مقالات سياسية

تصدير المؤلف لكتاب “تاريخ السودان منذ أقدم العصور حتى 1821م”

تصدير المؤلف لكتاب “تاريخ السودان منذ أقدم العصور حتى 1821م”
Preface to ?A History of the Sudan: From the Earliest Times to 1821?
أنتوني آركيل Anthony J. Arkell
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

—– ——– ———– ———– ——-

مقدمة: هذه ترجمة (بتصرف) لتصدير أنتوني آركيل لكتابه المعنون “تاريخ السودان منذ أقدم العصور إلى 1821م”، والذي صدر عام 1955م عن دار نشر جامعة لندن (مطبعة آثلون).
وأنتوني جون آركل (1898 ? 1980م) بحسب ما جاء عنه في موسوعة الويكيبديا هو عالم آثار بريطاني كان قد عمل بسلاح الجو الملكي في غضون سنوات الحرب العالمية الثانية، ثم التحق بخدمة القسم السياسي لحكومة السودان في 1920م، وعمل لاحقا بالتدريس في قسم الآثار بجامعة لندن. وشملت أعماله البحثية عددا من الدراسات في علم الآثار المصرية (Egyptology) وأشغال الحديد في مروي، وغير ذلك كثير. غير أنه أتهم بالعنصرية لتبنيه نظرية أن أي مظهر للحضارة في أفريقيا القديمة كان نتيجة لغزوات من الجنس الآري Caucasian race ولتقسيمه المناطق السودانية عشوائيا لمناطق مختلفة بناء على اعتبارات عنصرية.

المترجم
**** **********

إن كان لي أن أهدي هذا الكتاب لأحد من العالمين، فسأهديه لأصدقائي السودانيين العديدين، وليس بوسع كل واحد منهم ? للأسف – أن يقرأ ما كتبت إذ أن بعضهم من الأميين ، وكثير منهم لا يقرأون باللغة الإنجليزية ، غير أني آمل أن ينتفع كثير منهم ومن أبنائهم بما سطرت في هذا الكتاب.
كنت قبل نحو ربع قرن أعمل مفتشا لمركز سنار عندما أدركت الحاجة لأن يقوم تدريس الجغرافيا والتاريخ في مدارس السودان على أساس متين من تاريخ وجغرافيا البلاد. فتاريخ وجغرافية أوروبا التي كانت تدرس في المدارس السودانية لم تكن تعمل إلا على عزل المتعلمين السودانيين عن محيطهم الطبيعي، وعلى تركهم في حالة من العجز الشديد عن إنزال ما درسوه في المدرسة على المشاكل التي تجابههم. لذا يجب أن يتضمن تعليم هؤلاء الطلاب التاريخ والجغرافيا التي تتناغم مع خلفياتهم، من أجل خلق جيل أكثر سعادة وفعالية والتصاقا بأصوله ومجتمعه وجذوره الثقافية.
لقد كانت المواد اللازمة لتدريس جغرافيا السودان متوفرة وقد كتبت بالفعل. غير أن كتابة منهج مدرسي للتاريخ هو بلا ريب أشد عسرا، ربما لقلة ما هو معروف عن تاريخ البلاد. وكنت، كما أسلفت، في سنار عام 1929م، حيث أقيمت هنالك قبل أقل من 400 عام عاصمة مملكة مشهورة في العالم بأسره. غير أن ما من أحد يعلم شيئا على وجه اليقين عن ملوك السلطنة الزرقاء الذين أسسوا تلك العاصمة، ومن أين أتوا. لذا عزمت على الكتابة في هذه المواضيع التي لم تجد من الباحثين من يتصدى للكتابة عنها. ولم يكن ذلك ممكنا إلا عندما قامت الحكومة بتعييني على رأس مصلحة الآثار في عام 1938م.
وأتاحت لي تلك الوظيفة جمع قدر لا بأس به من المعلومات عن تاريخ هذا البلد. غير أنه لا يجب أن ينظر في السودان إلى هذا الكتاب الصغير بإعتباره “الكلمة الأخيرة” في تاريخ البلاد. فسوف ينظر إليه في خارج السودان باعتباره مجرد بداية. وهو ? بهذه الصفة ? مقدم للسودانيين، وخاصة المدرسين منهم، على أنه كتاب صغير يرسم الخطوط العريضة لتاريخ البلاد، ويهيئ الطلاب لقراءة كتب التاريخ المدرسية المتوفرة الآن. وسيكون الكتاب مفيدا أيضا لطلاب كلية الخرطوم الجامعية في دراستهم ومباحثهم عن تاريخ السودان. وآمل كذلك أن يكون الكتاب مفيدا، ليس فقط للطلاب، بل لكل المتعلمين السودانيين، خاصة إنه قد كتب في بداية السنوات التي بدأ فيها هؤلاء في الاستعداد لتولي زمام السلطة في بلادهم. ولا شك أنهم سيجدون فائدة في تدبر بعض ما حدث في تاريخهم التليد، وفي تحاشي ما أرتكب في الماضي من أخطاء، والتصدي بفعالية لمشاكل الحاضر التي يشابه بعضها تلك التي واجهها الأقدمون من أسلافهم. فالتاريخ يحدثنا مثلا بأنه حدث عبر الـ 5000 عام الماضية زحف صحراوي مستمر نحو الجنوب. وليس معروفا على وجه اليقين إن كانت هنالك أسباب مناخية محددة لتلك الظاهرة. غير أننا نعلم أنه، وكما نرى الآن في أمريكا، يمكن للإنسان صناعة الصحراء، وما أن توجد صحراء في مكان، فإنها تصيب المناخ بتدهور بالغ ومستمر. لذا يجب على السودانيين تعلم هذا الدرس التاريخي، وأن يأخذوا حذرهم من العبث (غير المقصود) مع هذا العدو الغادر الذي يتحين الفرص ليتمدد في أرضهم.
وعقد بلندن في يوليو من عام 1953م مؤتمر عن تاريخ أفريقيا جنوب الصحراء أمه عدد كبير من وفود دول أفريقيا المختلفة. وأجمع المشاركون في المؤتمر على أنه لا يمكن دراسة الممالك القديمة وحركة القبائل بوسط إفريقيا بتفصيل كاف إلا بعد التوسع في دراسة تاريخ السودان الإنجليزي المصري، وذلك للارتباط الزماني بين أحداث وسط أفريقيا بتلك التي حدثت بالسودان. وبدون معرفة أو فهم المؤرخين لتاريخ السودان (بجواره لمصر، حيث بدأ التاريخ قبل نحو 5000 سنة) لا يمكن إلقاء أي ضوء على ما نجهله عن تاريخ “أفريقيا السوداء” في آلاف السنوات القليلة الماضية. وبذا يكتسب تاريخ السودان أهمية عظمى لدي كل الدارسين لتاريخ بقية وسط أفريقيا.
وأعتقد أن القاريء الأوربي العادي سيجد هذا الكتاب مثيرا للانتباه أيضا، إذ أن تاريخ السودان مجهول تماما عند عدد كبير من قراء التاريخ في تلك القارة. ولن يجد ذلك القاريء بالطبع أي شيء عن السودان الحديث، إلا أنه سيجد أشياء عن تاريخ البلاد تفيده في فهم حاضره.
لقد ظل السودان حاضرا في عقل وعاطفة بريطانيا منذ أن قدم غردون حياته من أجله. وجاء كتشنر وجنده، وأحبوا واحترموا من قاتلوهم فيه. لقد حارب في السودان عدد كبير من الجنود والطيارين البريطانيين والأمريكيين والهنود في سنوات الحرب العالمية الأخيرة. ولا ريب أنهم يذكرون بكثير من الإعجاب والتعلق رفقاء السلاح من السودانيين. وسيكون هذا الكتاب مفيدا أيضا لهؤلاء المحاربين ويزيد من معرفتهم بالبلاد والشعب الذي بدأوا في التعرف عليه في غضون سنوات الحرب تلك.
لقد كان أول من أطلع العالم الغربي على دارفور رجل بريطاني يدعى براون، ونعزو كثيرا من معرفتنا بسلطنة سنار الزرقاء إلى الأسكتلندي جيمس بروس، والذي قام أيضا في القرن السابع عشر بإعادة اكتشاف مروي وإهراماتها. وسيجد كل من يؤمن بتراث الإنجيل أنه من المثير أن يقرأ عن تاريخ البلاد التي أتى منها خصي الملكة كاندس Queen Candace الذي قابله القديس فيليب ونصره في الأرض المقدسة ، وأتت قصته في الإنجيل : ” يا أرض حفيف الأجنحة التي تقع عبر أنهار كوش Alas, oh land of whirring wings Which lies beyond the rivers of Cush (يشير الكاتب هنا لقصة وردت في الإنجيل لرجل مخصي عمل في بلاط الملكة الإثيوبية كاندس ، ويزعم البعض أنها “الكنداكة”. وللأمر علاقة بمثل آخر يمكن مراجعته هو مثل (القصبة المرضوضة) الذي ورد في سفر أشعياء الاصحاح 42: 3، وفى الجزء الثاني من سفر الملوك من أسفار العهد القديم -الاصحاح 18:21. المترجم).
لا بد لي في الختام أن أسجل بكل الامتنان أنى قد اعتمدت في ما أوردته عن كوش والنوبة على كتاب جيمس بريستد Ancient Records وعلى كتاب ت. سيف ? سودنبيرق “مصر والنوبة Agypet und Nubien “. وآمل أن يجد المهتمون بالدراسات المصرية ما يملأ الفراغات التي تركها من تناول تاريخ كوش والنوبة. وكذلك أشكر من قرأ النسخ الأولى للفصلين السادس والسابع، فقد أستفدت من ملاحظتهم جدا.
لقدم تكرم السير هارولد ماكمايكل بكتابة تقديم لهذا الكتاب، وهذا شرف عظيم لي، فالرجل مؤرخ عظيم، وكتب كثيرا عن السودان، وبخاصة عن دارفور. ولن أبعد النجعة إن وصفته بأنه “أب تاريخ السودان”. فمؤلفه “تاريخ العرب في السودان” بصفة خاصة لا يمكن الاستغناء عنه لكل من يتصدى لكتابة تاريخ السودان، وسيظل مرجعا معتمدا لأزمان قادمة.
أود أيضا أن أتقدم بالشكر لحكومة السودان لمنحي الفرصة لدراسة آثار وتاريخ السودان، والتي بدونها لم يكن بالإمكان كتابة هذا السفر. وأشكرها كذلك لمساعدتها في مقابلة بعض تكاليف نشره.
(شكر المؤلف في نهاية تصديره للكتاب عددا كبيرا من الأفراد ودور النشر التي سمحت له بإعادة نشر بعض الأشكال والصور الفتوغرافية. المترجم).

أنتوني جون آركل
جامعة لندن
فبراير 1954م
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..