مـوســمٍ *** وأتى الحصاد فلم نجد مَحصولا
    ومداخن للنفـط طال زفيرها *** لكنها لا تنتج زيتا و لا بترولا
    وبدت مصـــانعنا كـاشباح الـدُّجَى *** وغدت بفضل المفسدين طُلُولا
    ومصارف التَّطفِيفِ أضحتْ مَورداً *** للملتحين وجنَّة ونخيلا
    لم يشهد الســـودان مثل فسادهم *** أبداً ولا رأت البلاد مثيلا
    بالقمـــع والتجويع أصبح شعبنا *** في المحبسين مكبلا مغلولا
    يقـــتات من صخب النشيد ويرتوي *** كذبا ومَا أروى النشيدُ غَليلا
    طــــحن الغلاءُ لحومَنا وعظامنا *** ومشى على أشلائنا تمثيلا
    أمـا العَـنَاءُ فـقـد تطـاول مُـرعِباً *** وأجتاز في كبد السماء سُهيلا
    زادوا مـعاناة الجـياع وأجْـزلوا *** للمترفين مصانعاً وحقولا
    قد خـرَّبوا وجهَ الحياة وخـلَّفُوا *** في كل دارٍ ضَائعاً وقَتيلا
    هضموا حقـوق الـبائسين تعسفاً *** ملأوا بيوت البائسين عَويلا
    جـعلوا الزكاة غنيمـة لكـبارهـم ***ومن الضرائب خنجراً مسلولا
    عبثوا بخيرات البلاد وسَخَّروا *** أموالها لفلولهم تمويلا
    نثروا كـوادرهم لنشـر سُمومهم *** ومنظماتٍ تَحذِقُ التطبيلا
    فـتحوا البلاد لـكل تجار الرَّدَي *** والمارقين شراذما وفلولا
    عـاثوا فـسادا في الـبلاد وروَّعوا *** أمن العباد ومارسوا التقتيلا
    لم يسلـم الجـيران من إرهـابهم *** وبهم غدا سوداننا مَعزولا
    يَلهُـون بالبهـتانِ شـعـباً بائساً *** كيما يكون مُطاوعاً وذَلولا
    قـالوا البـلاءُ هـو ابتلاءً مـن عَلِ *** ولتصبروافالصبرُ كان جميلا
    ما أنــزل اللهُ البـلاءَ وإنـَّمــا *** قد جاء تحت ردائهم محمولا
    هـم أنزلـوه ووطـدوا أركانـهُ *** حتى تمدّد في الديار شمولا
    نهـبـوا مـواردنا فــصارت مـرتعـاً *** لذوي اللحي ، وذوي الأيادي الطُّولي
    سرقوا صناديق التكافل جهرةً ***و بشعبنا كان الألهُ كفيلا
    جـاؤا بملهـاة التنازل خدعةً ***لا تنطلي أو تستميلَ عُقولا
    لجاؤا إلى التهـريج لما أيقنوا *** إن الرواية لن تتم فُصولا
    فالمخـرجُ المـوهوم لم يكُ حَاذقاً *** وشُخوصه لا تُحْسن التمثيلا
    زعمـوا بأن الحاكــمين تنـازلوا *** والشعبُ صار الحاكمَ المسئولا
    قالـوا هو العـهدُ الجديد فكبَّروا *** متفاخرين ومارسوا التهويلا
    أين الجـديد؟ فلا جـديـد وإنـما *** نسجوا من الثواب القديم بديلا
    ما بدَّلوا شـيئاً سـوى ألقابهم *** فعقولهم لا تعرفُ التبديلا
    بقى النـظامُ العـسكريُّ بقـضِّه *** وقضيضه يستشرف المجهولا
    ظـل البشـيرُ هـو الرئيسُ ومثلـهُ *** ظل الكذب معاوناً وزميلا
    أضحى البشيرُ الفرد فـوق رءؤسـنا *** متربعاً فوق الصدور ثقيلا
    جَـلب التعاسة والشـقاء لشعـبنا *** وأذاقهُ سوءَ العذاب وبيلا
    حـشدوا لبيعته المدائـن والقـرى *** مثل الطيور تراوَّعْ الهَمْبُولا
    رفعوا الأكف مخادعين وأقسموا *** ببراءة لا تقبل التأويلا
    أنت المـوكَّـلُ بالمكـارهِ كُلـهَّا *** أما المناشطُ لا تَروم وكيلا
    قـد بايعـوه للرئاسـة مثلمـا *** قد بايعوا من قبله المعزولا
    ثم اتحفــوه ببيعتـين غــوايةً *** كيما يكون لصانعيه عميلا
    ظـفروا بآيات المـنافق كـلها *** زادوا عليها أذرعاً وذيولا
    كـذب وغـدر والخـيانة مـنهجُُ *** ولركبهم كان الفجور خليلا
    هـوسُُ، وشـعوذةُ؟،ُ ومسخُُ شائهُُ *** وحديثُ إفكٍ جاوز المعقولا
    لاَ قسْـط عندهمو، ولا شورى لهم *** عشقوا الحرامَ وزيَّفوا التحليلا
    سِـيَان عند هم إذا ما بَسْمَلُوا *** أو رتلوا القرآن والانجيلا
    أو سيَّروا في كـلِّ يـوم موكباً *** أو عاودا التكبير والتهليلا
    لا يَبْتغــون اللهَ أو مـرضـاتهِ *** بل ينشدون لحكمهم تأهيلا
    خرجـوا على الدين القويم وأصبحوا *** مثل الخوارجْ بل أضلُّ سبيلا
    قـد فـارقوا درب الشريعة بعدما *** نَحلوا الحديث وحرَّفوا التنزيلا
    تركوا كتابَ الله خلف ظهورهم *** وتدافعوا يستحدثون بَديلا
    تبعوا الـمظاهر والـقشور تعمـداً *** ونسوا من الدين الحنيف أصولا
    أيخادعـــون اللهَ في عليائه *** أم يَخْدعون رسوله جبريلا
    في كـل يـوم يخرجـون ببدعـةٍ *** والشعب يرقب إفكهم مَذْهولا
    فــرضوا وصايتهم على اسـلامـنا *** وكأنهم جاءوا به عبر الحدودِ دَخيلا
    نادوا بتعظيم الصـلاة كـأنها *** لم تلق عند المسلمين قَبولا
    فـمتى استهنا بالشعيرة إخوتي *** حتى نعيد لأمرها تبجيلا
    وكأننا كـنا مَجُـوساً قبـلهـم *** أوْعَابدين مع الهنود عجولا
    لم نعـرف الاسلامَ قبل مجيئهم *** كلاَّ ولا بعث الإلهُ رَسولا
    فاللهُ يحفظُ دينهُ مـن كـيْدهم *** دوْماً وما كان الإله غَفُولا
    طَـمَسُوا ينابيعَ الحـقيقـةِ بيننا *** وبغيِّهم أرخى الظلامُ سُدولا
    زعـموا بأن النيلَ فـاض بفضلهم *** والغيث جاد من السماء هُطُولا
    زعـموا بأنهموا دعـاةُ حضارةٍ ***وهمُو البناةُ لصَرحها تفعيلا
    أمِن الحـضارةِ أن نبيتَ على الطَّوى *** عَطْشي ومَرْضي بُكرة وأصيلا
    هل دولةُ الإسلام كانت مغْنماً *** للمُفسدين ومرتعاً ومقيلاً
    قـد مزَّقوا أوصالَ كـل ولايةٍ *** لتكون حِكرا للولاةِ ظليلا
    ما قسِّمت أبـداً لصالح شعبنا *** بل فُصِّلت لذئابهمْ تفصيلا
    ما قـلَّصُوا ظِـلَّ الإدارة إنَّمـا *** قد أفسحوا للطامعين سبيلا
    هي قسمةُُُ ُ ضِيزي ليصبح نهبها *** سَهْلا ويُمسي طَلعُها مأكولا
    فـقيـادة الإنقــاذ نبـت وإفــدُُ *** لا ينتمون إلى البلاد فَصِيلا
    تَخِذوا الترابي شيخهم وإمامهم ***وكأنهُ فاق المشايخ طولا
    خَلعوا عليـه عباءةً فضفاضةً *** ليُعيدَ مجدَ المسلمين صَقيلا
    فسَعوا إليه مسبِحين بحمدهِ *** وجَثْوا على أقدامه تقبيلا
    وتشبهـوا بالمُفْلحينَ فأُلِقمـوا *** حَجراً وكان سلاحهم مَفلولا
    زعمـوا بأنـهمو حمـاةُ تراثِنا *** تَخذوا من المهدي الإمام دليلا
    نسبوا مهازلهم إلى راياتهِ *** وتشبَّهوا بجهادهِ تضليلا
    كـذبوا فما تبعوا الإمام وإنَّمَا *** تبعوا الهَوى والبغىَ والتَّختيلا
    فامامنا المهديُّ كان مجاهداً *** في الله حقَ جهاده وأصيلا
    تاللهِ لوْ بُعـث الإمـام مُـجَددا *** فينا ، لأشرع سيفه مصقولا
    حتى تبدد جورهم وفجورهم *** ويزيلهم كالغابرين أفولا
    أنسُـوْا تطـاولهم عـلى مِحرابهِ *** يوم استباحوا صرحهُ المأهولا
    وتدافعوا نحو الضريح سَفاهة *** ليشوِّهوا تاريخنا الموصولا
    وقفوا “كأبْرَهة ” على أبوابهِ *** متربصين ويبتغون دُخولا
    سـيجئ يـومُُ يدفعون حِسابهُ *** رَجْما، كما رجمَ الإلهُ الفيلا
    ياقـبَّةَ المـهـدي رمـز فخـارنا *** سنُعيد فوق جبينك الإكليلا
    يا بقـعة الأحــرار يا أمَّ القُــرى *** سنضئُ في غسق الدجى القنديلا
    يا معشـر الأنصار يا أهـل التُّقَى *** سيروا على نهج الإمام عديلا
    من غـيركـم نصـر الإلهَ مجاهداً *** من غيركم ملأ البطاح صَهيلا؟
    لا تستجـيبوا للطـغـاة فإنـهم *** يسعون بين صفوفكم تعطيلا
    هُبُّوا مع الشعب الجـريح جماعـةً *** كي نستردَّ من الطغاةِ النيلا
    أين القيادةُ يا مصـابيح الدُّجي *** هبُّوا لنشعل للنضال فتيلا
    فالشعبُ لا يرضى بغيرِ رَحيلهم *** أبداً، وهم لا يبتغون رحيلا
    والشعب مَا مَلَّ النضالَ ولا انحنى *** ما كان يوماً بالعطاءِ بَخيلا
    لن نستعِيدَ مـن الطغاة خِــيارنا *** إلا إذا ركبَ الكماةُ خيولا
    لـن يسلم السودانُ مـن إنقاذهمْ *** إلا إذا جرت الدمَّاءُ سِيولا
    يا معشرَ الأحرار يا أهلَ الحِمىَ *** هيَّا نعيدُ خيارنا المأمُولا
    فـامْدُدْ يمينكَ يا أخـي مُـتوثبا ***حتى نشدَّ الساعدَ المفتولا
    فـغداً نـردُّ الظلم عـن سَـاحاتنا ***وغداً نرى وجهَ الحياةِ جَميلا

  2. من خلال السد المحم للحظات الاخيرة لحكم الصادق خرجت بعددة نقاط مهمة اولها ان الحزبين الامة والديمقراطى يجب ان يخرجا من الحياة السياسية لضعف حسهم وسؤ ادارتهم وهاهم ينسون ما مضى ويدخلون شركاء مأجورين مع جماعة الارهاب السياسى
    ثانيا:فشلت الانقاذ فى تطبيق خطابها الاول وسقطت سقوط الريشة فى مهب الريح
    ثالثا:لم يقتنع العسكر ان السياسة ليس ميدانهم ومصر اقرب شاهد على حكم العسكر ايأن كان توجههم
    رابعا:طالما نوهت الى كتاب الديمقراطية فى السودان لمحمحد احمد محجوب حين نصح الصادق بانه سوف لم تد له حكومة وعلى التلاابى ان يرجع لدراسة القانون والمحاماه فوالله لقد صدقت نبؤة المحجوب الملهم
    ملاحظة:كل الذين شاركوا فى الحكم من الحزبين ثبتوا انفسهم فى المناصب ولم يتم تغيرهم من قبل احزابهم وحتى الامام الصادق دخل ابنائه فى السلطة موقف محير فكيف نثق فية انه كثير التنظير قليل الافعال يعيش على ارث اجداده فقد اسأ الى المهدية واحتكرها هو وبناته
    الاخ فتح الضو لك التحية فان قرأة التاريخ فيها عبر لمن يعتبر وما من معتبر فى هذا الوطن المنكوب بالشواذ مثل الخضر وبلال واللمبى والبشير وووووو
    الحل:انتفاضة عارمة ترفض تدخل الجيش مهما كانت الاسباب والضحايا وخلونا من مقولة عفا الله عما سلف فانها نزلت فى شأنالجاج والصيد للمحرم ان لايصيدوا وهم محرمين ولانزج بها فى كل موقف وذلك لجهلنا باسباب التنزيل
    والله الموفق وسوف يأتى الصبح اليس الصبح بقريب؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  3. الشئ الغريب والصادق فى نفس الوقت ان هـذا البيان الذى القاه البشير قبل ( 25 ) سنة يننفع
    لى انقلاب جـديد يحصل اليوم .

  4. أها ومرس الكلموهو قبل أسبوع ووروهو اليوم والتاريخ والكيفية عمل شنو ؟

    محاولة تحميل وزر الانقلاب العسكرى لاى جهة غير الجيش هي ذر للرماد في العيون
    الجيش هو المناط به حماية الدستور اى كلام بتاع ونسة فلان قال وفلان كلم فلان دى ونسة لا يعتد بها نقطة سطر جديد

  5. الصادق المهدي ضيع علينا 30 سنه من عمر السودان باستخفاقه وعدم جديته بالاهتمام بما يجرى في البلد بموضوع الانقلاب رغم تحذيرات من حوله………يا خسارة……..و عاوز برجع تاني!!!!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..