كارثة جديدة

وقبل أن يجف الحبر الذي كتبنا به بالأمس حول تصريح والي غرب دارفور الذي يرى أن فرض هيبة الدولة أولوية، يفاجئنا تصريح آخر لوزير الداخلية يثير جدلاً كثيفاً وهو يعلن أمس الأول في رده على استفسارات نواب البرلمان خلال جلسة الاستماع إلى تقرير قدمه حول سير أعمال السجل المدني، حيث قال إن الشروط التي تم بها منح مواطنين سوريين الجنسية السودانية، هي نفس الشروط السارية في القانون والتي تنص على أنه حال إقامة الشخص عشر سنوات في السودان إقامة منتظمة يأخذ الجنسية بالتجنس ويحصل أولاده على الجنسية بالميلاد، (ونسي أو تناسى أن يقول لنا كم عدد السوريين الذين تم منحهم الجنسية السودانية قبل إكمالهم الخمس سنوات؟، وهل هذا الأمر ينطبق فقط على جميع الإخوة السوريين أم على فئة محددة ممن لها مصالح استراتيجية مع نظام إخوان السودان؟؟) الوزير أضاف في إجاباته إلى أن السودان يتعامل بالمثل مع سوريا فيما يتعلق بإجراءات الدخول للبلاد، و(لكنه لم يقل لنا لماذا لا يُطبق هذا الأمر مع الحكومة المصرية التي تفرض علينا تطبيق جميع بنود اتفاقية الحريات الأربع، بينما لا تلتزم مصر إلا ببند واحد أو اثنين فقط تجاه مواطني السودان).
الوزير المحترم قلل من انتقادات المواطنين والإعلام فيما يختص بمنح الأجانب للجواز السوداني بحديث لا يمكن أن يخرج من شخص يشغل منصب المسؤول الأول في وزارة سيادية، بل واحدة من أكثر الوزارات حساسية بالدولة، حيث قال بالحرف الواحد: (ما مشكلة تجيب ناس من بره وتديهم جواز لأن السودان محتاج لي ناس والمهم كيف تختار من يطوروا البلاد، فصناعة النسيج تطورت بسبب السوريين وهناك يمنيين افتتحوا مصانع أدوية بأموالهم وهناك أناس يتم استقطابهم بحسب قوله).
حديث مخجل ويندي له الجبين، ويمنح الفرصة للآخرين التهكم والسخرية من السوداني الذي فتح أبوابه لكل عابر سبيل، وهذا النوع من الإباحة قد يسهل دخول محترفي الجرائم المستحدثة التي لم تعرفها البلاد من قبل، وقد يزيد من انتشار تجارة المخدرات.
السودان ليس في حاجة لمواطني دولة أخرى حتى يطور من صناعاته أو يُنمِّي بلده، فأبناؤه وبناته قادرون على تطويع الحديد ولكنهم يحتاجون للمساحة والثقة، ليقدموا خدماتهم لدولتهم التي أصبحوا فيها أجانب، بينما صار الأجنبي مواطناً من الدرجة الأولى، وصناعة الدواء لا تحتاج لرأس مال خارجي حتى نتمكن من توطين صناعة الدواء بالداخل، فرأس المال موجود ومتوفر متى ما كان في أيدٍ أمينة، ولكنه بكل أسف أصبح في يد من استباح ثروات ملك للشعب وحولها لمصلحته الشخصية، أبناء السودان بالداخل والخارج على قدر المسؤولية ولكنهم مكبلين بقيود الولاء والانتماء السياسي والقبلي والإثني.
الحصول على الجواز السوداني كان من الممكن أن يكون أصعب من الحصول على الجواز البريطاني كما كان في عهد القيادات السابقة للسودان التي حافظت على سيادة وهيبة الدولة بحفاظها على سمعة الهوية السودانية، ولم تسمح بمنح الجواز السوداني أو الجنسية السودانية لكل عابر سبيل من أصحاب السوابق ومخلفات السجون في الدول الأخرى، ولكنه النظام الذي استباح كل شيء.
كارثة جديدة تُضاف لكوارث السودان المتجددة أن يكون مثل هذا الوزير صاحب هذه العقلية، في منصب حساس مثل وزارة الداخلية، وهو ما يتطلب إيقاف العبث الذي تمارسه حكومة الإنقاذ باسم السلطة، وعلى الشعب السوداني بمختلف فئاته الاستعداد لاقتلاع من تسببوا في هذه المساخر، وغير ذلك فسيكون السوداني هو الأجنبي في وطنه، بينما الأجنبي هو سيد الجلد والرأس كما يقول المثل، وما ينتظر الشعب السوداني مع هذا استمرار هذا النظام يعلمه الله وحده.
الجريدة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..