نريدها مدنية لا علمانية

نريدها مدنية لا علمانية
خالد عثمان
[email protected]
هذه الخواطر قد تكون مطابقة لكثير من التجارب التي عاصرها أبناء جيلي وأقراني، مواليد ما بعد الستين، وهي من المفترض أن تُسرد للتوثيق وللتوعية ، وعلينا أن نقرّ ونعترف بإن الحركة الاسلامية السودانية استطاعت ان تشكل التاريخ السياسي الحديث للسودان واستطاعت ان تكون سبّاقة في إرتياد الطور الديني والفكر القومي العروبي في ذرّوته، ويعزى ذلك الاختراق للدكتور حسن عبد الله الترابي ، الذي أستطاع ان يشكل ضلعاً ثالثاً للزعامة الدينية، طارحاً لفكر اسلامي جديد مظهره الحداثة ، استطاع به استمالة الشباب الرافض للطائفية مستخدما العاطفة الدينية. هذه التجربة الجديرة بالدراسة والتحليل سرقتها المؤسسة العسكرية تماما كتجربة الحزب الشيوعي مع نظام جعفر النميري، حيث احتكر المشير البشير كل ما بذلته الحركة الاسلامية من بناء وتنظيم وأغدق بالانفال على شلة من المحيطين به من العسكر وبقايا مايو والانتهازيين الجدد.
وتمثل المذكرات التي تتسابق الآن الي مكتب البشير نهاية لتجربة الأخوان المسلمين ولتحالف الجبهة الاسلامية القومية ومولودها الحرام ” المؤتمر الوطني” ، وبينما يسهر الرئيس البشير مع جمال الوالي وحسين شندي ، ويستمتع بليالي الخرطوم ، تتفطر المنظومة التي بناها الشيخ الترابي الي أشلاء ، ولكن لايعني هذا نهاية الطوّر الديني لحركة التاريخ السوداني، الذي سبق مسميات التحرير والعدالة في تركيا وتونس ومصر ، ولايعني ايضاً إنتهاء العاطفة الدينية ولا الاسلام السياسي، ولكن بالتأكيد يعني وجود مناخ وأرضية جديدة للدولة المدنية في السودان ، برز هذا الواقع الجديد في التنسيق السياسي الحالي بين الحزب الشيوعي والمؤتمر الشعبي الذي يتوازي مع تحالف الغنوشي والمرزوقي في تونس ، والذي يدل على تقدم الفكر السياسي للترابي الذي يحلق بعيداً عن عقم المؤتمر الوطني وفشله في استيعاب حركات الحداثة والتاريخ.
ولاتعني سيطرة الكوادر الاسلامية على السلطة انقلابا وانتخاباً في السودان والاقاليم المحيطة على تمكنها من الشارع ولكن بالضرورة يؤشر الي كفأتها التنظيمية ، مثلاً من أبتدر الثورة في مصر هو الشعب المصري العادي الغير منظم في احزاب او تنظيمات ، ولكن أتت صناديق الانتخابات بالاخوان وبحزب النور السلفي ، وجاء حزب الوفد العريق ب 7% من المقاعد فقط، وتجربة الجبهة الوطنية العريضة بقيادة على محمود حسنسن لم تسلم من الانفراط وهي لم تنطلق بعد لتورطها في الخوض في هوية الدولة السودانية المقبلة ، دينية كانت أو علمانية.؟
ومنطق الديمقراطية يرفض العزل السياسي اذا لم يكن هنالك جريمة تستوجب العقاب ، لذلك لايحق لأحد ان يرفض الاحزاب الدينية ، ولا القومية و لا الاشتراكية ولكن لا بد من رفض مبدأ تدخل المؤسسة العسكرية في إدارة شؤون البلاد ، والاصلاح يبدأ بعودة الجيش الي ثكناته والامتناع حتى عن مناصرة الثورة لانه دائماً ما يفسدها.
تعثر الثورات العربية في أكثر من مكان ، مرده الى عدم التجربة الثورية والجاهزية ، بالقدر الذي جعل نجاح تلك الثورات بتلك السرعة يمثل مفاجأة اربكت مفجريها ، مثلما يتفاجأ فقير بكسب مليار دولار ، وهو لم يحسب حسابا لكيفية تصريفها ، فكانت الفرصة أوفر تنظيما واعدادا للوثوب أكثر لدى ازلام النظام الذي سقط جزئيا فقط ، وكذلك الأخوان الذين ملكوا المال ومفاصل الاقتصاد في المجتمع والدولة ، وتأثيرهم على عاطفة الناس !
أما ، مدحك للترابي ، يا أستاذ خالد .. فهو انخداعك ربما بملامسة جلد جسده الخارجي فقط ، دون الولوج الى فكره الثعلبي البراجماتي الى درجة الانتهازية ،فهو غارق في غبن يدفعه في سبيل الثأر لانقلابه المنهوب عنه ، للتحالف مع اليهود حتى ، أما قبول جماعة نقد به كمطية ، فهو مزج بين الذكاء ، والحاجة لحليف يتدرجون به الى التعافي داخل نظامهم والخروج من جديد الى الجو العام ، بعد أن فقدوا قواعدهم التقليدية وسط الطبقة العاملة والمزارعين ، بحكم مصادرة الانقاذ لولائها بالترغيب وبالترهيب !
للاسف فانا اقول لك يا استاذ خالد ان الاسلام السياسى سوف ينتهى وبلا رجعة فى السودان بمجرد خروج المؤتمر الوطنى من الحكم, و لن يختار الناس اى حزب يحمل كلمة(اسلامى) فى اى مكان من اسمه الطويل كان او القصير,و يمكن القول بان الناس لن تختار ممثل لهم حتى لو كان من ضمن بوتقة الحزب الشيوعى لو كان طويل اللحية وله علامة صلاة على جبهته (الرجل لا الحزب طبعا) لكنى لن اقولها, من نعم الله على الانسان هو نعمة الانطباع و الميل لتبسيط الاشياء ,فانا الان اسالك ما هو مختصر انطباع الانسان السودانى العادى عن السياسى الاسلامى او الاسلامى العادى؟ انا ساقول ,الصفات هى(فاسد ,مرتشى,محب للمال ,محب للنساء,كاذب,قاسى القلب ,والاغرب انه ميكافيللى بكل ما تعنيه الكلمة من معنى) وعليه يا استاذ خالد -وبمجرد خروج الوطنى من الحكم- فان الناس لن تهتم بتاريخ الحركة و المفاصلة والنظرية والتطبيق و الوضع العربى او الافريقى واحلام الترابى وفساد العسكريين,بل كل ما سيصل الى ادمغتهم امام صندوق الانتخابات و كل ما سيورثوه لابنائهم وبناتهم هو (اياك ان تختار اسلاميا و اياك ان تامن جنديا )
الاعزاء
انما طرحت افكار عامة ولا أمجد او أمدح وأتفق معكم حول الممارسة السئية للترابي والحركة الاسلامية ، انا اردت فقط بهذا المقال تثبيت فكرة الدولة المدنية وعدم استباق هوية الدولة قبل تشكيلها ، اذ ان الهوية علمانية كانت او دينية او اشتراكية انما تحددها صناديق الانتخابات .
وللاخ محمد علي اقول ان العاطفة الدينية لازالت قوية حتى بين المتعلمين، ولازالت تنظيمات الاسلاميين هي الاقوى في الانتخابات الجامعية والنقاية والمهنية، والدولة الدينية قد تأتي من حزب الامة او الاتحادي كذلك
وهنا لابد من الرجوع الي ما قاله الاستاذ سيف الدولة حمدنا الله بضرورة العمل معاً من أجل ازالة هذا النظام ، ولكن قبل هذا لابد من تشكيل كيانات سياسة جديدة حديثة قادرة على الفوز بالانتخابات الحرة حتى لايعود تنظيم الاخوان المسلمين الي دفة الحكم.
الاخ خالد عثمان رجاء لكى تعم الفائده لى ولغيرى من قليلى المعرفه
ماذا نعنى بدوله مدنيه ودوله علمانيه
وما هو الفرق بينهما
عزيزي هذه هي الملامح الرئيسية
المفهوم الحديث عن الدولة العلمانية يختلف عن الفرضيات السابقة التي أرتبطت بالنظام الماركسي الليني ، والتي تنادي بالإلحاد ، وتعني العلمانية الآن وبصورة واضحة " ان لا دين للدولة" ، وبمعنى بسيط ان لا تستمد الشريعات والقوانين من الدين ، ويتم في فيها تحرير القانون والتعليم من كل النصوص الدينية ، ويسمح فيها للبرلمانيين والدستوريين والرؤوساء بممارسة نشاطهم بغض النظر عن دينهم ، ولكن في نفس الوقت تسمح هذه الدولة بحرية العقيدة وممارسة الشعائر ولكن لاتلتزم الدولة بدعم المؤسسات الدينية. أبرز مثال للدول العلمانية حالياً نجده في الولايات المتحدة الامريكية ، ولكن لاتوجد دولة علمانية خالصة الآن.
الدولة المدنية تعني دولة المواطن، أي ان الفرد هو صاحب القرار بتصويته للمرشحين في البرلمان ، وقد يكون النظام فيها برلمانيا او جمهورياً ، هذه الدولة تمتع بفصل كامل للسلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وتختلف عن العلمانية بامكانية الاعتماد فيها تشريعها وادارتها على الدين ( إذا اراد المواطن عبر صناديق الاقتراع ذلك) ويفترض ان لا تتدخل القوات الامنية في ادارتها ويكتفي الجيش فيها بالدفاع عن البلاد ويتلقى اوامره من السلطة التنفيذية التي تنبثق عن برلمان منتخب ، ولاتوجد فيها وزارة اعلام ويكون للاعلام والصحافة الدور الراقبي الاول.