وسائل أمريكية لتخفيض النفقات

لمصلحة السودانيين المقيمين بالخارج والذين غابوا عن البلاد فترة زمنية طويلة، يـُـعرب سودانيو الداخل كلمة «Rickshaw » الى الركشة. وفي سبعينيات القرن الماضي كانت بعض الشركات الخاصة تستخدم الركشة لإيصال اللبن والغاز الى منازل مشتركيها. ولم يكن يخطر على بال احد، حينها، أن السودان سوف ينحدر اقتصاده الى مستوى أن تكون الركشة وسيلة مواصلات يستقلها (بني آدم) كما نقول بالعامية. ولكن دعك عن هذا، أخي القارئ الكريم، فما ذكرت الركشة إلا لكي اقارن الإقتصاد السوداني بالإقتصاد الأمريكي: فلو مثلنا هذا الأخير بقطار ركاب، فإن إقتصاد السودان قد يساوي شيئاً مماثلاً للركشة مقارنة به. فحجم الإقتصاد الأمريكي يقدر بحوالي الأربعة عشر ترليون دولار والإقتصاد السوداني يعادل أقل من واحد في المائة من نظيره الأمريكي. نعم، من حق الأمريكيين أن يستخدموا كونجرس يضم «535» عضواً مشكلاً من مجلسين، أحدهما للنواب يضم «435» عضواً وآخر للشيوخ به «100» عضو تـُـمثل فيه كل من ولايات أمريكا الخمسين بعضوين. ولكن نجد أن دستور السودان الإنتقالي لعام 2005م الذي تمخض عن إتفاقية نيفاشا يستخدم ما يتندر به اطفال السودان باسلوب (حاكونا حاكونا) في محاكاة عضوية الكونجرس الأمريكي دون مراعاة لحجم الإقتصاد السوداني الصغير. ومن المؤسف أن هذا الدستور يبز الدستور الأمريكي بأنه لا يحدد عدد أعضاء المجلس الوطني وإنما يترك ذلك لقانون الإنتخابات ويترك عدد الولايات مفتوحا لكي يـُـحدد عبر ما يسميه بالتشريع القومي!!. واللافت للنظر أن مجلس نواب أستراليا يضم مائة وخمسين عضوا ومجلس شيوخها يتكون من ستة وسبعين عضواً والناتج الإجمالي القومي الأسترالي بحسب احصائيات البنك الدولي لعام 2008م أكثر بقليل من ترليون دولار بينما ناتجنا القومي لا يتجاوز تسعة وخمسين بليون دولار (أي حوالي ستة في المائة من اقتصاد استراليا … لاحظ أن الترليون يساوي الف بليون والبليون هو الوحدة الإنجليزية للمليار الذي يعادل الف مليون).
ولكن ضرر دستور السودان الإنتقالي لعام 2005م لا يقف هنا على المستوى الإتحادي وإنما يمتد عبر تشكيله لجيش جرار من أعضاء المجالس التشريعية دون مرعاة لوجود نشاط اقتصادي يبرر هذا الجيش العرمرم من المـُـشرعين (لاحظ انني لم أقل الدستوريين كما تقول بعض الصحف السودانية خطأ). والمـُـشرع مستمدة من كلمة الشارع الذي ينبغي أن يفتح الشارع للناس ويمهده ويضيء الطريق لهم لا أن يكون عالة تعيش متطفلة على كسب الآخرين. ومن الجدير بالذكر أن دساتير بعض الولايات الأمريكية تخفض نفقات المجالس التشريعية الولائية عبر إتباع نظام البارت تايم «part time »، وذلك من خلال حصر فترة انعقادها في شهرين فقط في العام أو العامين (أكرر العامين). أي بمعنى آخر: المشرع الولائي لا يكون متفرغاً وإنما يكون له عمل ويكون دافعا للضرائب ويقتصر عمله التشريعي على فترة زمنية محددة خلال العام او العامين. وأرجو أن تسمحوا لي أن استطرد قليلاً لكي احكي لكم بعض ما يدور هذه الأيام في ولاية وسيكانسون الأمريكية التي هرب بعض من أعضاء مجلسها التشريعي، من اعضاء الحزب الديمقراطي (الذي يقابل اليساريين عندنا في السودان) هربوا ، الى ولايات أخرى لحرمان حاكم الولاية الذي هو عضو في الحزب الجمهوري (الذي يقابل الإسلاميين عندنا) من النصاب القانوني الذي يمكنه من تمرير قانون يحد من سلطة نقابة عمال الولاية وذلك لكي يزن ميزانيتها ويقي الولاية من الإفلاس. وقد هربوا الى ولايات اخرى لكي لا تتمكن شرطة ولاية وسيكانسون من احضارهم بالقوة، ولعل هذا يمثل احد المهازل التي تجري في المجالس التشريعية ويعين كاتبي دستورنا الجديد في اعادة صياغة المادة سته وتسعين المتعلقة بالنصاب.
منذ فترة أحاول اجراء مسح لبعض الصحف السودانية لكي أعرف مرتبات أعضاء المجلس الوطني ومجلس الولايات وأعضاء الجهاز التنفيذي القومي، هذا بالإضافة الى ولاية الخرطوم، لكي أكون فكرة عن التأثير الإقتصادي لدستور السودان الإنتقالي وأعرف أثره على الإقتصاد الكلي، وبكل أسف بائت محاولاتي بالفشل. وأعتقد أن إعطاء موظفي الحكومة حوافز على تأدية اعمالهم شئ في غاية الخطورة. أيضاً أحسب أن نظام البدلات المستخدم في السودان أحد أكبر مدعاة الفساد في البلاد، والأمريكيون يتفادون هذا النظام عبر اعطاء الموظفين الحكوميين مرتبات خالية من البدلات إلاَّ في حالات السفر وعبر توفير سيارات حكومية مرقمة وبها علامات واضحة يستخدمها الموظفون الحكوميون أثناء تأدية مهامهم الرسمية فقط. وتحقيقا لمبدأ الشفافية، نجد كثيراً من حكومات الولايات الأمريكية تنشر عبر مواقعها الإلكترونية أسماء موظفيها والمرتبات التي يتقاضونها. وقد قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بنشر مرتبات موظفي البيت الأبيض على رؤوس الأشهاد عبر الانترنت.
بقلم : محمد البخيت
الرأي العام
مين يفهمك
الناس ديل عايشين على الربا والسحت
الذين ربوا أولادهم بالحرام وعلى حساب عرق الفقراء الشرفاء لم يفهموا ولن يفهم أبناؤهم مثل هذا الحديث
الموظفين في السودان يعيشون على الحوافز ويدخرون رواتبهم
طبعا الحوافز تمثل رشوة يقدمها النظام لصغار الموظفين ليغضوا الطرف عن فساد الساسة وزوجاتهم