الفيسبوك مساحة للتواصل أم ساحة لقطع الأواصر ؟ا

الفيسبوك مساحة للتواصل أم ساحة لقطع الأواصر ؟

بدور عبدالمنعم عبداللطيف
[email protected]

تناولت الكثير من الأقلام النواحي الإيجابية للفيسبوك وذلك من حيث انه يربط بين الأفراد وقد يعيد الصلة بزملاء دراسة قدامى أو جيران أو أقارب فرقت بينهم ظروف الحياة والهجرة. كذلك من إيجابيات الفيسبوك طرح القضايا العامة التي ترتبط بالوطن خاصة في ظل أنظمة تُعرّض بعض أفراد المجتمع للاعتقال والتنكيل والبطش لدواعٍ سياسية أو أمنية، مما يجعل أهل السلطة يتراجعون عن بعض مظالمهم أو على أسوأ الفروض “يستحون” في دواخلهم. كما أن الفيسبوك هو المنبر الذي اندلعت من خلاله شرارة الربيع العربي ولا زال أوارها يشتعل في بعض البلدان فيما ينطبق على البلدان الأخرى قول الشاعر” أرى تحت الرماد وميض نار* ويوشك أن يكون لها ضرام “.
وبما أنني أملك تلك الخاصية التي تدفعني دائماً إلى النظر فيما وراء الأشياء، فقد عَنّ لي أن أنظر إلى الفيسبوك من الجانب الفارغ من الكوب.
“الفيسبوك” صورة مصغّرة للمجتمع السوداني ، والمجتمع السوداني دون سائر الشعوب يتفرد بخصلة ذميمة (خصلة اللوم) التي قد توجد بدرجات محدودة “جداً” عند بعض الشعوب. أما نحن السودانيين فقد بلغنا في ذلك المجال شأواُ بعيداً . وإذا كان البعض يحسّن صورة اللوم فيطلق عليه “صابون القلوب” فهذه المقولة تنطبق على الذين تربطهم أواصر ذات جذور عميقة سواء صداقة متينة أو قرابة وثيقة فهنا الهفوة يمكن أن “تُرمَّم” بالمكاشفة والاعتذار اللذان يزيلان عن النفوس كل كما علق بها من شوائب. وتعود العلاقة أقوى مما كانت.
إن اللوم في أبسط الأمور ينغّص حياة الفرد وقد يدفعه إلى أن يتعامل بالمثل فيصبح المجتمع ساحة لمعارك مستترة تنتفي فيها العلاقة الطبيعية وتتحول العلاقة إلى “دفتر حسابات” تُسجًّل فيه “المخالفات” والتقصير في أي مناسبة كبيرةً كانت أو صغيرة .. وبذلك تحولت العلاقات الإنسانية إلى أعباء وديون ثقيلة تكبل حرية الفرد فما أن ينتهي من بعض تكاليفها حتى تظهر مناسبة أخرى، فعجلة الحياة لا تتوقف ومسلسل المناسبات لا نهاية له. وهكذا يجد الفرد نفسه مثل لاعب الأكروبات يعيش حالة توتر دائم وهو يسير على حبل مشدود يخشى أن تنزلق قدمه فتتناوله ألسنة اللوم الحادة وتكفهر في حضرته الوجوه.
– فلانة جات من السفر مشت بيتها ونزّلت شنطها حتى جاتنا للعزاء على راحتها
-ولدي نجح في الكي جي 1 (نقلوه سنة تانية روضة) ما جات باركت لي
-أختي عملت عملية الزايدة ما جاتها إلا بعد ما مرقت من المستشفى.
-بنتي شالو ليها اللوز ما حضرت معانا العملية.
-في بكاء حبوبتي عمة أبوي، جات عزتني على طولها وتاني ما عاودت الفراش إلخ.
و”الفيسبوك” بوصفه صورة مصغرة للمجتمع الكبير انتقلت إليه عدوى “اللوم” التي تشبّع بها المجتمع السوداني ..
-تصور فلانة ما باركت لي الـBirthday (عيد الميلاد) بتاعي .. خلاص أعمل ليها delete (حذف) من قائمة الأصدقاء
-فلان ما عمل لي Like على صورة ولدي حاردها ليهو في أي حاجة يرسلها تاني
-علانة طلبت منها الانضمام لقائمة أصدقاءها my friends ما “عبّرتني”
-فلانة ما عملت ليّ Link (رابط) لأغنية “السمحة قالوا مرحّلة ” لمصطفى سيد أحمد مع إنها عارفاني من معجبينو ورسّلت للباقين

ويستمر مسلسل اللوم .. ويستمر معه مسلسل الـ delete ورد الإهانة “المفترضة” بمثلها !

ومن جهة أخرى فإن ثقافة اللوم وما ينتج عنه من إشكاليات تخلق نوعاً من الرقابة الذاتية التي تُكرِه المرء على التصرف بخلاف طبيعته أو يكلف نفسه ما لا يرغب أو ما لا يطيق ..

-والله فلانة دي بتجاملني دايماً حاحاول أشوف ليها تعليق ظريف على صورة بتها بس ما قادرة ألقى ليّ كلام مناسب أجاملها بيهو
وفي الفيسبوك يعمد البعض من خلال الصور و”الحكاوي” إلى رسم صورة وردية عن حياتهم فهم يرفلون “دوماً” في السعادة مما يصيب أصدقاء “الفيسبوك” بالإحباط ويشعرهم بـ”التعاسة” وفي حقيقة الأمر فإن أولئك “السعداء” قد يرسمون صوراً مزيفة لواقع يتمنون أن يعيشوه.
ولكن على الرغم من كل تلك السلبيات، يظل “الفيسبوك” ابتكاراً مفيداً لا ينقصه سوى أن يغيّر مستخدموه من طبيعة تعاملهم مع بعضهم البعض.

تعليق واحد

  1. والله ان الكلام الذى كتبته الاستاذه بدور عبد المنعم كلام فى محلو وده حال الشعب السودانى يحب اللوم فى كل صغيره وكبيره وليس بمعنى ان لا اعلق على احدى كتاباتك معناه اننى ليس مهتم بك او ما اعمل ليك رابط لى ماده معينه او لايك على حاجه معينه دى كلها مفاهيم غلط وقالو الفهم اقسام:lool: :lool: :lool:

  2. يعجبني في هذا القلم اختياره الرشيق للمواضيع فهو مختلف تماما عن ما بالساحة من غث. التحية لك يااستاذة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..