محمد عثمان البلولة: البحث العلمي يعتمد على “طولة البال”

الخرطوم/ أبوظبي ? رؤى الأنصاري
++ “أيها النّاس نحن من نفرٍ عمّروا الأرضَ حيثُ ما قطنوا” قالها قبل الشاعر محمد عثمان عبدالرحيم وصدح بها العطبراوي وكأنهما يتنبآن سلفاً بأن هذه الأمة تعشق الإنجاز وتهوى التميز, وقالها الشاعر محمد المهدي المجذوب: “ولست أرضى من الدنيا وإن عظمت *** إلا الذي بجميل الذكر يرضيني”
سارت ذات الأمة على ذات النهج في اعتلاء سفوح الإبداع، ولا ترضى إلا بجميل الذكر وطيب السمعة، تجلت جواهر الأدب تلك وهي تشير بأصابعها إلى أن هذا الشعب معطاء، وبه من الطموح ما يلامس سقف المستحيل فيحيله واقعاً ملموساً، بتذليل الصعاب ومواجهة التحديات والتحلي بالصبر والعزيمة والإصرار.
شاب سوداني؛ اعتلى مراتب المجد في وقت وجيز جداً، مد يديه نحو العالمية فأتته طائعة مختارة، حطم الأرقام القياسية في تبديد الفكر السائد القاضي بأن الوصول إلى النجاح وملامسة التميز أمر صعب أو ربما مستحيل، نال ثقة أساتذته في جامعة عجمان للعلوم والتكنلوجيا ليشغل منصب أستاذ مساعد فور تخرجه في ذات الجامعة، وبطبيعة حال ذوي العقول النيرة التواقة للإنجاز تفتح عقله الصغير في العمر والكبير معرفة وإدراكاً نحو الابتكارات العلمية والاختراعات التي تخدم البشرية وتلبي احتياجاتها، منهجه في ذلك “نقدم مخترعاتنا بشكل يخدم مجتمعاتنا”، وفي خبر خص به (اليوم التالي) ذكر أنه في يوم الخميس الموافق 26/يونيو/2014 كرمته السفارة السودانية في حفل تخريج الطلاب السودانيين الذين تخرجوا في الجامعات الإمارتية، وقال إن التكريم كان مفاجأة ولم يكن متوقعاً، إذ تمت دعوته لإلقاء كلمة تحفيزية للطلاب الخريجين؛ إلا أن السفير أحمد يوسف سفير السودان لدى دولة الإمارات كان بصدد تكريمه في الحفل الذي أقيم في المسرح الوطني الإماراتي في أبوظبي.
استطاع هذا الشباب تصحيح النظرة الخاطئة بشأن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ووظفها بشكل جيد جداً في خدمة البشرية، فاخترع جهازاً للكشف عن الضباب في الطرق السريعة يعمل عبر تغريدات تويتر. شارك بأبحاثه واختراعاته في المؤتمرات الدولية فوجدت قبولاً كبيراً ليتم التأكيد على أن العقول السودانية قادرة على الوصول إلى العالمية ولها مكان في العالم الخارجي. لم يكتف بذلك بل أحس بمعاناة مرضى السكر فاخترع لهم جهازاً للكشف والتحكم في مرض السكر عن بعد باستخدام الهاتف النقال عبر تقنية “GMS”، ليتربع بذلك على عرش العلماء والمفكرين ويلامس كتفه كتف المستحيل ويعلو عليه ليجد نفسه ضمن قائمة الـ 500 عربي الأكثر تأثيراً في العالم. فكان الإصرار هو السمة الغالبة وكان العزم يجسد معالم الانتصار على الذات.
محمد عثمان البلولة “على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم”
*محمد عثمان البلولة، بداية حدثنا عن نشأتك في دولة الإمارات وعن مراحلك الدراسية هناك.. وإلى أي مدى ساهمت هذه النشأة في تشكيل شخصيتك؟
– ولدت في مدينة أبوظبي ودرست مراحلي كلها فيها حتى تخرجت في المدرسة، ومن ثم التحقت بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا في مدينة عجمان، ودرست هندسة المعدات الطبية فيها، وعندما تخرجت في العام 2010 عملت أستاذاً مساعداً في كلية الهندسة بذات الجامعة فكانت فرصة ممتازة لمواصلة أبحاثي بعد التخرج وتحقيق النجاح فيها.
*هل ساهمت نشأتك في دولة الإمارات في أن تجد اختراعاتك بيئة صالحة للنمو والازدهار وتصبح واقعاً ملموساً يلبي احتياجات كثير من الناس؟
– للإمارات فضل كبير في نجاحي، لأنها بيئة تدعم وتشجع المواهب نحو التطور، الأهم من ذلك أن الإمارات دولة مفتوحة مما سهل علي تعلم الكثير، بالإضافة إلى توفر الكثير من القطع الإلكترونية المهمة للأبحاث، أستطيع كذلك طلب الكثير من الأدوات والقطع المهمة للبحث العلمي من مختلف دول العالم نظراً لسهولة الشحن إلى دولة الإمارات. السبب الرئيس لنجاح أبحاثي أنها اختراعات وابتكارات لإيجاد حلول لمشكلات داخل المجتمع الذي أعيش فيه كرد جميل للدولة التي نشأت فيها، والحمدلله شاركت كثيراً في مختلف المحافل العلمية والفعاليات الاجتماعية، وأستغل أوقات فراغي في الخدمة المجتمعية وتطوير مهاراتي العلمية والفكرية.
بدأت قصص نجاحي الحقيقية منذ نهاية السنة الثانية في الجامعة لأنني تعلمت في أول سنتين الكثير من المهارات والعلوم والمعارف حتى أكون جاهزاً لتنفيذ مشاريع ناجحة. ومنذ العام الثالث بدأت أحول ما تعلمته الى تطبيقات عملية وبناء دوائر إلكترونية، وبدأت أحصد نتائج جهدي في الفترة الماضية خلال سنوات الجامعة ولم أكتف بتعلم مواد التخصص الهندسية؛ بل كنت أستغل وجودي في الجامعة للتعلم من مختلف الكليات والاستفادة من الإمكانيات التي تتوفر فيها.
* عُينت في ذات الجامعة التي تخرجت فيها أستاذا مساعدا، هل كان ذلك بسبب تفوقك أكاديمياً أم لأن الجامعة رأت فيك النموذج الأمثل لقيادة طلاب الجامعة الذين يأتون من بعدك؟
– الحمدلله تميزي خلال فترة الدراسة وفوزي في الكثير من المسابقات وحرصي الكبير على المشاركة في معظم المؤتمرات والمعارض جعل الجامعة تعينني أستاذاً مساعداً في كلية الهندسة فور تخرجي. هذه الفرصة كانت أجمل هدية من الله سبحانه وتعالى جعلتني أحقق الكثير من النجاحات والإنجازات خلال هذه الفترة، واستطعت أن أواصل دراساتي وأبحاثي، كما أن التدريس نمّى فيّ العديد من المواهب وعزز ثقتي في نفسي وزاد من مهارات التعامل مع الشخصيات المختلفة، وساهم أيضاً في إدارة النفس وضبطها على إيقاع العمل والمثابرة. الميزة الأهم هي تقوية مهارات التواصل والتخاطب والإقناع.
البحث العلمي يعتمد على الصبر وكما نسميها (طولة البال) وعدم فقدان الأمل مع التكرار، لأن معظم الأبحاث تفشل نتيجة لاستعجال الحصول على النتائج، الجامعة كانت بيئة خصبة لأبحاثي لتوفر كل أنواع العلوم والمعارف، حيث سعيت بكل جهدي لأطور مواهبي.. ولكن كان حلمي الكبير أن أحقق إنجازات تخدم البشرية وتسهم في توفير حياة أفضل. وبفضل الله استطعت تحقيق ذلك قبل وبعد تخرجي. طلابنا يحتاجون إلى رؤية أمثلة ناجحة أمامهم لتعزز فيهم روح المنافسة وتجعلهم يؤمنون بإمكانية تحقيق نتائج مبهرة في المجتمعات. الحمدلله أستطيع القول إن تجربتي مع الطلاب جعلتهم يؤمنون أن تحقيق الأهداف ليس مستحيلاً وأن الأفكار يمكن أن تتحول إلى واقع ملموس بالاجتهاد والإصرار والابتعاد عن المحبطين.
* السيد أسامة سلمان نائب رئيس جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا عندما قدمك لتلقي كلمة تحفيزية للطلاب الجدد في حفل استقبالهم أشاد بك وبتميزك، وذكر كلمة مهمة جدا؛ وهي “أن هذا الشاب المخترع يمكن أن تكون أنت أو أن تكون أفضل منه- مخاطبا الطلاب – هل تؤمن بقدرات الشباب على الابتكار والتميز والإبداع ووضع أرجلهم بثبات في خارطة الاختراعات العلمية وغيرها؟
– الإبداع ببساطة هو التفكير بطريقة تختلف عن الطرق التقليدية، وللأسف مجتمعاتنا مليئة بأشخاص يعشقون أساليب العمل والتفكير التقليدية، وليست لديهم القدرة على أن يغيروا أساليبهم خوف الوقوع في الخطأ. لتحقيق التطور في مجتمعاتنا علينا التفكير بطرق وأساليب مختلفة وخلق نوع من الإبداع للارتقاء بها.
الشباب عند انتقالهم من الحياة المدرسية الى المرحلة الجامعية الغامضة بالنسبة لهم يبحثون عن قدوة يحتذون بها لتسهل عليهم رحلة الوصول الى بر الأمان، لأن البيئة الإيجابية تسهم في اكتشاف المواهب المدفونة.
* في ذات الحفل؛ ذكرت أنك لم تكن تود الانضمام لجامعة عجمان باعتبارها جامعة محلية.. وكغيرك من الشباب كان تفكيرك يجنح خارج الإمارات بعيداً عن الأهل لكسب المزيد من الحرية؛ ولكن عدت ووجدت البيئة الدراسية المستقرة في جامعة عجمان؛ بماذا تنصح الشباب الذين تتملكهم رغبتك الأولى التي عدلت عنها وعلى ماذا تدلهم وعلى أي طريق يسيرون؟
– الإنسان الناجح يبدع في كل زمان ومكان، الأشخاص غير الناجحين يتحججون بالبيئة والمجتمع غير المناسبين وعدم توفر الدعم المادي والمعنوي. طبيعتنا كشباب أننا نرغب في السفر بعد التخرج من المرحلة الثانوية لأنه يمنحنا الحرية وتجارب وثقافات وعوالم أخرى، ولكن أنصح الشباب بألا يتركوا تلك العوامل تؤثر على قراراتهم بشأن مستقبلهم الدراسي. معظم الشباب بعد إكمالهم المرحلة الثانوية وانتقالهم للحياة الجامعية يحتاجون للدعم والنصح عن طريق الذين يفوقونهم خبرة ومعرفة، والطلاب المميزون بطبعهم تستهويهم الأمثلة الناجحة لإضفاء مزيد من التشجيع والتحفيز حتى يكونوا قادرين على الإبداع والاستفادة من القدرات التي منحهم الله إياها. وأنا أعتبر قصص النجاح من الأساسيات الملهمة لكل الشعوب في مختلف المجالات ويمكن اعتبارها نموذجاً جيداً للاحتذاء بها.
* في رأيك؛ ما هي المشكلات والصعوبات التي تواجه الجيل الحالي وأنت قريب منهم في العمر والتي تعترض سيرهم نحو تحقيق النجاح وتحقيق أهدافهم لرسم خارطة واضحة المعالم لمستقبلهم؟
– الحياة أصبحت ذات إيقاع متسارع، والتكنولوجيا زادت من صعوبتها، وانتشار التعليم وزيادة عدد الخريجين جعل حياة الجيل الحالي أصعب؛ لأن القرار الخاطئ في اختيار التخصص الجامعي قد يتسبب في عدم الحصول على وظيفة، وكذلك ازدياد عدد خريجي الدراسات العليا جعل متطلبات العمل تصبح أكثر صعوبة. كل تلك الأسباب جعلت شبابنا ينشغلون بالصراع مع الحياة لتحقيق متطلباتها اللازمة سواء لبناء منزل أو الزواج وتحقيق الاستقرار أو مساعدة أهلهم، وأريد أن أؤكد لشبابنا من واقع تجربتي الشخصية أنكم إذا وضعتم خدمة المجتمع والناس ضمن أهم أهدافكم فستجدون التوفيق من عند الله سبحانه وتعالى، وستفتح لكم أبواب لم تكونوا تحتسبونها.
كما لابد من التذكير بأن كل شخص يمنح اسماً عند ولادته، هذا الاسم إما أن يخلد في التاريخ أو يدفن معه. وتخليد الاسم يتم بطريقة من اثنتين: إما بخدمة المجتمع أو دمار البشرية. وأنا أطمح لأن أسطر اسمي في التاريخ بإنجازات تخدم البشرية وتسهم في حياة أفضل لنا وللأجيال القادمة.
* وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين؛ يمكن استثمارها بالطريقة المثلى لخدمة الناس.. وأنت استخدمتها في اختراع جميل جداً للكشف عن الضباب وخصوصاً في الطرق السريعة.. بالجهة المقابلة يمكن أن تؤدي ذات الوسائل إلى الدمار الشامل بالنسبة للشباب.. كيف ترى ذلك؟
– مؤخراً أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تشغل معظم أوقات الناس، ودائما أحاول أن أجد حلولاً واستخدامات ذكية لوجود الناس شبه الدائم فيها، والحمدلله استطعت مؤخراً أن أخترع لوحات إنذار ذكية للكشف عن الضباب تعمل بتغريدات الـ(تويتر) ووسائل التواصل الاجتماعية مثل (الفيسبوك) و(الانستغرام) و(الواتساب). عن استخدامي لوسائل التواصل الاجتماعي أحاول أن أستفيد من الأوقات التي أقضيها فيها بكتابة مواضيع عن التكنولوجيا والصحة والعلوم، والتواصل مع الأصدقاء من مختلف دول العالم وتشجيعهم على الإبداع والتميز، وأنا سعيد جداً لأنني استطعت أن أكون مؤثراً وأحفز العديد من الشباب بطريقة إيجابية.
اليوم التالي
ولست أرضى من الدنيا وإن عظمت *** إلا الذي بجميل الذكر يرضيني
قائل البيت هو الشاعر محمد سعيد العباسي وقد ورد البيت اعلاه في قصيدته العصماء ” عهد جيرون
وليس الشاعر محمد المهدي المجذوب ز
ليشغل منصب أستاذ مساعد فور تخرجه
فرق بين مساعد تدريس
TA teaching assistant
و أستاذ مساعد
ِassistant professor
و أظنكم تقصدون مساعد تدريس و ليس أستاذ مساعد
و الله أعلم
و بالتوفيق لإبننا حتي يصبح
Full Professor