باريس : ليس في الانتظار ضرر

د.عبدالقادر الرفاعي

لقد خصصنا مقالنا أمس الاول للتهليل بلقاء باريس بين الصادق المهدي وقادة الجبهة الثورية لا لأن اللقاء قد اثمر نتائج ملموسة وانتهت الحرب المندلعة في مناطق النزاع من غير رجعة، وإنما لأننا اعتبرنا اللقاء مقدمة اولي تتجاوز كل ما خطته الاقلام واشتملت عليه الاتفاقات التي زحمت علي الوطن الآفاق بعد مجئ الانقاذ الي الحكم، ولم نر طحناً. لو لم تكن المعالجات سطحية لاخذت في الاعتبار اسباب الامراض الحقيقية التي عاني منها شعبنا، ولما أهملت جوهرها الأعمق. الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والفكرية والسلام..الخ .لهذا نري أن الجسر الذي شيّده المؤتمر الوطني لا يصلح جسراً ذهبياً لتعبر فوقه الأزمة الوطنية. فهل يستمر المسلسل الدموي لعقود متوجهاً لتفتت تراب الوطن وتكراراً لتجربة انفصال جنوب السودان؟ ونبقي في حالة انتظار للمزيد؟ ام انه يمكن الوصول الي اتفاق سلام دائم؟ قبل الجواب (والاجابة واجب علي الجميع) نقول ومهما ظن البعض ان لقاء باريس لايقنع اصلاً احداً، بل ان بعضهم كان صريحاً واعتبرها سذاجة سياسية لان تجارب شعبنا مع النخبة لم تكن الا حصاداً للهشيم يري البعض ان درجة تورط العامل الخارجي هي التي تحدد قدرته علي فرض الحل بالرغم من أن هذا العامل هو ثانوي جداً مقارنة بالعامل الداخلي. يتحدث البعض ان المسألة كلها لا تخرج عن المناورات التي ألفها شعبنا من النخبة القابعة علي أطراف الصراع. ولكن تظل وتبقي العوامل التي هي وراء الأزمات سابقة علي الحريق. منها ما هو تاريخي كعقود إضطهاد القرون القديمة، ومنها ماهو دستوري منذ الاستقلال الذي أقر امتيازات للمركز علي بقية الأطراف. ومنها ما هو إجتماعي كتخلف المناطق البعيدة عن الوسط وفقرها والقهر المسلط عليها ويصبح بالضرورة أن بلادنا ليست مختمرة بمقدمات ثورة من أي نوع. فالثورات لها قواعد في حكم الغياب المطلق الآن. أن النظام الاقتصادي القائم علي الانتاج الطفيلي (التجارة، الخدمات، المضاربات في العملة، الاستثمار في العقار، المصارف، الاستهلاك). هذا لايشكل القاعدة المادية لمستقبل تغيير جذري قريب. وإنما كل ما يمكن تغييره هو خلق اقتصاد وطني مستقل يعتمد أساساً علي الزراعة والصناعة والسوق المحلية في ظل اقتصادٍ ينموٍ في بلد ديمقراطي وتطورات شاملة للدولة والمجتمع، واخيراً وليس اخراً فان الحرب قد برهنت بالدليل القاطع علي أن القتال لا يحسم الموقف بل هي حروب مستحيلة إن جاز التعبير.

الميدان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..