كيف يكون الحال إذا حدث الانفصال..اا

كيف يكون الحال إذا حدث الانفصال

عبد الكريم عبدالله

المتتبع لمشكلة النزاع بين الشمال والجنوب يلاحظ بوضوح أنّ قرار الاستفتاء لتقرير مصير الجنوبيين سواء بالوحدة أو الانفصال جاء نتيجة لصراعات طويلة ومعارك دامية دارت بين الجانبين المتنازعين وقد كان لهذا العداء بين الشمال والجنوب جذوره العميقة وأسبابه المتأصلة بداية من اتهام الجنوبيين للزبير باشا بمساهته في الترويج لتجارة الرقيق، ومن بعدها قيام مؤتمر المائدة المستديرة عام 1947 لمناقشة مسألة الكونفدرالية والخروج بمقررات المؤتمر التي لم تنفذ حتى مجئ الاستقلال عام 1956 الأمر الذي جعل أبيل ألير يطلق عبارته المشهورة الشماليين لا يحترمون العهود والمواثيق. وفي أغسطس من عام 1955 كانت قد وقعت حوادث توريت التي هزت البلاد من أقصاها إلى أدناها ولم تكد نيران حرارتها حتى أتت حكومة عبود وقامت بمحاربة الكنائس، وحرق بعض القرى بإشراف حسن بشير نصر وزير الدفاع آنذاك في محاولة من الحكومة لكسر شوكة التمرد واستئصال شأوته، وفي غمرة هذه الظروف ظهرت على السطح بما يسمى بحوادث الأحد المشؤوم على أثر سريان شائعة اغتيال أحد وزراء الجنوب في حكومة الجبهة الوطنية التي كانت قد تكونت عقب قيام حكومة أكتوبر عام 1964، كل هذه التراكمات والترسبات أوغرت صدور الجنوبيين نحو الشماليين وولدت في نفوسهم الضغائن و الإحن التي جعلتهم ينفرون من الوحدة ويميلون بكلياتهم إلى الاتجاه نحو الانفصال بغرض التشفي والانتصار لشعورهم بالعزة والكرامة.

ولما كان موضوع الانفصال ليس بدعة أو شيئاً مستغرباً في عالم السياسة فقد سبقتنا إلى ذلك كوريا التي كانت قد انقسمت إلى كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية أثناء اشتعال الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وحدث ذلك أيضاً بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية، وكذلك بين اليمن الجنوبي والذي كان يعرف باليمن الجنوبي الاشتراكي أيام كان الاتحاد السوفيتي في قوته وجبروته إلا أنه وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي رجعت اليمن إلى وصفها السابق وتوحدت مرة أخرى. أما الشئ الذي يدعو إلى القلق والانزعاج من وقوع هذا الانفصال نظراً لمجريات الأمور ومتقلبات الأحوال فقد سبقته مناطق أخرى مثل غرب السودان وشرقه بالسير في هذا الطريق طريق الانفصال سواء كان ذلك سلمياً أو قسرياً ويكون السودان بذلك قد تمّ تمزيقه إلى دويلات كما جاء في الأنباء ذات يوم بأن ذلك سيحدث وعن طريق أجندة سياسية لها أغراضها الخفية من وراء ذلك. لذلك فإنه إذا حدث هذا الانفصال فإنه ليس علينا إلا أن نستعد لذلك استعداداً كافياً بعد أن يصبح أمراً واقعاً لا مناص منه وأن نتحسب لكل الآثار التي ستترتب عليه بالخضوع للواقع المر والامتثال للحدث المؤلم بما يحفظ البلاد من الشرور والمصائب التي يمكن أن توقعنا مرة أخرى في طريق الحرب والاقتتال وأن نعمل بشكل جاد لكل ما لدينا من مقدرات وإمكانيات لإنقاذ السودان من المصير المظلم والمستقبل القاتم الذي من المحتمل أن يتعرض له ويؤدي به إلي التصدع والانهيار.

الميدان

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..