الزعيم الأزهري.. تفاصيل الساعات الأخيرة..شاهد عيان يروي حكايات مثيرة حول اجتماع الساعات الأخيرة قبيل انقلاب 25 مايو

لماذا فضل الأزهري انتظار الانقلابيين داخل منزله رافضاً الهروب كما فعل آخرون؟!

تحقيق: علي الدالي

الأشقاء في الحزب الاتحادي الديمقراطي بجميع تياراته يختلفون في كل شيء إلا الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري، فهو عندهم رقم فاض وملأ كل الخانات العددية، وجلس على قلوبهم وتربع حباً وعشقاً وهياماً، ولعل ما يؤكد روايتي اللافتات المرفوعة في دور أحزابهم كلها تحمل صورة الأزهري، ثم إن أدبيات أحزابهم ما زالت تحمل في متنها الأنشودة التي ظلت شعاراً (كولينغ) لطلاب الحزب في الجامعات وقطاعات شبابه، حيث يردد الأشقاء بمختلف تياراتهم: (نور تبعثر في وجوه أشقتي رسم الملامح، ثم قال: يا أيها الآتون من جينات إسماعيل إن كان إسماعيل قد مات فإن القضية لم تمت)، فالحب الأزهري عندهم يشبه اجتياح الأشواق للعاشقين في الثلث الأخير من الليل.
نعم إسماعيل قد مات وبقيت القضية، ولكن كثيرا من الأشقاء وقطاعات أخرى من السودانيين تغيب عنهم حقيقة موت الأزهري رغم مرور 45 عاما على رحيله الغامض، وكل الاجتهادات التي سودت صفحات الكتب والصحف إلا أنها لم تصل إلى الحقيقة.. من خلال هذا التحقيق الاستقصائي اجتهدنا أن نصل إلى حقيقة كيف مات الأزهري؟! عبر استعراض آخر أيام الزعيم إسماعيل الأزهري.
ليلة وفجر 25 مايو 1969م
أحس موظفو اللاسلكي (وردية ليلة 25 مايو 1969م) بتحركات مريبة لمدرعات وعربات ومشاة، في الشارع الذي خلا من المارة حوالي الثانية صباحاً، أسرع أحدهم إلى الاتصال بصديق له مقرب من الرئيس أزهري لإبلاغه بتلك التحركات الحثيثة.. لم يكن أمام الصديق إلا أن يهب إلى التبليغ الفوري عمّا سمعه من الموظف باللاسلكي.
في الرابعة من صبيحة يوم الانقلاب رنّ هاتف منزل القيادي في الحزب الاتحادي والمقرب من الزعيم الأزهري الأستاذ علي بشير أبولاكوعة رفع سماعة الهاتف فإذا بالمتصل أحد أصدقائه العاملين في مصلحة اللاسلكي أخبره عن تحركات عسكرية في عدد من الوحدات العسكرية، ويرجح أنها تحركات انقلاب عسكري، ولم يجد أبو لاكوعة غير أن يخرج من منزله ويتجه صوب منزل الرئيس إسماعيل الأزهري، وهو في طريقه إلى المنزل يفكر في طريقة تبليغ الأزهري بالنبأ لا سيما أن المنزل محاط بسياج أمني وحراسة عسكرية، فكر مليئاً وانتهى به المطاف أن لا يدخل منزل الرئيس من بابه فالأمر لا يحتمل أية برتوكولات أو تأخير، فقرر أخيراً أن يدلف إلى المدرسة المجاورة للمنزل ويتسلق الحائط، يقول أبو لاكوعة: إنه تعدى الحائط كما النسمة التي مرت على (شيمة في النيل الهائج ) ، حرك أنامله بهدوء وطرق الباب الداخلي للمنزل فإذا بالحاجة مريم حرم الرئيس ـ أطال الله في عمرها ـ تفتح الباب في ذهول وتجد أمامها صديق زوجها وتبادره بسؤال، ماذا هناك يا علي؟، لكنه بادرها بسؤال آخر أين الريس؟، ردت في الحمام.. فقال لها بسرعة كأنه لا يرغب في إضاعة أية دقيقة: وصلتني معلومات تؤكد أن هناك تحركات عسكرية في شوارع العاصمة ما يشي بقيام انقلاب عسكري وشيك لكن لاذت بالصمت ولم ترد عليه.
الأزهري يبلغ بتحركات العسكر
يخبرني أبو لاكوعة أن الزعيم الأزهري وفور خروجه من الحمام ألقى عليّ التحية واستفسرني عمّا أتى بي في هذه الساعة المتأخرة من الليل، فسردت عليه ذات القول الذي سلف لعقيلته الفاضلة، لكن الأزهري بدا لي غير مكترث بما قلت وعلى العكس أخذ في الاستعداد لصلاة الفجر وفي أثناء انشغاله وجهني بأن أذهب فوراً إلى منزل القيادي خضر حمد ـ منفذ فكرة مؤتمر الخريجين وأحد مؤسسي حزب الأشقاء والوزير الأسبق في حكومة أزهريـ وأن أدعوه إلى اجتماع المكتب السياسي الطارئ للحزب، يقول أبو لاكوعة: إنه خرج من منزل الأزهري قاصداً أبو روف، وبلّغ خضر حمد رسالة الأزهري، وخرج بعدها ليبلغ أحمد زين العابدين بالاجتماع، ثم قيادات أخرى مثل إبراهيم المفتي، وعبد الماجد أبو حسبو، وفي أثناء تبلغيه وجد محمود أبو النجا وقد سمع بالخبر وتبرع من تلقاء ذاته بتبليغ بعض القيادات.
قيادات الاتحادي تتحرك
حسب توجيهات الأزهري بدأت قيادات المكتب السياسي للحزب الاتحادي ـ الحزب الحاكم حينذاك- في التحرك بينما وصل أبو لاكوعة ومرافقوه إلى منزل مرشد السجادة الختمية وراعي الحزب محمد عثمان الميرغني في الخرطوم (2)- حاليا المنزل تشغله السفارة الهولندية- ويروي أبو لاكوعة أنهم وجدوا الميرغني في باحة المنزل يودع أحد زائريه وتم إبلاغه بدعوة الرئيس إلى اجتماع المكتب السياسي بخصوص التحركات العسكرية وافق الميرغني على الفور على عقد الاجتماع.
الاجتماع الأخير
وبالفعل اجتمع المكتب السياسي في منزل الميرغني كما أراد زعيمه الأزهري، وكان آخر اجتماع لتلك القيادات في العهد الديمقراطي الثاني، بل يعدّ الاجتماع الأخير للمكتب السياسي بهذه التشكيلة، التي ضمت الرواد الأوائل لجيل الحركة الوطنية أمثال خضر حمد، وإبراهيم المفتي، وأحمد زين العابدين، حيث لم يقدر لتلك الشخصيات أن تجتمع مرة أخرى في مكان واحد، حيث غيّب الموت معظمهم في أوقات مختلفة إبان حكم الرئيس نميري، ورغم تأخر انعقاد الاجتماع لوصول بعض القيادات في غير المواعيد المحددة؛ لأن الحركة كانت صعبة للغاية بعد أن بدأت سلطات الانقلاب الجديد في الانتشار بكثافة في الطرقات والمداخل الرئيسة لتأمين انقلابهم، إلا أن الاجتماع المفصلي امتد إلى ساعات طويلة بعد أن التأم الجميع حيث أخضعوا الموقق إلى نقاش مستفيض.
الميرغني يحتفظ على مقترح كسر الانقلاب
يقول محدثي علي بشير: إن الاجتماع كان ساخناً، وناقش أمر الانقلاب، وكشف عن مقترح من داخل الاجتماع بتحريك النقابات التي يسيطر عليها الحزب، وتعبئة الشارع ضد أي تحرك عسكري، لكن الميرغني لم يتحمس للمقترح وأهمله، وقال أبو لاكوعة: إن الميرغني داخل الاجتماع بدأ في التسويف والمماطلة وبدأ غير متحمس لخروج المجاهير لمناهضة الانقلاب، ما أدى إلى ثورة بعض القيادات داخل الاجتماع.
الشريف يخرج متنكرا
يحكي أبو لاكوعة: إنه ذهب في تلك الليلة إلى منزل الشريف حسين الهندي لتبليغه بالدعوة لكنه علم من مقربين منه أن الشريف خرج متنكراً بعد أن علم بأمر التحركات في (زي الجنايني)، ولكن من أسروا له بذلك لا يعلمون وجهت الشريف ولا إلى أين هو ذاهب، وقال أبو لا كوعة: إنه أحس بعدم جدوى الاجتماع الذي سيلتئم في منزل الميرغني؛ لغياب أزهري، والشريف، عن الاجتماع والمشاركة فيه، لكن “أبو لاكوعة” نفسه لم يجد غير الإشادة بموقف بعض القيادات الاتحادية التي خرجت من الاجتماع وأخذت تعبئ في الجماهير وتحرك بعض النقابات التابعة إلى الحزب لمناهضة الانقلاب لكنها فشلت لضيق الوقت، وفوات الأوان بسبب الاجتماع الأخير الذي دارت فيه أحداث انتهت إلى اللا قرار بسبب التماطل والتسويف.
غياب الأزهري يثير تساؤلات
أثار غياب الأزهري عن حضور الاجتماع المفصلي تساؤلات كثيرة دارت في أذهان أعضاء المكتب السياسي، ودار همس خافت داخل الاجتماع حول الغياب المفاجئ، لكن أبو لاكوعة كان هو الشخص الوحيد الذي يملك حل اللغز الغامض، وقال لي: إن الأزهري أخبره بأنه سوف يصلي الفجر وينتظر داخل منزله فإن حدث الانقلاب سينتظر الانقلابيين ليتم اعتقاله من داخل المنزل، وبدأ الأزهري غير متحمس لفكرة الاختفاء أو الهروب من المواجهة، بينما كان في نية محدثي أن يصنع سياجاً أمنياً للرئيس وحمايته من الاعتقال لكن إصرار الأزهري ورغبته في البقاء داخل المنزل أجبرته أن يغادر وينفذ توجيهاته بالدعوة لاجتماع المكتب السياسي ليقرر.
سؤال وصراحة
بادرت محدثي بسؤال عن لماذا لم يتم الاجتماع داخل منزل الزعيم ولماذا لم يرأس الرئيس الاجتماع المصيري الحاسم؟ فأجاب لعل الزعيم أزهري أراد أن يكتشف رؤية جانب الحزب الآخر ـ الشعب الديمقراطي ـ في مسألة التحركات العسكرية لا سيما أن الحزب كان حديث التكوين بعد الاندماج الذي حدث في العام 1967 بين الوطني الاتحادي بقيادة إسماعيل الأزهري، والشعب الديمقراطي بقيادة الشيخ علي عبد الرحمنأ ورعاية مرشد الختمية.
شكوك حول موقف الميرغني
أسرّ إلى محدثي أن غالبية أعضاء المكتب السياسي من الاتحاديين باتوا مقتنعين أن الميرغني يميل نسبيا إلى الانقلابيين بعد أن وصلت لديهم معلومات تشير إلى أن التدبير للعملية الانقلابية تمت بالقرب من دائرة السيد علي الميرغني، وأن بعضاً من أبناء خلفاء الطريقة الختمية متورطين في قيادة الانقلاب ضد الشرعية الديمقراطية، وتقويض نظام الحكم الديمقراطي الثاني في السودان، بقيادة الزعيم الأزهري، ثم ذهب محدثي إلى أن التأييد للحكم المايوي فيما بعد من قبل مرشد الطريقة الختمية أكد لهم بما لا يدع مجالاً للشك أن راعي الحزب كان غير متحمس لأي تحرك يجهض الانقلاب ابتداءً.

في الحلقة القادمة
ماذا فعل الزعيم قبل اعتقاله بلحظات؟..
ملابسات اعتقال الأزهري..
وتفاصيل أخرى يرويها شهود عيان..

تعليق واحد

  1. ابولاكوعة ده كان لافي بي مروحية..لف للجماعة ديل كلهم والاجتماع تم كمان..اول حاجة بيعملا الانقلاب بقفل الكباري اها نط البحر زي ما نط سور المدرسة ..

  2. يتحمل الميرغني الآن جزءاً كبيراً من مسؤولية ما آل إليه الحزب من ضعف , بعد أن أصبح الميرغني الرجل الأول في الحزب , لكن , إستمرأ الإتحاديون أن يعزو كل مصيبة للميرغني و لو حدثت عندما كان الميرغني طفلاً , إما لبغض شخصي له أو لدرء إتهامهم بالكسل و التقاعس , فيسارعون لتفسير كل حالات التراجع لوجود الميرغنى .. إقرأ مرة أخرى قول أبو لاكوعة عن مماطلة الميرغني و دوره في إحباط فكرة كسر إنقلاب مايو … هل كان الميرغني عام 1969 بهذه القوة التى يهزم بها لوحده مقترحاً قدمه أولئك القادة المذكورون في المقال ؟ إذا صحت هذه الرواية الضعيفة ؟؟ … الميرغني .. الميرغني ,, الميرغني ,, السيد , السيد , السيد .. خلاص إقتنعنا إنه السيد سبب ضعف الحزب .. ورونا دوركم شنو لمعالجة أمر الحزب بدلاً من تعليق كل مصيبة في رقبة الرجل , بالحق و الباطل

  3. يا الله ايام جميله تلك التي قضيناها في رابطة الطلاب الاتحاديين الديمقراطيين بالجامعات السودانيه ….. لازلت كما كنت الشقيق علي الدالي ….. اؤمن علي ما قلت عن الزعيم الازهري فهو فعلا رجلا لم تمسه تهمة العماله وبيع القضيه طيلة حياته …… يده عفيفه وطاهره كما دواخله …. يندر او يكاد ينعدم تكرار اولئك …. فقط تبقي زكراهم عطره في دواخلنا ….. ولك تحياتي … دكتور ودضبعه .. الامارات …

  4. جيش بالله العلى العظيم غير الانقلابات واعتقال السياسيين واحتلال الكبارى والاذاعة والقيادة العامة ومحاربة المعارضة السودانية ما عنده شغلة تب ومعه بعض المدنيين السفلة الفشلة!!!!
    هسع هل تفكر دولة فى شبر من الاراضى الهندية بدون ما يتصدى لها الجيش الهندى المحترف المحترم؟؟؟ وخليكم من الجيوش البريطانية او الامريكية او حتى الجيش الاسرائيلى الما عندهم شغلة بالحكم او محاربة شعوبهم بالطبع ولكنهم اسود امام اعدائهم الخارجيين بالحق او بالباطل!!!!
    اما ناسنا هنا كل حديثهم فى ذكرى انقلاباتهم هى احتلينا الكبارى والاذاعة والقيادة العامة والاستخبارات العسكرية ضللت السياسيين وراقبنا السياسيين واعتقلناهم وهم دى قايلنها بطولات واظنهم منتظرين من المهنيين ان يرجعوا لهم حلايب او يطردوا الحبش من الفشقة والغريبة يقدولوا فى الشسارع !!!
    هسع اى سودانى يلتحق بالقوات المسلحة يكون فى ذهنه حاجتين فقط وهى الانقلابات ومحاربة المعارضة فقط لا غير !!!!!
    اضعف الجيوش فى العالم امام الاجانب هى الجيوش التى تحكم وتطارد معارضيها من ابناء الوطن ودى ما بيختلفوا فيها اتنين دلاهات!!!!!!!!!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..