مستورة !!

طماطر …
طماطر …
سمعتها خافتة ضئيلة تأتي من خلفي وأنا واقفة مع شخص قرب كعبة أحلامي التي تحج اليها روحي كلما يمّمت قلبي شطر الوطن نهايات كل عام … كطير أنهكه الحنين الي مورد الضياء.. فيجمع سربه المكون من بنتيّ الصغيرتين وكومة حقائب محشوة احلام والوان … بعض من رحيق واحزان بحجم نيله…. ليل عاتي طويل نسجته احزان غربتي….ليل سيعشي عينيه شموس نيرات متوقدات.
كعبة احلامي هي كلية الطب… الكلية بنت الجامعة المعرفة بالألف واللام .. أم نخيل ست الإسم والريد والصبابات .. مرتع بواكير شبابي مرقد ذكرياتي والقلب حينها اخضر من جروف النيل..قلب خلي عفي مشرق مليان شخابيط ولخابيط احلي مايكون …لا عسيم ولا كعوجة ..الاصحاب والاحباب الرفقة والضحكات …الدمعات والشواكيش …الامتحانات والمكتبات ..اركان النقاش والليالي الشعرية …عزان سعيد ولافتات…شيراز عبدالحي والكولينغ كما يجب ان يكون… كافتيريا العاملين وبص الكلية والاعمام ..امين ودكانو ورقعة معاوية اعياد الميلاد وعتاب العشاق وجلسات الشرح والبري والعذاب…سبستيان الأنيق وتشذيبه العجيب لحدايق ونجايل الكلية ووجوده الشذي والمختلف بينا وضحكتو التي تشبه ضحك الاطفال …ميري وقهوتها التي تضع فيها من عبقها .. زنجبيلا معتق كحلمها الناعم بعودة ابنها المفقود في احراش الجنوب …فترتوي انت فقط من جراء شرب احدهم قربك …الخال ياسر الحسن والابتسامة الصبوح والقلب الاصم والحضن المفتوح حتي خلت يوما ان كل الرجال يجب ان يكونو مثله …رانيا عطا واسراء محمد عثمان وحسن عوض الله …. كلية الصيدلة وليالي المخمل مواشاة باحساس زي ضو الرتاين باقي نور.
المهم أنني آتي الي هذا المكان دايما في كل زيارة مع تغيره وتغير الشخوص … آتي وأجوس لا أعرف أحد ولايعرفني احد وانا التي كنت اسلم من خشم الباب لحدي الحارسة المتجهمة امام داخلية كرار للبنات … وبرضو بجي واحوم وانوح وافرح واقالد طيوف … إحساس وذكري كما الليالي المُقمِرات في بيد وخلاء …احساس لم يتغير مع تقادم السنوات ..
المهم ..
سمعته ثانية …
هي إنتي مش طماطر !!
إنتي مش طماطر بنية نعمة بت ام كلتوم ود جحا !!
وإلتفت …
سيدة كبيرة في سنها يطل وجهها من طرحة سوداء عصبتها باحكام حواليه … وجه نحيف هزيل مجعّد كل تجعيدة تنبض بقصة…. وعباية مغبرة استحال سوادها للون رمادي كئيب … ومدّت يد معروفة مشققة بتردد وخشية …. حينها ….
شيء حبيب حنين لامس قلبي …وبرقت صورتها كسهم اتي من العوالم التي اتعشق واحن ..
دفق من الذكريات من ايام بطعم قصب السكر .. اتهزيت وسجد لهذة السيدة فؤادي …تجاهلت يدها الممدودة بحذر وافردت لها حضنا بحجم قارة ..اهتز جسدها النحيل بين ذراعي واجهشت بالبكاء ..حجة ام صالح ..رفيقة امي ومساعدتها ..سكبت حنانها علينا لسنين واضاءت بمقلتيها طريقنا قبلت منها جبينا يندي عرقا تعرف رايحته ذاكرتي التي فرهدت وزهت زهو الحناء في كف العروس … قبلت يدها المرتعدة ..يدا كم اعطتنا واوفت طبخت وغسلت واطعمت ورتقت ثوبا انفتق …سقتها تحت ضل الشجر ..عشان اسالها من حالها ..وسالتها تحديدا من بنتها التي كانت من اجمل مارات عيناي حالكة سواد الجلد والشعر ..واسعة العينين ضحاكة وبسامة وهاظارة… كلامها زي درب الطير ينغمش في القلب
وين ?مستورة? يمة
فنكست راسها …وطفرت دمعة من عينها ..
قلت ليها ماتت
قالت لي لا ..
سمح مالك ..
قالت لي ?مستورة? (وقع ) فيهو الشجرة
ولقتها وين الشجرة دي ( سالتها بغباء وقد تدلي فكي كيف تقع شجرة في زول… البقعدو تحتها شنو )
قالت لي ..يابنيتي وقع فيهو الشجرة يعني (جنت) بعد ماولدت واسي مربطنو في البيت
ووقعت فيني انا الشجرة حينها
وين البيت دا يمّة
وورتني بيتها وين
سألتها الانتظار لحظة .. ورجعت للشخص الذي صادفت العناية الالهية انه كان ود دفعتنا في صيدلة وبسوق دواء لشركة تعمل تحديدا في ادوية الطب النفسي ووجدت ضالتي عنده …كنت انا مِلحاحة فسالته الحافاً وكان هو كريما زي عينة الخريف …ورجعت لام صالح وقلت ليها نمشي نشوف ?مستورة? … قالت لي لحدي هناك ..قلت ليها لحدي اخر محل في العالم ..ولم اكن ادري ان اخر العالم كان فعلا اخر العالم ..
وإنطلقنا …
في آخر الدنيا هناك …وجبال كرري تكاد تبدو كاشباح .بيوت قصيرات وشمس تعامدت تذيب الاسفلت المهرشم ..اسفلت انقطع علي حين غرة ليدعني اقود في كثبان وتلال طالع نازل ..
لسع لقدام …
يا أم صالح يعني هو لسه في قدام .. وعندما شارفنا بقعة ما اشارت لي بالتوقف ..ونزلنا ..صبية صغار تحلقوا حولنا …وسيرونا لحدي خشم باب ام صالح… نفد صبر العجوز من الحاحهم فنهرتهم ..ويمكن كانو دايرين يدخلو يشوفو باقي (الشمار) مدفوعين بامهات واقفات بريسين الحيط …
دخلنا ..
ورأيتها …
راكوبة واقفة ترتعد وحيدة تحت الحر الغايظ هذا ورقراقها اكتر من ضلها تحنو عليها من فينة لأخري شجرة نيم لم يكفي ظلها الا لاشبار معدودات .. جواها في عنقريب اتدلدلت حبالو قاعدة ?مستورة? الطفلةالحلوة النضيفة ام دما خفيف التي احب والتي استحالت بقدرة قادر الي سيدة مسنة هزيلة مربوطة (بسلبة) …تلظي قلبي واحترق كما احترق باطن قدمي من التراب التقول محمي في جهنم دا ..
ياللبؤس والله فقر وجهل تامرت معه طبيعة حانقة..
ذهان مابعد الولادة
Postpartum psychosis
نظرت الي الفتاة …وبرقت ابتسامة في عينيها …
دي منو دي يمة !!
قعدت جنبها ونطت ?مستورة? لورا فزعة وفي عينيها جثم رعب وخوف رهيبين … حجة ام صالح كلمتها دي طماطر مابتذكريها ….
كدت اري عقلها وهو يبحث في داخل عتمته عن طماطر تلك … أين رأتها وماذا تعني لها …وإنتصرت انا
سحبني باقي وعيها من تلك اللجة ليضعني صوب ناظرها لتقول تماضر لا حولا … وإحتضتني وبكت وذبت أنا … انصهر كياني في حضن اعرف تفاصيله ككف يدي ..
حكت لي الكتير والكتير واحد راكب عدلو وباقيهو جزء من امانيها وفتات من روحها.
أولاً حررتها من قيدها وأتاني زوجها راجل زي صباح العافية وتحدثنا حديث كانت تقطعه ?مستورة? بقهقهات لا معني لها وبخبطة في نص ضهري تكفي لوقف ابو الشهيق ….
اتت أمها بالطفلة الرضيعة صاحبة الأربعة أسابيع وأمرتها ان تعطيها ل?مستورة? تشمّها وتضمّها وترضعها تحت مسؤوليتي لاول مرة في حياتها …لقفتها ?مستورة? وإحتصنتها والقمتها ثديها وهي تهز رجليها وتضحك في منظر يدمي القلوب … بعد ماانتهت التفتت وقالت لي شفتي بت ( ام لعاب ) الادوني ليها دي حلوة كيف
بس مامخيتنها كويس انا لازم اشيلها ( وأسرجها).
وقع نظري حينها علي جركانة كبيرة مختوتة جنب الراكوبة … أتت الحجة أم صالح وملت كورة من الجركانة …سايل داكن تسبح فيهو اشياء لم اعرف كنهها اخبرتني ام صالح ان هذة (محاية) عملها الشيخ ..
سألت الحجة الاّ تعطيها اياها ويكون افضل ان ارجعتها لصاحبها عله يحتاجها … وطلبت منها أن تعد كورة عصيدة بملاح مما تجيد هي صنعه وكوب من الماء القراح فقط ..
ربيط مامعانا ياام صالح
ضرب وسوط لا
وماتخلو ليها الشافعة براها ( عشان ماتسرجها) …الفكي يجي ويقرأ قرآن بس إذا هم عايزينو يجي بس لا لهذة المحاية الراكدة
والدواء في مواعيدو وكان زوج ?مستورة? شاطر ومتعاون
واصبحت انا من رواد ذلك المكان لحدي مابقيت لا اثير إهتمام الصبية وصاحب الدكان الوحيد اليتيم الفي الحلة شديد التبسم والظرافة ..
بعد اسابيع من المساسقة .. وذات صباح هيّن وباش … فتحت لي ?مستورة? الباب …. مقنّعة ومكسورة مساير …. نضيفة ( وبت السودان ) ريحتها تجيب الرايح وحاضنة ( نعمة) بتّها التي أسمتها علي الحبيبة أمي أنا .. كلامها موزون ورايق كعادتها … شاكرة ومقدرة …
ما أكثر السيدات ( البتقع فيهن الشجرة ) …. والبتجيهن كآبة وذهان مابعد الولادة … وما أقسي مايواجهن من معاملة …في حين ان تشخيصها واساليب تداويها كالشمس في رابعة النهار …
كفانا الله واياكم وقوع الشجر …ففي بلادنا ضحاياه يذوقون الأمرين بين سِندان المرض ومطرقة التداوي الغريب والدجل ونبذ المجتمعات.
*** للتنوية الأسماء غير حقيقية …أما القصة واقعية جدا ..
تماضر الحسن
طبيب نفسي – بريطانيا
ما شاء الله تبارك الله
ابداع و كتابة سلسة تشدك من اول حرف لاخر نقطة.
يوم قرأت لك عن تلك المعلمة الإنجليزية ، كتبت معلقا و طالبا منك ان تتحفينا و تواصلي الابداع.
التحية للراكوبة التي استطاعت ان تستقطب قلما مبدعا و اديبة ننحني لها اعجابا
والله ذكرتيني ذكريات جميلة جدا انا زيك كل مرة باحرص اكش بناتي احومهن الكلية والسنتر في كل اجازة …اول مرة شافو الجامعة الدهشة والحيرة ملت وشوشهن والفصيحة ام لسان طويل قالت ياماما ليه المباني قديمة كده دي مباني اثرية مفروض يحولو جامعتكم دي لمتحف ويبنو جامعة جديدة حلوة زي جامعات الخليج …قلت ليها يابت اطمي الجامعة بي ناسها مش بي حيطانها قالت لي وينهم الناس ديل ماعاديين زيهم زي البرة الجامعة…مرة قلت ليهم ارح نوريكم ال دي ار مشيت لحدي مكانها لقيتها مافي قعدت اتلفت واتساءل بصوت عالي وين ودوها والله كانت هنا …واحد مر بينا قال لينا الدي ار بنو واحدة جديدة بي هناك تعالو اوريكم ليها انتي دفعة كم ؟؟؟ قلت احنا الدفعة الماسية سنايركم ماقدام شديد يعني… بس برضو لحقنا ايام جميلة في الجامعة قبل جيت التتار
دكتورة تماضر
للمرة الثالثة أقرأ لك مقال. لا أكاد أوصف ما أحس به حين أقرأه( كل المقالات/الحكايات) سرد حكائي مبدع ..بسيط و يدغدغ المشاعر و يوقظ الحنين و التعاطف الإنساني الشفيف.
منتهى الإبداع و منتهى البساطة (الممتنعة على الكل) لغة سهلة و ميسرة تجمع بين العامية و الفصحى في غير تناقض أو إحساس بان هناك نشاز ما.
تتابع قراءة السرد و كأنها تقودك عبر فضاءاتها السردية و أنت منقاد تمام لا تكاد تحس إلا بأنفاسك و النظرات تمر كما السحاببين السطور الرشيقة.
لك مني الإشادة و الإعجاب و التهنئة و نتنمى أن نقرأ لك المزيد.
يا الله يا د تماضر . لماذا غادرتوا السودان واهلها بأمس الحاجة اليكم الان . وما اكثر اشجار السودان الآيلة للسقوط .
(وأتاني زوجها راجل زي صباح العافية)— قمة البلاغة في الوصف يارائعة يأخت شيراز ووضاح وريل -ابنتي العزيزة —- الشجرة ايضا وقعت في السودان حتي فارقه ذلك الرهط من اندادك ليستظلوا بذاك الكهف في الغربة– متعك الله بالصحة والعافية وصح لسانك
الله الله يا دكتورة – والله وبدون أي مجاملة تستحقي ركن ثابت في أكبر صحيفة جماهيرية ولقب كاتبة مع دكتورة بكل استحقاق وجدارة . والله وبدون أي مجاملة اغرورقت أعيني بالدموع من منتصف المقال مع ابتسامة يستدعيها السرد الجميل الممتع وجزاك الله كل خير عن مستورة وامها وفي ميزان حسناتك دعمهم والوفاء المنقطع النظير وتجميلك لباقي يومنا هذا وليتك تكثرين من مثل هذه المقالات في منتجعنا الدائم(الراكوبة).
يا سلام على روعة عبق الذكريات الجميلة والسرد المشوق الذي جعلنا نستغرق ونتابع حتى اخر سطر ونتمنى الا يأتي اخر سطر شكرا دكتوره طماطر على انتشالنا من حالة الاحباط العام وذكرتينا بالاطباء الذين جمعوا بين الطب والاداب
يا دكتورة كتابات ملهمة الله يديك العافيةانا اقترح تجميع كتاباتك و تطبع في رواية اسلوبك يشبة الكاتب غابريال غارسيا ماركيز
طماطر حياك الله – القصة تحكي أزمة بلد رغم التطور العلمي والطبي مازلنا نعيش في ظلمات سحيقة ، لقد رايت المواقع التي دارت فيهاقصتك وكانهم في عالم اخر ، ناس ليهم الله وعشت السوق .
طماطر لك قلم جميل فلاتحرمينا من كتاباتك .
السلام عليكم
اود ان اشكركم جميعا
اقدر دعمكم واحتفاءكم وقلوبكم المشرعة وحسكم الفخيم
شكرا جاكس لجهدك
مؤونة عام من الاماني الطيبات
الي ملتقي باذن الله
تماضر
السلام عليكم
اود ان اشكركم جميعا
اقدر دعمكم واحتفاءكم وقلوبكم المشرعة وحسكم الفخيم
شكرا جاكس لجهدك
مؤونة عام من الاماني الطيبات
الي ملتقي باذن الله
تماضر
الاخت العزيزة طماطر … والله لكتاباتك وحشه … قراتها علي الطاير بسبب العمل ودوام ولكني حتما ساعاودها بدقة وحرص ان شاء الله … ما تنقطعي عليك الله
تماضر سلمت يداك وشكر الله سعيك ، ووفاءك ومعدنك الاصيل لانك لم تقولى خدامتنا او شغالتنا واظنك مثل كثير من الاسر السودانية التى تنظر للبنت او المرأة التى تعمل عندهم فى البيت كواحدة منهم تأكل معهم ، تشاركهم افراحهم واتراحهم ، تزور مرضاهم وتواسى وتعزى فى امواتهم بل وتعرف اقربائهم تحتضن ابنائهم واحفادهم الصغار .
لقد اعجبنى اكثر مما اعجبنى نبلك واريحيتك فى التعامل مع ام صالح وبنتها واحضتانك لها واكلك من يدها بعد كل هذه السنين . نهدى هذا المقال لجيل اليوم جيل السيستم جيل السطحية وجيل الغرور وقلة الأدب ، عليه ان يتعلم من هذه القصة التواضع والتواصل مع الماضى والقناعة وسعة الصدر ورحابة القلب .
لا حول ولا قوة الا بالله
قصة تدمى القلب. كتر خيرك فى العملتيه معاها لكن كل يوم بنكتشف التخلف الذى يعيشه الوطن اكثر واكثر والضياع الذى يعيشه المواطن الغلبان
كم من الناس يموتون ويضيع مستقبلهم بسبب امراض غاية فى البساطة وعلاجها معلوم لكن الجهل بوجود العلاج وضيق ذات اليد ان علموا به يجعله فى بعد النجوم
لكن الاسوأ تخلى الدولة عن مسؤولياتها اين الخطط الفقعوا بها راسنا عندما يتحدثون عن الصحة الانجابيه ووووو اليس من المفروض وجود سجل ومتابعة للحوامل واطفالهن منذ بداية الحمل وحتى عمر المدرسة على الاقل؟
ليس من المهم ان تنفذ اريد ان اعلم هل توجد او كانت فى يوم من الايام توجيهات بهذا الصدد اساسا؟ افيدونا
الاخت / الدكتورة
تماضر ( طماطر ).
اولا . السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛
ثانيا. الله يعطيك العافية أنتي وصغيرتاك, فلذات كبدك.
ثالثا. هذه المرة الاولى؛ التي اسجل فيها بهذا الموقع. ( والله عليم بما اقول)
وذلك فقط لكي ارسل لك صوت اعجابي بما كتبته اليوم. وبما كتبته سالفا.
وهناك اقلام تفخر. بأنها تنتمي لهذا الوطن الجميل.
واسمحي لي؛ بأن اضفت صفة الاخت, قبل صفتك العلمية والعملية.( ورب اخت لك لم تلدها امك).
اثبتي لي وفيما لا يدع مجالا للشك. انك حتى مبدعة في مجالك المهني( التخصص النفسي. وذلك من ارهاف مشاعرك التي تحس بآلام الاخرين. وتأتي متلهفة من الغربة للوقوف على مرتع الذكريات. ( ذكريات الجميلة والمستحيلة ).
وجزاك الله خير جزاء بما قمتي به تجاه الخالة المذكورة (استعارة) في قصتك هذه.
وتقبلي مروري.
ومتابعتي بشغف لكل ما تكتبين.
وقبل اعلان انصرافي. لك ملحوظة صغيرة.
ابدأ رحلتي في مواضيع الموقع. باحثا عن هذا الوجه الوضاء الصبوح( وهذا ليس غزلا, بما انك اختي ). لكي ارى ماخط قلمه من احرف وكلمات تأخذك في رحلة خيال تحاكي بك الواقع حتى يقشعر بدنك.
وملحوظة اخيرة.
اجمعي قصاصاتك هذه. لكي تعلن لنا عن ميلاد كاتبة جديدة.
اخوك / سراج
كلامك بلسم يا دكتورة واسلوبك شيق
بارك الله فيك
“طماطر” ايتها الطبيبة المتأدبة الظريفة ما هذا الذي تكتبين انت ذهبت الى الطب بالخطأ انت اديبة من طراز فريد و لكن الطب اخذك منا ، انفعلت بكتابتك الى حد الدهشة و اعجبت بإنسانيتك ايما اعجاب ، هذه قصة مؤثرة و ما قمت به عمل رائع اسأل الله ان يثيبك عنه كل الثواب و ان يحفظك و يحفظ ليك بنياتك و ابوهن كمان.لك خالص التحية و التقدير.
مقال رائع يا دكتورة انت قلبك كبير بسع الناس كلها. واصلي ربنا يوفقك و يحفظك و بناتك طل و طيب!
ينبقي لصاحب هذا المقال ان تكون رامياه شجرة — الاديب يفهم
نجمة الراكوبة انتى الايام دي
بالتوفيق… الى الامام
الادب والطب النفسي تؤامان لك التقدير والتجلي علي انسانيتك ويحفظك ويكتر من بنات البلد بانسانيتك وعفويتك والادب الرائع في كلماتك وتعابيرك ومايروقني اكثر عدم تناول هذه المفردات كثيرا…. دمتي
لغة رصينة وأسلوب ماتع ! وأنسانية فى منتهى الرقى والرقة . دكتورة تماضرة كتاباتك هى السبب الأساس التى جعلتنى أعلق حتى يصلك إعجابى وإشادتى بقيمك ورسالتى .. كونى بخير والوطن يحتاج فعلا أمثالك
يا دكتورة عافاك الله وأبقاك وكثر من أمثالك….كتابة تعكس جمال روح الكاتب…ماشاء الله
دكتوره طماطر
انا بقيت محل ما المح إسمك دا بفرح والله
وبقول الليلة جاية تشتت لينا من إنسانيتها تماضر الحسن .
والله بقراك لحدى ما بعد الفل استوب بتاع المقال،
وبصوم بعدها عن قراءة المقالات .
خسمتك النبى كان ما أديتينا 3 مقالات اسبوعياً
أو واحد عند اللزوم اقلاها فى الاسبوع .
الناس دى ملتنا قرف بالكتابة عن الناس القاعده تهدم فى كعبتنا الكبيرة السودان
اكتبى اكتبى اكتبى
الأديبة طماطر… مبهر جدا أن تمتلكي هذا الحس الأدبي الراقي الأنيق، وهذا التكنيك السردي المتفرد البديع… ولكن يا ليتك لو كنت قلّلت من بعض المفردات الدارجة والتي يصعب فهمها واستعضت عنها بكلمات فصحى كباقي الكلمات الفصيحة الكثيرة التي طرّزت بها هذه اللوحة الأدبية الحديقة… وكم كان سيكون جميلا لو كنت بذلت بعض الجهد لتصحيح بعض الأخطاء الإملائية التي عكرت صفو استمتاعي بالتلذذ مما حال دون بلوغي نشوة القذف? ليتك كنت استعنت بشخص متمرس في الصف الإلكتروني قبل النشر.
أعتقد يمكن أن تكون هذه المعزوفة نواة لرواية ناجحة? أو حتى سيناريو سينمائي?
أتمنى أن أقرأ لك المزيد والمزيد.
لا شك في أن الأخت الدكتورة تماضر لديها موهبة فطرية رائعة في التعبير والتصوير أدبيا قل ما توجد لدى من لا ينتسبون الى دائرة الادب مباشرة وهى ميزة متفردة لدى بعض الافراد أكسبتهم المزيد من مقدرات الادراك العقلانية لجوانب الحياة التي قد تكون معقدة, ولكن أظن أيضا وجود الأخت في بريطانيا قد أسهم كثيرا في اثراء تجربتها وتعميق ملكتها الأدبية فحينما يجد الشخص الموهوب نفسه محاطا بكل ماهو منسق وجميل تزدهر وتنطلق من دواخله الاحاسيس الجميلة, فعمالقة الادب الانجليزى كجون كيتس و وردورث أعطوا أروع منجزاتهم الأدبية والشعرية وهم معتكفين على ضفاف منطقة البحيرات في شمال بريطانيا في بلدات قراسمير و ويندرمير محاطون بتلال تكسوها الخضرة وغيوم رمادية رائعة تؤجج الملانكوليا لدى الاديب وتبعث الالهام, ولا شك في أن الروائى العظيم الراحل الطيب صالح قد نهل الكثير من تجربته في وجوده في بريطانيا وترجم ذلك في روايات رائعة, فهل تخرج لنا بريطانيا كاتب عظيم آخر كألطيب صالح , ربما الأخت تماضر ربما!!
يعد إذن الكاتبة، فيما يلي مقاربة لتصحيح بعض الأخطاء الإملائية… ومحاولة للتنسيق.
====================================================
– طماطر… طماطر…
سمعتها خافتة ضئيلة تأتي من خلفي، وأنا أقف مع شخص قرب كعبة أحلامي، التي تحج إليها روحي، كلما يمّمت شطر الوطن نهاية كل عام… كطير أنهكه الحنين إلى مورد الضياء… فيجمع سربه المكون من بنتيّ الصغيرتين وكومة حقائب محشوّة أحلام وألوان… بعض من رحيق وأحزان بحجم نيله… ليل عاتي طويل نسجته أحزان غربتي… ليل سيعشي عينه شموس نيرات متوقدات.
كعبة أحلامي هي كلية الطب… الكلية بنت الجامعة، المعرفة بالألف واللام… أم نخيل ست الاسم والريد والصبابات… مرتع بواكير شبابي، مرقد ذكرياتي والقلب، حينها اخضر من جروف النيل… قلب خلي عفي مشرق مليان شخابيط ولخابيط أحلي ما يكون… لا عسّيم ولا كعوجة… الأصحاب والأحباب، الرفقة والضحكات… الدمعات والشواكيش… الامتحانات والمكتبات… أركان النقاش والليالي الشعرية… عزان سعيد ولافتات… شيراز عبد الحي و(الكولينغ) كما يجب أن يكون… كافتيريا العاملين وبص الكلية والأعمام… أمين ودكانو، ورقعة معاوية، أعياد الميلاد، وعتاب العشاق، وجلسات الشرح والبري والعذاب… سباستيان الأنيق وتشذيبه العجيب لحدائق ونجايل الكلية، ووجوده الشذي والمختلف بينا، وضحكته التي تشبه ضحك الأطفال… ميري وقهوتها التي تضع فيها من عبقها… زنجبيل معتق كحلمها الناعم بعودة ابنها المفقود في أحراش الجنوب… فترتوي أنت فقط من جراء شرب أحدهم قربك… الخال ياسر الحسن، والابتسامة الصبوح، والقلب الأصم، والحضن المفتوح، حتي خلت يوماً أنّ كل الرجال يجب أن يكونوا مثله… رانيا عطا، وإسراء محمد عثمان، وحسن عوض الله… كلية الصيدلة، وليالي المخمل موشّاة بإحساس زي ضو الرتاين… باقي نور.
المهم أنني آتي إلى هذا المكان دائماً في كل زيارة، رغم تغيره وتغير الشخوص… آتي وأجوس لا أعرف أحد ولا يعرفني أحد، وأنا التي كنت أسلم من خشم الباب لحدي الحارسة المتجهمة أمام داخلية كرار للبنات… وبرضو بجي وأحوم وأنوح وأفرح وأقالد طيوف… إحساس وذكري كما الليالي المُقمِرات في بيد وخلاء… إحساس لم يتغير مع تقادم السنوات…
المهم… سمعتها ثانية…
– هي? إنتي مش طماطر!! إنتي مش طماطر بنية نعمة بت أم كلتوم ود جحا؟!!
والتفت…
سيدة كبيرة في عمرها، يطل وجهها من خلال طرحة سوداء، عصبتها بإحكام حواليه… وجه نحيف هزيل مجعّد، كل تجعيدة تنبض بقصة… وعباية مغبرّة، استحال سوادها إلى لون رمادي كئيب… ومدّت يد معروفة مشققة بتردد وخشية… حينها…
شيء حبيب حنين لامس شغاف قلبي… وبرقت صورتها كسهم آت من العوالم التي أعشق وأحن…
دفق من الذكريات من أيام بطعم قصب السكر… اهتز وسجد لهذه السيدة فؤادي… تجاهلت يدها الممدودة بحذر، وأفردت لها حضنا بحجم قارة… اهتز جسدها النحيل بين ذراعي وأجهشت بالبكاء… حاجّة أم صالح… رفيقة أمّي ومساعدتها… سكبت حنانها علينا لسنين، وأضاءت بمقلتيها طريقنا… قبّلت منها جبيناً يندي عرقاً، تعرف رائحته ذاكرتي التي فرهدت وزهت زهو الحنّاء في كف العروس… قبّلت يدها المرتعدة… يد كم أعطتنا وأوفت، وكم طبخت وغسّلت وأطعمت، وكم رتّقت ثوباً انفتق… أخذت إلى حيث ظل الشجر… عشان اسألها عن حالها… وسألتها من بنتها تحديداً، بنتها التي كانت من أجمل ما رأت عيناي، حالكة سواد الجلد والشعر… واسعة العينين، ضحّاكة وبسّامة وهاظارة! كلامها زي درب الطير ينغمش في القلب.
– وين “مستورة” يمة؟
نكست رأسها… وطفرت دمع من عينيها…
قلت لها: ماتت؟!
قالت لي: لا…
– سمح مالك؟
قالت: “مستورة” (وقع) فيهو الشجرة!
– ولقتها وين الشجرة دي؟
(سألتها بغباء، وقد تدلّي فكي… كيف تقع شجرة على زول؟ البقعدو تحتها شنو؟).
قالت لي: يا بنيتي، وقع فيهو الشجرة، يعني (جنّت) بعد ما ولدت… وأسّي مربطنو في البيت.
ووقعت فيني أنا الشجرة حينها
– وين البيت يا يمة؟
وورتني بيتها وين.
طلبت منها أن تنتظر لحظة… ورجعت للشخص الذي صادفت العناية الإلهية أنه كان ود دفعتنا في الصيدلة، ويعمل على تسويق دواء لشركة تعمل في توزيع أدوية الطب النفسي تحديداً، ووجدت ضالتي عنده… كنت أنا مِلحاحة، فسألته إلحافاً وكان كريماً زي عينة الخريف… ورجعت لأم صالح وقلت لها: نمشي نشوف ?مستورة?… قالت لي: لحدي هناك؟ قلت ليها: لحدي آخر محل في العالم… ولم أكن أدري أنّ آخر العالم كان فعلاً آخر العالم…
وإنطلقنا…
هناك عند آخر الدنيا… وجبال كرري تكاد تبدو كأشباح، بيوت قصيرات، وشمس تعامدت تذيب الأسفلت المهرشم… أسفلت انقطع على حين غرّة ليدعني أقود على كثبان وتلال طالع نازل…
– لسع لقدام…
– يا أم صالح يعني هو لسه في قدام؟
وعندما شارفنا بقعة ما، أشارت لي بالتوقّف… ونزلنا… صبية صغار تحلّقوا حولنا… وسيّرونا لحدي خشم باب أم صالح… نفد صبر العجوز من إلحاحهم فنهرتهم… ويمكن كانوا دايرين يدخلو يشوفو باقي (الشمار) مدفوعين بأمهات واقفات عند ريسين الحيط…
دخلنا…
ورأيتها…
راكوبة واقفة ترتعد وحيدة تحت الحر هذا الغايظ… ورقراقها أكتر من ضلّها، تحنو عليها من فينة لأخرى شجرة نيم لم يمتد ظلها إلّا لأشبار معدودات… جوّاها في عنقريب اتدلدلت حبالو قاعدة ?مستورة? الطفلة الحلوة النضيفة أم دماً خفيف، التي أحب والتي تحوّلت بقدرة قادر إلى سيّدة مسنّة هزيلة، كانت مربوطة (بسلبة)… تلظّي قلبي واحترق، كما احترق باطنا قدميّ من التراب… التقول محمّي في جهنم دي…
يا للبؤس والله فقر وجهل تامرت معه طبيعة حانقة…
ذهان ما بعد الولادة Postpartum psychosis.
نظرت إلى الفتاة… فبرقت ابتسامة في عينيها…
– دي منو دي، يمة؟!!
قعدت جنبها ونطت “مستورة” إلى الوراء، فزعة وفي عينيها جثم رعب وخوف رهيبين… كلمتها حاجة أم صالح…
– دي طماطر ما بتذكّريها؟
أكاد أرى عقلها وهو يبحث في داخل عتمته عن طماطر تلك… أين رأتها وماذا تعني لها… وانتظرت… سحبني باقي وعيها من تلك اللُجّة، ليضعني صوب ناظرها لتقول تماضر…
– لا حولا!
واحتضتني وبكت، وذبت أنا… انصهر كياني في حضن أعرف تفاصيله ككف يدي…
حكت لي الكتير والكتير واحد راكب عدلو وباقيهو جزء من أمانيها وفتات من روحها.
أولاً حرّرتها من قيدها، وأتاني زوجها… رجل زي صباح العافية… تحدثنا حديث كانت تقطعه “مستورة” بقهقهات لا معني لها، وبخبطة في نص ضهري تكفي لإيقاف أبو الشهّيق…
أتت أمها بالطفلة الرضيعة صاحبة الأربعة أسابيع، فأمرتها أن تعطيها لـ”مستورة” لتشمّها وتضمّها وترضعها على مسؤوليتي لأوّل مرّة في حياتها…
تلقفتها “مستورة” واحتضنتها وألقمتها ثديها، وهي تهز رجليها وتضحك في منظر يدمي القلوب… بعد ما انتهت التفتت وقالت لي…
– شفتي بت (أم لعاب) الأدوني ليها دي حلوة كيف! بس ما مخيتنها كويس أنا لازم أشيلها (وأسرجها).
وقع نظري حينها علي جركانة كبيرة مختوتة جنب الراكوبة… أتت الحاجة أم صالح وملت كورة من الجركانة… سائل داكن تسبح فيه أشياء لم أدري ما كنهها!
أخبرتني أم صالح أن هذه (محاية) عملها الشيخ…
طلبت من الحاجّة ألاّ تعطيها إيّاها، وسيكون أفضل لو أعادتها لصاحبها علّه يحتاجها… وطلبت منها أن تعد كورة عصيدة بملاح مما تجيد صنعه، وكوب من الماء القراح فقط…
– ربّيط ما معانا يا أم صالح! ضرب وسوط لا.
– وما تخلّو ليها الشافعة براها (عشان ما تسرّجها)… الفكي يجي ويقرأ قرآن بس، إذا عايزينو يجي… بس من غير هذه المحاية الراكدة! والدواء في مواعيدو.
وكان زوج ?مستورة? شاطر ومتعاون، وأصبحت من رواد ذلك المكان، لحدي ما بقيت لا أثير اهتمام الصبية، وصاحب الدكان الوحيد اليتيم الفي الحلة الشديد التبسم والظرافة…
بعد أسابيع من المساسقة… وذات صباح هيّن وباش… فتحت لي “مستورة” الباب… مقنّعة ومكسورة مساير… نضيفة (وبت السودان)، ريحتها تجيب الرايح وحاضنة (نعمة) بتّها، التي أسمتها على الحبيبة أمّي… كلامها موزون، ورايق كعادتها… شاكرة ومقدرة…
ما أكثر السيدات (البتقع فيهن الشجرة)… والبتجيهن كآبة وذهان ما بعد الولادة!! وما أقسي ما يواجهن من معاملة… في حين أنّ تشخيص الحالة، وأساليب تداويها كالشمس في رابعة النهار…
كفانا الله وإيّاكم وقوع الشجر… ففي بلادنا ضحاياه يذوقون الأمرّين، بين سِندان المرض ومطرقة التداوي الغريب والدجل ونبذ المجتمعات.
***للتنويه: الأسماء غير حقيقية… أمّا القصة واقعية جداً…
يا سلام عليكى يا دكتوره وعلى انسانيتك الجميله وروحك الاجمل
يا دكتورة عافاك الله وأبقاك وكثر من أمثالك….كتابة تعكس جمال روح الكاتب…ماشاء الله
دكتوره طماطر
انا بقيت محل ما المح إسمك دا بفرح والله
وبقول الليلة جاية تشتت لينا من إنسانيتها تماضر الحسن .
والله بقراك لحدى ما بعد الفل استوب بتاع المقال،
وبصوم بعدها عن قراءة المقالات .
خسمتك النبى كان ما أديتينا 3 مقالات اسبوعياً
أو واحد عند اللزوم اقلاها فى الاسبوع .
الناس دى ملتنا قرف بالكتابة عن الناس القاعده تهدم فى كعبتنا الكبيرة السودان
اكتبى اكتبى اكتبى
الأديبة طماطر… مبهر جدا أن تمتلكي هذا الحس الأدبي الراقي الأنيق، وهذا التكنيك السردي المتفرد البديع… ولكن يا ليتك لو كنت قلّلت من بعض المفردات الدارجة والتي يصعب فهمها واستعضت عنها بكلمات فصحى كباقي الكلمات الفصيحة الكثيرة التي طرّزت بها هذه اللوحة الأدبية الحديقة… وكم كان سيكون جميلا لو كنت بذلت بعض الجهد لتصحيح بعض الأخطاء الإملائية التي عكرت صفو استمتاعي بالتلذذ مما حال دون بلوغي نشوة القذف? ليتك كنت استعنت بشخص متمرس في الصف الإلكتروني قبل النشر.
أعتقد يمكن أن تكون هذه المعزوفة نواة لرواية ناجحة? أو حتى سيناريو سينمائي?
أتمنى أن أقرأ لك المزيد والمزيد.
لا شك في أن الأخت الدكتورة تماضر لديها موهبة فطرية رائعة في التعبير والتصوير أدبيا قل ما توجد لدى من لا ينتسبون الى دائرة الادب مباشرة وهى ميزة متفردة لدى بعض الافراد أكسبتهم المزيد من مقدرات الادراك العقلانية لجوانب الحياة التي قد تكون معقدة, ولكن أظن أيضا وجود الأخت في بريطانيا قد أسهم كثيرا في اثراء تجربتها وتعميق ملكتها الأدبية فحينما يجد الشخص الموهوب نفسه محاطا بكل ماهو منسق وجميل تزدهر وتنطلق من دواخله الاحاسيس الجميلة, فعمالقة الادب الانجليزى كجون كيتس و وردورث أعطوا أروع منجزاتهم الأدبية والشعرية وهم معتكفين على ضفاف منطقة البحيرات في شمال بريطانيا في بلدات قراسمير و ويندرمير محاطون بتلال تكسوها الخضرة وغيوم رمادية رائعة تؤجج الملانكوليا لدى الاديب وتبعث الالهام, ولا شك في أن الروائى العظيم الراحل الطيب صالح قد نهل الكثير من تجربته في وجوده في بريطانيا وترجم ذلك في روايات رائعة, فهل تخرج لنا بريطانيا كاتب عظيم آخر كألطيب صالح , ربما الأخت تماضر ربما!!
يعد إذن الكاتبة، فيما يلي مقاربة لتصحيح بعض الأخطاء الإملائية… ومحاولة للتنسيق.
====================================================
– طماطر… طماطر…
سمعتها خافتة ضئيلة تأتي من خلفي، وأنا أقف مع شخص قرب كعبة أحلامي، التي تحج إليها روحي، كلما يمّمت شطر الوطن نهاية كل عام… كطير أنهكه الحنين إلى مورد الضياء… فيجمع سربه المكون من بنتيّ الصغيرتين وكومة حقائب محشوّة أحلام وألوان… بعض من رحيق وأحزان بحجم نيله… ليل عاتي طويل نسجته أحزان غربتي… ليل سيعشي عينه شموس نيرات متوقدات.
كعبة أحلامي هي كلية الطب… الكلية بنت الجامعة، المعرفة بالألف واللام… أم نخيل ست الاسم والريد والصبابات… مرتع بواكير شبابي، مرقد ذكرياتي والقلب، حينها اخضر من جروف النيل… قلب خلي عفي مشرق مليان شخابيط ولخابيط أحلي ما يكون… لا عسّيم ولا كعوجة… الأصحاب والأحباب، الرفقة والضحكات… الدمعات والشواكيش… الامتحانات والمكتبات… أركان النقاش والليالي الشعرية… عزان سعيد ولافتات… شيراز عبد الحي و(الكولينغ) كما يجب أن يكون… كافتيريا العاملين وبص الكلية والأعمام… أمين ودكانو، ورقعة معاوية، أعياد الميلاد، وعتاب العشاق، وجلسات الشرح والبري والعذاب… سباستيان الأنيق وتشذيبه العجيب لحدائق ونجايل الكلية، ووجوده الشذي والمختلف بينا، وضحكته التي تشبه ضحك الأطفال… ميري وقهوتها التي تضع فيها من عبقها… زنجبيل معتق كحلمها الناعم بعودة ابنها المفقود في أحراش الجنوب… فترتوي أنت فقط من جراء شرب أحدهم قربك… الخال ياسر الحسن، والابتسامة الصبوح، والقلب الأصم، والحضن المفتوح، حتي خلت يوماً أنّ كل الرجال يجب أن يكونوا مثله… رانيا عطا، وإسراء محمد عثمان، وحسن عوض الله… كلية الصيدلة، وليالي المخمل موشّاة بإحساس زي ضو الرتاين… باقي نور.
المهم أنني آتي إلى هذا المكان دائماً في كل زيارة، رغم تغيره وتغير الشخوص… آتي وأجوس لا أعرف أحد ولا يعرفني أحد، وأنا التي كنت أسلم من خشم الباب لحدي الحارسة المتجهمة أمام داخلية كرار للبنات… وبرضو بجي وأحوم وأنوح وأفرح وأقالد طيوف… إحساس وذكري كما الليالي المُقمِرات في بيد وخلاء… إحساس لم يتغير مع تقادم السنوات…
المهم… سمعتها ثانية…
– هي? إنتي مش طماطر!! إنتي مش طماطر بنية نعمة بت أم كلتوم ود جحا؟!!
والتفت…
سيدة كبيرة في عمرها، يطل وجهها من خلال طرحة سوداء، عصبتها بإحكام حواليه… وجه نحيف هزيل مجعّد، كل تجعيدة تنبض بقصة… وعباية مغبرّة، استحال سوادها إلى لون رمادي كئيب… ومدّت يد معروفة مشققة بتردد وخشية… حينها…
شيء حبيب حنين لامس شغاف قلبي… وبرقت صورتها كسهم آت من العوالم التي أعشق وأحن…
دفق من الذكريات من أيام بطعم قصب السكر… اهتز وسجد لهذه السيدة فؤادي… تجاهلت يدها الممدودة بحذر، وأفردت لها حضنا بحجم قارة… اهتز جسدها النحيل بين ذراعي وأجهشت بالبكاء… حاجّة أم صالح… رفيقة أمّي ومساعدتها… سكبت حنانها علينا لسنين، وأضاءت بمقلتيها طريقنا… قبّلت منها جبيناً يندي عرقاً، تعرف رائحته ذاكرتي التي فرهدت وزهت زهو الحنّاء في كف العروس… قبّلت يدها المرتعدة… يد كم أعطتنا وأوفت، وكم طبخت وغسّلت وأطعمت، وكم رتّقت ثوباً انفتق… أخذت إلى حيث ظل الشجر… عشان اسألها عن حالها… وسألتها من بنتها تحديداً، بنتها التي كانت من أجمل ما رأت عيناي، حالكة سواد الجلد والشعر… واسعة العينين، ضحّاكة وبسّامة وهاظارة! كلامها زي درب الطير ينغمش في القلب.
– وين “مستورة” يمة؟
نكست رأسها… وطفرت دمع من عينيها…
قلت لها: ماتت؟!
قالت لي: لا…
– سمح مالك؟
قالت: “مستورة” (وقع) فيهو الشجرة!
– ولقتها وين الشجرة دي؟
(سألتها بغباء، وقد تدلّي فكي… كيف تقع شجرة على زول؟ البقعدو تحتها شنو؟).
قالت لي: يا بنيتي، وقع فيهو الشجرة، يعني (جنّت) بعد ما ولدت… وأسّي مربطنو في البيت.
ووقعت فيني أنا الشجرة حينها
– وين البيت يا يمة؟
وورتني بيتها وين.
طلبت منها أن تنتظر لحظة… ورجعت للشخص الذي صادفت العناية الإلهية أنه كان ود دفعتنا في الصيدلة، ويعمل على تسويق دواء لشركة تعمل في توزيع أدوية الطب النفسي تحديداً، ووجدت ضالتي عنده… كنت أنا مِلحاحة، فسألته إلحافاً وكان كريماً زي عينة الخريف… ورجعت لأم صالح وقلت لها: نمشي نشوف ?مستورة?… قالت لي: لحدي هناك؟ قلت ليها: لحدي آخر محل في العالم… ولم أكن أدري أنّ آخر العالم كان فعلاً آخر العالم…
وإنطلقنا…
هناك عند آخر الدنيا… وجبال كرري تكاد تبدو كأشباح، بيوت قصيرات، وشمس تعامدت تذيب الأسفلت المهرشم… أسفلت انقطع على حين غرّة ليدعني أقود على كثبان وتلال طالع نازل…
– لسع لقدام…
– يا أم صالح يعني هو لسه في قدام؟
وعندما شارفنا بقعة ما، أشارت لي بالتوقّف… ونزلنا… صبية صغار تحلّقوا حولنا… وسيّرونا لحدي خشم باب أم صالح… نفد صبر العجوز من إلحاحهم فنهرتهم… ويمكن كانوا دايرين يدخلو يشوفو باقي (الشمار) مدفوعين بأمهات واقفات عند ريسين الحيط…
دخلنا…
ورأيتها…
راكوبة واقفة ترتعد وحيدة تحت الحر هذا الغايظ… ورقراقها أكتر من ضلّها، تحنو عليها من فينة لأخرى شجرة نيم لم يمتد ظلها إلّا لأشبار معدودات… جوّاها في عنقريب اتدلدلت حبالو قاعدة ?مستورة? الطفلة الحلوة النضيفة أم دماً خفيف، التي أحب والتي تحوّلت بقدرة قادر إلى سيّدة مسنّة هزيلة، كانت مربوطة (بسلبة)… تلظّي قلبي واحترق، كما احترق باطنا قدميّ من التراب… التقول محمّي في جهنم دي…
يا للبؤس والله فقر وجهل تامرت معه طبيعة حانقة…
ذهان ما بعد الولادة Postpartum psychosis.
نظرت إلى الفتاة… فبرقت ابتسامة في عينيها…
– دي منو دي، يمة؟!!
قعدت جنبها ونطت “مستورة” إلى الوراء، فزعة وفي عينيها جثم رعب وخوف رهيبين… كلمتها حاجة أم صالح…
– دي طماطر ما بتذكّريها؟
أكاد أرى عقلها وهو يبحث في داخل عتمته عن طماطر تلك… أين رأتها وماذا تعني لها… وانتظرت… سحبني باقي وعيها من تلك اللُجّة، ليضعني صوب ناظرها لتقول تماضر…
– لا حولا!
واحتضتني وبكت، وذبت أنا… انصهر كياني في حضن أعرف تفاصيله ككف يدي…
حكت لي الكتير والكتير واحد راكب عدلو وباقيهو جزء من أمانيها وفتات من روحها.
أولاً حرّرتها من قيدها، وأتاني زوجها… رجل زي صباح العافية… تحدثنا حديث كانت تقطعه “مستورة” بقهقهات لا معني لها، وبخبطة في نص ضهري تكفي لإيقاف أبو الشهّيق…
أتت أمها بالطفلة الرضيعة صاحبة الأربعة أسابيع، فأمرتها أن تعطيها لـ”مستورة” لتشمّها وتضمّها وترضعها على مسؤوليتي لأوّل مرّة في حياتها…
تلقفتها “مستورة” واحتضنتها وألقمتها ثديها، وهي تهز رجليها وتضحك في منظر يدمي القلوب… بعد ما انتهت التفتت وقالت لي…
– شفتي بت (أم لعاب) الأدوني ليها دي حلوة كيف! بس ما مخيتنها كويس أنا لازم أشيلها (وأسرجها).
وقع نظري حينها علي جركانة كبيرة مختوتة جنب الراكوبة… أتت الحاجة أم صالح وملت كورة من الجركانة… سائل داكن تسبح فيه أشياء لم أدري ما كنهها!
أخبرتني أم صالح أن هذه (محاية) عملها الشيخ…
طلبت من الحاجّة ألاّ تعطيها إيّاها، وسيكون أفضل لو أعادتها لصاحبها علّه يحتاجها… وطلبت منها أن تعد كورة عصيدة بملاح مما تجيد صنعه، وكوب من الماء القراح فقط…
– ربّيط ما معانا يا أم صالح! ضرب وسوط لا.
– وما تخلّو ليها الشافعة براها (عشان ما تسرّجها)… الفكي يجي ويقرأ قرآن بس، إذا عايزينو يجي… بس من غير هذه المحاية الراكدة! والدواء في مواعيدو.
وكان زوج ?مستورة? شاطر ومتعاون، وأصبحت من رواد ذلك المكان، لحدي ما بقيت لا أثير اهتمام الصبية، وصاحب الدكان الوحيد اليتيم الفي الحلة الشديد التبسم والظرافة…
بعد أسابيع من المساسقة… وذات صباح هيّن وباش… فتحت لي “مستورة” الباب… مقنّعة ومكسورة مساير… نضيفة (وبت السودان)، ريحتها تجيب الرايح وحاضنة (نعمة) بتّها، التي أسمتها على الحبيبة أمّي… كلامها موزون، ورايق كعادتها… شاكرة ومقدرة…
ما أكثر السيدات (البتقع فيهن الشجرة)… والبتجيهن كآبة وذهان ما بعد الولادة!! وما أقسي ما يواجهن من معاملة… في حين أنّ تشخيص الحالة، وأساليب تداويها كالشمس في رابعة النهار…
كفانا الله وإيّاكم وقوع الشجر… ففي بلادنا ضحاياه يذوقون الأمرّين، بين سِندان المرض ومطرقة التداوي الغريب والدجل ونبذ المجتمعات.
***للتنويه: الأسماء غير حقيقية… أمّا القصة واقعية جداً…
يا سلام عليكى يا دكتوره وعلى انسانيتك الجميله وروحك الاجمل