فى ذكرى إستشهاد الشريف حسين الهندى
فى ذكرى إستشهاد الشريف حسين الهندى
الأمين محمود جميل
[email protected]
إستشهد فى التاسع من يناير 1982
لو بكيت عليك دهراً بكاء الخنساء على صخر، أو كتبت عنك مجلدات مدادها ماء النيلين ما أوفيتك قليلا من حقك ، و قد كتب راثيا لك أدباء خالدون ،هم عباقرة عصرهم و زينة جيلهم و أجيال قادمة ،كتب عنك،مثلاً، الاستاذ صلاح أحمد إبراهيم ،رحمه الله فقال “يكفيني هنا و الحزن منيف أن أحني رأسي إجلالاً لرجل مقاتل بحق .. لم يضن بدقيقة من وقت أو ذرة من نشاط في سبيل ما نهض في سبيله حتى خر في ذلك صريعا ، لقد كان صوتا عاليا من أصوات المعارضة السياسية في السودان ، بل أعلاها صوتاً ، و كان وجهاً مبرزاً للمعارضة السياسية في السودان ، و في مواقف و منابر وجهها الوحيد، و كان إلى جانب ذلك نموذجاً مجسداً للتفاني و البذل و الإصرار، إتفق المرء معه أم اختلف في شئ ،، أحني رأسي إجلالاً لعزيمة لم تهن و لشجاعة لم تنخذل و لسماحة دأبنا على تسميتها بالخلق الاصيل تزين الساحة ، أحني رأسي إجلالاً لجوال حمل قضيته على العاتق واغذ السيرفي ليل و نهار،في عافية و مرض ،في غربة ممضة و وحدة مريرة …”
أما أنا سيدي و معلمي وزعيمي فلا أرثيك لكني أناجيك ،فأنت و إ ن غبت عنا بجسدك فما زالت روحك الطاهرة بيننا و ما زال حديثك مرشدنا ودليلنا و ما زالت كلماتك ترن في أذني وتنير لنا طريقنا المظلم الوعر ، فالرجال ذاهبون و تبقى حكمتهم ومواقفهم و يبقى الوطن و يبقى الشعب و يبقى التاريخ، و قد سجّلك التاريخ بأسطر من ذهب على صفحات ناصعة في مقدمة شهداء الوطنية و الديمقراطية . لقد افتقدتك سيدي و افتقدك معي وطنك و شعبك و افتقدتك الأمة العربية و الاسلامية ، كما افتقدتك كل شعوب العالم المغلوب على أمرها الثائرة من أجل الحرية و الديمقراطية ،افتقدتك كل الشعوب الفقيرة التي عمّها فضل علمك بالاقتصاد و السياسة فأشبعها من بعد جوع و استنهضها بعد خمول وركوع .
حالنا بعدك و حال شعبك ووطنك مزرية ورديئة ، أصبحنا في أسفل سافلين ،الحمد لله ، بفضل “الذين حاولوا أن يقولوا نحن وحدنا مسلمون في بلد أغلبه مسلمين، وجميعهم أقوى في اسلامهم و في دينهم من أولئك الذين رفعوا هذه الراية، وخدعوا بها أجيالاً متعددة في بلد كله اسلام، كله تراث للإسلام ، يرفع واحد منهم راية يقف تحتها مئات و يقول أنا وحدي المسلم،.. و مع ذلك رضي الناس به و لم يرضى هو، فأصبح الآن طبقة .” نعم سيدي أصبحوا طبقة من الأثرياء، لقد ابتدعوا سياسة التمكين نهبوا ثرواتنا و سرقوا أراضينا نهاراً جهاراً ، فلو حسبت دخل أحدهم الشهري و افترضت أنه عُمّر منذ أن أنزل الله سيدنا آدم على لأرض و إلى الان لما فسّر لنا كيف جاء بهذه الثروة .هذه حالهم و بالمقابل ،والله على ما أقول شهيد، رأيت بعض أبناء شعبك يأكلون من صناديق القمامة في قلب العاصمة و آخرون، رجالاً و أطفالاً و نساءاً يستجدون أمام المساجد و في الطرقات . و رأيت موظفيناً أكفاء يعولون أسرهم و أسر أهلهم فصلوا من الخدمة و شباباً بالملايين يتسكعون في المدن و القري بدون عمل، رحم الله عهدك عندما كنت وزيرا للمالية ،فقد عمّ الرخاء و كان معدل العطالة صفر، بفضل ذكائك و علمك بالاقتصاد، وكان جنيهنا يساوي أكثر من ثلاثة دولارات. أتذكر عندما كان يأتيك وزير المالية السعودي، قبل مواسم الحج، مستجدياً وراجياً أن تخفض قيمة الجنيه السوداني. إنها أيام خالدات. قال عنك رئيس البنك الدولي مستر روبرت ماكنمارا في مذكراته ” خلال عملي لمدة ثماني سنوات في البنك الدولي -1961- 1968 لم يستوقفني ويدهشني محافظ من محافظي البنك، بحكم مناصبهم كوزراء مالية ،كما استوقفني و أدهشني شريف السودان في نقده لسياسة البنك الدولي التمويلية ” فأنت سيدي هدية الله لوطننا وأمتنا ، رحمك الله بقدر ما قدمت لشعبك و لأمتك.
لا أريد أن أشكو إليك بقدر ما أريد أن أحدثك عن وطنك وعن حزبك ، في التاسع من يوليو 2011 فُصل جنوبنا الحبيب ،لا تلومنا فقد حاولنا أن لا يحدث ذلك ، قائدنا صديقك ورفيق دربك، زميل كفاحك و محل ثقتك الاستاذ علي محمود حسنين الذي كتب و رفع المذكرات، و عقد الندوات و تحدث عن خطورة بروتوكول مشاكوس الذي مهد للانفصال، و بذل الجهد في مؤتمر جوبا مع كل القادة السياسيين لاتخاذ التدابير اللازمة حتى لا ينفصل الجنوب ، لكن ما أكثر المتخاذلين !.. حدثونا عن السلام بعد الانفصال فحدثت الحروب في دارفور و شمال كردفان و جنوب النيل الأزرق و ما زالت مستمرة ، و حدثونا عن الرخاء ففقدنا 36% من دخلنا القومي و ارتفعت أسعار السلع الضرورية و خرج علينا وزير المالية مطمئناً بأنه إذا حدث إرتفاع في أسعار المحروقات فهذا لا يؤثر علي محدودي الدخل، و لا أدري أهو استخفاف بعقولنا أم هو جهل السيد الوزير؟
لقد دُمر مشروع الجزيرة ووهبت مبانيه و أصبحت محالج القطن و مصانع النسيج منازلاً للبوم والوطواط ، و انتهت مشاريع الإصلاح الزراعي و هجر المزارعون الأرض و القرى . أما مصانع الجنيد و كنانه و مصانع السكر الأخرى فيتم تصدير انتاجها المتدني، و القليل منه يذهب للسوق المحلي . مرافق الدولة الآخرى انهارت كما إنعدمت كل الخدمات وتلاشت الإدارة و كثر الفساد حتى أصبحنا من أكثر خمسة دول في العالم فساداً ، حتى الأخلاق فسدت و القيم إندثرت و أصبح كل شئ بالمال الذي أصبح سارقه محترماً و مقدراً ،وكما قلت إنها ثقافة المذلة و الهزيمة الروحية و التراجع الفكري و الخلقي التي بعثها هذا النظام.
باختصار ووضوح لقد ضاع وطننا ، فلت من بين أصابعنا، لكننا واثقون من استرداده فقد علمتنا أن نكون “الأمناء و الحراس على مسيرة هذا الشعب و مساره، و الحفظة على مكتسباته الوطنية و انتماءاته القومية ” و علمتنا أن لا نخاف وقلت “أن حاجز الخوف ليس من الخلق السوداني و إنه مستورد من شعوب ضعيفة و قيم ضعيفة و تراث ضعيف هو ليس من تراثنا. إنه حاجز غير مرئي و غير موجود فنحن لا نخاف النظام الآن و لا نخاف ما بعد النظام “. و علمتنا “أن نقف ضد النظم القهرية و الديكتاتورية و العسكرية و الفاشستية، كمبدأ أساسي و مركزي،لا من أجل مصلحة أو مشاركة أو ضغوط خارجية وموازنات استراتيجية مرحلية أو تكتيكية” . ومع كل ما بذلته من جهد سقطت فئة ضالة انتهازية وصولية ضعيفة ، منهزمة منافقة و متخاذلة داسوا على القيم و المبادئ ، و كأنهم لم يسمعوا قولك “بأن الذي يظن أننا جزء من متاعه، أو حفنة من أتباعه ،فقد أخطأ قراءتنا ، و عليه أن يعيدها بوعي و فهم و إدراك . إن حزبنا هو الوطن مصغراً و إن وطننا هو الحزب مكبراً،و إن كل متخاذل في صفوفنا ،مترام على السلطة متهاو بين أقدامها، سيكون مصيره مصير النظام نفسه، لا أقل، و لا عذر لمن أنذر”. إن سقوطهم سيدي طهر صفوفنا و نظفها و ألهمها قوتها و صمودها و نقاءها، بينما تسربلوا هم بالخزي و العار و نالوا لعنة الله والوطن وغضب جماهيرنا الصابرة الصامدة.
لقد سقط مع من سقط السيد محمد عثمان ، فأكمل عجلة التاريخ بتأيده و اشتراكه في كل النظم العسكرية التي حكمت وطننا ،و نحن كما علمتنا أن “لا قداسة في السياسة، نحترم رجال الدين ما التزموا جانب الدين و اعتصموا بدينهم وربهم لكننا لن نهادن الكهنوت السياسي و الرهبنة ” لهذا فقد تحللنا من كل ما يربطنا به سياسياً و أصبح من جملة الخارجين عن مبادئ الحزب التي استشهد في سبيل الحفاظ عليها الكثيرون و في مقدمتهم الزعيم الأزهري و أنت يرحمكم الله و يجعل قبوركم رياضاً من رياض الجنّة . تلك المبادئ التي وصفتها بأنها ” حوافز النضال لنا، و لجماهير حزبنا العملاقة ،وهي علامات طريقنا مطرزة بدماء الشهداء ،و موشحة بمعاناة المجاهدين. و كل من تطيب له حياة أو يحلو له مقام أو ينعم بنوم، أو يستقر في راحة، أو يسعى لفرقة ،أو يقدم مصلحته فهو ليس منا، وهو عمل غير صالح”.
سيدي ، نحن أبناؤك و تلاميذك على طريق المجد الذي رسمته سائرون، نعض على وطننا و مبادئ حزبنا بالنواجذ لا نرضخ ،و لا نستكين ،و لن نركع ،و لن نضيق بالكفاح إلى أن نلحق بك ، يتقدمنا الطلاب الاتحاديون و جموع من محبيك و مئات الآلاف من جماهير حزبنا العملاق بقيادة رفيقك المناضل على محمود حسنين .
عشت خالداً و عاشت مبادؤك و مبادئ الأزهري و حسنين ، و أسمح لي أن أختم مناجاتي لك كما بدأت ببعض ما كتبه عنك أستاذنا صلاح محمد أبراهيم عليه رحمة من الله ورضواناً ،كتب الاستاذ صلاح” لا ينبغي لشامته أن يقر عيناً و يهدأ بالاً بهذا الفقد الفاجع ،و الأمل المهيض، فالموت عظة الغافل و المغرور، يطول الأعزل و يطول العزيز و لو كانوا في بروج مشيدة ، لا ينبغي لشامته أن يقر عيناً و يهدأ بالاً ، فإن ما لا يذهب قط باق هناك ، الأفراد مهما بلغ شأوهم و عظم شأنهم و جلّ عطاؤهم هم بضعة شعبهم الولود ، إذن فما مات الشعب و لا مات تصميمه، و ها المارد يتحرك ،و الجبل يتململ، و التنور يفور، و لعل في هذا الفقد ما يوقظ الهمم و ما يزيد الشعب المناضل حمية على حمية و هو يرى الغائب آيباً، و لا تزال تحكم الوطن النبيل المعايب .
قل لمن عربد في الشعب طويلاً لعنة التاريخ في اسمك تلصق
عبثاً تطلب منا المستحيلا نحن قناصك و السيف المعلق”
رحم الله الشريف حسين الهندي شهيد الوطن و الحرية و الديمقراطية ورحم الله رفاقه الكرام .
ليت الشهيد الشريف كان حياً لنعرف رأيه في مشاركة دراويش الختمية في حكومة الحزب اليهودي السوداني الحاكم بالله عليكم أين هؤلاء الذين شاركوا من تعاليم وتاريخ هذا القائد الفذ ليري ماحل بالحزب التحادي الديمقراطي وكنت متوقعاً منك أستاذنا رأياً حول مشاركة دراويش الختمية في حكومة الحزب اليهودي الصهيوني الحاكم
هو الشربف استشهد . :confused: