خريطة السودان الجديدة

خريطة السودان الجديدة

صلاح يوسف
[email protected]

في اليوم التاسع عشر من شهر ديسمبر الحالي وبينما كنت ضمن لجنة المشاهدة للأعمال المسرحية المتنافسة للعروض في مهرجان أيام الخرطوم المسرحية، وقف الأستاذ المسرحي أحمد إسماعيل، عضو اللجنة وهو معلم جاب مختلف المدارس، وحيا الحاضرين مذكراً بهذا اليوم العظيم من العام 1955 الذي أعلن فيه من داخل البرلمان استقلال السودان. وحسب انطباعي حين تأملت وجوه الحاضرين، كانت مفاجأة لأغلبهم حيث أنهم يعرفون فقط أن ذكرى تاريخ استقلال السودان تقع في اليوم الأول من يناير من كل عام رغم أنهم طبقة من المستنيرين المسرحيين. ولعل التاسع عشر من ديسمبر تاريخ درجت المدارس على الوقوف عنده ولو في طابور الصباح بغرض التنوير والتذكير لأن احتفالاتنا تجئ دائماً مع بداية العام. لا أدري ما الذي حدث في العام الماضي وما سيحدث في بداية العام المقبل حين دخل وسيدخل معلم مادة الجغرافيا الذي ستكون خريطة السودان معلقة خلفه لمزيد من الإيضاحات؟ هل سيضع الخريطة القديمة إلى جانب الجديدة ويسترسل في التبرير السياسي حول الظروف التي جعلتها تبدو ضامرة وهي لا تزال تنزف دما إثر عملية البتر التي لحقت بها، وهو معلم يلتزم بالمنهج، أم أنه سيكتفي بتمجيد الوطن الجديد الذي لا زالت خريطته تحتل صفحات من كتب المناهج التي بيد الدارسين وتتداخل سيرته التاريخية وفقاً للشكل القديم، أم سيغوص في أتون المعرفة ويخرج عن مقررات المنهج المرسوم؟.

حقيقة لا زال شكل خريطة السودان موثقاً في مختلف المراجع العالمية والأطالس بوضعه السابق ولا زالت معلوماته المعرفية لمن يبحث، تتحدث عن ماض قارب العامين رغم إسراع الإخوة في الجزء الوليد جنوباً في تسريع الخطى لإبراز ذلك الجزء المنفصل ككيان له استقلاليته ورؤاه ومشاريعه وعلاقاته الدولية التي وصلت حتى تل أبيب، حاضرة اسرائيل، وسيأتون بها كحليف جديد يحدق إلينا بالعين الحمراء عبر الحدود بلا معينات نظرية. من واجبنا أن (نرفع الفراش) ونغير مناهجنا المدرسية مستسلمين بواقع الحال ونعكف على ترسيخ شكله الجديد في أذهان الجميع وننقل هذه الجزئية لمادة التاريخ حتى نخرّج أجيالاً تعرف مسيرة وشكل وطننا التاريخي والجغرافي. فلعل الواحد منا قادر على رسم خريطة السودان القديمة وهو معصوب العينين لكننا لا زلنا نتعثر في رسم الخريطة الجديدة بتعرجاتها الدقيقة التي تحتاج إلى ممارسة وحرفية وبالذات لمن انطبعت في ذاكرتهم الحدود القديمة.

في كثير من المؤسسات الحكومية والخاصة وربما حتى في بعض المؤسسات التعليمية لا زالت الخريطة القديمة معلقة ومتروكة لتقدير الناظرين لكي يسقطوا الجزء الجنوبي ويتعاملوا من الشمالي بأنه الوطن الباقي وهذا لا يكفي لأن إدخال الثقافة المعرفية الجديدة يتوجب تغييب السابقة عن الأنظار تماماً مع إبرار الجديدة وبكثافة تساعد على الإستيعاب. ولعلها سانحة أن يكون همنا الأول ونحن على مشارف الاحتفال باستقلال الوطن، جعل شكل خريطتنا الجديدة المادة الأهم في طرحنا بدلاً من اجترار السيرة السياسية المحفوظة واستدعاء الساسة والمحللين لتكرار الحديث عن الذكريات السابقة، وليكن تركيزنا حول كيفية الحفاظ على ما تبقى من حدود وصونها من فضول الطامعين وخطط المارقين. كل عام والجميع بخير ولنعمل جميعاَ على إعلاء شأن الوطن وترسيخ وحدته وإحياء مورثاته وتنمية خيراته وإلباسه ثوب العدالة والتحليق به في فضاء السماحة والسلم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..