أخبار السودان

أكتوبر بوركينا فاسو

محمد محمود

يوم الخميس 30 أكتوبر 2014 أتت تلك اللحظة التاريخية في حياة شعب بوركينا فاسو ليقول “كفى” ويقطع حبل الصبر ويخرج إلى الشوارع في ملحمته الأكتوبرية ليسقط حكما استبداديا دام سبعة وعشرين عاما. وهكذا يفعلها الشعب مرة أخرى — يخرج المواطنوان العزل وهم لا يملكون إلا حلمهم الكبير بالتغيير ويواجهون قوى النظام المدججة بالسلاح ويستطيعون أن يقهروا النظام بإرادتهم الشعبية الموحّدة. وما يدهش ما استطاع البوركينابيون تحقيقه في غضون يومين فقط.
تفجّرت الإرادة الشعبية في صباح الخميس الباكر لتمنع الانقلاب الدستوري الذي كان رئيس الجمهورية بليز كومبوريه ينوي القيام به بتعديل الدستور لإعطائه الحق لإعادة ترشيح نفسه. وتقدمت الجماهير لتحتل مبنى البرلمان وتحرقه، وتواصل مسيرتها لتحتل مبنى الإذاعة. وبنهاية اليوم كانت الجماهير قد فرضت إرادتها، وعبّر عن هذه الإرادة مواطن عادي أمسك بميكرفون وسط جمع حاشد من المتظاهرين المبتهجين وأعلن حلّ الحكومة.
وحاول النظام استعادة زمام المبادرة والإمساك بالوضع الذي انفلت من يديه. تحرّك الجيش ليفعل ما تخصّصت وبرعت الجيوش الأفريقية في فعله، أي محاولة الانقلاب عسكريا على إرادة المواطنين، وأعلن حظر التجوّل في الحال بدعوى الحفاظ على الحياة والممتلكات مع محاولة فرض وضع انتقالي يستمر عاما. وبتناغم مع تحرّك الجيش أعلن كومبوريه تراجعه عن تعديل الدستور مع قراره في نفس الوقت بالبقاء حتى نوفمبر 2014 بدعوى شرعية إكمال فترته الرئاسية.
إلا أن البوركينابيين رفضوا الصيغة التي دخل بها الجيش الساحة ورفضوا استمرار كومبوريه، وبنهاية يوم الجمعة اضطر الجيش لإزاحة كومبوريه.
إن بوركينا فاسو (أو “وطن الصادقين” بلغة الموري والديولا) من أفقر بلاد العالم وأقلها تنمية حسب مؤشرات الأمم المتحدة، وهو فقر وتخلف تفاقم على مدى العقود الثلاثة لحكم كومبوريه. إلا أن البوركينابيين وبرغم فقرهم المُدْقِع وتخلف بلدهم استطاعوا أن يرفعوا هاماتهم بين الشعوب ويفرضوا حريتهم وإرادتهم الشعبية ليس بإزاء استبداد فَرَضَ نفسه عليهم باسم الديمقراطية فحسب وإنما أيضا بإزاء النظام العالمي الذي جعل استمرار نظام مثل نظام كومبوريه ممكنا.
إن ما حدث على مدى العقود الثلاثة الماضية في بوركينا فاسو لا يختلف عما حدث في أغلب بلدان أفريقيا: انقلاب عسكري يستبدل فيه الجنرال بزّته العسكرية ببدلة مدنية ويسبغ على استبداده قشرةَ شرعيةٍ في ظل ترتيبات “ديمقراطية” يمسك بخيوطها ويتحكّم فيها تحكما تاما. ما كان من الممكن لكومبوريه أن يقتدي بفلاديمير بيوتن فيتحايل على الدستور بوضع صنيعة مثل ديمتري ميدفيديف ليزيحه بعد ذلك ويعيد استلام مقاليد الأمور، فالحياة قصيرة والمصالح التي لابد من حراستها وتنميتها لا تحتمل المخاطرة وخيانته لتوما سانكرا بانقلابه عليه واغتياله من الممكن أن تنقلب عليه هو نفسه فيشرب من عين كأس الغدر. لا، إن الطريق الأضمن والأقصر هو تعديل تلك الوثيقة التي تسمى الدستور والتي لا تعني في نهاية الأمر شيئا لأنه تعوّد على دوسها كل الوقت.
وكان خطأ كومبوريه القاتل، على خبرته الطويلة ومراسه في المكر والمخادعة والكيد، أنه نسى أن هناك شيئا اسمه الشعب. اعتقد، مثل كل مستبد، أن العالم هو بطانته وقصره والمصالح التي يخدمها. اعتقد، وهو الذي بَلّدَ الاستبداد والفساد وعيه وأحاسيسه، أن الشعب قد تبلّد بفعل القهر المتواصل والإفقار المحيط به. وفاجأ البوركينابيون النظام والعالم برد فعلهم، رأوا في محاولة تعديل الدستور القشة الأخيرة وانفجرت ثورتهم ونجحت وبسرعة عاصفة (تشبه النجاح العاصف لثورة أكتوبر السودانية) في تحقيق هدفها الأولي وهو إزاحة كومبوريه. إلا أن ثورة أكتوبر البوركينابية لا تختلف عن ثورة أكتوبر السودانية في أنها تحمل أحلام تغيير كبرى، وهذا هو التحدي الضخم الماثل أمام شعب “وطن الصادقين” الآن.
إن الدرس لأفريقيا، ولنا في السودان خاصة، واضح: الشعب هو المنطلق والمنتهى. إن من أخطر الأشياء أن نستهين بقوة المواطن العادي وبقدرة الجماهير عندما تقول “كفى” وتنطلق إرادةً شعبيةً تمتدّ يداها للإمساك بشمس حريتها.

محمد محمود أستاذ سابق بكلية الآداب بجامعة الخرطوم ومدير مركز الدراسات النقدية للأديان.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. سـقـط هـبل .. خـر الـطاغـية جاثيا تحـت أقـدام الـغـبش الـغـلابة !!.
    دكتاتور ، وطاغية بوركينا فاسـو لـم يتنحـي عـن الـحـكم ؟!.
    دكتاتور بوركينا فاسـو أسقطته ومرغـت أنفه بالأرض إنتفاضـه شـعـبية عـارمـة لـم تبقـي ولـن تذر !!.
    طاغـية بوركينا فاسـو صـنم هـوي بضـربات الـغبش الـغـلابة الذين جثم الـكابوس علي صـدورهم سـبعـة وعشـرون عـام حسـومـا ، أذاقهم الأمرين ، نكـل بهـم ، عـاث فـي الأرض فســاد ، ينهـي ويأمـر مابـدأ لـه في الكبير وفـي الصـغير .. لايستشـير وفي بوركينا فاسـو عـدد الكواكب من المتعلمين الذين تخرجوا من خيرة جامعات العالم ، وفرنسا علي وجه الخصوص ؟!.
    فـاقـد تربوي مـنحـط بالكاد أكمل الثانوي راسـب مثله مثل كل الإنقلابيين الـذين ابتلـيت بهـم افـريقيا والـعـالـم الثالث !!.
    سـبعـة وعشـرون عـام حسـومـا ومازال يرغـب فـي التمـديد لنفسـه لثلاث دورات اخـر مدتها خمسة عشـر عام.. ليظل جاثم عليهم أثنان وأربعون عـام حسـوما!!.
    لقد حاول الطاغية الدكتاتور بليز كومباوري أن يلـعـب بذيلـه .. تماما مثل سـفاح السودان ، سـولـت لـه شـياطينه من حولـه أن يمـدد مقامه علي العرش حتي يلقي حتفه علي الكرسي أو تقوم القيامة .. سـبعة وعشرون عـام وهـو يحتال ويلف ويدور ويـغـالط ليظل جاثم علي صدور وقلوب الشعب .. أوعـز لدميته الجمعية الوطنية مشروع قانون حكومي يهدف إلى تعديل الدستور لزيادة العدد الأقصى للولايات الرئاسية التي تستمر الواحدة منها خمس سنوات ، من إثنتين إلى ثلاث .. ومن شأن هذا التغيير أن يتيح لبليز كومباوري الذي وصل الى الحكم عن طريق انقلاب عـسكري ويفترض أن ينهي في 2015 ولايته الأخيرة بعد ولايتين استمرت الواحدة منهما سبع سنوات ، ثمّ ولايتين استمرت الواحدة منهما خمس سنوات ، أن يترشح من جديد إلى الرئاسة.
    ورسـخ في يقين المعارضة أيضا أن يتيح هذا التعديل الدستوري الذي يفترض ألاّ يطبق بمفعول رجعي ، لرئيس الدولة أن لا يبقى ولاية واحدة فقط !! بل ثلاث ولايات إضافية ويضمن له البقاء في السلطة خمس عشرة سنة أخرى !!.
    وهـي نفـس الـحيلة التي لـجأ الـيهـا سـفاح السودان ثكلته أمه .. حيث خـرج تنابلته في برلمانه المزعـوم علي الناس بحديث الإفـك ، عن تعديلات عاجلة على الدستور لتجسيد هيبة الدولة وتلبية احتياجات ومستلزمات الدفاع ، هذا محـض تلاعـب بالألفاظ وإستهبال ، ومن أجل الاستهلاك الرخيص في أوساط العامة بقصد التدجيل والتضليل فقط ، وقنبلة دخانية الـغرض من وراءه تمرير تعديل دستوري يجيز للطاغية تنصـيب نفســه إمبراطور لدورات جهنمية في حلقة شيطانية مفرغة لا تنتهي .
    ليس صعباً على الحزب الحاكم أن يزور ، ويستهبل ، ويستغفل كعادته ، ويعدل الدستور قبل موعد الانتخابات القادمة ليمد أجل ولاية السـفاح لفترة أو فترات أُخر ، مثل ما فعل معظم الطغاة والجبابرة في العالم ، مثلما نصـب الفرعون رمسـيـس نفســه إلـه ، ومثلما نصـب بوكاسـا التافه نفســه إمبراطور علي امبراطورية الجوع ، والفقر ، والجهل ، والمرض ومثلما فعل الطغاة في سوريا ومصر والعراق والجزائر واليمن وتونس . وفي هذه الحالة سيكون مصيره نفس مصير الطغاة السابقين .. قاع مكب مذبلة التاريـخ ..
    إن تنصــيب البشـير امبراطور علي امبراطورية الجوع والموت والمرض والحـرب لايجوز علي الاطـلاق .. هذا ترشيح لايجوز شـرعا ، ولا دستورا .. دستور جمهورية السودان لسنة 1998م الذي وقعه في 30/6/1998م عمر البشير شخصيا ، لايجـيز له الترشح .. وتكرر ذات النص في دستور جمهورية السودان الإنتقالي لسنة 2005م ، لايجـيز له الترشح .. كما أنه يتناقض تماماً مع دعوة الرئيس لتجديد شباب قيادة الحزب والدولة والتي احتج بها حين أحال علي عثمان ونافع وبقية المتآمرين للتقاعد الإجباري .. وقد تضمن النظام الأساسي للمؤتمر الوطني ودستور مايسمي بالحركة الإسلامية ذات الاتجاه الذي جاء في الدساتير السابقة .. إذن فإن دستور البلاد والنظام الأساسي للمؤتمر الوطني ودستور الحركة الإسلامية كلها تمنع منعا باتا ، الرئيس البشير من أن يترشح مرة أخرى ..
    فـي الفضل من السودان يتكرر نفس المشهد .. ذات السناريو بضـبانته .. طاغـية إسـنفد كل الفرص ، جثم علي صدر البلاد والعباد خمسة وعشرون عام حسـوما ، فشل فشلا زريعا في إدارة شـؤون البلاد ، مزق البلاد ، جـوع وشـرد وهلك العباد ، وهو في أرذل العمر سـول له شياطينه الذين من حوله، أن ينصب نفسـه إلـه ، حتي يستمروا في فسادهم وضـلالهم وسرقاتهم وحروبهم .. إستنفذ كل مايسمـح به دستور البلاد الذي وقـع عـليه هو شخصـيا ، والنظام الاساسي لحزبه ، ودستور مايسمي بالحركه الاسـلاميه .. إستنفذ القانون ، والشـرع ، والـعقل ، والمنطق ، والحجة !.
    سـقـط القناع عن الوجوه الـغـادرة ، وحقيقة الشيطان بانت سـافرة .. وان شعار هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه !! بل هي للسـلـطه والتشبث بالسلطة والكنكشـة حـتي الرمق الاخـير ، هي للجـاه والـنهـب والـسلـب ، وثبت بما لايدع مثقال خردلة من شـك هو شعار فارغ المحتوى من أجل الاستهبال ، والفهلوة ، والبلطجة والاستهلاك الرخيص في أوساط الرجرجة والدهماء والسـذج البسـطاء بقصد الاستهبال ، والاسـتغفال والتهـريـج والـغـوغـائية والتدجيل والتضليل !!.

  2. الوطن ينزلق من بين ايدينا.
    انا بقول ليك الكلام الجد و ما انا في الحديث هازل.
    وحاتك ما كذبت في شئ و حات روحي اهو الحاصل.

    البشير قال بالواضح انا جيت بالبندقية وما حاتنازل من الحكم الا بالبندقية.
    على الشباب اشعال حرب عصابات المدن . وتثقيف نفسهم بالاطلاح على الكتابات عن حرب العصابات. وتكوين خلايا المقاومة باحياء. على المغتربين دعم ابطال الداخل.على الحركات المسلحة تسريب عناصرها لداخل العاصمة. و ثورة حتى النصر.

  3. المشكلة أنه ليس لدينا جيش نعتمد عليه ولا شعب نأمل فيه: يا أمة ضحكت من جهلها الأمم

  4. شعب فالح فى الشتم و التعليق و الشهر السياسي
    التغير تضحية و بسالة
    التغير ليس شعار أكتوبر القديم و الجديد ماذا فعل لنا شعب يجيد الكلام اكثر من الفعل شعارات وظائف ابطال لأسماء كأسماء اله ال فرعون لا تصنع و لا تضع بيضة
    نمور من ورق
    شعب يعتمد حياتة اليومية من أفكار أشخاص انتهت ذاكرتهم وزير أربعين سنه مدير أربعين سنه والي عشرين سنه سفير أربعين سنه معاشات مافى حتى الرئيس من الكرسي الى القبر اى الموت
    لكن نستطيع ان نصغر بعض والغرور الخراف ي
    المثقف فينا كارثة للمجتمع لا يحترم من سبقة التفكير او التكبير
    ثوران بأجنحة أشخاص قبلين احزاب مؤسسة أسرية جيش يقتل شعبة و يتغني به بانه باسل و شجاع و جيش نصر و ساحات فداء فى عمق دماء آلامه

  5. أهم نقطه جعلت النظام يسقط هي كما ذكر الكاتب “وعبّر عن هذه الإرادة مواطن عادي أمسك بميكرفون وسط جمع حاشد من المتظاهرين المبتهجين وأعلن حلّ الحكومة” منها الناس اقتنعت انه فعلاً سقط وتحقق هدفهم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..