شر البلية !ا
شر البلية !!
تيسير حسن إدريس
[email protected]
لا علم لي بطبيعة التربية التنظيمية والتأهيل الفكري الذي يخضع له منسوبو (المؤتمر الوطني) بيد أن جميع الممارسات التي تمت والسياسات التي اتبعت منذ وصولهم بانقلاب غادر للسلطة تجعل المتتبع والمراقب على قناعة ويقين تام من أن هناك خللا منهجيا مريعا يكتنف هذه التربية وذاك التأهيل ويؤثر مباشرة على سيكولوجية الفرد ويؤطر سلوكه ونمط حياته بحيث يقع فريسة لسيطرة (الأنا) وتتضخم الذات وتطغى عليه المشاعر العدوانية والسوداوية وتتبلد المشاعر الإنسانية حتى يكاد لا يحس ألم الآخر أو يرى عذاباته وتجده في صدام دائم مع المجتمع وتقاليده الراسخة وأعرافه المتوارثة وقيمه الممتدة فيدفعه ذلك للانزواء والاعتزال في حال الضعف والطغيان والعنف والتشفي في حال القوة و(التمكين) وممارسة صنوف من النفاق الاجتماعي والديني مما يدل على اهتزاز الشخصية وضعفها وجبنها ويفضح حالة مستعصية من (السقم السيكولوجي) متدثرة بمظهر معتقدي يعري ويفضح أكثر من أن يداري ويستر عورة العلة وهنا تتجلى مأساة الفرد الذي يظهر غير ما يبطن حتى يصاب في نهاية الأمر بحالة مزرية ومستعصية من الفصام.
ولقد تجلت حالة (السقم السيكولوجي) تلك بصورة فاضحة وواضحة بعد اعتلاء التنظيم الرسالي (المؤتمر الوطني) سدة السلطة وامتلاكه للقوة والثروة وانعكست وأطرت الحالة المرضية في شكل برامج صاغتها (الأنا) المتورمة ورما خبيثا على أنها مشاريع نهضوية إسلامية واطمأنت العقول المستلبة والضمائر المعتلة لهذه الفرية وطفقت تعمل مخلصة بهديها باعتبار أنها خلاصة الحق المستوحى من النهج الرباني بعدما مهدت الأنفس الأمارة بالسوء ووطنت على قناعة راسخة لا تتزلزل بأنها ظل الله على الأرض والحاكمة بأمره (سبحانه) والمؤيدة بمدده وكل السياسات العقيمة التي اتبعت منذ حدوث الانقلاب المشئوم في يونيو 1989م وحتى الآن تشي وتفضح هذه الحقيقة المحزنة.
تمحور وتركز الجهد وانصب نحو تنفيذ مشروع خرافي أطلق عليه مسمى جاذبا هللت وكبرت وبشرت به (الجماعة المستخلفة) الشعب ليتمخض بعد عقدين من انتهاجه والممارسة العملية عن كارثة وطنية كبرى ودمار شامل في كل مناحي الحياة السودانية فككت الوطن وأذرت بوحدة أراضيه واستقرار نسيجه الاجتماعي وأصابته بانهيار اقتصادي وأخلاقي غير مسبوق أدهش المواطن وشلة مقدرته على الاستيعاب والنضال من أجل تغير الواقع المأزوم وإيقاف عجلة الانهيار المتسارع ساعد على ذلك ما تعرض له الشباب من صياغة جديدة وفق موجهات المشروع (الحضاري) لتتحول شريحة مقدرة منهم لمسخ مشوه يدور حول ذاته ولا يرى العالم إلا من خلال (الأنا) المتوحشة يعاني من العوز الفكري والهزيمة الوجدانية ناقما على الوطن وشعبه ومتطرفا في سلوكه الديني..
فسياسة (من ليس منا فهو ضدنا) التي اتبعت لتفريغ أجهزة الدولة ودواوينها من الكفاءات وإحلال الولاءات التي تعوزها الخبرة هزت قناعات كثير من الشباب الغر ودفعتهم لممارسة النفاق الفكري والسياسي وحتى الديني (كذهاب البعض لحرب الجنوب مكرهين على أنها جهاد بغرض إيجاد فرصة في الوظائف حكومية) ليفقد الفرد بعد هذا احترامه لنفسه ومجتمعه ويتحول لكائن داجن وغريب لا يمت للمجتمع الذي أنجبه بصلة أنها (ميلودراما) مرحلة (التمكين) وفقا للمشروع الحضاري.
إن مخرجات المشروع الفكري الإسلاموي قد أحدثت زلزالا عنيفا وغير مسبوق في نفسية إنسان السودان فاختلت القيم الوطنية وانهزمت المثل وارتد المجتمع عن قيمة المواطنة كمعيار للحمة واتجه للعصبية البدائية فاستيقظت النعرات القبلية والجهوية والعنصرية وضاقت بذلك مواعين استيعاب الآخر حتى داخل التنظيم الرسالي الحاكم بات الصراع البائس مكشوفا وفي الهواء الطلق مما دفع بالمجاميع المهمشة لإصدار ما عرف (بالكتاب الأسود) توطئة للمفاصلة بغير إحسان والتي أفضت في نهاية الأمر لرفع السلاح وانتهاج أسلوب العنف في طلب الحقوق ولم يحرك دهاقنة النظام ومنظريه تجاه هذا الوضع المأزوم ساكنا فلقد انغمسوا في الملذات وغاصوا في الفساد والتهام المال العام حتى النخاع وكان لابد أن (يخلوها مستورة) بتكميم أفواه المعارضين بالبطش والحلول الأمنية تارة وشراء ضعاف النفوس والترضية بالمناصب الديكورية تارة أخري ولا بأس من أن يحمل الدين جزء من العبء بابتداع (فقه للسترة وآخر للضرورة).
لينتقل المشروع الفكري المبشَّر به ويتحول من مجرد شعارات إسلامية للاستهلاك وذر الرماد في العيون إلى ما هو أخطر وأضل، مجموعة بدع ومسميات ابتدعها الشيوخ قصد منها تخريب ما تبقى من عقل ووجدان المجتمع فصارت حرب الأخ لأخيه في الوطن (جهاد) وقتلى العمليات يزفون في (أعراس) مستفزة لمشاعر الأسر المكلومة وقطع أرزاق العباد (صالح عام) والزكاة تجمع وتقدر على الهوى ودون شروطها الشرعية وتصرف في غير مصارفها المحددة فتشيد منها الأبراج السوامق ليفترش الفقراء والمساكين ظلالها يسألون الناس إلحافا سد الرمق ومشاريع القطاع العام الناجحة (تخصخص) لصالح الشيوخ والأقطاب والفاشلة منها التي لم تنتج سوي الحنظل والطندب تسمى (سندس) ليمتطي شيخ سندس المجاهد عوضا عن (الدراجة) التي كان يقطع بها المسافة الفاصلة بين (ديم القنا) و(السجانة) فارهة موديل العام ويستجم على حوض السباحة في قصره المنيف المشيد من دم من ترك الأهل والولد وقاسى ذل الاغتراب.
متوالية لا نهاية من البدع تأخذ برقاب بعضها البعض شوهت صورة الوطن وأهدرت قيمته وسمعته حتى أضحى اسم السودان مرتبطا بالإرهاب والجرائم ضد الإنسانية وسلبته أمنه واستقراره فغدت الأسر تخاف خروج أبنائها للشارع الذي كان شريكا أصيلا في منظومة التربية ووصل الحال المائل بنساء التنظيم الرسالي للخروج في مواكب حاشدة فرحا لاغتيال قائد حركة العدل والمساواة الدكتور خليل إبراهيم في مفارقة بائسة ومحزنة لا تشبه شيم نساء الوطن النبيلات ولا تبدر إلا مَنْ تبلدت مشاعره وفقد الحس الإنساني السوي فماذا ينتظر الوطن من برنامج تلكم هي مخرجاته ومن تنظيم تلك هي ممارسة منسوبيه؟!! أليست هي شر البلية في أوضح تجلياتها؟؟.
تيسير حسن إدريس
31/12/2011م
صدقت وجزاك علي الله
المصيبة ان يكون كل هذا التدمير الممنهج لكل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعلمية جزء من مشروع متفق عليه من قبل الطقمة الحاكمة والمشروع الصهيوني العالمي . فلا يعقل ان يكزن كل ما حدث هو مجرد سياسات خاطئة لهؤلاء الشذاذ قلو ان اسرائيل دخلت السودان بنفسها لما استطاعت القيام بكل هذا التدمير ..