المصححون والكتاب غير المصحصحين

صديقي الدكتور عبد السلام البسيوني، فلاح مصري فصيح، وداعية إسلامي، يتهمه الليبراليون بأنه «ظلامي»، ويتهمه المتشددون الإسلاميون بأنه ليبرالي، وهو لا ينكر أنه أصولي، ولكن ما من معرض للفنون التشكيلية، إلا وجدته حاضراً يتفقد اللوحات بعين ناقدة ومستمتعة، وتجمعه علاقات صداقة حميمة مع مسرحيين وكتاب وصحفيين، لا يتفقون معه فكرياً، وأذكر مرة أنني سألته: يا شيخ عبسلام، الموسيقى حلال أم حرام؟ فكان رده: مش حرام بس ما تقولش لحد إني قلت كدا (وهأنذا ما قلتش لحد إنه قال كدا).
وكلما التقيت بالشيخ البسيوني قلت له: سبحانه الذي أسرى بعبده من زفتا إلى سايبريا، وزفتا هي مسقط رأسه في مصر، في حين أن سايبيريا هي العالم الإسفيري، حيث جمهوريات غوغل ويوتيوب وفيسبوك، فقد كان الرجل حتى مطلع الألفية الثالثة يخاف من الأجهزة الكهربائية والالكترونية، وفجأة صار حجة في شؤون الانترنت وتقنية المعلومات.
وعيني عليه باردة، لأنه أصدر حتى الآن 120 كتاباَ، كل واحد منها محكم الحبك والسبك، وثري المحتوى، ولأنه ? بالمصري ? «مش وِش نعمة»، فإنه لا يبيع كتبه بل يعد منها نسخة الكترونية، متاحة لكل من يريد قراءتها أو حتى نسخها.
آخر كتاب صدر للبسيوني يتناول فيه تجربته كمصحح لغوي في عالم الصحافة، وكعادته يعرج على هذه المطبوعة أو تلك لعرض سوءاتها اللغوية، ونبش الأخطاء الشائعة، من قبيل «من ثُم» بضم الثاء و»توفى» بفتح التاء وبألف مقصورة في آخرها، بما يوحي بأن الميت فارق الدنيا بقرار شخصي، و»هَرعت ? بفتح الهاء ? سيارات الإسعاف»، وكأن تلك المراكب الخرساء، تتمتع بحس إنساني وتهرع من تلقاء أنفسها إلى حيث من هم بحاجة إلى «إسعاف».
ومن خلال التفاعل مع من يتابعوني على صفحتي في فيسبوك، أدركت إلى أي مدى جنت أنظمتنا التعليمية على جيل كامل، وعلى اللغة العربية، فتجد من يقول وهو يكتب بالفصحى ? أو يحسب ذلك: استقريت (وليس استقررت)، واضطريت (وليس اضطررت)، وإنشاء الله (إن شاء الله)، و»الله ما» (اللهم).
ومن الأمثلة التي أوردها البسيوني في كتابه والتي يلحظها كل ذي حس لغوي شبه سليم في ما تعج به الصحف ومنتديات الانترنت: «لِما فعلت ذلك»، بدلاً من «لِم»، والسلامو عليكم، و»أنتي تركت كتابكي في السيارة» وفرائظ الوظوء.
وما من كاتب صحفي جاد ومسؤول إلا وضايقه تدخل المصحح اللغوي في ما يكتب، حتى لو كان التدخل مبرراً، لأنه يُذكِّر الكاتب بأن ما حدث كان بسبب «نقص القادرين على التمام»، بينما اكتسب البعض مسمى كاتب، ولحم أكتافهم من خير المصححين اللغويين، أي أنهم يكتبون فسيخاً، ليحوله المصحح إلى شربات، وهذه الفئة من الكتاب كل همها أن تقرأ اسمها مكتوباً قرين مقال، حتى وهي تدرك أن حصتها الحقيقية من المقال دون الـ60% بكثير أو قليل.
(عندما كنت أكتب في مجلة «المجلة» في حقبتها اللندنية كان بها مصحح عراقي، يتحسس من المفردات العامية في المقالات، حتى ولو كان وجودها ضرورياً للسياق العام للمقال، وذات مرة أوردت اسم مسرحية عادل إمام المشهورة «شاهد ما شافش حاجة» فما كان منه إلا أن جعلها «شاهد لم ير شيئاً».
ويتم إلحاق الأذى الجسيم باللغة في الصحف بتكليف مصحح واحد بمهمة مراجعة وضبط «بلاوي» المحررين والكتاب والمراسلين، وتصريحات المسؤولين الحكوميين من ذوي الاحتياجات اللغوية الخاصة، فلا ينتبه المصحح المسكين إلى البلاوي التي في الإعلانات، ومن ثم قرأنا كيف أن (أكبر دار للنشر) أصبحت (أكبر دار للشر) و(أوسع المجلات العربية) أصبحت: (أوسخ المجلات العربية)، و (حقوق الطبع محفوظة لورثة المؤلف) أصبحت: حقوق الطبع محفوظة لورشة المؤلف.
وفي السودان جعلنا «البغاء للأصلح»، نكاية بداروين، ولا تسلني كيف يلتقي الصلاح مع البغاء.
الراي العام
في ما الصاح فيما يكتب…بان ما …بانما حدث…
اليوم الحصة عريى
شكرن
ومن خلال التفاعل مع من يتابعوني على صفحتي في فيسبوك،
الصحيح يتابعونني يا أستاذ ههههههه
في ما الصاح فيما يكتب…بان ما …بانما حدث…
اليوم الحصة عريى
شكرن
ومن خلال التفاعل مع من يتابعوني على صفحتي في فيسبوك،
الصحيح يتابعونني يا أستاذ ههههههه
إتا ما قتا رتاني( رطاني) مالك ومال اللغة العربية.
ابننقا هكرفي