سلسلة تحقيقات المنسى: مأساة قرية بمحلية أم القرى (2-2)

تحقيق وتصوير: عباس عزت
المنسي .. سلسلة تحقيقات أكشف لكم فيها سوداناً آخر غير الذى ترونه فى الإعلام وتسمعون عنه في الأخبار.. السودان المنسي الذي يختفي في ظلام الإعلام، يكابد مرارة الحال وشظف الواقع.. هذه المرة انتقل بكم إلى محلية أم القرى بولاية الجزيرة.. رحلة ما منظور مثيلا .. مشاهد ولا في الأفلام .. صورتها لكم بقلمي والكاميرا التي لا تنفصل مني .. قبل قراءة التحقيق، ارجوكم تأكدوا من وجود صندوق مناديل الورق بجواركم لمسح الدموع .. دموع الحسرة على وطن يقتله الشقاء والنعيم على ظهوره محمول.
وأخيرًا وصلنا
وصلنا مركزمحلية أم القرى وكان في انتظاري بموقف الحافلات الشاب علي أحمد محمد حامد وهو أول من اتصل قبل أسبوعين طالباً مني زيارة المنطقة والوقوف على حجم معاناتهم في سبيل الحصول على ماء الشرب وحجم الدمار الشامل الذي حل بالمعسكر..
استقلينا عربة أجرة (أتوس) واتجهنا ناحية الشرق.. قطعنا مسافة ثلاثة كيلومترات.. بدأت ملامح العطش في الظهور.. مجموعة من النساء والأطفال يقطعون مسافات طويلة راجلين وبعضهم على ظهور الحمير، بحثاً عن الماء.. وصلنا إلى أطلال المعسكر أو بقايا ما كان في يوم ما (معسكر) يليق بالبشر.
لم يكن أمامنا سوى حطام مراحيض مشيدة بألواح الزنك علاها الصدأ واهترأت أرضياتها الحديدية بفعل الصدأ .. ومركز صحي صغير، مشيد من ألواح الزنك أيضاًً والعديد من الخيام البالية وأشلاء من رواكيب القش.. تجولنا داخل المعسكر و لم يكن هناك شيء سوى الحطام .. حطام البشر.. وأشلاء الرواكيب..، وخيام ممزقة تحولت إلى لوحات كتب عليها الهلال الأحمر السعودي،..
وصحيت على حلم الفتات
قبل عام لجأ هؤلاء النازحون إلى هذا المعسكر بناءًً على أوامر حكومة ولاية الجزيرة، بعد الدمار الذي لحق بقريتهم، على أمل الاستقرار بعد فترة وجيزة في القرية الجديدة التي وعدت منظمة الهلال الأحمر السعودي آنذاك بتشييدها بالكامل كأحدث قرية نموذجية بدلاً عن قريتهم القديمة التي دمرتها سيول وأمطار الخريف الماضي.. لكن الحكاية طالت والقصة لم تنتهِ..لم تعد الخيام تشكل حلاً لبعض النازحين هنا مما دفعهم إلى بناء رواكيب من القش عندما أدركوا أن الرحلة والمعاناة لن تنتهي بين ليلة وضحاها وأن الخيام لن تصمد طويلاًً تحت لهيب الشمس وقوة الأعاصير..
بشر على ارتفاع منخفض
قال مرافقي:( إلى متى سنبقى على هذه الحال.. إلى متى..؟! فليجدوا لنا حلاً لهذا الموضوع، انظر إلى حالنا كيف نعيش فى أرض عراء مقطوعة لا يوجد فيها شيء من مقومات الحياة ولا أحد يؤمن لنا شيء) ..توجهنا إلى وسط المعسكر.. التقينا بحر محمد إدريس عضو اللجنة الشعبية الذي وصف الموقف بالنسبة لسكان القرية( 38) بالكارثي نتيجة للأمطار التي تسببت فى دمار أكثر من 300 منزل بالقرية وبقية المنازل آيلة للسقوط موضحاً أن القرية يقطنها 8 آلاف نسمة وهم الآن في العراء .. وقال إن سبب غرق قريتهم ومعظم قرى المحلية أنها تقع في منطقة منخفضة. وذكر أن مشكلة الغرق تحدث كل عام بمعظم قرى المحلية.. لكن الجهات المسؤولة تتجاهل الموقف بعدم معالجة سوء التصريف لمياه الأمطار..إلى أن جاءت الطامة الكبرى قبل صلاة الفجر في ذلك اليوم من شهر أغسطس ..
مارثون إجباري
وذكر أنه ركض لمسافة 5 كيلومترات وهو خائض في الوحل ومياه الأمطار حتى وصل مبنى محلية أم القرى حيث اتصل بالمعتمد الذي قام بدوره بابلاغ الوالي الذى حضر برفقة أركان حكومته وأصدر الوالي قرارًا بترحيل سكان القرية إلى الموقع الحالي لعدم صلاحية أرض القرية، ووعدهم بتهيئة المكان الملائم لإنشاء قرية نموذجية بها كل الخدمات من كهرباء ومياه ومرافق صحية وتعليمية خلال ثلاثة شهور ، والآن تولى العام ولم نر شيئًا من وعود الوالي ..
أما المواطن يعقوب يحيى إبراهيم فقد قال والله العظيم.. نعيش معاناة حقيقية بسبب أزمة العطش التي لازمتنا منذ حلولنا بهذا المعسكر لأسباب مجهولة، وهو الوضع الذي أثار سخط واستياء السكان بسبب سياسة الإهمال التي طالتهم من طرف حكومة ولاية الجزيرة التي لم تراع ظروف عيشهم والمشكلات التي يتخبطون فيها جراء لامبالاة المسؤولين،حيث يواجه السكان بهذه المنطقة النائية متاعب جمة في الحصول على قطرة ماء، وأضاف بصوت متهدج والدموع تغطي عينيه قائلاً : قبل مجيئك بأسبوع اندلع حريق ببيتي المكون من (كرنكين وراكوبة) وأتى الحريق على المنزل بالكامل وطال عدد 5 خيام أخرى تخص الجيران ولم نستطع إطفاء الحريق لعدم توفر الماء اللازم، وتوفى نتيجة الحريق اثنان من أولادي أحدهم يبلغ من العمر ثلاث سنوات والآخر ستة شهور وتم دفنهم مكان الحريق بعد أن تفحمت جثتيهما )..
عشة صغيرة
وقريبا من إنقاض منزل يعقوب شاهدت عشة صغيرة مشيدة من أشلاء خيمة تمزقت بفعل عوامل الطبيعة مغطاة بقليل من القش .. لا تستطيع دخولها إلا وأنت جاثياً على ركبتيك.. وبداخلها حطام امرأة ، أجهضت جنيناً فى شهره الثامن، بعد أن تعرضت لإصابة قوية على ظهرها جراء سقوط الخيمة عليها وعلى أفراد أسرتها قبل أربعة أيام عند هبوب عاصفة خريفية دمرت عددًا كبيرًا من الخيام والرواكيب بالمعسكر، وتقول عشة حماد : (قبل أربعة يوم جات هبوب شديدة رمت عمود الخيمة فوق ضهري وجاني نزيف شديد ولما وصلنا مستشفى مدني قالوا لي الجنين ميت..).. ثم انفجرت في البكاء.. عندها تذكرت قول الفاروق رضى الله عنه :(لوعثرت بقلة في العراق لخفت أن يسألني الله عنها يوم القيامة)..يا إلهي..ما أرخص الإنسان في بلدي..
الريح أطفأت السراج وقهقهت خلف الخيام
إبراهيم محمد عبدالله الذي وجدته جالساً على انقاض خيمته قال لي: (الخيم كلها مهترئة من الشمس ومن العوامل الجوية وأكثر من شهر يستحيل أن تبقى الخيمة صامدة فوق رؤوس الناس والعاصفة الأخيرة دمرت أجزاء كبيرة من المعسكر وتسببت في إصابات وجروح لبعض السكان وقال إنهم الآن في الهواء الطلق يتوسدون الأرض ويتغطون بأشلاء الخيام الممزقة ليلاً، وعندما تشتد حرارة الشمس نهارًا أو عند هطول الأمطار، يتكدسون داخل كرنك واحد، هم وجيرانهم السبعة الذين فقدوا خيامهم وتعذر عليهم تشييد كرانك تأويهم في فصل الخريف الذي بدأ بالفعل ..(تخيلوا معي.. سبع أسر تترك المعسكر كله ويسكنون فى كرنك واحد).. وحكومة الولاية تعلم تمامًًا ولكن لا حياة لمن تنادي، وشكك فى بعض الجهات بالمحلية قائلاً: إن هناك بعض الناس بالمحلية شغالين ضدنا ولا يريدون لقريتنا الجديدة أن تقوم بالموقع الجديد.. ربما طمعاً في الأرض التي تقع غرب الزلط وعلى بعد ثلاثة كيلومترات من المدينة).
العذاب في كل مكان
وقال عضو اللجنة الشعبية يحيى آدم هارون:( إن وضع الصحة والعلاج بالمعسكر متدنياً ، موضحًا بأنه لا يوجد دواء بمستوصف المعسكر وطالب المنظمات الإنسانية الإسراع في توفير الدواء وتحسين الخدمات الصحية قبل أن تسوء الأحوال..وقال إن هناك نقصاً حاداً في المشمعات والناموسيات اللازمة لمجابهة فصل الخريف ..وأضاف ان توقف الدراسة بمدرسة المعسكر التي شيدناها بالجهد الشعبي من المواد المحلية والقش بات يهدد مستقبل عدد كبير من صبيان وبنات القرية، ولا ندري ماهي الأسباب التي حالت دون وصول المعلمين لمباشرة عملهم حتى الآن.) ومن المعلوم أن العام الدراسي قد بدأ قبل حوالي الأسبوعين.
في انتظار الوعود
ووحمّل أعضاء اللجنة الشعبية الأوضاع المأساوية التي يعيشها النازحون و توقف الخدمات بالكامل في قطاعات الصحة والتعليم وصحة البيئة، في المعسكر إلى حكومة ولاية الجزيرة، جراء سياسة التعنت واللامبالاة التي تبديها إزاء قضايا النازحين وأهمها تشييد القرية الجديدة والتي توقف العمل بها في مرحلة رسم الكروكي فقط..وتساءلوا عن أسباب توقف جمعية الهلال الأحمر السعودي عن العمل في إنشاء القرية النموذجية التي وعدت بها قبل عام؟..مشيرين إلى اكتمال الإجراءات الأولية .. من تحديد قطعة الأرض التي سوف تقوم عليها القرية وعمل الخرط اللازمة لها بواسطة القسم الهندسي بوزارة التخطيط واستلام (السر عطا المنان) صاحب الأرض التعويض اللازم عن أرضه التي اختيرت لتكون قرية نموذجية لمهجري القرية 38 منذ عام تقريباً وطالبوا الحكومة في النظر لقضيتهم بعين العناية والاعتبار والإسراع في إنجاز المشروع بعد أن بليت خيامهم وتمزقت وأصبحوا يعيشون في العراء ردحاً من الزمن في انتظار الوعود التي تم إسماعها لهم من قبل المسؤولين بحكومة الولاية ، مبدين تخوفهم من مصداقية الحكومة وازدواجية المعايير فى تخطيط الأراضي (حسب قولهم)..
يا ثلج مين يشتريك !!
كما طالبوا بحل مشكلة المياه فورًا، لأن من يدفع الثمن هم النازحون وعلى رأسهم المرضى من المسنين والأطفال وأكدوا أنه إذا لم يتم حل هذه الأزمة التي حوّلت حياتهم إلى حجيم وحوّلت المعسكر إلى قطعة من العذاب، فإن المنطقة موعودة بمخاطر صحية لا يعلمها إلا الله.. لفت نظري عند مغادرتي للمعسكر عبرالسوق، وهو سوق على الهواء الطلق منظر جمهرة من الشباب والأطفال .. يتزاحمون حول لوح من الثلج بدأ في الذوبان نتيجة لارتفاع درجات الحرارة..الأطفال ينظرون بدهشة وفرح .. وكان استجداؤهم لقطعة من الثلج يتلذذون بمصها، علامة فارقة على الحالة الإنسانية المزرية التي أوصلتهم إليها الأقدار..
قال لي المواطنون إنهم يشترون القطعة بحجم قطعة الطوب الصغيرة بثلاثة جنيهات.. بائع الثلج قال لي إنه يبيع اللوح بثلاثين جنيهاً)..
شكرا الاخ عباس انا ليس من الذين يبكون ولكن في داخلي الم شديد لما ترويه بلاشك يدمع له القلب …وانك رجل محارب وقمت بهذه التغطية العظيمة ..وفد نوحت بان جمعية الهلال السعودي تود ببناء قرية نوموزجية لهم ولكن يتم بعد …ومن يعرف قبض هؤلاء الفاسدين مبالغ القرية ونسوهم والله اعلم؟ عل كل لك التحية والعرفان ولاهلنا العون من الله العظيم في هذا الكريم اميييييين؟
Hope someone will convey this article to that bastard? Is this the Islam they kept promulgating for a quarter of a century and manipulate us with it? Indeed, he is the son of milkman. I keep wondering what will he says to almighty Allah on the Day of Judgment. Assuming he is aware of that day. Impossible to believe that a whole country is living on philanthropy! The facts speaks louder than words
(نعيش معاناة حقيقية بسبب أزمة العطش التي لازمتنا منذ حلولنا بهذا المعسكر لأسباب مجهولة، وهو الوضع الذي أثار سخط واستياء السكان بسبب سياسة الإهمال التي طالتهم من طرف حكومة ولاية الجزيرة)
لو بدلنا كلمة ولايةالجزيرة بولاية الخرطوم لاستقام المعنى ايضا
شوف حالة الناس دي كويس وقول لينا وين في غزه مناظر زي دي ، ديل حالتهم في الجزيره لا في دارفور ولا في جبال النوبه ولا في النيل الازرق ويجيك واحد عوير اهبل يقول ليك غزه والفلسطينين والبشير يتبرع والترابي يقف مع القضيه ويوصي بدفع الميارات من اموالنا لفلسطين والاخوان المسلمين في مصر وعامل فيها معارض وبيتفاوض مع الحكومه بس تنقلب الحكومه دي يالترابي لو ماجيناك في المنشيه ما بنكون رجال
الدنيا رمضان يا والى الجزيرة الجديد . والله ما حاتقصر بعد هـذا المقال . ربنا يوفقك .