الحوارُ من أجل الحوار ?عبثٌ?

حتى زوال النظام
الحوارُ من أجل الحوار ?عبثٌ?
د. علي الكنين
عيد باية حال عدت؟ أبمآمرة جديدة ونية مبيتة للاستمرار فى الحرب التي لا تؤدي إلا لمزيد من الدمار والتشرذم والخراب وإهدار ما تبقى من مقدرات الشعب المارد الأبي الحليم وتزيد من معاناته وتفاقم الضائقة المعيشية؟ أم آت وفي جعبتك عبر التاريخ وذخر تجارب خمسة وخمسين عاما مضت عانى فيها الشعب من ويلات حروب الحلقة الشريرة وفقد فيها ما فقد من بنيه وماله وأرضه وعرضه؟
عيد بأية حال عدت؟ فالجديد عند شعبنا أن الذكرى السادسة والخمسين تمر عليه فاقدا ثلث سكانه وثلثا أرضه (ناقصا البشر والأرض)، فاقدا ما كان يوصف به: أرض المليون ميل مربع، أكبر اقطار افريقيا وسلة غذاء العالم ويشق أرضه أطول جزء من أطول نهر في العالم. والجديد عند شعبنا أنه يودع سنة الاحباط والغضب والحزن النبيل على الفرصة التي اتاحتها اتفاقية السلام الشامل لتحقيق التحول الديمقراطى بازالة القوانين المعيبة والتداول السلمي للسلطة بالانتخابات الحرة والنزيهة وبحلم الوحدة التي تتحقق على أسس العدالة الاجتماعية واقتسام السلطة والثروة والتنمية لكل اقاليم السودان? ولكن تشبث المؤتمر الوطني ، ذو النظرة الضيقة، بالكرسي الذي لا يستحقه، ناكرا حق الآخرين في العيش المتساوي والحق المتساوي في المشاركة في شؤون وقضايا البلاد الوطنية والحياتية، خيب آمال شعبنا وقواه السياسية في تجاوز مرحلة الشمولية بتحول لمرحلة ما بعدها في ظل الديمقراطية والتعددية .
العاقل من جعل التاريخ عبرة. فمن التاريخ نقرأ ان الحرب لم تحل المشكلة الوطنية في السودان. منذ مطلع الاستقلال وقبل إعلانه. لأسباب التنمية غير المتوازنة وسياسة المستعمر التى ركزت على تعميق التباين والفرقة بين شقي القطر، اتخذت البندقية وسيلة لاحقاق مايظنه أو يجزم عليه حاملها أنه الحق، فعمقت الأزمة. وتداولت مكونات الحلقة الشريرة السلطة، تبدأها السلطة الديمقراطية بمحاولة حل الأزمة بالطرق السلمية وقبل وقوع الحل، يعقبها حكم الانقلاب العسكري بتعميقها عن طريق البندقية. لم تحل البندقية أزمة السودان ولن تحلها. يجب ايقاف الحرب، إن نتيجتها مزيد من فقدان الأرواح والمال وتعميق لثالوث الفقر والجهل والمرض الذي يعيث به والذي هدً قواه وبدد ثروته، وستكون نهاية للأمل الذي يتعلق به كل مواطن: أن لا يسقط ما تبقى من الوطن العزيز إلى أعماق الهاوية.
عبرة التاريخ تحتم على المؤتمر الوطنى الحاكم المطلق (الملك العريان)، أن يسمع ويرى ماحوله ويراجع حصيلة حكمه وما قادته إليه، مقارنة بما وعد به الشعب عندما سرق السلطة في تلك الليلة المشئومة؟ فمن وعوده إنه جاء لتوحيد البلاد وفرض السلام ويجهل أن السلام لا يفرض بالبندقية والنتيجة كانت مليوني مواطن ضحية الحرب ومليارات الدولارات صرفت عليها، وفي نهايتها وبعد انهاك الجانبين وتدخل المجتمع الدولي، اجبرا لايقافها وخضعا لفترة انتقالية كلها توتر وانشقاقات ونتيجتها فقدان جزء عزيز من هذا الوطن الذي لم يكن غاية أي من قادة جزئي الوطن طيلة فترات النزاع، وكانت كلمة انفصالي وصمة عار لمن يوصف بها. كان الأمل في أن يصبح هذا الجزء حتى بعد الانفصال توأما وشقيقا وجارا يحمي ظهر الشقيق جنوبا ويحمي الشقيق ظهره شمالا ولكن وصلت المرارات حد الاستعانة بدولة الكيان الصهيوني العنصرية، وصنفت حكومة المؤتمر الوطني ما كان بالأمس جزءا منها بالمهدد الأول للأمن القومي، وتعلم علم اليقين أن سياساتها الخرقاء هي التي دفعت إلى الانفصال وإلى اتخاذ الموقف المعادي والذي بمزيد من التهديد ورفع شعار العداء سيقود الدولة الوليدة لبحث مزيد من الحماية لجأت لاعداء السودان. ماذا عن الحركات المسلحة في دارفور وجنوب النيل الازرق وجنوب كردفان والبندقية والذخيرة والعتاد وجميع عناصر وقود الحرب الذي تصرف عليه وعلى مؤسساته اكثر من ثلاثة ارباع الميزانية. اما يحتاج هذا الوضع لوقفة منكم أيها المتشبثون بحكمكم الذي لا محالة زائل؟ ضعوا التاريخ الذي لا يرحم نصب أعينكم!
أما الحالة المعيشية والاقتصادية: فحكومة الانقاذ جاءت لتوقف تدهور الجنيه السوداني في السوق الموازي وقد بلغ الدولار فيه الاثني عشر جنيها(لو ما جينا كان وصل عشرين جنيها!? فوصل إلى 4300 ما يقارب الـ400 مرة تدهورا على ما كان عليه) وجاءت من أجل أن نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع، ولا يندهش الشعب السوداني على ما آل إليه حاله في المأكل والملبس لأنه تعود على مثل هذه الشعارات الجوفاء والكاذبة، ويكفي، دون خجل أو نقد في الميزانية الأخيرة، أن يطرح محافظ بنك السودان المركزي لحل العجز في الميزان التجاري، بمعالجة مشكلة استيراد السلع الغذائية الرئيسية (القمح والسكر والزيت) ويضيف لها ما كنا نصدره? البترول! فداخليا لم ينجح النظام في إطعام شعبه من جوع ولم يأمنهم من الخوف. وتعم الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات المشروعة البلاد..لقد فشل النظام فشلا ذريعا? والفشل كثير وكبير داخليا وخارجيا.
حل قضية السودان ينحصر في أن هذا النظام يجب عليه وفي داخله ومن داخله أن يتناصح ويتفاكر ويقيم وينتقد مسيرة حكمه، ويعلم أن هذا الطريق لن يقوده لغير ما قاد إليه صنوه من الحكام.. فهو يسير فى طريق اقصاء الآخر حتى لو اراد أن يقنع نفسه أن في حكومته العريضة وفي معيته أربعة عشر حزبا (أحزاب التوالي) فإن الأحزاب المسجلة تفوق الخمسة وسبعين حزبا، فالاقصاء حتى بحساباته لأكثر من واحد وستين حزبا(أكثر من 80% من الأحزاب المسجلة) أين الحكومة ذات القاعدة العريضة؟ الشعب السوداني يعلم أن الذي يحكم هو المؤتمر الوطني ببرنامجه وهياكله ويتبعه من رضى بالجزرة. بالتأكيد إن كان صادقا مع نفسه، سيتوصل إلى أن حكمه لاينصلح إلا بالاقتناع على أن القضية الوطنية وتعقيداتها أكبر من قدراته، وعليه التفكير في كيف يكون الرحول!
لن يكون الحوار مفيدا إلا حول كيفية تكوين الحكومة القومية الانتقالية لتحل محل الحكومة ذات القاعدة الوهمية، وتكون حقا قومية من كل ألوان الطيف السياسي من قوى الهامش والمركز، وتحدد مدتها، ولا تتعدى مهامها: ايقاف الحرب بمشاركة حاملي السلاح في حل قضايا الوطن، قيام المؤتمر القومي الدستوري الذي يحدد كيف تحكم البلاد والمؤتمر الاقتصادي لوضع برنامج لحل الضائقة العاجلة وعلى المدى الطويل، ثم الإعداد والإشراف على الانتخابات ومكوناتها لتكون حرة بحق ونزيهة.
الميدان