د. محمد عبد الحي..الشاعر والأكـاديمي

SMC الخرطوم

في مجمل حياته القصيرة التي كانت أربعة وأربعين عاماً، اكتناز في السيرة الذاتية وفتح في عوالم الشعر والفكر والأكاديميات.. كيف لا ومنذ ميلاده في فبراير من عام 1944م وفي مماته الفاجع في أغسطس 1989م، عمل دؤوب دون كلل أو ملل لإثبات ما كان يبحث عنه فكراً وقناعة.. وداخل أسرة قدمت للوطن الكثير والجليل.. ولد الشاعر محمد عبد الحي محمود، فوالده من أبكار المتعلمين السودانيين وأهل أبيه من الأوائل الذين اهتموا بالعلم في تاريخ السودان.. أما أهل والدته فكان منهم الشاعر والمفكر والاقتصادي سعد الدين فوزي أول عميد لكلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم حين سودنتها في عام 1955م. ودلف محمد عبد الحي نحو مدارس الحكومة النظامية فكان سريع التدرج في مدارج العلم حتى وصل في سن مبكرة للمرحلة الثانوية بحنتوب الثانوية. ومنذ طفولته عرف بالهدوء والتأمل، فكان سريع الالتقاط لكل الجديد عليه، خاصة الشعر العربي القديم. وأهله ذلك ليكتب الشعر وهو بالمرحلة الوسطى من التعليم. وحين وصوله للعام الثالث بمدرسة حنتوب الثانوية أكمل كتابة قصيدته الأشهر ( سنار) التي صارت على كل لسان، وستظل كذلك لما حملت من فكرة جديدة أجمع عليها الجميع توافقاً في الهم الثقافي والفكري للسودان. ومن عجائب حياته أنه تم قبوله طالباً بكلية الطب بجامعة الخرطوم، فكان أن فضل الالتحاق بكلية الآداب بنفس الجامعة. فأبدى تفوقاً ملحوظاً أهله فيما بعد ليصبح أحد أميز أساتذة كلية الآداب وتحديداً الأدب الإنجليزي. وكتب الشاعر محمد عبد الحي عدداً من المجموعات الشعرية بدءاً بـ (العودة إلى سنار) وانتهاءً (بحديقة الورد الأخيرة) مروراً بديواني (الله في زمن العنف) و(أقنعة القبيلة). وأثناء حياته قام بجهد جبار لإخراج تراث الشاعر الفحل التيجاني يوسف بشير النثري بمشاركة الأستاذ بكري بشير الكتيابي، زائداً جهوده الثرة في الكتابة الفكرية الراتبة بالصحف والمجلات المحلية والعربية. من أكثر دراساته الأدبية الدالة على سعة موسوعيته الأدبية دراسته المنشورة بمجلة «الدوحة» القطرية صيف عام 1979م حول إشارات التشابه ما بين الأديب الإنجليزي وليم بليك والأديب السوداني معاوية نور.
وزاوج عبد الحي بين الكتابة الفكرية وكتابة الشعر والدراسات النقدية والترجمة، وهو ما كان وجوداً لعدد قليل جداً من الأدباء عبر تاريخ الأدب في العالم. وفي هذا يعتبر نتاجه في الترجمة الشعرية هو النتاج الأكثر وجوداً داخل منظومة الأدب السوداني. وبدأ بأولى ترجماته التي ظهرت في الصحف السودانية بدءاً من عام 1965م بصحيفة «الرأي العام» وانتهاءً بآخر ترجماته التي ظهرت في عام 1985م بصحيفة «الأيام». وتعتبر القصيدة الأشهر للشاعر الإنجليزي ت. إليوت (قصيدة حب لألفريد بروفرك) هي القصيدة التي أوصلته لمصاف المترجمين العظام للشعر في العالم وتاريخ ترجمتها عام 1973م. وقدم الشاعر أثناء حياته القصيرة برنامجاً إذاعياً بعنوان (أقنعة القبيلة) بالإذاعة السودانية في فترة السبعينيات. وعمل محمد عبد الحي أستاذاً للأدب الإنجليزي بجامعة الخرطوم منذ أوائل السبعينيات وحتى وفاته، فظل واحداً من أميز الأساتذة الذين مروا على كلية الآداب بالجامعة، وهو ما جعل البروفيسور عبد الله الطيب يقول عنه: «انه طالبي وزميلي»، إذ أنه تلقى الدرس على يديه بالكلية وفيما بعد أصبح زميلاً له. وداخل حياته الضاجة بكل جميل من لغات وآداب وبحث وتقصٍ للثقافة السودانية تبرز مجموعة كتاباته حول الثقافة السودانية، وهو ما قام بتتويجه بكتابه الأهم (الهوية والصراع) (Identity and Conflict).
وفي مقتبل الثمانينيات وتحديداً في عام 1980م ظل الشاعر محمد عبد الحي يزاوج بين التدريس بالجامعة والعمل الثقافي والكتابة بالصحف والدوريات، زائداً عمله بمصلحة الثقافة، وهو ما أرهق جسده فأتاه المرض، فظل لعامين متوعكاً حتى أتي شهر أغسطس من عام 1989م، فرحل لدار الخلود مخلفاً إرثاً أدبياً قل نظيره بين أدباء السودان بحثاً عن هوية الإنسان السوداني الثقافية.

الإنتباهة

تعليق واحد

  1. له جزيل الرحمة
    أطروحته العلمية القيمة متوفرة بالمكتبات السودانية بعد أن عكفت زوجته أ.عائشة موسى على ترجمتها..وقام مركز عبد الكريم ميرغني بطباعتها ونشرها

  2. له الرحمة والمغفرة وعزاءنا لاسرته وخاصة الزميلة الدكتورة / شيراز – التي كانت جادة في زمن الدراسة الجامعية وخاصة في المنتديات الشعرية التي كانت تقيمها الجبهة الديمقراطية أن تقدم نصوص شعرية من كلمات والدها المرحوم الدكتور محمد عبدالحي .له الرحمة والمغفرة.

  3. رحم الله الدكتور محمد عبد الحي هو وحده من تصدى لاشكالية الهويه برؤيه ثاقبه وكان مؤمنا بما يقول ويفعل.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..