دموع الفرح وقبلات أولياء الأمور تغطي سماء الخرطوم.. أول السودان لم أتلق دروساً خصوصية طوال العام الدراسي

الخرطوم
خضر مسعود ? محمد عبد الباقي ? سارة المنا ? درية منير ? مصعب الهادي – الأمين عبد الرحمن ? سارة أبوبكر – طيبة سر الله – عثمان عوض السيد

تصوير: حسام محمد

كان يوم أمس (السبت) يوما استثنائيا للطلاب الذين جلسوا لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2014 لأنه كان “يوما يكرم فيه المرء أو يهان” بإعلان نتيجة الامتحانات نجاحا أو فشلا، وظلت الأسر وإدارات المدارس في حال ترقب انتظارا لإعلان حصاد السنوات، وختم اليوم على تباين لافت حيث عمت الأفراح أسر سودانية على امتداد الوطن وخارجه، في حين انكفى البعض يلملم أحزان الخيبة، بفشل معلن عنه، ويطويها على ثوب أمل اللحاق بركب الناجحين في العام المقبل.

من منصة إعلان النتيجة مرورا بالمدارس في أحياء الخرطوم المختلفة وليس انتهاء بالبيوت في أرجاء العاصمة المثلثة وامتداداتها والأسر الممتدة في بلاد الاغتراب والمهاجر توزعت المشارع بين انتشار الأفراح وتبادل التهانئ والوعود باهدايا وبين تبادل المواساة والتمنيات بالتوفيق في العام المقبل، كان يوم أمس بالنسبة لبعض الأسر يوما سريعا خاطفا غنيا بالأفراح والزغاريد وتدافع المهنئين، وبالنسبة لآخرين كان يوما طويلا ومملا هطلت فيه أنهار الدموع وكثرت فيه مفردات المواساة والأمل.

عبد الجبار.. وحصاد الهمة

قبل ثلاثة أعوام بالتمام – أي – في العام 2011 جلس (عبد الجبار أحمد عبد الجبار أحمد) لامتحانات شهادة الأساس من مدرسة القبس الخاصة بنين وقد أحرز عبدالجبار مجموع (277) درجة، ورغم أن عبدالجبار كان ضمن المتفوقين في شهادة الأساس إلا أنه لم يحظ بمقعد في مدرسة نموذجية كحال بقية المتفوقين من زملائه إذ تم توزيعه على مدرسة جغرافية هي مدرسة الشيخ مصطفى الأمين القرآنية.

عبدالجبار الذي لم يجد نفسه ضمن طلاب مدرسة نموذجية وضع نصب عينيه هدفا واحدا وسعى لتحقيقه ولو امتحن في مدرسة جغرافية هي مدرسة الشيخ مصطفى الأمين الجغرافية، فهو قرر أن يتفوق وليس مهماً من أي مدرسة بحسب إفادة الأستاذ (ياسر عباس) معلم الرياضيات بمدرسة الشيخ مصطفى الأمين الذي قال: عبد الجبار كان متميزا منذ دخوله إلى المدرسة وضمن طلاب قلائل لم يحتاجوا إلى معلمين إضافيين فهو ذكي بالمقدار الذي يجعله غير محتاج مطلقا لمساعدة أكاديمية غير الحصص التي يتلقاها في يومه الدراسي داخل الفصل وضمن الطلاب، وتحدث (ياسر) عن عبدالجبار حيث أكد أنه من نوع الطلاب الذين يجبرون الآخرين على احترامهم وتقديرهم لما يمتاز به من أخلاق وطيبة وأنه لم يخيب ظن المعلمين فيه فهو الذي استطاع أن ينافس من مدرسة جغرافية وأن يحرز المركز الأول متفوقا على كل الطلاب مما جعله يصبح أول طالب تبوأ المركز الأول بنسبة (97.6%) من مدرسة جغرافية عادية وأشار ياسر إلى أن المدرسة نفسها نافست في العام الماضي بأربعة طلاب كانوا ضمن المائة الأوائل، وأوضح أن عبدالجبار أحرز في الامتحان التجريبي نفس النسبة التي أحرزها في امتحان الشهادة دون أن يتراجع عنها.

لا مجال للدروس الخصوصية

الطالب عبدالجبار أوضح بدوره أنه لم يكن يلجأ إلى الدروس الخصوصية مطلقا فقد كان يعتمد بصورة مباشرة على الدروس التي يقدمها له معلمو المدرسة ولم يلجأ في يوم من الأيام إلى الدروس الخصوصية في أي مادة، وعن رغبته في المستقبل قال إنه يرغب في دراسة الهندسة الكهربائية ولهذا اختار العلوم الهندسية دون غيرها من التخصصات حيث لم يكن يرغب في دراسة الأحياء أو الحاسوب.

مدرسة الشيخ مصطفى الشيخ الأمين

(معاذ أحمد الجيلاني) مدير مدرسة مصطفى الشيح الأمين بدأ حديثه ممتدحا الطالب الثاني مشترك على مستوي السودان (فتح المصباح) والذي أحرز نسبة (96%) من خلال الحديث الذي أدلي به إلى (اليوم التالي) قال إنه كان يتوقع هذا النجاح الباهر الذي حققته المدرسة بل كان يتوقع أكثر من ذلك، وأضاف: مدرستنا حازت على المركز الأول على مستوى السودان العام الماضي ونسعى إلى المزيد من النجاح والتميز التعليمي والتربوي، وأشاد بالدور الذي قامت به إدارة المدرسة، وأولياء الأمور، وأشار إلى أن النجاح لم يأت من فراغ بل كان حصيلة جهد مشترك مابين الطالب والمدرسة، وإدارة مجلس الآباء، وقال: الحلقة التي لابد أن نشكرها على جهدها وكان لها باع طويل في التفوق هي حلقة العاملين في المدرسة لأنهم هيئوا البيئة المناسبة للتفوق.

الكل في خدمة النجاح

يتوقف الأستاذ أحمد الجيلاني عند المنهج الذي تستخدمه المدرسة مشيرا إلى أنه يأتي متوافقا مع متطلبات وزارة التربية والتعليم وإدارة التعليم بولاية الخرطوم، وأوضح أن الخطط الدراسية التي تنتهجها المدرسة تقوم ببرمجتها منذ بداية العام الدراسي وأن المدرسة تقوم بجهد كبير متمثل في مجلس الأساتذة حيث يقدمون رعاية تعليمية جيدة نحو طلابهم وهم شريك أصيل في النجاح الباهر الذي تشهده المدرسة ويضيف أن الطلاب الذين جلسوا للامتحانات هذا العام عددهم (314) طالبا وقد أحرز عدد كبير منهم نجاحا يليق بمكانة المدرسة ومن بينهم الطالب فتح المصباح والذي أحرز المركز الثاني مشترك على مستوى السودان.

على الضفة الأخرى من نهر التعليم والتربية الممتد على تخوم العاصمة وثناياها كانت الأسئلة حيرى تتقافز هنا وهناك عن مدارس البنات نصف المجتمع أو أكثر منه قليلا، وكانت (اليوم التالي) في مدرسة الخرطوم النموذجية بنات، تتحدث مديرة المدرسة ريهام حسن قائلة: المدرسة هى الأولى ضمن مدارس الخرطوم وذلك لسيطرتها على الكثير من المراكز المتقدمة في النتائج على مستوى الولاية والسودان ويأتي ذلك لأن التوزيع للمدرسة كان جغرافيا اكثر من كونه نموذجيا.

وتقول ريهام: رغم المشكلات التي مرت بنا من سيول وأمطار وتوقف الدراسة لعدة أسباب من بينها المظاهرات الأخيرة إلا اننا عملنا على تعويض ذلك من خلال إضافة برامج وكسر بروتوكول عطلة السبت وهذا ما ساعدنا على تعويض فاقد الأيام.

أكاديميات ومناشط أخرى

وكشفت ريهام أن مدرسة الخرطوم النموذجية إلى جانب الأكاديميات تهتم بالمناشط الأخرى وقد أحرزت الكثير من الجوائز في الدورات المدرسية كانت آخرها جائزة المسرح والغناء والإنشاد الديني، إضافة إلى اهتمامها الخاص بجمعية القرآن الكريم، وتضيف: شكل العلاقة بين المعلمة والطالبة في مدرسة هو الأكثر حميمية، تلمس ذلك في المستوى العالي الذي أحرزته الطالبات في الامتحان التجريبي بنسبة نجاح تجاوزت الـ(95%)، ومن هنا أوصي الآباء ومجالس المعلمين بالمراجعة الدورية مع الطالب فوق كل شيء لأن الدافع المعنوي هو المحفز الأول في النجاح، أنوه إلى أن تهيئة الأجواء تضع الأبناء أمام مسؤولية المستقبل وحينها لكل مجتهد نصيب.

من جهتها قالت التلميذة النابغة (سارة نعيم عبد العال) أولى مدرسة الخرطوم النموذجية بنسبة (96) انها البنت الوحيدة ضمن 4 أولاد ذكور، وأضافت أنها حين سمعت اسمها ضمن المتفوقين “بقت فرحانة وما عارفة تعمل شنو” وتضيف: “بقيت ما شايفة قدامي” وأعربت عن املها في تحقيق أمنيتها بأن تصبح طبيبة، وقالت: “أشكر عبركم كل من وقف بجانبي بدءاً من أسرتي الصغيرة” وأرشدت بالنصح من لم يحالفه الحظ بالكد: “لأن كل زول بياخد نصيبو ولكل مجتهد نصيب”، وأوضحت أنها تتمنى أن يشهد التعليم تطورا ويكون ذلك عبر توفير الكتب وإجلاس الطلاب وإصلاح المدارس علما وعقلا. في حين كشف والدها (نعيم عبدالعال) أن الأسرة كانت متوقعة هذا التفوق على حسب تدرج مستوى سارة منذ مرحلة الأساس فقد كان ترتيبها الرابعة على مستوى الولاية بالإضافة لبرنامج مراجعة الدروس الذي وضعته لنفسها.

ومن داخل مدرسة الخرطوم الجديدة كان لنا لقاء مع عدد من الطالبات اللاتي أحرزن مراكز متقدمة في النتيجة، وتحدثنا إلى (نهى الحاج) التي قالت: “لم تكن أتوقع هذا التفوق وحين ذكروا اسمى ضمن الأوائل بالتلفزيون بنسبة (96%) انفجرت صارخة وبكيت إلى أن جاء الأهل والجيران حتى استوعبت ما أنا فيه”، وتضيف نهى: “سبب هذا التفوق يرجع إلى الوالدة وأهلي الذين وقفوا إلى جانبي طوال دوام العام الذي كان يبدأ باكراً وبعد الانتهاء من الدوام أرجع إلى المنزل لأغفو ومن ثم أبدأ في مراجعة الدروس بعد صلاة المغرب دون السهر طويلا وقالت مازحة: “حكاية أذان الصبح دى ما عندي”، وكشفت نهى أن سر النجاح هو مراجعة درس اليوم باليوم لتحقيق الغايات، وقالت نهى إنها تطمح إلى أن تصبح طبيبة لأنها تميل إلى العمل الإنساني، وأوضحت أنها تستمع إلى الخالد محمد وردي لأن غناءه يفيد في هدوء الأعصاب، وتتمنى أن تكون في المستقبل فردا يسهم في إصلاح الحال.

وفي السياق ذكرت (عواطف عبدالعزيز) خالة الطالبة نهى أنها كانت متفوقة منذ مرحلة الإساس بإحرازها المرتبة الخامسة في امتحانات شهادة الأساس في العام (2011م)، وقالت: نهى مرت بالكثير من الظروف الحرجة خلال السنوات الماضية أبرزها وفاة الوالد حين دخولها المرحلة الثانوية، فنهى توأم ولديها أخ أصغر، لكن تربيتها في البيت الكبير وسط أخوالها جعلتها متماسكة وصلدة قادرة على التفوق والنبوغ بالاجتهاد قدر المستطاع.

ومن جهة أخرى التقينا بالمتفوقة (شيماء محمد الهادي) التي أحرزت درجة (94%) وذكرت: هذا النجاح هو ثمرة جهد وغاية كانت تلازمها منذ الطفولة والحمد لله لم يخذلني الله، وعند سماعي للخبر لم أستطع السيطرة على أعصابي بل دخلت في نوبة “كواريك” إلى أن جاءت ماما وثبتني بابا قليلا لأنني لم أتوقع أن يأتي اسمي ضمن الأوائل وهذا شعور لا يوصف وأكبر من مرحلة التقدير، وبينت شيماء أنها تسعى لدراسة الطب بجانب عشقها للهلال، وتنصح كل من لم يحالفه الحظ بالمثابرة مجددا لأنه لا يوجد مستحيل تحت الشمس.

وأشارت (زينب السعيد) والدة شيماء إلى أن ابنتها هادئة ومنظمة بجانب أنها طموحة ومواظبة على الصلاة وتتقيد بزمن تسعى فيه لتحقيق الغاية وهذا النجاح هو إكمال للنبوغ الذي بدأته في مرحلة الأساس، وأضافت زينب: “بالرغم من أن شيماء كبيرة البيت إلا أنها لا تقصر في حق أسرتها بالواجبات المفروضة عليها بل تقوم بها على أكمل وجه وهذا ما أسعد الكل كونها استطاعت أن توافق مابين المنزل والمدرسة.

وفي السياق التقينا التلميذة المتفوقة (ثريا) ابنة الإعلامي محمد جمال الدين ضمن نوابغ مدرسة الخرطوم النموذجية وتحدثت قائلة: رغم تأرجح حركة العام الدراسة ما بين التأجيل والتباطؤ إلا أن ذلك كان الدافع الأول لإحراز نسب متقدمة في النجاح، وذكرت ثريا أنها في البدء رفضت أن تعطي رقم الجلوس تحاشيا لشيء ما إلا أنها حينما علمت بالتفوق وإحرازها لنسبة (90%) دخلت في نوبة بكاء هيسترية وأغلقت عليها باب الغرفة أيضا لا تدرى لم، وتقول: بحمد الله بمساعدة الوالد والوالدة تغلبت على كثير من الصعوبات وأصعبها كان امتحاني الكيمياء والرياضيات لأنني لم أركز فيهما جيداً، وعن أمنيتها، قالت: إلى الآن لم أحدد شيئا بعينه لكن في الأعماق اتمنى أن أصبح طبيبة.

وذكر والدها الإعلامي محمد جمال الدين أن تفوق ثريا في حد ذاته نصر لمغالبة الحياة الحياة ومشاقها، وأضاف: على الرغم من الكثير من المعوقات والكوابح أحمد الله كثيراً وأتمنى من كل الآباء أن يضعوا ولو قليلا من الوقت لمتابعة الأبناء لأنهم العائل الذي نتوكأ عليه في الغد.

اليوم التالي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..