جوبا في فنلندا: الانفصال يعيق الحصول على المادة الوثائقية

الخرطوم: دُرية مُنير
(ست وثلاثون دقيقة) تحكي علاقة شعبين انفصلا لأسباب سياسية، لكن لا يزال الترابط الاجتماعي موصولاً بينهما.. دمعة حزن سالت على خد الشمال ودمعة فرحة سالت على خد الجنوب (لحظة الانفصال)، و(جاك) الذي ولد في الجنوب إلا أن عمره الذي أنفقه في الشمال أثناء لعبه في أنديته الرياضية كان كفيلاً كي يجعله من أبناء الشمال، فقد عانى لمدة عامين كي يتأقلم على الجنوب، وهو يحن ويشتاق للشمال.
ملكية فوق
جاك هو كابتن فريق (الملكية جوبا) الذي تدور حوله أحداث الفيلم الذي وثق للحظات فرح اختارها الفريق الذي أصر على اللعب في الخرطوم بدلا عن كمبالا، فلم يخذلهم جمهور الشمال ليهتف معهم (ملكية فوق). وكما يقال إن الموسيقى لغة الشعوب، أكدت تفاصيل الفيلم الوثائقي أن كرة القدم ربما تكون مؤشرا جيدا لوحدة اجتماعية لوطن تقطعت أطرافه بسياسة خاطئة.
مجهود شبابي أشبه بملحمة أكتوبر العظيم، نتج عنه (الملكية جوبا)، تخطوا بسببه كل الحواجز، يتحدث على لسانهم مخرج الفيلم الذي تخرج في كلية الزراعة جامعة الخرطوم، وأحب المشاهدة فاجتذبه إنتاج الأفلام، فكان يراوده خيال إنتاج الأفلام وكيفية إخراجها بالصورة التي يراها على الشاشة، سنحت له الفرصة في المركز الثقافي الألماني (جوته) الذي شهد ميلاد تجربته الإنتاجية بمساعدة مؤسسة (سودان فيلم فاكتوري) تدرب عبر ورش شاملة مصحوبة بخلفية بدأت منذ الابتدائي مضيفاً إليها المعارف في مركز (جوته).
السياسة مؤثرة
مزمل نظام الدين – مخرج الفيلم – يقول في حديثه لـ (اليوم التالي) متحدثا عن الفيلم، وعن خلفيته السياسية: تأثر الفيلم بالعمل السياسي الذي يتضح في كيفية سرد الحدث التاريخي، فمشاهد الفيلم تشير إلى أن المنتج بداخله كبت سياسي ظهر في الإنتاج، موضحا أنه ترك العمل السياسي بسبب الإحباط. وأضاف: فهي تجربة استفاد منها الكثير ولا أرغب في ممارستها مرة أخرى مفرغا جل وقتي في ممارسة الأفلام. وأوضح مزمل أن فيلم (الملكية جوبا) هو آخر الأفلام المنتجة، والذي سبقه إنتاج أفلام تُعنى بحقوق الإنسان والتنمية في دارفور، كاشفا عن تجهيزات لفيلم جديد اسمه (أبناء يسوع)، هو فيلم يخص الطائفة القبطية بجميع نشاطاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وأشار مزمل إلى أن الشخصية السياسية لا تزال مسيطرة حتى في إنتاج الأفلام.
مشاق الحصول على المادة
ويضيف نظام الدين: إنتاج فيلم (الملكية جوبا) بذلنا فيه مجهوداً جباراً خاصة في اللقطات والمواد الوثائقية التي يصعب الحصول عليها حتى لو بشرائها من التلفزيون، واجتهدنا وعانينا في الحصول عليها، كما اضطر البعض منا للسفر إلى الجنوب للحصول على بعض المواد الوثائقية وأخرى من خارج السودان، ومن بعض الأفراد في حالة رفض التلفزيون السماح لنا بأخذ المادة الوثائقية منه. وأورد نظام الدين أن إنتاج الملكية جوبا شكل سرداً تاريخياً عبر الأحداث التي ساهمت في انفصال الجنوب، فالحصول على تلك المواد يحتاج جهداً وزمناً كبيرين، مسترشدا بفقرة من الفيلم لم يتحصلوا عليها، وهي اتفاقية أديس أبابا 1973م، مما اضطروا لاستبدالها بزيارة نميري لجوبا بعد الاتفاقية.
جوبا في فنلندا
وأضاف مزمل في حديثه أن فيلم (الملكية جوبا) سيشارك في أكبر مهرجان للسينما بفنلندا (هلسنكي)، متوقعاً له نجاحاً كبيراً خاصة أن الفيلم يناقش قضايا دولية، ففرص نجاحه كبيرة، وهي محور اهتمام دول العالم الأول. مزمل الذي تأثر كثيراً بانفصال الجنوب يتحسر كلما يرى الخريطة بشكلها الجديد، متمنيا انفصال أسكتلندا عن بريطانيا عله يرتاح بأخذه للثأر. ويرى أن الفيلم يعالج قضايا اجتماعية، فهو تطرق من خلاله إلى التمهيد لوحدة بين الشمال والجنوب بمفهوم جديد لا مركزي، دولة ديمقراطية لا يسيطر فيها إنتاج المركز على كل شيء، كاشفا أن الهدف الأساسي من الفيلم الوحدة الاجتماعية رغم الانفصال السياسي، والبحث عن نخبة جديدة بمفاهيم جديدة، يكون الدستور فيها التعبير عن الحق. وأضاف: لا نمانع من عرض الفيلم عبر القنوات الفضائية بعد المشاركة به في المهرجانات العالمية. ويشير مزمل إلى أن أوجه الاختلاف بين الأفلام الوثائقية السينمائية تتلخص في التكنيك عن الأفلام التلفزيونية من حيث المادة والتعليق، ففي السينما لا يحبذ التعليق عكس التلفزيون للمحافظة على انتباه المشاهد، فالتعليق يوجه العقل والانتباه، إضافة إلى أن فيلم التلفزيون تعليمي يعطيك المعلومة جاهزة عكس السينما التي تبحث فيها عن المعلومة.
ضياع المعلومة وكيفية المعالجة
إلى ذلك يقول (محمد الطيب) – سينارست – إنهم سعوا من خلال الفيلم إلى معالجة آثار الانفصال من خلال التقاط لحظة انفصال الجنوب، مشيرا إلى أن كثيراً من الأحداث السياسية لم تجد لها مساحة للتوثيق، فتضيع مع دوامة الأحداث الحياتية اليومية، فمن أجل هذا سعوا لتوثيق تلك اللحظة بإضافة بعض الأحداث برؤية بصيرة ورأيهم في أحداث الانفصال ورأي الشارع فيه، وأيضا عبر جانب فني. وأشار إلى أنه عالج السيناريو عن طريق إدخال كل الأحداث التي أدت إلى الانفصال منذ الاستقلال مع التركيز على الجوانب الاجتماعية، وأهم نقطة هي التوثيق كي لا تضيع مع الذاكرة الشفاهية.
اليوم التالي
من المؤسف أن يتمنى من يدعي أنه فنان ويفترض فيه أن يمتلك روحاً شفافاً خيراً أن يتمنى انفصال دولة أخرى لا لذنب ارتكبه الساسة هناك بكل تشفياً لأخطاء وجرائم ارتكبها ساسته في بلده. لماذا يجب على بريطانيا أن تدفع ثمن انفصال الجنوب؟ هل رأي هذا الفنان الحاقد أن الساسة الانجليز استفزوا أهل اسكتلندا وحرموهم من حقوقهم أو ارتكبوا فيهم جرائم كمثل تلك التي ظلت النخبة الشمالية الحاكمة في الخرطوم ترتكبها في حق أهل الجنوب؟ هذا أمر سخيف بجد. لقد رأينا كيف أطلق الساسة الانجليز لغة تصالحية في خطابهم لأهل اسكتلندا جديرة بالاحترام على عكس ما فعله ساسة الخرطوم طوال ما يزيد على نصف قرن من سياسة الاستعلاء والاضطهاد والاحتقار حتى خلال الفترة الانتقالية التي يفترض أنها كانت مخصصة لإقناع أهل الجنوب بأن نظرة الخرطوم قد تغيرت نحوهم وأصبحت أكثر إنسانية، فإذا بالساسة في الخرطوم يطلقون لسنهم القذر متمثلاً في صحيفة (الانتباهة) العنصرية لشتم أهل الجنوب كل صباح ومساء والإساءة إليهم ووصفهم بأقذع الأوصاف من شاكلة أنهم سرطان يجب قطعه وأنهم حاملو الايدز وناشرو الجريمة وما إلى ذلك. أما الفلم فلا تعليق عليه طالما أن مخرجه ممتلئ بكل هذا الحقد. لماذا يبكون على الجنوب الآن وهم الذين لم يحركوا ساكناً عندما كانت الجرائم ترتكب بحق أهله طوال عقود؟! بينما كانت تخرج المظاهرات في الخرطوم لمساندة أهل غزة الذين يرون أن دماءهم أغلى حتى من دماء بعض أهل الشمال مثل دارفور مثلاً.
الناس ديل بعدما طاروا مننا تاني جايبين سيرتهم لينا مالكم ؟ مع السلامة قشة ما تعتر ليهم
أتمنى من كل قلبى أن يعود السودان موحدا مرة أخرى ,, ويعود الجنوب الحبيب إلى حضن الوطن الام ,,,ومنقو قل لاعاش من يفرقنا