التصريحات..والمصداقية

أفق بعيد

التصريحات..والمصداقية

فيصل محمد صالح
[email protected]

درجت جهات كثيرة على تعيين ناطق رسمي باسمها، أو مسؤول إعلام يتولى الحديث نيابة عن الجهة أو المؤسسة، ويتابع كل ما ينشر بشأن الجهة، ويقدم الردود والتفاصيل والمعلومات المطلوبة.
وبشكل عام، فإن مهمة الشخص صاحب هذه الوظيفة هو رفد أجهزة الإعلام بالمعلومات الخاصة بمكان عمله، واختيار الطريقة والمكان والأسلوب المناسبين لتوصيل المعلومة، عكس الوجه الإيجابي للمؤسسة، وخلق علاقة تواصل مع أجهزة الإعلام. ورأسمال كل هذا العمل هو المصداقية، فالمعلومات والأخبار التي تقدمها المؤسسة خاضع للتقييم العملي على أرض الواقع، فإما أصاب وكسب تقدير الناس وثقتهم في المؤسسة في المستقبل، وإما خاب وخابت معه كل صور المصداقية والثقة، وصار ما تقدمه المؤسسة من معلومات في أي واقعة مصدر تشكك وعدم تصديق. وواحد من الأسباب الرئيسية في اهتزاز المصداقية هو اعتقاد البعض أن مهمة الناطق الرسمي هو النفي والإنكار، فكل ما قيل شيء عن الجهة أو المؤسسة اعتبرته سالبا، انبرى الناطق الرسمي لينفي وينكر، دون التثبت من ما قدمه الطرف الآخر من أدلة أو معلومات.
أكتب هذا وفي ذهني واقعتين: الأولى هي حادثة مشاركة قوات من حركة العدل والمساواة بكردفان في معركة دارت في منطقة “التيس” بين الجيش الحكومي وبين قوات الحركة الشعبية في جنوب كردفان، ثم حادثة تأخير الطائرة التي كانت تقل مصابي القوات الدولية في آبيي.
في الحادثة الأولى، وعندما أعلنت حركة العدل والمساواة مشاركتها مع قوات الجيش الشعبي، انبرى الناطق الرسمي للقوات المسلحة السيد الصوارمي خالد سعد( 19/7) لينفي ويقول إنه لا وجود لقوات العدل والمساواة في هذه المنطقة. لكن ما أن مر يومان حتى أعلنت القوات المسلحة، وعلى لسان الصوارمي (22/7)، أنها أسرت قائد قوات العدل والمساواة في المنطقة. وبأي منطق، فإن من الصعب على المتلقي أن يقبل هذين التصريحين، في ظرف ثلاثة أيام، إلا بفرضية أن أحد التصريحين غير صحيح، أو على أحسن الفروض متعجل وتم دون التثبت ومحاولة جمع المعلومات.
في الحادثة الثانية المتعلقة بتأخير الطائرة التي كانت تقل مصابي القوات الإثيوبية في آبيي قال ناطق باسم الامم المتحدة إن السلطات السودانية أخرت طائرة كانت تقل جرحى من القوات الإثيوبية الدولية في آبيي لمدة ثلاث ساعات، مما أدى لوفاة ثلاثة من الجرحى. الحكومة السودانية نفت الخبر، لكن عندما تقرأ تفاصيل التصريح الذي أدلى به السيد العبيد مروح الناطق باسم الخارجية، تجد فيه تأكيدا لمعلومات الأمم المتحدة، حيث أن التصريح صدر فعلا في غضون ثلاث ساعات، وهي بحسب تصريحه “أقصر وقت ممكن”.
الطبيعي أن ياخذ الناطق الرسمي وقته لجمع المعلومات، ومن المفترض ايضا أن كل إدارات المؤسسة يجب أن تتعاون معه بالسرعة اللازمة، وعندما يتهيأ الناطق الرسمي للإدلاء بتصرح، يكون في كامل الاستعداد بكل التفاصيل والمعلومات. ومن الطبيعي أن تكون بعض التصريحات نفيا، وبعضها تأكيدا وبعضها توضيحا للمواقف، أو حتى اعتذار عن خطأ، وليس في هذا عيب. بل ومن الممكن ان يقول المسؤول “لم تتوفر لدينا معلومات بعد في هذا الموضوع”.
إن سياسة “انفِ أولا..ثم ابحث عن التفاصيل” لا تنفع ولا تجدي في عالم اليوم، حيث تتوفر المعلومات والتفاصيل بسهولة لأي جهة، ولا يمكن إخفاء الحقيقة كاملة ولفترة طويلة، ونتيجتها الوحيدة ستكون افتقاد المصداقية، مرة واحدة وللأبد.

الاخبار

تعليق واحد

  1. ( تأمُرونَ الناسَ بالبرِ وتَْنسَونَ أنْفُسَكُم ) أولاً لقد قمت بإجتزاء تصريح الصوارمي ، حيث كان قوله ( إنه حديث يفتقد للأدلة ) وهذا يعتبر حديث العارفين لما يقولون ، وعندما تم عرض الأسير العميد توتو في الفضائيات وبعد حديثه أنه دخل المنطقة قادماً من الجنوب وهو يمتلك عتاد الحركة الشعبية الموضح بشعارها ( العلم ) وحتي اللبس العسكري ، فمن المؤكد أن يقول الصوارمي ما قال ، لأن الرصد دائما يكون من جهة التحرك ونوعية العتاد إضافة للدلائل الأخري ، ولن يتسني له معرفة الأشخاص إلاّ بعد القبض عليهم والتحقيق معهم ، أما تسريب مشاركة العدل والمساواة فكان مقصوداً من الحركة وإستعجلت بإعلانه حتي تقول نحن هنا ، أما قضية الطائرة فيبدو أنك تحاول فقط تطويل المقال ، فلم توضح لنا أين الخلل ?! فإن نفي الحكومة كان في محله ، فالحكومة لم تهدد بإطلاق النار ولكنها تطالب بإذن التحرك وهو حقها ، فالأمر ليس فوضي وهي منطقة عمليات أولاً وأخيراً ، وإن كنت تريد ترويج الأمر لترمي الحكومة بالتقصير فابحث عن أمراً آخر أكثر منطقيةً .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..