الرواية بتصرُّف ..!ا

الرواية بتصرُّف ..!

منى أبو زيد
[email protected]

(منسي إنسان نادر على طريقته!) .. هكذا كان الطيب صالح إذا أراد أن يصف شخصاً أو شيئاً ما، يختزل المعاني في جمل بديعة، قصيرة، سهلة، ممتنعة، مشبعة بالمعنى، محفزة للخيال ..!

وكان نجيب محفوظ إذا أراد أن يقرر حقيقة عارية، يكسوها ثوباً كرنفالياً من المفردات، فـ يكتب جملاً فاخرة على غرار (الزمن الذي يذيب الصخور، ويفتت الصروح، ويغير وجه البسيطة .. أليس بقادر أن يمسح عن قلبها شجونه) .. إلخ ..!

ولكن يبدو أن لعنة الصحافة الاستقصائية قد حاقت ? اليوم – بالسرد الأدبي الجميل فجعلت من مصائبها وكوارثها الإنسانية – التي فاقت بعضها خيالات الإلياذة ومبالغات الأوديسة ? وقوداً لأعمال روائية تشتغل على “تقرير الواقع” بتصرف ..!

وعن علاقة الصحافة بالأدب يقول ماركيز إنه كان يحرص على قراءة الصحف في باكورة عهده بالكتابة، عندما اكتشف خط الواقعية الرقيق/الواهي الذي يفصل بين الأدب والصحافة، وأن غرائب الواقع المعيش نفسه هي مصدر الواقعية السحرية التي ميزت أعماله، ضارباً المثل بالأحداث الحقيقية التي ابتنى عليها حبكة روايته (قصة موت معلن) والتي لم تكن أكثر من حكاية أحد أبناء الجيران، ظلت حبيسة أدراجه لأكثر من ثلاثين عام لأنه كن ينتظر حتى تموت الجارة أم البطل قبل أن يشرع في نشر الحكاية المكتوبة على طريقته الساحرة ..!

لهذا يبدو أن الكاتب السوري مصطفى خليفة صاحب رواية القوقعة (التي تحكي عن مغترب مسيحي، يحمل اسماً إسلامياً، كان عائداً إلى بلاده بعد أن درس الإخراج في فرنسا عندما ألقي القبض عليه بتهمة الانتماء إلى الأخوان المسلمين، وعاش في السجن اثنا عشر عاماً قبل أن يفرج عنه) لم يفعل شيئاً سوى تدوين الواقع السوري المر، الذي كنا نجهل معظم تفاصيله قبل أن تفضحه ثورة شعب فضل الموت على السكوت ..!

ليس تشكيكاً في إبداع كاتب الرواية الجنائزية التي تنتمي بوضوح إلى أدب السجن، وتشبه إلى حد كبير رواية العريس للمغربي صلاح الوديع (التي تحكي بدورها قصة
شاب ذهب لحضور عرس ابن عمه فاعتقل وتم سجنه وتعذيبه ظلماً وعدواناً، والسبب خطأ صغير ناتج عن سوء تقدير سلطوي غير قابل للإصلاح ..!

الآن عرفنا (بعد أن فضحت صحافة الاستقصاء فظائع النظام السوري) أن كاتب رواية القوقعة قد اجتهد يوماً في تفسير الماء على طريقته، فأعطانا نبذة مقتضبة عن مصير كل من تسول له نفسه أن يمارس حقه في اختيار من يَحكُمه في سوريا ..!
ولكن تبقى أحوال المعتقلين في سجون الحكومات العربية أنكى وأشد قساوة من كل بكائيات “الواقعية التقريرية” في المشهد الروائي العربي ..!

الأحداث

منى أبو زيد
[email protected]

تعليق واحد

  1. سلام أستاذة مني
    للأسف إنهم يفعلون كل منكر وخبيث بإسم الإسلام،
    معتقلاتنا الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود،
    الدين الحنيف: هوالدين المعاملة
    الدين الحنيف هو: أدعوا إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن

    الدين الحنيف : فبم رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لإنفضوا من حولك،
    الدين الحنيف: إعدلوا هو أقرب للتقوي

    ولكن، أين نحن من الدولة الرسالية والدولة الحضارية وهي لله لا للسلطة والجاه،

    السجون والمعتقلات ما بين أبوغريب وأبوزعبل وليمان طرة ومدينة حماة وبيوت الأشباح في السودان وما خفي أعظم في دول أخري،
    هل كل هذا له علاقة بالإسلام؟؟ كلا وألف كلا،
    الإسلام دين العدل والسماحة والقسط والأمر بالمعروف بالمعروف،
    الإسلام أخلاق وقيم ومثل وإنسانية وهداية ورشد،
    أين نحن من بغلة العراق؟
    أين نحن من لو رأينا فيك إعوجاجا لقومناك بسيفنا هذا،
    أين نحن من حكمت فعدلت فأمنت فنمت،
    أين نحن وأين نحن وأين نحن؟؟؟

    يديكم دوام الصحة وتمام العافية والشكر علي العافية

  2. أنا أعتبر هذا المقال استجابة كريمة منك لتعليق لي سابق .
    وأطلب المزيد .
    مع جزيل الشكر .

  3. بسم اللة الرحمن الرحيم
    استاذة مني متعي اللة بلصحي والعافية والوجة الحسن
    انا من المعجبين جدا بطرحك وياريت تقبليني صديق الك

    وشكرا:D :D

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..