صيادو الأسماك واللؤلؤ في “الأحمر” هدير الجرافات وأغنيات البحر في مواجهة الموت والعاصفة

بورتسودان: خالدة صابر

يُعد صيد الأسماك من أقدم النشاطات التي مارسها البشر عبر العصور وتعود على الأقل إلى فترة العصر الحجري القديم التي بدأت قبل (40.000) سنة مضت، وتُعد الأسماك الغذاء الرئيس لعدد كبير من السكان بالذات قاطني ضفاف الأنهار وشواطئ البحار. إضافة إلى كون صيد السمك نشاطاً حرفياً وتجارياً بالمقام الأول، فإنه أيضاً تتم ممارسته كهواية من قبل الكثيرين من قبيل المتعة والترفيه. وفي النوع الأخير (الترفيهي) تستخدم السنارات، ويحظر الصيد بالشباك.

أما بالنسبة للصيد الذي نحن بصدده، وهو الصيد بكميات كبيرة لأغراض تجارية، وللصيد التجاري أساليب كثيرة جداً كاستخدام شبكات واسعة سواء في الشواطئ أو الأعماق.

آلاف الأنواع

تزخر البحار والمحيطات والأنهار بنحو أكثر من ربع مليون نوع من الأسماك يعيش نحو 60% منها في الماء المالح و40% منها في الماء العذب، ونصيب البحر الأحمر منها يصل إلى ( 1280) نوعاً، كما تعد الأسماك أحد أهم مصادر البروتين وتشكل نحو 17% من البروتين الحيواني وتحتوي على أحماض دهنية وفيتامينات وتقي لحومها الإنسان من أمراض كثيرة كضغط الدم، إذ تنخفض فيها نسبة الكوليسترول بها.

بين البر والبحر

في بورتسودان وعلى شاطئ البحر الأحمر التقت (اليوم التالي) بالصياد (علي سعيد عيد كوكو) أحد قدماء الصيادين الذين تدرب على يديهم خلال (خلال 75 عاماً) أنفقها في اللجة المالحة، عدد مقدر من محترفي هذه المهنة. يقول (علي سعيد): العمل داخل البحر يختلف اختلافاً كبيراً عن العمل في البر، وبحكم سنوات عمله الطويلة اعتاد (علي) مثل كثيرين غيره ممن يعملون بحرفة الصيد على المشاق والأهوال التي تصادفهم خلال رحلاتهم التي تستمر ما بين 10 إلى 30 يوماً، يسيرون حسب الطقس فى البحر الليل، يتجهون جنوبا حتى (تلاتلا) قريباً من اليمن، وشمالا حتى أوسيف ومقرسم.

بيتنا في البحر

ويعد عم علي السفينة أو قارب الصيد منزلاً بالنسبة له وللصيادين عموما فيه يأكلون ويشربون وينامون ويتعبدون ولفترات طويلة يقضونها في البحر، ويضيف: أما بالنسبة للوجبات التي نتناولها فلا فرق بينها وبين تلك التي على البر، نأخذ مؤنتنا كاملة من الأرز والدقيق والخضروات، بالإضافة إلى السمك طبعاً، لكن وجبة (الصيادية) تعد من وجباتنا المفضلة.

وعن الفرق بين الصيد قديما والآن يقول (علي سعيد): قديما كنا نستخدم الخيوط المصنوعة من القطن والمفتولة بمقاسات مختلفة، وتسمى (السوتل)، وحالياً ظهرت خيوط النايلون التي تختلف جودتها باختلاف بلد المنشأ.

الجرافات وفرط الصيد

يمضي (علي) قائلاً: إلى وقت قريب كانت رحلة الصيد لا تتجاوز الثلاثة أيام، نعود بعدها بصيد وفير، لكن الآن وبعد ظهور (الجرافات) وهي نوع من السفن تعمل على صيد السمك بكميات كبيرة جداً، ويستخدمها الصيادون المصريون في الغالب، وهي تجرف معها كمية كبيرة من الأسماك الصغيرة يرمونها لاحقاً وبعد فرز الأسماك الكبيرة عنها في مياه البحر، وهي نافقة بكميات كبيرة جداً قد تصل ما بين (2 إلى 3 أطنان)، رغم أن صيد الأسماك الصغيرة من النشاطات المحظورة قانونياً، فالصيد بالجرافات تأتي خطورته من ناحيتين: الأولى الكميات الكبيرة التي تصطاد تؤدي إلى ما يُسمى (فرط الصيد)، والثانية هي صيد الأسماك الصغيرة يقلل من فرصة نمو وتكاثر الأسماك مستقبلاً.

أغنيات البحر

يواصل (علي سعيد): لدينا فرقة غنائية (فرقة السماكة) التي تعكس تراث الصيادين وأغنياتهم أثناء رحلة الصيد أو عندما ينزلون في جزيرة ما، فيحيون ما يسمى بـ (ليالي السمر)، الآن هنا قلت هذه الأنشطة الترفيهية فقد أضحت رحلات الصيد طويلة جداً، فالإرهاق والتعب يمنعان الاستمتاع بالرحلة، كما أن الأجيال الجديدة من الصيادين أصبحت غير مهتمة بالتراث.

الموت والعاصفة

من جهته، حكى الصياد (محمد سرور) عن الصعوبات التي تواجههم في البحر، مثل العواصف والرياح الشديدة التي تغير من مساراتهم واتجاهاتهم، وذكر أنه لا ينسى كيف تحطم قاربهم مرة، وفقدوا كل الصيد وكان الوقت شتاءً. وأضاف: مكثنا في عرض البحر أياما حتى أنقذتنا سفينة صيد أخرى، وقبل نحو سبع سنوات قتل اثنان من زملائنا على أيدي ملثمين في منطقة (لوكا شعب) باليمن.

أما عن الأسعار المرتفعة للأسماك، كشف (سرور) عن أنهم لا يبيعون مباشرة للمستهلك وإنما للتجار. وأضاف: مع أننا نتحمل الأهوال والمخاطر إلا أن العائد غير مجزٍ بسبب جشع التجار، بحسب رأيه. واستطرد: التجار يبيعون بأسعار عالية جدا رغم أننا من نتحمل تكلفة الوقود وقطع الغيار وصيانة قوارب الصيد. واستدرك قائلاً: أيضاً من أسباب ارتفاع الأسعار التصدير إلى السعودية ودول الخليج.

اللؤلؤ والمرجان

عدنا إلى (سعيد) نسأله عن أجود أنواع الأسماك، فبدأ يسرد لنا: (الناجل، السليماني، الديراك، الريستال، أبوجبة، السيتياي، الكريب، والشاعور)، والأخير من الأنواع المرغوبة جداً في الخليج والسعودية. وأضاف: هناك أنواع أقل جودة مثل (البهار، الكتربان، الأسموط، والقهايا). واستطرد (سعيد) قائلاً: خلاف الأسماك نصطاد أيضاً، الكوكيان وهو حجر مرجاني، والصدف، ويوجد بداخله اللؤلؤ والزرمباك والبلبيل، وهما نوعان من الصدف صغير الحجم يوجد بداخله أغلى أنواع اللؤلؤ الذي يفضله تجار المجوهرات.

قوانين حاضر وتنفيذ غائب

إلى ذلك وفي الختام، فإن الثروة السمكية من الموارد المتجددة، التي يمكن تجددها وتعويض النقص فيها بالمحافظة عليها واستزراعها وكيف نحافظ عليها، وذلك بمنع صيد الأسماك الصغيرة، ومنع الصيد في موسم التزاوج ومنع الصيد بكميات كبيرة (فرط الصيد)، وقيام الدولة ممثلة في وزارة الثروة الحيوانية والموارد بالإشراف وسن القوانين ومراقبة الشواطئ وإكثار البحوث في مجال استزراع الأسماك والجمبري وغيره.

اليوم التالي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..