المصارعة الشعبية .. أكثر من مجرد لعبة

EFE ©
تحظى المصارعة الشعبية برواج واهتمام كبيرين في جنوب السودان، فهي تعتبر بمثابة ممارسة ثقافية ترويجية تستعرض من خلالها المجموعات الثقافية ثراءها التراثي ومهاراتها البطولية في فنون المصارعة والقتال.
وتسود هذه اللعبة بشكل كبير في أوساط المجموعات الرعوية النيلية بجمهورية جنوب السودان، وبالتحديد قبيلة الدينكا الأوسع انتشارا في الدولة الجديدة، إلي جانب بعض المجموعات الأخري في اقليم الاستوائية مثل قبيلة (المنداري)، فضلا عن مجموعة اللوتوكا الموجودة في ولاية شرق الاستوائية.
وتهتم تلك المجموعات الثقافية الرعوية بممارسة لعبة المصارعة كواحدة من الأنماط المتبعة في التنشئة القائمة علي تقوية الاعتماد علي النفس عند الذكور، الذين بحسب تلك الجماعات ينبغي أن يتلقوا كافة المهارات الاساسية التي تنمي لديهم عوامل القوة والشجاعة في مواجهة صعوبات الحياة، هذا إلى جانب بقية فنون القتال الأخرى، وبالاخص في اماكن تواجدها الاصلية ومعسكرات تربية الابقار المعروفة باسم “المُراح.”
كما تعتبر المصارعة واحدة من الممارسات الرياضية التقليدية التي تستخدمها المجتمعات الرعوية في جنوب السودان علي سبيل التنافس من خلال اقامة المنافسات والمهرجانات الشعبية بين مختلف العشائر، بحيث يشتهر المتصارعون الذين يفتخرون بتمثيل عشائرهم ويسعون من أجل الانتصار باسمها.
وفي العادة يصاحب المصارعة مجموعة من الطقوس والازياء الخاصة والتي في الغالب ما تكون عبارة عن سترات من جلد النمر يرتديها المتصارعون، ويتم كذلك تأليف مجموعة من الاغاني من قبل الفتيات تمجد قوة المصارع المعين وتسرد امجاد عشيرته واجداده الاقوياء.
واحتفظت تلك المجموعات بعاداتها وممارساتها الثقافية حتي بعد أن اضطرت أعداد كبيرة من افرادها إلى مغادرة مناطقها لظروف الحرب والنزوح، وبالأخص حينما استقر ببعضها المقام في المدن المختلفة في السودان وجنوب السودان، فنظمت انفسها واستمرت في تنظيم مباريات المصارعة الشعبية كنوع من التذكار والاحتفاظ بالهوية وأيضا للترفيه.
وفي الفترات الأخيرة، تم تطوير اللعبة في جنوب السودان، وبالأخص العاصمة جوبا، بحيث تم تنظيمها لتخرج من سياقها التقليدي، حيث تم تأسيس بطولة سنوية لتنافس المتصارعين من مختلف الولايات التي تمارس المصارعة، وظل استاد جوبا يحتضن في كل عام بطولة جديدة يقبل عليها الناس بكثافة.
ويقول مجوك اقانج عضو لجنة تنظيم البطولة السنوية للمصارعة بجوبا إنهم يهدفون من تنظيم هذه البطولة في المصارعة التقليدية إلى تذكير الناس بالثراء والتنوع الثقافي لجنوب السودان، وكيف أن المصارعة كموروث ثقافي يمكن أن تساهم في التقارب بين مجموعات الوطن، وتساهم في السلام والاستقرار.
وأصبحت اللعبة تحظى باهتمام شعبي منقطع النظير، حيث تمتلئ جنبات استاد جوبا بالمشجعين وعشاق المصارعة التي تذكرهم بالثراء الثقافي وتعيد اليهم ذكريات الريف.
ويقول أقواك نوير نقوينج، زعيم عشائري من ولاية البحيرات:”المصارعة في ثقافة الدينكا هي رياضة لتشجيع الناس وتساهم في شهرة المتنافس في المجتمع المحلي.”
ويضيف بقوله: “المصارعة هي ثقافة تناقلناها من اجدادنا، وهي لعبة يمارسها الناس كذلك لتناسي هموم وضغوط الحياة، فعندما تشاهد شخصين يتصارعان فانك بلا شك ستميل إلي تشجيع أحدهما.”
ويقول الشيخ شول أجينق، صحفي رياضي من حنوب السودان عن مستقبل لعبة المصارعة التقليدية في جنوب السودان: “أعتقد أن المصارعة التقليدية بجنوب السودان قادرة على حجز مكانها ضمن الانشطة الرياضية إذا وجدت الدعم اللازم، لا اقصد الدعم المالي هنا بل اقصد الدعم الفكري بحيث يتم وضع قوانين ونظم وقواعد تنظم اللعبة غير القوانين التقليدية الحالية.”
وأضاف: “هذه اللعبة ستشق طريقها نحو العالمية بمجرد حصولها على مساعدات اخرى تساهم في الانتشار والتعريف أكثر مثل الإعلام والتسويق الرياضي بالإضافة الي العوامل المساعده السابقة.”
وتابع: “يمكن أن تتقاسم المصارعة التقليدية الشعبية مع كرة القدم على مستوى جنوب السودان قريبا، وفي الدول المحيطة في وقت ليس ببعيد لمجموعة اسباب هي أن اكبر نسبة من قبائل جنوب السودان قبائل رعوية وهي القبائل التي تمارس هذه اللعبة وتعشقها بطبيعة الحال.”
وأضاف: “وخير دليل علي ذلك هو أن اللقاء الذي جمع ولاية الإستوائية الوسطى وجونقلى حقق نسبة حضور جماهيري غير مسبوقة على الإطلاق تفوق مباراة كرة القدم بين جنوب السودان وأوغندا التي اقيمت على شرف احتفالات البلاد بالاستقلال في العام 2011 وهي المباراة التي سجلت اعلى معدل حضور جماهيري، وكان دخل مباراة كرة القدم اقل بكثير من الدخل الذي حققته مباراة المصارعة.”
وقد بدأت انظار الجميع تتجه نحو المصارعة التقليدية كموروث ثقافي تقليدي مربوط بالهوية، وكاختراع جنوب سوداني خالص، بحيث بدأ التخطيط لتكوين اتحاد قومي للعبة، بعد ان يتم الاتفاق علي قوانينها المنظمة، لانها الاقرب إلى وجدان الناس، كما يمكنها أن تلعب ادوارا ايجابية في عملية تقريب الناس والمساهمة في كسر الحواجز السياسية وتحقيق السلام والمصالحة.