«الكوميكس».. هل يصبح شغف الكبار بعد أن فتن الأطفال؟

فن صاعد في المنطقة العربية، لا بل في العالم أجمع، كان يتوجه للأطفال، في القرن الماضي، فإذ به في القرن الحادي والعشرين يصبح شغف الكبار، وإلهام الفنانين، الذين أطلقوا مجلاتهم ومواقعهم الإلكترونية، وكتبهم وورش عملهم.

فن «الكوميكس» أو ما يطلق عليه «القصص المصورة»، بدأ يتحرر من قيوده عربيا، بعد الثورات، لكنه في لبنان، وبسبب الانفتاح الثقافي، وصل باكرا قليلا. فقد أطلقت مجموعة من الشباب عام 2007 مشروع «السمندل»، بموقعه الإلكتروني، وكذلك المجلة التي أخذت تصدر عدة مرات في السنة، يروي فيها فنانون لبنانيون وعرب وغربيون، قصصا مصورة، بإحدى اللغات الثلاث؛ العربية والفرنسية والإنجليزية. وقتها، كانت المبادرات لا تزال فردية ومتفرقة، بينما كانت الجزائر تستعد لإطلاق مهرجانها السنوي للقصة المصورة، الذي وصل اليوم إلى دورته السابعة ويشهد نشاطا دوليا مهما، ويستقطب الفنانين من العالم، كما أن دورته الأخيرة كانت بمثابة مناسبة لرصد آخر مبتكرات فن الكوميكس في المنطقة العربية.

بعض الدول العربية كانت سباقة، يقول حاتم إمام، الآتي من فن التصميم، وأحد المؤسسين الأربعة لمجلة «السمندل» في بيروت، ويشرح: «حين أصدرنا المجلة عام 2007، كانت كل المبادرات لا تزال فردية، وثمة محاولات سبقتنا وتوقفت. بعد (السمندل)، أصدرت مجموعة من الشباب في مصر مجلة (توك توك) تعرفنا إليهم وتعاونا معهم، وبرزت المزيد من المحاولات لإصدار مجلات في لبنان منها (طش فش)، والملاحظ أن الكتب والمجلات المصورة التي تتوجه للكبار في المنطقة العربية في تزايد».

بعض الرسامين لا يزالون يتذكرون جاد خوري، الذي كانت له محاولات في سبعينات القرن الماضي، وهناك آخرون أيضا، لكن التجارب بقيت غير ناضجة. الرسامة نجاح طاهر ترى أن «جاد خوري لم يصل في أعماله إلى ما يمكن أن يسمى قصصا مصورة بمعناها الحديث اليوم».

هنري ماثيوس، الأستاذ في الجامعة الأميركية ببيروت، حاول أن يرصد هذا الفن منذ بداياته في لبنان والعالم العربي من خلال كتابه «موسوعة منشورات الشريط المصور (كوميكس) اللبنانية»، وعرض تلك المجلات الأولى التي كانت تتوجه للصغار، منها المعرب مثل «سوبرمان» و«الوطواط»، وذات الإبداع المحلي مثل مجلتي «سامر» و«أحمد»، أو جمعت بين المحلي والمعرب مثل مجلة «بساط الريح». ويرى أن هذا الفن لم يعنَ أحد بتوثيقه وتتبع مساره وتاريخه. لكن الحقيقة أن بدء هذا الفن مع الصغار، جعل البعض يظن لغاية اليوم أن «الكوميكس» هو للأطفال دائما. ويقول مؤلفو القصص المصورة، إن كتبهم غالبا ما يظن أصحاب المكتبات أنها يجب أن توضع في قسم الصغار، وثمة قراء عرب لم يستوعبوا لغاية اللحظة أن هذه القصص تخاطبهم، وبمقدورهم أن يشتروها ويستمتعوا بها.

مايا زنكول التي أصدرت كتابين مصورين لغاية اليوم، ترى نفسها كاتبة بالدرجة الأولى تستعين بالرسم لإيصال فكرتها. وتقول إنها عانت كثيرا كي تجد ناشرا، لكنها بعد صدور الكتاب الأول اكتشفت أن القراء أكثر عددا مما كانت تتوقع، واضطرت إلى عمل طبعة جديدة. أما كتابها الثاني، فقد أصبح بعد صدوره من بين الكتب الأكثر مبيعا في محلات «فيرجن» ببيروت. مايا تنتظر صعودا متواصلا لنجم القصص المصورة في المنطقة العربية، «لأن الناس باتت تقرأ أقل، ومن ثم هناك تفضيل للصورة مع جمل قصيرة، بحيث يصبح الكتاب أكثر جاذبية. لا شك في أن كثيرين يفضلون جملا مكتنزة وسريعة على قراءة 3 صفحات مثلا»

يتبادر للبعض أن الأب الشرعي للقصص المصورة هو فن الكاريكاتير، لكن هذا ليس صحيحا تماما، إذ إن البعض يعيده إلى الكتابات الجدارية المقترنة بالرسوم منذ أيام الفراعنة والرومان، ليثبت أن هذه النزعة قديمة عند الإنسان، وأنها تطورت بفضل الطباعة وانتشار الكتب، لكنها لم تأخذ شكلها الفني الحديث إلا مع قصص الأطفال في أميركا وأوروبا، بدءا من ثلاثينات القرن الماضي. لكن النظرة إلى هذا الفن بقيت دونية، وقراءته لم تشجع بصفته مصدر معرفة وثقافة للأطفال، وإنما مجرد تسال لتقطع الوقت، رغم أن أبطاله تحولوا إلى شخصيات سينمائية مثل سوبرمان.

لكن، في السنوات العشر الأخيرة، وبفضل تشعب الفنون، وتطور مجالي التصميم والغرافيك، ودخول الرسم بشكل متزايد إلى متن الحياة اليومية، تعززت مكانة «الكوميكس». وهناك أسباب أخرى – يقول حاتم أمام – منها سهولة «الكوميكس وضآلة تكاليفه. فهذا فن يسمح بالتعبير بيسر ومن دون تكاليف باهظة. نحن في (السمندل) استطعنا أن نبدأ بتمويل صغير، وهذا كان كافيا لنا». التكنولوجيا كان لها دور كبير أيضا في انتشار الكوميكس، فغالبية الفنانين يضعون قصصهم ورسومهم على الشبكة العنكبوتية، ولهم صفحات وقراء. «إنه فن قائم على الربط بين الكلمة والرسم – يشرح إمام – ومن هنا تتأتى قوته، ومن ثم فهو يحتاج للكلمة البليغة والرسم المعبر».

مايا زنكول، لا تحب أن تطلق على العاملين في مجال الكوميكس، صفة فنانين بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، وتقول إن بعضهم آتى من مجالات فنية، والبعض الآخر ليس كذلك. «الغالبية تريد أن توصل رسالتها، أن تقول كلمتها. ليس المقصود هنا رسم عمل فني يدوم ويبقى، ويعلق على حائط أو يجري تأمله أو اقتناؤه، ما يراد هو نقل الفكرة بوسائل جذابة. لذلك، فإن بعض العاملين في هذا المجال متخصصون في الكومبيوتر، أو الإعلانات». وتتابع زنكول: «الكوميكس، بالنسبة لي وسيلة وليس غاية، وقد بات جزءا من الحياة وليس مجرد قصص في كتاب أو مجلة. لذلك، فإن العاملين في مجال الكوميكس، قد يرسمون لدور نشر، أو لمواقع بالإنترنت أو يعملون في الإعلانات، والبعض يستعان بهم من قبل (الهيئات المدنية) للمساعدة في حملات إنسانية مثلا، أو لإقامة ورش عمل». وتضيف: «أنا من ناحيتي، لست فنانة، أنا أكتب وأفضل أن أقرن ما أكتبه برسوم، تجعل فكرتي أسلسل وأقرب إلى نفس القارئ».

فن الكوميكس متسع ومتشعب ومتعدد الأغراض والأهداف؛ فبالإمكان استخدام الكوميكس في موضوع فلسفي، أو لغرض سياسي، وربما لحملة أخلاقية أو انتخابية، أو لمجرد الترفيه، وربما من أجل الكلام على البيئة، أو الدفاع عن قضية فلسطين، وهو ما حدث تكرارا. ويبدو أن غالبية قراء الكوميكس في لبنان هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و35 سنة، وهؤلاء يتزايد عددهم، مما يشي بأن الكوميكس سيكون رائجا أكثر فأكثر، بعد أن أصبح جزءا من يومياتنا، سواء اشترينا كتابا من القصص المصورة أو تسلل إلى حياتنا عبر هواتفنا، وربما من إعلانات تلفزيونية أو على مواقع إخبارية.

لا يريد حاتم إمام الربط بين الثورات العربية وصعود نجم الكوميكس في المنطقة العربية، رغم أن ثمة ميلا كبيرا إلى ذلك، ويشرح: «صحيح أن التغيير السياسي وأجواء الحرية يؤثران في النتاج الثقافي، لكن الكوميكس بصفته وسيلة تعبير هو منبر وأداة، تصلح لكل الأزمنة والظروف».

3 مدارس رئيسة للكوميكس؛ وهي الأميركية والأوروبية (فرانكو – بلجيكية)، واليابانية (المانجا)، حتى هذه المدارس طرأت عليها تحولات في السنوات الأخيرة. تأخر العرب في اللحاق بفن الكوميكس للكبار، لكنه لم يدخل مجال الأدب في أميركا مثلا إلا منذ ما يقارب الـ10 سنوات، بحسب حاتم إمام. ويتابع: «نحن أخذنا وقتنا ولا نزال نعاني سوء تقدير هذا الفن من ناحية، وعدم تصديق أنه يتوجه لمن هم فوق الـ18 وهذه نحدده على مجلتنا (السمندل)، لكننا نعود ونجدها مع كتب الأطفال».

«القصص المصورة» أو ما يعرف بالفن التاسع، بدأ في المنطقة العربية مع «سوبرمان» و«الوطواط» و«لولو وطبوش» و«ماجد»، وبرزت في حينها أسماء لفنانين مثل مازن ومعلوف في مصر، لكن القفزات السريعة التي حدثت في السنوات الأخيرة، دفعت إلى الواجهة بعشرات الأسماء بينها ما بات شهيرا، وثمة من يراهن على أن المستقبل للفن التاسع سيكون كبيرا. هناك نقطة مهمة أيضا وهي أن عددا لا يستهان به من فناني الكوميكس العرب يكتبون بالفرنسية والإنجليزية بدل العربية، وهو ما يطرح السؤال حول جدوى أن يخاطب فن على هذا القدر من التماس مع الحياة اليومية، جمهوره بلغة غير لغته الأم.

الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..