عمي على يا بتاع الزيت !ا

عمي على يا بتاع الزيت !
محمد عبد الله برقاوي..
[email protected]
لا أذكر المناسبة بعينها ، او الدافع الذي حدا بأستاذنا الراحل الفنان العظيم / عزالدين عثمان ، في آلنصف الثاني من ستينيات القرن الماضي ولكني لا زلت أحتفظ في ذاكرتي بذلك الرسم الكاركاتيري وهو يصور فيه الراحل الشيخ على عبد الرحمن الأمين رئيس حزب الشعب الديمقراطي المنصهر لاحقا في الاتحادي الديمقراطي، وكان وقتها نائبا لرئيس الوزراء ووزير الخارجية في احدى مراحل ائتلافهم مع حزب الامة ، وبدأ الشيخ وهو مجهدا يجر عربة فوقها صهريج مربوط بخيط واهن لن يلبث أن ينقطع اذا ما تتدحرجت العربة بصهريجها الى الوراء ، أو اندفع هو في جرها الى الامام !
ولعل ذلك الرسم كان يحمل عمقا في النصح بوجوب توخي الحكمة السياسية ، في تحريك آلة الحكم ، دون اندفاع يقطع خيطها أو دحرجة تأتي بخبره وكان االتعليق المكتوب تحت الرسم
( عمي على يابتاع الزيت عربيتك مربوطة بخيط )
وقد كان جل السياسيين على درجة من التفهم الذي لا يفسد ودهم مع الصحافة الناقدة لهم مقالا أو رسما ، لوعيهم بأهمية دورها في تقويم مسيرة الحكم !
كان ذلك نموذجا واحدا من كاريكاتيرات عزالدين ، ذلك الفتي الموهوب ، وصاحب القريحة الفنية المرتبطة بالناس كلهم ، فقد كان عز الدين فنانا قوميا بحق ، ملتصقا بكل قطاعات المجتمع في الأسواق والمجالس والشارع على مختلف اوساطهم ، يلتمس فنه وأفكاره من نبضهم ، ومعاناتهم وسخريتهم ، وكان يعكسها في رسومه التي تمثل مقالات قائمة بذاتها مختزلة ومبتسرة في صورة طريفة ، وتعليق من بضع كلمات ، ولكن تأثيرها كان كبيرا في القراء ، بقدرما كان فاعلا في نفوس صناع القرار!
صحيح كانت مساحة الحرية التعبيرية بدون سقف ، ورغم ذلك كثيرا ما تعرض ابو العز للمساءلة القانونية ، ولكن أما م عدالة القضاء وليس في مكاتب أجهزة الأمن وهنا يكمن الفرق ، بين حرية التعبير التي تعتبر حقا مكفولا ومحمية بالقانون يحكم لها أو عليها، وحرية ممنوحة من الحاكم لا يحميها القانون !
ياترى ماذا لو عاش عز الدين ، في عهد هذه الحرية ، كيف ستكون تعابير ريشته وهي تتنفس في مناخ تلوثه عفونة الفساد والمحاباة بهذا القدر الذي تجاوز كل المعايير في ظل تغول الذراع الأمنية كسرا للأقلام متي ما طعنت في اللحم الحي ؟
صحيح ان عهود الديمقراطية تلك ،كان فيها مستوى من الفساد والتخبط والمحسوبية التي كانت سببا في انتكاسة البلاد ثلاث مرات الى درك العسكر والشمولية التي تعقبهم في تظاهر وتحايل بالديمقراطيات المسخ كديمقراطية الاتحاد الاشتراكي التي تشبه البغل الذي لا ينجب وديمقراطية المؤتمر الوطني التي تريد أن تستنسخ من البغل بغالا !
لكن النقد في عهود الديمقراطيات الآفلة وقتهاكان في الصحافة حتي الرسمية منها حقا مشاعا لكل قلم حر ، لا رقابة قبلية ولا مصادرة ، ولا ايقاف الا بحكم قضائي ياخذ كل دورة التعاطي القانوني مساواة بين الادعاء والدفاع !
رحم الله الشيخ على ورفاقه الميامين من الساسة الذين لا نبرءهم من التقصير كبشر ، ولكنّنا لا نستطيع الطعن في ذممهم النظيفة وأكفهم البيضاء ، ووطنيتهم الطاهرة وغيرتهم التي لا شك فيها على السودان موحدا ، فدفع ذلك الشيخ على وحزبه على سبيل المثال الى مقاطعة اولى الانتخابات بعد ثورة أكتوبر لان الانتخابات أجلت في الجنوب ، فاعتبروا ذلك انتقاصا من الديمقراطية ، فماذا كانوا سيقولون وقد اندلق الزيت لتنزلق فيه أرجل الوطن التي باتت مشبوحة شمالا وجنوبا ، ولم يعد الأمر محصورا في صهريج يجره الشيخ على وكان مقدورا على تفادي انقطاع خيطه الواهن ، لو أمهلنا العسكر لفتله على فخذ الزمن وتقويته بالتجربة على سواعد الحكمة قبل ربطه على عربة الزيت ، ورحمك الله يا أخي عزالدين وقد غادرت الدنيا والسودان ولم تشهد انقلاب عربة الزيت برمتها !
انه المستعان ..
وهو من وراء القصد..
و على الان موجود هو على عثمان ابو الدفان مزق السودان رحم الله الاستاذ عذ الدين عثمان