تفصل، يفصل، تفصلون؟ا

تفصل ، يفصل ، تفصلون !؟
د.عبد القادر الرفاعي
صورة الانفصال كانت لها ملامح في الافق عبرت عن نفسها قبل نيلنا استقلالنا وبعده . كذلك ، لكنها تفاقمت علي مدار نصف قرن او يزيد . الآن الواقع المرير يؤكد ذلك أن لم تتداركه النخبة ، وفي حالة وقوعه سيكون السودان نداً لالبان كوسوفو وأهل صربيا ، وستبقي احتمالات الدمار متأججة كما هي متأججة في فلسطين المحتلة الي اليوم ، وسيقوي عود الصراع العالمي حول السودان بصورة غير مسبوقة.
لكن في السودان ستكون الديمقراطية ( البديل ) هي السلاح الاقوي لإلغاء احتمالات الانفصال ودرء اسبابه . ولئن وقفت الديمقراطية حائلاً دون ان يتفتت الوطن بعد كل هذا الثمن الباهظ الذي دفعه ، فان هذا يمثل من الناحية السياسية عودة قوي الانفصال الي حجمها الطبيعي بدلا من أن يكون شعب السودان بكامله رهينة بيديه ، أو تركه بايدي ابطال المشكلة حتي لا يكونون هم ابطال الحل المرعب الدامي المرير .
ان انفصال الجنوب حريقاً متنقلاً لن ينحصر هنالك وانما سيتنقل ليحاصر السودان في غربه وشرقه ووسطه وشماله ، ? يعني من نملي الي حلفا ? ، لكن المفارقة المذهلة ان القوي التي ثابرت علي دفع الحريق هي أقلية ظلت تدفع بلادنا من مأزق الي أخر في الوقت الذي لو حزمت الاغلبية امرها ، فإن حلاً اخراً سيتقدم لملء الفراغ . وفي ظل هذا الخضم ، لنعد الي التاريخ، ونسجل أن التفات الحزب الشيوعي السوداني مبكرا الي قضايا الأقليات وخاصة خلال ممارسة نائبه الوحيد في برلمان فترة تقرير المصير (1954) وفي صحافة تلك الأزمان لم يكن سوي أن جهده كان بمثابة الانذار المبكر لما ينتظر السودان ، والصوت ان لم يلق أذنا صاغية ضاع في صمت الأفق ومشي علي اثاره صوت الغراب . ويبقي خطاب عبدالخالق محجوب في مؤتمر المائدة المستديرة ويبقي بيان الحكم الذاتي الاقليمي في 9 يونيو 1969م علامات فارغة في تاريخنا وهلم جرا ? .
إن مشكلة القوي السياسية السودانية ، التي قادت مرحلة ما بعد الاستقلال وافظعها الانظمة الشمولية ، كان بامكانها ان تسير علي نهج الوطنية السودانية وأن تنحو نحو التلاقي لتوحيد الوطن واعلاء شأن تطوره ونمائه ، ولما وجدت نفسها في تناقض مع اغلبية شعب السودان وتطلعاته في رفض الحرب ورغبته الاكيدة في توطيد الوحدة والسلام .
أن الأزمة التي تعيشها البلاد بمختلف جوانبها ومستوياتها ليست سهلة ، إنها معقدة ، معقدة بغير حد، فهل لنا أن نامل ، تامل ، يأمل ، يأملون لتكون النهاية كما يقول شاعر الشعب محجوب شريف : دمتم، دمتم سالمين ؟ نردد قوله معطوفا علي قول شاعر عطبرة :
باسم السلام والزاحفين الي الامام
باسم الطفولة وهي احلام وحب وابتسام
باسم العذاري الحالمات بضجة العرس المقام
ستتوج الغد بالرخاء وبالصفاء وبالسلام
عاش السلام
وعاش السودان حرا موحداً.
الميدان