إنّه الطبع الإخواني في كل مكان

يحرقون طرابلس. يحرقون غزة. يريدون احراق مصر. لا يهتم الأخوان بما تخلفه سياساتهم من دمار. المهم أن يبقوا في الحكم.
ميدل ايست أونلاين
بقلم: د. سالم حميد
صواريخ تسقط كالأمطار على مطار طرابلس الدولي بليبيا، وبعض من ثروة الشعب الليبي متمثلا في الطائرات المدنية المملوكة للخطوط الجوية الليبية تحترق، والمطار يغدو حطاماً في حطام. هذا هو الوضع الليبي الذي جسّده التنظيم الإخواني المتأسلم وتوابعه من الفصائل المختلفة، والذي جاء مباشرة بعد إعلان نتائج انتخابات البرلمان الليبي التي مُني فيها التنظيم الإخواني وتوابعه بهزيمة قاسية ستجبرهم على ترك المقاعد التي احتلوها قبل الانتخابات، وبالتالي ستفشل كافة مخططاتهم التي جعلت من ليبيا محور ارتكاز لتصدير الإرهاب إلى العالم، ويبقى استهداف المطار جزءاً من الخطة الإخوانية القاضية باحتلال طرابلس، وجعل وجود «الإخوان» فيها أمراً واقعاً يجبر البرلمان القادم على التعامل معه كوضع استثنائي، وهو ذات السيناريو الذي نفّذه التنظيم الإخواني المتأسلم في مصر حينما ثار على نتائج الانتخابات الأخيرة فيها بصورة دامية، وأزهق الكثير من الأرواح البريئة، وهو ذات السيناريو الذي بدأت ملامحه تفوح في تونس، ما يجعل النفاق جلياً في تحدّث التنظيم الإخواني المتأسلم عن الديمقراطية التي لا يؤمن بها إلا في حالة تحقيقها أحلامه وأمنياته والتي تقتصر دائماً وأبداً على كراسي السلطة والحكم.
ولم يكتف الإخوان المتأسلمون بإحداث الفوضى في ليبيا وتونس، ولكنهم حاولوا استباحة سيناء مصر حينما ضيّقت عليهم أجهزة الأمن المصرية المدعومة بالتأييد الشعبي، الخناق في مختلف أرجاء الأرض المصرية، وتحالفوا مع حركة «حماس» فأحدثوا فوضى كبيرة أجبرت الحكومة المصرية على غلق المعابر حتى تقي شعبها من مآلات الانفلات الأمني، وحتى تتمكن من بسط سيطرتها على كامل تراب الوطن، وقد اضطرت كل الحكومات المصرية، بما فيها حكومة الإخوان المتأسلمين المقبورة برئاسة المخلوع محمد مرسي، لغلق المعابر ولو لفترات متقطعة، ذلك أن غلقها في مفهوم وواقع الحكومة المصرية، يعني غلق باب يهدد الأمن والاستقرار، ويجنح بالبلاد نحو الفوضى، على عكس الرؤية الفلسطينية التي تقوم بتفسير فتح المعابر وإغلاقها، وفق حاجة الشعب الفلسطيني لمنافذ ضرورية تتيح له العلاج وكافة أسباب الحياة، غير أن أفعال المنظمات الإرهابية التابعة لجماعة الإخوان المتأسلمين حرمت الفلسطينيين من هذه المنافذ، وكلما حاولت مصر فتحها بدافع الإنسانية والأخوّة والعروبة والدين، ارتكبت هذه الجماعات أفعالا تجبر الدولة المصرية على الغلق، فغلق المعابر يمثل للكثير من أعضاء الجماعات المتأسلمة فرصاً كبيرة لجني المال بواسطة السوق السوداء التي تفرضها عمليات الفتح والغلق، وتتيح أمامهم مساحة ولو ضئيلة من الحماية القبلية لهم في تلك المناطق، فقد تمكنوا من خداع العديد من أبناء القبائل بالأموال الهائلة التي وفّروها لهم تحت وهم أنها أرباح ستدوم باستدامة غلق المعابر، فالتهريب عند غلقها يسهم في رفع قيمة كل شيء تم تهريبه، بما في ذلك السلاح.
ووجدت بعض الدول التي تحمل أجندة سياسية عدوانية ضالتها في تلك الجماعات الإرهابية، مثل قطر التي تملك الاستعداد لإهدار ثروة ضخمة من أجل استغلال هذه الجماعات في تحقيق مآربها التوسعية، وإبقاءها في حالة ارتهان دائمة لها، ولاقت تلك الأمنيات هوى في نفوس تلك التنظيمات التي كانت تريد المال والسلاح لتحدث فوضى بالمنطقة، وتملك السلطة بقوة السلاح لا صناديق الاقتراع، وتجبر الشعوب على القبول بها كسلطة حاكمة. فسلطة التنظيم الإخواني المتأسلم تنتهج الخداع والقوة والكذب طُرقاً للوصول، ولا يهمها رأي من تأتي لحكمهم فيها، وما إن كانوا راضين بحكمها أم لا.
وبجانب قطر تدخل تركيا الصراع بقوة، وقد سرّبت الكثير من التقارير في الأسبوع الماضي أن الطائرات الإسرائيلية التي تطير لحرق غزّة وإزهاق أرواح الفلسطينيين المدنيين العزّل من أطفال ونساء وشيوخ، تعبئ خزاناتها بوقود كردي تزوّدها به تركيا، وذلك رغم الموقف الأوردوغاني المعلن لذرّ الرّماد في العيون، بالوقوف مع فلسطينيي غزّة الذين لم يجدوا وقوداً لإشعال مصابيح بيوتهم! وتكرر ذات الفعل الإخواني البغيض في صوره الغريبة، فقد كان زعيم حركة «حماس»، مشعل، يتناول أطيب الطعام على مائدة إفطار شيخ الفتنة يوسف القرضاوي في قصره المنيف بالدوحة، بينما الطائرات الإسرائيلية تواصل غاراتها الجوية على الشعب الفلسطيني الأعزل، وهو ما فضحه القائد الإخواني طارق السويدان في تغريدات له على «تويتر»، حين قال إن الجميع استمتعوا بوقت طيب وتحدثوا وأكلوا وشربوا وتبادلوا أحاديث المجاملات، وبالتأكيد ما خفي من مؤامرات ودسائس يظل أعظم، وحتى الكلمات المُتكلّفة التي أصدراها بحق ما يجري من أحداث بحجم الكوارث في غزة، لم تكن بحجم الحدث، فقد جاءت الإدانة خجولة مرتبكة، فالإخوان يدركون أنهم تسببوا في صنع هذه الكارثة لأنهم ينوون التدخل بمسمّى الوساطة تحت العباءة القطرية، وهو ما حدث بالفعل، فقد سارعت قطر لطرح وساطتها مباشرة بعد مغادرة مشعل للدوحة، غير آبهة بالمبادرة المصرية التي شهد لها الجميع بأنها أفضل ما تم طرحه من حلول متكاملة للقضية، وقد أراد التنظيم الإخواني دفع قطر بمبادرته لتفشيل المبادرة المصرية، فالحكومة المصرية الجديدة عدوّ مباشر للتنظيم الإخواني الذي يقود ضدها حرب عصابات عشوائية، وأيّ نجاح لهذا النظام الجديد سيكون خصماً من جماعة الإخوان التي أطلقت في بدايات حكمها أكذوبة المائة يوم التي لم يطلقها السيسي، بل كان واقعياً جداً في مواجهة شعبه بالحقائق، ولم يبدؤوا كما بدأت الحكومة الجديدة التي مدّت يدها للجميع وأشركت الكل في مسؤولية رحلة البناء وإدارة الدولة، بعكس حكومتهم التي عجّلت بالأخونة، وأفقدت الكثيرين وظائفهم، وتعاملت بمفهوم الولاءات قبل الكفاءات، وأذهلتهم حكومة السيسي الجديدة التي ملكت قرارها، ولم تتقيّد بمرجع أو مرشد يقرر لها ما ستقرر وتقول، بعكس حكومة مرسي التي ارتبطت بمكتب المرشد الإرهابي محمد بديع.
كرسي الحكم في قاموس الإخوان المتأسلمين، يكون دائماً محفوفاً بجماجم الأبرياء، ويقتات دائماً من عدسات الإعلام العالمي، وهو ما نراه جلياً في أرض الكنانة التي يقوم فيها الإخوان بعمليات يائسة لا طائل منها، وهي لا تفيدهم ولا تغيّر شيئاً في الأوضاع، بل على العكس من ذلك، فهذه الأحداث تزيد كراهية الشعب لجماعة الإخوان المتأسلمين، وتباعد أكثر فيما بينها وبينهم، غير أن الجماعة الإرهابية تصرّ عليها، لأنها ستبقيهم وقوداً دائماً للأضواء، حتى لو كان الثمن أرواح شباب وجنود أنفق عليهم المجتمع أموالا طائلة، ليكونوا جزءاً من ثروته القومية. فمعاداة القومية والوطنية، والأُطُر الجغرافية سمة من سمات الفعل الإخواني التي لن يحيد عنها.
ويبقى على دول وأنظمة وشعوب المنطقة أن تقف قليلا مع نفسها، وتسترجع أوضاعها قبل وبعد بروز جماعات التأسلم السياسي المرتبطة فيما بينها بفكر وفهم واحد يمثّل نسخاً مشوّهاً ومغلوطاً للدين الإسلامي، لتتمكن من رسم مستقبلها وفق تقييم حقيقي سيعصف بأفكار كثيرة لا محالة.
د. سالم حميد
كاتب من الإمارات