أخبار السودان

تحقيق بيت الميرغني الحلقة 6

مقدمة الحلقة (6)
وفاة مولانا أحمد الميرغني المفاجئة بمدينة الإسكندرية يوم الأحد 2 نوفمبر 2008 كانت صدمة كبيرة لشقيقه الأكبر مولانا محمد عثمان الميرغني مرشد الطريقة الختمية ورئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي، فالفقيد كان مؤثراً في صناعة القرار السياسي والتنظيمي داخل أروقة الحزب.
العلاقة بين الشقيقين
اتسمت العلاقة بين الشقيقين محمد عثمان وأحمد الميرغني بكثير من الانسجام والود والاحترام المتبادل، أفضل كلمة لوصف هذه العلاقة قالها أحد قيادات الحزب الاتحادي عندما وصف أحمد الميرغني بأنه كان (يدوزن) شقيقه محمد عثمان الميرغني، ويقصد أن أحمد كان قادراً على رفع حالة الانسجام بينهما إلى مرحلة تجعله يؤثر على تفكير وقرار شقيقه محمد عثمان الميرغني.
قصة معبرة!!
قبل انعقاد مؤتمر مرجعية الحزب الاتحادي الديموقراطي (بالقناطر الخيرية) الشهير في القاهرة في يوم 4 مايو 2004.. حينما كان مولانا محمد عثمان الميرغني مستعصماً بمهجره في القاهرة.. استدعى مولانا بعض القيادات السياسية في الحزب لإعداد أوراق المؤتمر.
ظلت هذه الكوكبة القيادية في حالة انعقاد دائم في مقر جوار قصر الميرغني بالقاهرة.. لكن اللجنة اعترضت على تعديل أدرجه مولانا محمد عثمان الميرغني في هيكلة الحزب.. تعديل الميرغني أزاح منصب (الأمين العام) في هيكل الحزب واستبدله بمنصب (سكرتير).. وهو تعديل يعني انفراد رئيس الحزب.. والذي هو مولانا محمد عثمان الميرغني.. بكامل القرار والصلاحيات، وإقصاء الأمين العام.
اللجنة أبدت للميرغني اعتراضها على هذه التوصية.. لكن الميرغني أصرّ عليها.
في ليلة ساهرة، الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، دخل فجأة مولانا محمد عثمان الميرغني على اللجنة خلال تداولها، ووقف في الباب، دون أن يدخل وسألهم ماذا فعلتم؟)- ويقصد التوصية مثار اعتراض اللجنة، صارحوه بتمسك اللجنة بموقفها، قال لهم- بغضب وهو يستدير راجعاً قبل أن يغلق الباب خلفه: (عليكم الاختيار بين اثنين.. أما الرئيس أو الأمين العام!!).
عبارة مولانا الميرغني كانت حاسمة قاصمة، وضعت اللجنة في حيرة شديدة، فهو يعني أنه لن يكون رئيساً للحزب إذا أصرت اللجنة على وجود منصب الأمين العام، وحجته في ذلك أن ثنائية القيادة تغري بالانقسامات- كما حدث في عدة أحزاب أخرى.
كان واضحاً أن اللجنة وصلت إلى طريق مسدود تماماً.
في الصباح وبينما كان أعضاء اللجنة لا يزالون في حيرة من أمرهم زارهم في مقرهم مولانا أحمد الميرغني وكان قادماً من الإسكندرية.. سألهم عن وضع الترتيبات للمؤتمر فأخبروه بالعقبة التي تعترضهم، شرحوا له موقف مولانا محمد عثمان الميرغني الحاسم في رفضه لمنصب الأمين العام.
سأل مولانا أحمد عن مكان مولانا محمد عثمان الميرغني.. وكان الأخير يتجول بين عدة لجان يتابع أعمالها، بعد قليل وصل مولانا محمد عثمان الميرغني والتقى بأخيه أحمد، مباشرة وبلا مقدمات قال مولانا أحمد لأخيه.. رأي اللجنة صحيح.. ولأ أرى سبباً لرفضك الأخذ به.. وشرح له بتفصيل حجة اللجنة والحيثيات التي اعتمدت عليها، أطرق مولانا محمد عثمان الميرغني قليلاً.. ثم قال بكل ثبات (حسناً.. موافق.. قبلت برأي اللجنة).
هذه الواقعة التي استقيناها من مصادر مطلعة وذات موثوقية عالية تكشف إلى أي مدى كانت العلاقة الثنائية بين الشقيقين، وسجلنا عدة حكايات مشابهة ربما لا يتسع المجال لذكرها الآن.
الصدمة الثانية..!!
لم تمض سنوات قليلة على رحيل مولانا أحمد الميرغني حتى شاءت إرداة الله أن تنتقل إلى رحابه السيدة مريم حرم مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، كانت تلك الصدمة الثانية التي أثرت كثيراً على وجدان مولانا محمد عثمان، وربما على صحته أيضاً.
في فترة وجيزة فقد مولانا محمد عثمان الميرغني ركنين أساسيين- رفيق دربه وذراعه الأيمن شقيقه أحمد، ورفيقة دربه وسنده الداخلي الشريفة مريم- كل هذا والحزب والطريقة الختمية تموج بالمشكلات والمعضلات التي تحتاج إلى متابعة يومية.
على مدار الساعة!!
حسب المقربين من مولانا محمد عثمان الميرغني أنه يعمل في اليوم (25) ساعة، قليل الراحة والنوم، منذ أن اختار الخروج من السودان والسير في درب النضال السياسي الوعر ظل مهموماً بملفات ثقال أثرت كثيراً على صحته.
المقربون منه يقدمون إفادات قد تبدو مثيرة لدهشة الكثيرين، أهم الصفات التي رسمها له المطلعون على تفاصيل يومياته أنه قادر على الاستماع بإذن مصغية إلى كل مستشاريه، لا يقطع أمراً قبل أن يستخلص ما أمكنه من نصائح المستشارين.
والثانية أنه لا يستنكف أبداً في الرجوع عن موقفه أو قراره إذا ثبت له خطأه أو اقتنع بوجهة النظر الأخرى، والثالثة أنه ميال إلى العمل من خلال المؤسسات، غير نزّاع إلى الانفراد برأيه الشخصي خارج السياق المؤسسي.
ربما تبدو كل هذه الصفات صادمة لمعلومات الكثيرين الذين استقوا تخيلهم لشخصية الميرغني من خلال الصورة لا الحركة.. فمولانا الميرغني مشهور بـ (كارزما الصمت)، قليل التصريحات، والظهور الإعلامي، ومحفوف بحجب القداسة الصوفية الموفورة لشيخ أكبر الطرق الصوفية في السودان.
جانب آخر في شخصية الميرغني
في العام 2009 وقبل الانتخابات العامة والرئاسية في السودان التقينا بمولانا السيد محمد عثمان الميرغني في (جنينة السيد علي) في الخرطوم، كان اللقاء للتحية والمجاملة بمناسبة العيد، والصالون الكبير مكتظ بعدد كبير من السادة خلفاء الطريقة الختمية، ويجلس بجانب مولانا بعض أبنائه، سألنا مولانا محمد عثمان الميرغني (هل ستترشح لرئاسة الجمهورية؟).
كانت مفاجأة كبرى لنا ولأول مرة نراه وهو يضحك بأعلى صوته ويقول لنا (في رأيكم هل هناك منصب شاغر لرئيس جمهورية؟؟)، واستمر في ضحكته المجلجلة، ثم قال ساخراً بلهجة مصرية.. (أنا ما قلتش حاجة!!).
ربما كشفت لنا تلك المصادفة وجهاً آخر في شخصيته.

في العام الماضي 2013- وبالتحديد في شهر سبتمبر- خرج مولانا الميرغني عبر مطار الخرطوم في رحلة خارجية كانت مثيرة للانتباه، فالطقس السياسي كان ملبداً بغيوم كثيفة، ونذر المواجهة تكشر عن أنيابها في الشارع السوداني، بعد أن بات جلياً عزم الحكومة إصدار قرارات اقتصادية ترفع أسعار المحروقات وبعض السلع الحساسة شعبياً.
وفعلاً في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر 2013 شهدت شوارع الخرطوم تظاهرت هي الأولى من نوعها منذ جاءت الإنقاذ إلى الحكم في العام 1989.
وظلّ مولانا محمد عثمان الميرغني في مهجره في العاصمة البريطانية لندن حتى لحظة كتابة هذه السطور.
الدنيا في داخل السودان تمور وتدور، وفي داخل الحزب الاتحادي الديموقراطي ترتفع الحرارة وتهبط.. هل يستمر الحزب في المشاركة أم ينفض يديه؟، لجان تنعقد وأخرى تنفض، وتوصيات بالخروج، ومعارضون لهذه التوصيات، كل هذا، ومولانا في لندن، لا يتحدث، ولا يصدر بياناً.
هل أثقلته هموم الحزب فتركها، تحملها أمواج الصدف إلى حيث ترسو، أو تغرق.. لا أحد يعلم؟.
هل صحته بخير؟، كل الذين زاروه في مقره بلندن أكدوا أنه في تمام الصحة. رغم بعض مظاهر النسيان العادية في مثل سنه.
لماذا لا يعود إلى السودان خاصة مع غياب كامل الأبناء بما فيهم الابن الذي يحتل منصباً دستورياً رفيعاً- مساعد رئيس الجمهورية- مولانا جعفر الصادق؟.
بداية العاصقة..!!
في سياق بحثنا عن معلومات هذا التحقيق الاستقصائي، التقنيا بعدد كبير من المقربين في الطريقة الختمية، والحزب، غالبيتهم فضلوا عدم الإشارة إليهم على الأقل من باب التوقير للسادة المراغنة، وخشتيهم من أن يتضمن التحقيق بعض المساس بهم، لكن الملفت لنظرنا ملاحظة تبدو مثيرة للغاية.
الغالبية الكاسحة لمصادرنا اتفقوا أن سنوات النضال التي أبعدت مولانا محمد عثمان الميرغني عن البلاد لأعوام امتدت من العام 1990 وحتى 2008 أثرت كثيراً على الحزب والطريقة الختمية.. وأن هذا الأثر? بكل أسف- ربما غير قابل للاسترداد.
قيادات اتحادية كثيرة هاجرت إلى أحزاب أخرى، وعلى رأسها حزب المؤتمر الوطني الحاكم، أو اختارت الانزواء، وهجر العمل السياسي كلياً.
أركان الحزب والطريقة الختمية في الجانب الاقتصادي، والذين كانوا يشكلون قوة ضاربة في بنيان الحزب، اضطرتهم أمواج البحر الهائج ركوب سفينة الحزب الحاكم، ولم يعد للحزب نصير اقتصادي سوى قلة هم أكثر حاجة من الحزب إلى من يسندهم اقتصادياً.
هل باتت شمس (بيت الميرغني) السياسية على وشك الغروب؟.. تلمع أشعتها الذهبية بلون الأصيل، وهي تتكئ على حاجز الأفق.. هذا ما ستكشف عنه بقية حلقات التحقيق..
في الحلقة القادمة رقم (7).. مؤسسة (الخلفاء).. هل انهارت؟.

التيار

‫6 تعليقات

  1. لو ما انهارت ح تنهار او مفروض تنهار او ان الاوان لكى تنتهى , لان وجود تلك الاسرتين كان ولا يزال السبب الاساسى فى ازمة السودان

  2. مقال ينضح بالجهل والعبط … مولانا….الشريف…. الشريفة…زكل ابناء وبنات الشعب السودان شرفاء وشريفات … امثال هذا الكاتب من جعل هؤلاء اللقطاء يتسيدوننا ويجلسون على دفة قيادة البلد الى الهاوية بّإمتياز …. شريفة وشريف ومولانا اخخخخخخخخخخخخخ انه الجهل….البعض يصنع الالهة بيديه ثم يتقرب اليه خوفآ وطمعآ وجهلآ…. خخخخخخخخخخ…. ان لم نتخل عن العقليه التقديسية لن نتقدم قيد انملة.

  3. ايهاالحوار المغرم بشيخه ..بعيدا عن العاطفة الجياشة وقليل من التامل والتفكير ستتكشف لك الحقائق فما كبوة السودان ومعاناة اهله الا بسبب هولاء الاقطاعيين الذين
    لايهمهم شي سوا منفهتهم السشخصة بالله عليك احصي علي ثلاثة انحازات ققط صنعها هذ الرجل للسودان واهله. وما ينطبق عليه ينطبق ايضا علي الامام والشيخ.

  4. ليك ولاسيادك ديل وال فى امدرمان والجماعة كلكم ان شاء الله ربنا يقصف بكم الارض بقدر ما تسببتم فى معاناة خلقه.
    يومكم قادم ح تورونا العمارات الفى القاهرة دى جيبتوها من وين.
    واخيراً العسكر ولا من يلبس ثوباً اسوداً للتمويه والتلبس باسم الدين, كفاية ربنا ياخدكم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..