أخبار السودان

واقع مزرٍ.. بكم ياترى باعت القضارف تاريخها واشترت أكوام النفايات

القضارف ? حسن محمد علي

“بكم ياترى باعت القضارف تاريخها واشترت أكوام النفايات”، علق هذا التساؤل في ذهني وأنا أستمع لشاب يتحدث بمنتدى ثقافي تجاسرت فيه هذه الكلمات وانسلت من خريف العام (2008)، كان بادياً على محيا الشاب الذى ألقى تلك العبارة ولم يخلف وراءه غير ذرات غبار حديث انقضى، إنه شيوعي ممن تحركهم “النوستالجيا” ويعجبه النظام والإنتاج، ويبغض غابات الاسمنت التي انتشرت في سوق القضارف من مال الكسر والكتفلي، وظلت هذه العبارة تتراءى أمامي كلما أصبح علينا السوق في القضارف وأمسى الليل.

دعوا تلك الرواية التاريخية تعالوا لنوقد شمعة الحذر والأمل الآن ولا نطفئْها لحين، نجري جولة على ظاهر السوق لا باطنه فذياك مشروع آخر ربما لا تكفيه صفحات وصفحات.

حسناً من المهم أن نذكر “سوق القضارف” فهو البوابة الرئيسية التي تطل بها المدينة على مواطنيها وضيوفها، بكل يقين عليك أن تكتنز ما يسعك من البال الطويل ليوم تزور فيه “سوق القضارف”، لن تكفيك خريطة الكنتور القديمة التي كانت توزع السوق إلى أجزاء محددة ومعالم بارزة وإشارات توضح أماكن البيع والشراء والبضائع وموقف الحمير والكاروهات، انسَ وأنت تدلف إلى سوق القضارف منظر ذلك “الخواجة” الذي يستقبل القادمين للكشف عن بضائعهم المحمولة لداخل السوق، وينظر إلى اللحوم المنقولة على ظهر العربات البكاسي وعربة الحصان التي تنقل المياه أو التي يستغلها “الخضرجية” لنقل إنتاجهم إلى السوق العمومي، لم تتغير الأماكن بالطبع، بل تغيرت الأسماء والشخوص والمعاملات، انظر لاحدى البنايات الشاهقة؛ الإجابة ستأتيك بأن مالكها من أكبر تجار الكتفلي في السوق، حوله جيوش من المساعدين يسوقون الضحايا بين الساعة والأخرى أمام مرأى ومسمع السلطات ومجمع الفقه وقوانين الثراء الحرام، بل وحتى أمام هيئة علماء الولاية.

انتقل لصورة أخرى، فتش قليلا في دفاتر راهن السوق التنظيمي، لن يضنيك الانتظار، فسلطات البلدية توفر عليك عناء الجهد، أمام كل البرندات التي تطل على المحال التجارية تتكدس آلآف البضائع أمام “ترابيز” أو مفروشة على الأرض، ليس مهماً الزحام الذي تصنعه وصعوبة السير لمرتادي السوق، فموظف التحصيل جاهز لتزيين وجه هذه الممارسة العشوائية بأنها “مهن هامشية تدر دخلاً معتبراً على الفقراء والمساكين ومن لا يتحصلون على وظيفة” وهي مهن غير مقيدة في ميزانية بلدية القضارف، ولا حتى إيراداتها في الميزانية العامة للولاية.

هنا مشهد آخر أمام مدخل سوق الخضار مباشرة “كشك صغير” مكتوب عليه إدارة تنظيم السوق العمومي، بجواره عشرات المفروشات التي تغلق مداخل سوق الخضار وتمنع حتى الداخلين إليه، باعة الفواكه والخضروات ليس وحدهم العشرات أيضا من بائعات الدكوة والشطة والثوم يتراصصن بمحاذاة ذات المدخل المتكدس، وهن “يجدن” على الرواد بإضافة زحام آخر، لم أكن في حاجة ملحة لسؤال إدارة السوق والمسؤولة من تنظيمه، فالصورة الفوضوية أمامي كانت شاخصة، بل أمامهم وعلى مرمي سلطاتهم.

المواطن في القضارف لديه دور كبير في الاستجابة لتلك العشوائية فمقاطعة الشراء من الباعة الجائلين هو هدف يجب أن يبلغه كل من يرتاد السوق، هذا رأي الصادق موسى الموظف الذي يحاول جاهداً اختراق كل ذلك الزحام حتى يصل إلى زبونه الدائم وسط سوق الخضار، يقول لـ(اليوم التالي) أنا لا أشتري إلا من زبوني وأقاطع المفارش التي تعرض البضائع، لكن عندما هممنا بسؤال أحد أصحاب الخضروات فأجأني بأن الباعة هم في الاصل يسوقون بضائع اصحاب الخضار والفواكه في السوق او هم يقومون بتغذيتهم على أمل محاسبتهم في نهاية اليوم والدوام العملي.

اخرج قليلاً وأنت محملٌ بأكياس الكرتون التي في الغالب لا تحتمل مشواراً طويلاً وهي مليئة بالأغراض، أمامك مواقف مواصلات الأحياء، هنا تأتيك الطامة الكبرى، في الحقيقة ليس هنالك مواقف ولا يحزنون، أرض وحيز مكاني يفتقر لأي شيء سوى أنه ملئ بمركبات المواصلات، ليس له حدود لا مداخل ولا مخارج، المركبات متهالكة للآخر، مدينة شاسعة الأطراف تستقبل يومياً في سوقها العمومي قرابة الثلاثمائة الف شخص هم من يمثلون أهل المدينة وأصحاب المحال التجارية ومرتادي السوق من القرى والأرياف القريبة والنائية حتى حدود القضارف البعيدة ليس فيها موقف عام بإمكانه أن يستقبل كل ذلك الكم الهائل من البشر ويفرغهم بسهولة ويسر إلى حيث مساكنهم، تضمنت خطط بلدية القضارف عدداً من المقترحات بتشييد مواقف مواصلات لتجميل وجه المدينة وانسياب الحركة فيها، لكنها باءت بالفشل على المستويين الرسمي والشعبي، ورغم أن أصحاب المحال التجارية ظلوا يستجيبون لمقترحات البلدية بتوحيد الطلاء الخارجي لمحالهم وصنع وعمل المظلات والبرندات الخارجية بطريقة واحدة ولون واحد، إلا أن الزحام في السوق والفوضى التي يعج فيها المتسبب الرئيسي فيها هو الحكومة نفسها حيث انها تلجأ للايرادات من كل صاحب نشاط تجاري حتى لو كن بائعات الفول والتسالي، لا تخلو المدينة يومياً من إشكاليات مواقف المواصلات وحسب رؤية هندسية تحصلت عليها الصحيفة فإن مواقع مواقف المواصلات موزعة بطريقة عشوائية ولا تراعي جغرافية الأحياء ولا تمكن المواطن من الوصول إلى أماكنها بسهولة، فبالنسبة لأحياء شرق وشمال المدينة لديهم “موقف الميدان روينا الملك كرري” ولما توسعت تلك الأحياء بدرجة كبيرة وتمت إضافة العديد من الأحياء في ناحيتها لم تعد مساحة الموقف كافية للمركبات وزادت أعدادها بصورة كبيرة كما زاد مستغلوها، وتضطر الحركة للتوقف طوال اليوم في أهم طريق يربط وسط السوق بسبب تكدس السيارات في ذلك الموقف، ونظراً لوضع المواقف في أماكن ضيقة فإن العربات تتوقف بعيداً من الموقف لإنزال المواطنين حتى تتمكن من انتظار دورها للدخول تارة أخرى للموقف المعني.

المشهد هذه المرة سيكون مثيراً، من داخل أحياء مدينة القضارف، في الحقيقة لايشرد ذهن حكومة بلدية القضارف بأي عنت في داخل الأحياء، هذا بالطبع ليس حديثاً مجانياً ,إنها المشاهد التي ننقلها أسفل هذا المقال بالصورة والقلم، اخترت أن ابدأ من أحياء الكثافة السكانية العالية، أو الأحياء المهمشة قليلاً أو كما يسميها زميلنا الراحل مهدي سعيد “أحياء الظل” في غرب المدينة، أينما بيت طرقته كانت فيه إصابة بالملاريا، فما السبب؟ الإجابة الأمطار هذا العام كانت غزيرة ولكن أين المصارف؟ الإجابة إن سلطات البلدية نسيت هذا العام تجديد المجاري للتصريف السطحي وفات على معتمدها الهمام أن يتذكر ذلك في غمرة انشغاله بصرف الأموال على احتفالات التكريم، لا بأس أين منظمات المجتمع المدني والمنظمات المساندة كما يسمونها والتي تصرف من ظهر الحكومة على هياكلها وتسيير أمورها، الإجابة؟ حسب أعضاء واحدة من المنظمات طلب حجب اسمه أن المعتمد عبد الله عثمان رفض تصديق ميزانية للقيام بحملة رش في المدينة، لجهة نفاد بنود الصرف انتهى الأمر بتفشي مرض الملاريا اللعين في القضارف.

حسناً في الآخر أين يطبع مواطن القضارف ابتساماته؟ فمسرح الولاية القومي محاط بالحشائش كأنه محمية طبيعية لا مسرحا للفنون والآداب، لا ملصقات بالمدينة لحفلات جماهيرية، بالتأكيد يتحسر أهل القضارف على إزالة شاشتي السينما وبيع أماكنهم، الموات الثقافي يضرب جميع الأركان، لاندوة سياسية أو ثقافية أو حتى ليلية فنية يستريح فيها التربالة من عنت ومشقة ليالٍ قاسوها في الزراعة وتحت زخات الأمطار، لكن السؤال الأهم أين معتمد البلدية وسلطاته، الإجابة ستجدونها عند الوالي الذي عينه بلا سبب أو مسببات، فهو يعزف في وادي ويطرب مزماره وادٍ آخر، ليس لديه حس شعبي ولا ملكة تنفيذية تمكنه من أداء الواجب، ومواطن القضارف يخرج الصباح بخاطر مكسور على مدينة أصبحت مجهولة الهوية.

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. لم يحرك فى المقال اى حسرة أو زعل أو اى شئ والسبب انه لم يأت بجديد . كل الذى ورد فى المقال يحصل يوميا ومنذ سنين ابتداء من الخرطوم العاصمة وكل اقاليم ومدن السودان . الحل هو فى تعيين خواجات ليديروا هذه المدن , اما نحن السودانيون فلا والف لا وسوف يستمر الحال كما هـو .

  2. يرجع موضوع أنتشار مايعرف بالكسر أو الشيل ما هو الا ربا مقنن بالتحايل على القانون السودانى الهش الزى ينكسر أمام أصقر محامى الدفاع ولا قرابة فى الأمر أن معظم البنوك فى القضارف تعمل باكسر والشيل والبيع لأجل بأقل من نصف سعر المحاصيل مستقلة حوجة المزارع لدفع تكاليف الحصاد أو الزراعة أما موضوع سوق القضارف أنا لا أتحدث فى تنظيم السوق لأنه أحسن بكتير من سوق مدنى وسنار وانا متأكد من الكلام دا يكفى أن يوجد مجمع مثالى لسوق الخضار والفاكهة لاكن يرجع تدهور وضع القضارف عامة ذلك لتفشى مرض تعاقب الولاة الفاشلين على القضارف قلنا يمكن الكلام دا من الوالاة خارج الولاية جبنا أولادة واحد تلع (لمبى) والبعدو عائق والدين بس أنحنا ناس القضارف نعترف بدكستنا لمن فكينا عبد الرحمن الخضر بايظ وناس الخرطوم جرو خمسين بالرقم من أنو كان ……….

  3. اخي حسن محمد علي قد لا أكون أعرفك جيد فى هذه اللحظة ربما نعرف بعد فى زمنا ما علي انني من ابناء القضارف مولود فيها و درست فيها ،
    واحدة من الأشياء المحزنة فى القضارف انه لا توجد مكتبة ثقافية تقتنع منها كتاب ثقافي او سياسي او اجتماعي انا غبت منها عشرة سنين وذهبت لكي اشتري كتاب ثقافي لكل استأنس به زيارتي لمدينتي لم اجد ولا مكتبة كل المكتبات الموجودة تبيع أدوات مدرسية وتصوير مستندات الا واحد بايع للكتب بالقرب من مكتبة النهضة يبيع كتب و معظمها كتب إسلامية،
    تخيل القضارف ليست بها متحف،،،،،، سينما ،،،،،، احواض سباحة ،،،،، أندية ثقافية ،،،،، حدائق عامة ،،،،، مواقف مواصلات ،،،،، ملاعب المناشط الرياضية المختلفة خلاف كرة القدم وهي نفسها متخلفة،،،،،
    القضارف ليست بها مدارس لتعليم الموسيقا
    القضارف ليست بها معاهد لتعليم الفنون والرسم والتشكيل
    القضارف عبارة عن منطقة مهملة من قبل ابناءها
    تخيل القضارف أنجبت
    الرشيد طاهر بكر
    علي عبد العزيز
    علقم
    طلال مدثر
    الجابري
    بلال موسي
    الكابلي
    وكثير وكثير من رواد لذلك وجب علينا
    ان نعيد النظر في كيفية بناء مدينة حضارية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..