الحركة النقابيَّة السودانيَّة وثورة أكتوبر.. هل رَضِيَت مِنَ الغنيمة بالإياب؟!

الواثق كمير / تورونتو:
مقدمة:
بمناسبة الذكري الخمسين لثورة أكتوبر السودانيَّة، تهدف هذه المساهمة المتواضعة إلى تقديم قراءة في التاريخ السياسي، ورؤية سوسيولوجيَّة وسياسيَّة، لدور الحركة النقابيَّة السودانيَّة، في مسيرة الثورة وتداعياتها على مستقبل الحركة وآفاق تطوُّرها. وتقوم الدراسة على فرضيَّة: أنه بالرغم من أن كل من الدولة والمجتمع المدني بالسُّودان عموماً قد اتَّسما تاريخياً بالضَّعف، إلا أنَّ الحركة النقابيَّة استطاعت أن تحتفظ بقدرٍ من القُوَّة والحيويَّة حتى انقلاب الجبهة الإسلاميَّة القوميَّة على السُّلطة في 30 يونيو 1989، إذ ظلَّت تتمتع بنفوذ نسبي، مقارنة بمنظمات المجتمع المدني الأخرى، خصوصاً الأحزاب السياسيَّة. وفي هذا السياق، فإنَّ التنظيمات النقابيَّة في السُّودان، بجانب ما تُوفِّره من حمايةٍ لمصالح أعضائها، قد ظلَّت تصارع الدولة تاريخياً من أجل الإصلاح الديمقراطي، كما أنها كانت رأس الرمح في النضال ضدَّ الاستعمار. كما لعبت النقابات دوراً نشطاً وفعَّالاً فى الصِّراع من أجل استعادة وتمكين الديمقراطيَّة، من جهة، والحفاظ على استقلاليَّتها ووحدتها، من جهة أخرى. فقد ميَّزت النقابات في السُّودان نفسها عن باقي تنظيمات المجتمع المدني بنشاطها الفاعل في العمل العام، مِمَّا أهَّلها لاحتلال موضعاً محورياً في التكوين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للبلاد.
وللوصول إلي فهمٍ صحيح وموضوعي لدور الحركة النقابيَّة قي ثورة أكتوبر، فإنه من المهم: أولاً، التعرُّض لظروف مولد، نشأة وتطوُّر الفعل النقابي، في سياق الصرع والنضال ضدَّ الاستعمار، وتحوُّل الحركة من ?النقابيَّة المطلبيَّة? إلي ?النقابيَّة السياسيَّة?.. ثانياً، الانقسامات والانشقاقات، ذات الطابع السياسي، التي شهدتها الحركة العُماليَّة في بدايات تكوينها، وظلت تلازمها، حتى في الفترة التي أعقبت الثورة.. ثالثاً، أدخلت فترة الحُكم الذاتي، وتلك التي أعقبت الاستقلال مباشرة، علاقات العمل والدولة في مرحلة جديدة اتَّسمت بالمُواجهات والصِدَامات بين النقابات والحكومات الائتلافيَّة المتعاقبة، حتى استولت قيادة القوَّات المُسلَّحة على السُّلطة في 17 نوفمبر 1958.. رابعاً، يبدو أن العداء المتبادل بين ما دَرَجْنَا علي تسميته بـــ?القوى التقليديَّة? وبين الحركة النقابيَّة، والحزب الشيوعي الدَّاعم لها، خلال فترة الصراع ضد المستعمر، قد تمَّ نقله إلى مرحلتي الحُكم الذاتي والاستقلال الوطني، مع اختلاف أنظمة الحُكم.
من خلال هذا التناوُل التحليلي، تتلخَّص أطروحة الورقة في أنَّ الدور القيادي للحركة العُماليَّة في التصدِّي للاستعمار ومناهضة سياساته، وتقديمها لتضحياتٍ جِسَام في هذا الطريق، أهَّلَ الاتحادات العماليَّة والمهنيَّة والفنيَّة واتحادات المزارعين لتلعب دوراً مفتاحياً في مقاومة النظام العسكري الأوَّل، ومن ثمَّ إشعال وقيادة ثورة اكتوبر، ومشاركتها في قسمة السُّلطة الانتقاليَّة بنصيبٍ وافر، ولو أنها مشاركة لم تدُم طويلاً. ومع ذلك، أخفقت الحركة النقابيَّة عموماً، والمهنيَّة خصوصاً، في تحقيق أهدافها السياسيَّة المُعلنة وفي تحويل نفسها إلى تيَّارٍ سياسي له قاعدة اجتماعيَّة عريضة وقوَّة انتخابيَّة معتبرة. ولو أن الحركة النقابيَّة ظلَّت من الدُعاة للديمقراطيَّة التعدديَّة، وكسبت نفوذاً واسعاً خلال فترة ?الاستجمام? الديمقراطي، 1964-1969، إلاَّ أنها لم تُفلِح في إقامة تحالف سياسي عريض، أو تستقطب قاعدة جماهيريَّة يُعْتَدُّ بها، كما أن صراعها التاريخي مع القوى السياسيَّة ?التقليدية?، والذي تفاقم في هذه الفترة، محدثاً استقطاباً سياسياً حاداً، دفعها للتوجُّس من النظام الديمقراطي التعدُّدي، بل وبذل التأييد والدعم للمُنقلبين عليه من العسكريين في 25 مايو 1969. فقد أصدَرَ الاتحاد العام لنقابات عُمَّال السُّودان بياناً، في نفس يوم الانقلاب، يدعو فيه: «كل طلائع النضال الثوري إلى توجيه الضربة القاضية على بقايا النظام السياسي الرَّجعي، الذي دحرته ثورة مايو، واستلام الضُبَّاط الأحرار للسُّلطة باسم الشعب والجماهير الكادحة»! فهل يا ترى: رضيت الحركة النقابية من الغنيمة بالإياب؟! يبدو أن الأمر كذلك إن أكملنا التأمُّل في المسيرة اللاحقة للحركة، وهذا فصلٌ آخر!
اعتبارات منهجيَّة:
سيتَّبِع التحليل منهجاً متكاملاً يقوم على عددٍ من الافتراضات المنهجيَّة:
1- إنَّ الحركة العماليَّة في السُّودان، بما في ذلك النقابات المهنيَّة، ظلت تاريخياً تمارس نفوذاً اقتصادياً وسياسياً مقدَّراً نسبة لمَقدرتها على حماية المكتسبات الماديَّة. أيضاً، تمتلك النقابات قاعدة مستقلة من الموارد الماليَّة تتيح لها قدراً من حريَّة الحركة، وهامش أوسع نسبياً للفعل. غير أن العامل الحاسم الذي ساعد النقابات في تعزيز سطوتها الاقتصاديَّة والسياسيَّة يكمُنُ في الموقع العضوي والإستراتيجي الذي تحتله في القطاع العام وفي قلب المؤسَّسات الإنتاجيَّة والخدميَّة، خصوصاً تلك التي تملكها وتديرها الدولة.
2- تُميِّز الدراسة بين ?الطبيعة السياسيَّة? للحركة النقابيَّة وبين ?تسييس? الحركة واستقطابها على نحوٍ سياسي-حزبي. يساعد هذا التمييز المنهجي في التوصُّل إلى فهمٍ صحيح لطبيعة النزاع المُلازم لتطوُّر العلاقة بين الدولة والحركة النقابيَّة، وفي تفسير مساندة مجمل الاتحادات النقابيَّة لانقلاب 25 مايو 1969، مع أنها، للمُفارقة، ظلت تاريخياً في طليعة المناصرين والمدافعين عن الديمقراطيَّة.
3- تميَّزت سيرورة الصراع السياسي-الاجتماعي في السُّودان، خاصَّة خلال المرحلة التي أعقبت الاستقلال، بالتنافُر والصراع بين القوى السياسيَّة ?التقليديَّة? والقوى ?الحديثة? من ناحية، وبين الحركة النقابيَّة والدولة، من ناحية أخرى، سواءً كان النظام الحاكم عسكرياً أم مدنياً، ولو بدرجاتٍ متفاوتة. فالطبيعة الاجتماعيَّة والسياسيَّة للدولة ونظام الحُكم تحدد إلى قدرٍ كبير، في رأيي، كما لها وقع عظيم وتأثير كبير على الدور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للنقابات. وتتمثل المعايير الأساسيَّة لهذا الدور في صراع الحركة النقابيَّة من أجل الديمقراطيَّة والمحافظة على استقلاليتها ووحدتها. وفي سبيل ذلك، دخلت الحركة النقابيَّة في تحالفاتٍ مع القوى السياسيَّة المختلفة، وإن لم تُفلح في خلق تحالفٍ سياسي عريض يوفر قاعدة انتخابيَّة مستقلة.
4- ليس من التعسُّف في شيء أن نَصِفَ بعض التشكيلات الاجتماعيَّة بــ?التقليديَّة? وأخرى بــ”?لحديثة? في سياق التطوُّر التاريخي والموضوعي للمجتمع والاقتصاد السودانيين. كما صاحب هذا التطوُّر نشوء كياناتٍ سياسيَّة ذات توجُّهٍ تقليدي (الطائفيَّة السياسيَّة) وبرامج تخاطب التكوينات التقليديَّة، من جهة، وبروز قوى سياسيَّة جديدة (الحزب الشيوعي) ونقابيَّة صاغت رُؤاها وبرامجها لمخاطبة التشكيلات الحديثة. ومع ذلك، لا ينفي هذا التقسيم، الذي تقتضيه ضرورة التحليل، التقاطعات والتمفصُل بين هذه التكوينات. وتستخدم الورقة مصطلحي ?القوى التقليديَّة? و?القوى الحديثة? كمفهومين سياسيين يُميِّزان بين قُوى اجتماعيَّة تتباين في برامجها السياسيَّة ومواقفها حول قضايا السُّودان الأساسيَّة، خصوصاً العلاقة بين الدين والدولة والهُويَّة وحقوق المواطنة. ارتبط تعبير ?التقليديَّة? بالقاعدة الاجتماعيَّة الطائفيَّة أو القبليَّة أو الإثنيَّة، والحركات القائمة علي أسُسٍ دينيَّة، مع مختلف مُسميات حركتهم السياسيَّة، بالرغم من استنادهم أساساً على الشرائح الاجتماعية الوُسطى التي نالت قسطاً من التعليم، غير أن ما يُميِّزهم عن القوى الطائفيَّة هو تنظيمهم العقائدي الذي يجنح نحو الأصوليَّة.
5- على صعيد النظريَّة السياسيَّة، ارتبطت نشأة القوى الحديثة ارتباطاً وثيقاً بما انتهجته الدولة الاستعماريَّة في السُّودان من عدة طُرُق للتحديث الجُزئي لأساليب الانتاج وأدواته بحيث تنسجم مع توجه الإنتاج نحو السوق العالميَّة. وكانت من أهم نتائج هذه السياسات على البنية الاجتماعيَّة بالسُّودان ظهور فئات وشرائح جديدة أفرزتها عملية الانتاج التصديري الحديث. وظلَّ وجود ودور قوى الإنتاج الحديث (عمَّال ومزارعين ومهنيين وموظفين وفنيين) يتعاظم أن على كافة أصعدة الحياة في المجتمع السُّوداني. فالحديث عن القوى الاجتماعيَّة، سواء كانت حديثة أم تقليديَّة، هو حديث يجري على المستوى السياسي، كما أن مصطلح القوى الحديثة في جوهره مفهومٌ سياسي.
مولد ونشأة الحركة النقابيَّة: مقاومة السياسة الاستعماريَّة
1- بالرغم من أن الحركة العماليَّة لم تتخذ شكلاً منظماً حتى الفترة التي أعقبت الحرب العالميَّة الثانية، إلا أن بدايات الحركة ترجع إلي مطلع القرن الماضي، إذ رصدت السجلاَّت الرسميَّة العديد من نزاعات العمل والإضرابات في أنحاء مختلفة من البلاد في 1903، 1907-1909، 1913-14، 1919 و1920 (الساعوري، 1986، بشير، 1987). وقد كانت كل هذه الاحتجاجات والإضرابات العماليَّة، إلى حدٍ كبير، ذات طبيعة اقتصاديَّة، واندلعت بدوافع الظروف البائسة للعمل والمستوى المتدني للأجور، كنتيجة للسياسة الاستعماريَّة التي هدفت إلي التحكُّم في سوق العمل. ومع ذلك، فإن الطلب المتزايد علي العمالة الأجريَّة للعمل في مجالات التشييد والأشغال العامَّة، خاصَّة في بناء السكك الحديديَّة، أفضى إلى نُمُوٍ ملحوظ في قوَّة العمل. أدَّى هذا، بدوره، إلى بزوغ مبكِّر لوعي العمَّال بمصالحهم الاقتصاديَّة المباشرة، وضرورة العمل الجماعي للحفاظ على حقوقهم، خاصة بعد الارتفاع الحاد في أسعار السلع بسبب الحرب العالميَّة الأولى.
2- شكَّل العام 1924 معلماً هاماً في تاريخ تطوُّر الحرمة العماليَّة، حيث بدأت جمعيَّة اللواء الأبيض في تعبئة وحشد العمَّال لخدمة الغايات السياسيَّة الوطنيَّة، والانخراط الإيجابي في النشاطات السياسيَّة للجمعيَّة. ولو أن الظروف الموضوعيَّة لم تنضج بعد لظهور حركة عُماليَّة منظمة، إلاَّ أن الإرهاصات الأولى لتبلوُر الوعي العُمَّالي قد باتت ملحوظة (سلام، 1991.. بشير، 1987.. حاج حمد، 1996). لكن، تظل الفترة بين نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينات تمثل العلامة الفارقة في تطوُّر الحركة النقابيَّة نحو الفعل المنظم لحماية حقوق العمال، في ظِلِّ التداعيات القاسية لكساد عام 1929 العالمي على اقتصاد البلاد، وبالتالي ظروف ومستويات المعيشة، خاصَّة بعد الانخفاض الهائل في الأسعار العالميَّة للقطن.
3- تميَّزت هذه المرحلة بتطورين هامين، أثَّرا بقدرٍ كبير على مستقبل الحركة النقابيَّة: أولهما، ساعد الاهتمام المتعاظم بالعمل المنظم والفعل الجماعي العمال السُّودانيين في ابتداع فكرة ?نوادي العمال?. وقد كانت هذه النوادي بمثابة منبرٌ للاجتماعات واللقاءات الخاصَّة بمخاطبة مصالح العُمَّال الاقتصاديَّة ورفاهيَّتهم وكافة قضاياهم، وخلق الروابط الاجتماعيَّة، والتداوُل بشأن قضايا البلاد الوطنيَّة. وثانيهما، نزوع الحركة العماليَّة نحو التفاعُل الإيجابي مع حركة مؤتمر الخِرِّيجين والمشاركة النشطة في الجدال حول القضايا العامة والوطنيَّة.
4- ثمَّة ملاحظة هامَّة تستحق الإشارة إليها في هذا الخصوص، فبالرغم من هذا التعاطي الإيجابي، وبينما كانت الحركة العماليَّة في أمَسِّ الحاجة لدعم، والتعاون مع الخِرِّيجين، لم تُبدِ حركة ?المُثقفين? أي حماسة نحو قضايا العُمَّال، أو أي محاولة جادَّة للمساهمة في تطوير القوى العاملة. عوضاً عن ذلك، اكتفي الخِرِّيجون بإبداء التقدير للحركة العُماليَّة إزاء موقفها ضد الاستعمار، بينما ظلوا مرتبطين بولاءاتهم الطائفيَّة (حاج حمد، ١٩٩٦). ولعلَّ عدم مبالاة القوى الطائفيَّة بقضايا العُمَّال قد مهَّدت الطريق لتطوُّر حركة عماليَّة مستقلة ومنفصلة عن هذه الكيانات، وشكَّلت قاعدة متجذِّزة في المنظمات الحضريَّة اللامركزيَّة للمجتمع.
5- شهدت هذه الفترة سعي العمال لترجمة إستراتيجيَّة الفِعْل الجماعي على أرض الواقع، بالدخول في سلسلة إضراباتٍ عن العمل، وصل عددها الي ١٩ إضراباً بين ١٩٣٦ و١٩٤٢. شكَّلت هذه الأحداث مدخلاً لمطلب العُمَّال المتواصل لتكوين نقاباتهم المستقلَّة. وقد قُوبل مطلب الحق في التنظيم بالتشكيك والرَّفض المُتشدِّد من قِبَل الإدارة الاستعماريَّة.
6- تمثل بداية الحرب العالميَّة الثانية نقطة تحوُّل في تطوُّر العمل النقابي كحركة احتجاج اقتصاديَّة وسياسيَّة طوال المرحلة الاستعماريَّة. فقد كانت للحرب آثاراً سلبيَّة على الأوضاع الاقتصاديَّة بالبلاد مِمَّا انعكس في الزيادة الحادَّة في تكاليف المعيشة وتدهوُر دخول العُمَّال ومستوياتهم المعيشيَّة، مع نُدرةٍ شديدة في السلع الأساسيَّة. ذلك إضافة، إلى الحجم المُتزايد للقوى العاملة في المناطق الحضريَّة، وبداية سلسلة جديدة من الإضرابات في ١٩٤٦. وفي نفس العام، تمَّ تأسيس ?لجنة العُمَّال? في رئاسة مصلحة السِكَك الحديديَّة في مدينة عطبرة، مطالبة بالاعتراف بها من قبل إدارة المصلحة، والتي رفضت هذا المطلب بصلفٍ، حتى بعد أكثر من ستة أشهر من المفاوضات.
7- في ظِلِّ ضغوط العُمَّال المتواصلة، رضخت الإدارة، ولو تكتيكياً، لمطلب حق العُمَّال في التعبير عن مطالبهم عن طريق هيئة تمثيليَّة. فاقترحت الادارة ?لجان العمل? كجسمٍ استشاري على غرار التجربة البريطانيَّة، بحيث ضمَّت عضويَّة اللجان ممثلين منتخبين للعُمَّال وأعضاء تقوم الإدارة باختيارهم وتعيينهم، ليُشكِّلوا مستشارين للإدارة. ومع ذلك، لم تقصد الإدارة الاستعماريَّة بهذه الترتيبات، بأي حالٍ من الأحوال، تشجيع التنظيم النقابي، بل هدفت أساساً إلى إبطاء حركة الإضرابات العماليَّة. لكن، لم تغِب هذه المناورة عن فطنة العُمَّال، فرفضوا المفهوم برُمَّته وامتنعوا عن أن يكونوا أعضاءً في لجان العمل، بل، بدلاً عن ذلك، امتلكوا زمام المبادرة بأنفسهم وثابروا علي تأسيس ?هيئة شئون العُمَّال? (بشير، ١٩٨٧).
8- وفي مواجهة تعنُّت الإدارة، مضت هيئة شئون العُمَّال قُدُماً في الفعل المُنظَّم، والذي شمل تقديم المذكرات وتنظيم المظاهرات والدخول في إضرابٍ مُطوَّل، استمرَّ من ١٢ إلى ٢٣ يوليو ١٩٤٧ (الساعوري، ١٩٨٦، بشير، ١٩٨٧). ولو أن السُّلطات اعترفت بالهيئة في نهاية الأمر، إلا عُمَّال السكَّة حديد أسرعوا بالمطالبة المشروعة بحقهم في تكوين نقابة تمثلهم تمثيلاً صحيحاً، فدخلوا في إضرابٍ مُطوَّل استغرق شهراً كاملاً (١٦/٣-١٨/٤/١٩٤٨) من أجل تحقيق هذا الهدف. وللإنصاف، وجد الإضراب تأييداً وتضامناً من القوى السياسيَّة الرئيسة، وإن جاء متأخراً، واقتصر على المساعدة المعنويَّة والماديَّة والتوسُّط في النزاع الناشب بين هيئة شئون العُمَّال وإدارة السِكَك الحديديَّة (طه، ١٩٧٠). واستسلمت الإدارة لنضال العُمَّال المتواصل لتأسيس نقاباتهم الديمقراطية المستقلة. وهكذا، اضطرَّت الحكومة لإصدار قانون النقابات في ١٩٤٨، وتشريعاتٍ أخرى ذات صلة.
9- وبالرغم من أن قانون ١٩٤٨اعترف بحق العمال في تنظيم النقابات في أماكن عملهم، إلا أنه لم يسمح بتأسيس الاتحادات النقابية، وبالتالي إعاقة وحدة العمال. علاوة علي ذلك، منح القانون مسجل النقابات، وهو موظف حكومي، سلطات غير محدودة في ما يلي إجراءات تسجيل النقابات. كما اشتمل القانون علي أحكام تقييد حرية العمال في التنظيم، مما يعد مخالفا لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم ٨٤ لعام ١٩٤٨.
الانتقال لــ?النقابيَّة السياسيَّة?
1- لم يتوقف العُمَّال عن مقاومة السياسة الاستعماريَّة الرامية إلى تشجيع تكوين النقابات، شريطة أن تظلَّ كتنظيمات اقتصاديَّة واجتماعيَّة الطابع، تنأى بنفسها من التورُّط في أي نشاطٍ سياسي. فقد واصل العُمَّال نضالهم بقوَّة لإزالة كل القيود وأوجه القصور في قانون ١٩٤٨. وهكذا، في ٥ أغسطس ١٩٤٩، نظمت هيئة شئون العُمَّال في السكَّة حديد و١٤ هيئة أخرى المؤتمر الأول للعُمَّال لمناقشة كل عيوب القانون، والقوانين الأخرى، ولتحديد المفاهيم الأساسيَّة للحركة النقابيَّة في سياق التوجُّه الوطني للحركة، وعلاقاتها مع القوى الاجتماعيَّة الأخرى. كسب مؤتمر العُمَّال اعتراف الحكومة به وشَرَعَ في مفاوضاتٍ أفضت إلى تعديلاتٍ في قانون ١٩٤٨ وقانون تسجيل النقابات. وفصَّل المؤتمر المبادئ الرئيسة والموجِّهة للحركة العماليَّة، ومن بينها: وحدة العُمَّال كعمود فقري للحركة النقابيَّة، استقلال الحركة من أي نفوذ حزبي أو طائفي، توافق مصالح العُمَّال مع المصالح والأهداف الوطنيَّة والقوميَّة، تغليب ولاء العمال لتنظيماتهم النقابيَّة على أي انتماءاتٍ حزبيَّة أو طائفيَّة، وترسيخ الإرادة الحرَّة للعُمَّال وحقهم في انتخاب قياداتهم (سلام، ١٩٩١). كثف العُمَّال في مختلف القطاعات الاقتصاديَّة جهودهم لتنظيم وتسجيل نقاباتهم وفقاً لقانون ١٩٤٨ (المُعدَّل ١٩٤٩). ففي مايو ١٩٥٠، وصل عدد النقابات المُسجَّلة إلى ٨٠ تنظيماً، وهو تطورٌ قاد الي تحوُّل مؤتمر العُمَّال إلى ?الاتحاد العام لنقابات عُمَّال السُّودان?، والذي عقد مؤتمره العام في ١٥ نوفمبر ١٩٥٠.
2- إضافة إلى سوء أحوال العُمَّال الاقتصاديَّة، وقسوة سياسات العمل الاستعماريَّة، فإن تزايُد الوعي الوطني في أعقاب الحرب العالميَّة الثانية ساهم بشكلٍ كبير في الانتقال من ?النقابة الاقتصادية? إلى تسييس وتجذير الحركة النقابيَّة. وتشير الدلائل المتوفرة إلى أن امتعاض العُمَّال من البريطانيين، كمُخدِّمين وحُكام على حدٍ سواء، لعب دوراً رئيساً في صعود الحركة العُمَّاليَّة (طه، ١٩٧٠). كما أن نشأة القوى العاملة في السُّودان «قد سبقت نُمُوِّ البرجوازيَّة المحليَّة، وبالتالي فإن التطوُّر الاجتماعي للحركة العماليَّة ووعيها بنفسها لم يتحدَّد بتناقُضها مع قوى البرجوازيَّة السودانيَّة، بل عن طريق النضال ضد المُخدِّم، الذي تمثله الدولة الاستعماريَّة القمعيَّة، بطريقة تشابكت فيها المطالب الاقتصاديَّة مع القضايا الوطنية في المواجهة مع ?المُخدِّم الاستعماري?».
3- منذ إنشائه، تفاعَلَ الاتحاد العام لنقابات عُمَّال السُّودان، بشكلٍ وثيق، وشارك بفعاليَّة في النشاطات السياسيَّة، وأقام الروابط مع الحركة الوطنيَّة الوليدة. وبالرغم من أن دستور ١٩٥٠ لاتحاد العُمَّال ركَّز على الدفاع عن حقوق ومصالح العُمَّال، إلاَّ انه لم يأخذ الاتحاد وقتا طويلاً حتى بدأ في الانخراط بحماسٍ في العمل السياسي. وهكذا، على سبيل المثال، دوراً بارزاً في إنشاء اتحاد مزارعي الجزيرة، الاتحادات الطلابية، فضلاً عن اتحادات المزارعين في جبال النوبة والنيل الأزرق والنيل الأبيض وشمال السُّودان.
4- ومع ذلك، فالمؤتمر العام الأول للاتحاد العام للعُمَّال، ديسمبر ١٩٥١، هو الذي أدخل الاتحاد في دهاليز السياسة الوطنيَّة. ركَّزت أجندة المؤتمر على القضيَّة الوطنيَّة، بطريقة سمحت علناً لاتحاد العمال بالاشتغال بالسياسة الوطنيَّة. أضاف المؤتمر أربع تعديلاتٍ كأهدافٍ سياسيَّة، مع تحديد وسائل تنفيذها: أولاً، الهزيمة الفوريَّة للاستعمار في السُّودان.. ثانياً، المثابرة لنيل حق تقرير المصير للبلاد والتحرُّر من النفوذ الأجنبي.. ثالثاً، عدم التعاون المُطلق مع النظام الاستعماري.. رابعاً، توحيد الشعب السُّوداني في جبهةٍ متحدةٍ تضُمُّ كل المجموعات السياسيَّة، وغيرها، التي تتشابه أهدافها (طه، ١٩٧٠). وقد شهدت فترة انعقاد المؤتمر نزاعاً سياسياً محتدماً حول مبادرة الإدارة الاستعماريَّة لتشكيل ?الجمعيَّة التشريعيَّة? و?المجلس الاستشاري? للحاكم العام، وذلك بهدف إعداد البلاد للحُكم الذاتي. وقد تعاون الاتحاد العام لنقابات العُمَّال مع الأحزاب الاتحاديَّة والحزب الشيوعي، ضمن تنظيمات أخرى، في معارضة كلتا المؤسَّستين.
التحالفات السياسيَّة وانشقاق الحركة العماليَّة الوليدة
1- مع أنَّ النضال ضدَّ الاستعمار كان ?قومياً? في طبيعته، إلاَّ أن الانقسامات بدت تطفو على السَّطح نتيجةً للخلافات حول مستقبل البلاد، مِمَّا أفضى إلى انقسام الحركة الوطنيَّة إلى معسكرين متصارعين بمرارة. فمن جهة، هناك الاتحاديين، بدعم من طائفة الختميَّة، ويُنادون بالوحدة مع مصر. ومن جهة أخرى، هناك حزب الأمَّة، المدعوم من طائفة الأنصار، وهؤلاء يتشكَّكون في النوايا المصريَّة، كما شاركوا في المُؤسَّستين الدستوريَّتين الاستعماريَّتين. أما موقف الاتحاد العام للعُمَّال من النزاع المحتدم هو تشكيل الجبهة المتحدة لتحرير السُّودان، والتي ضمَّت، إلى جانب الاتحاد، الحزب الشيوعي والأحزاب الاتحاديَّة واتحادات الطلاب وتنظيمات المزارعين، ومجموعات أخرى. عملت الجبهة المتحدة على هُدى برنامج محدَّد المعالم، معادٍ للإمبرياليَّة، تمَّ تصميمه بغرض رفع مستوى المواجهة ضد الحُكم الاستعماري. وفي عام ١٩٥٢، كانت الجبهة نشطة في تنظيم الليالي السياسيَّة والمظاهرات، وعموماً في حملات التأجيج ضد الحكومة. وطالبت الجبهة بالرحيل الفوري لكُلِّ القوَّات الأجنبيَّة، ومنح الشعب السُّوداني حق تقرير المصير. قادت هذه الأحداث إلى توقيع الاتفاقيَّة البريطانيَّة-المصريَّة حول تقرير المصير في ١٩٥٣.
2- وبينما أيَّدت الأحزاب التقليديَّة، والطائفتان الدينيَّتان الاتفاقيَّة، انضمَّ الاتحاد العام لنقابات عُمَّال السُّودان للحزب الشيوعي السُّوداني في معارضتها. وذهب الاتحاد أبعد من ذلك، بمحاولته تعبئة عُضويَّته ضد الاتفاقيَّة، كما دعا إلى إضراب لمدة ثلاثة أيام احتجاجاً. وهو موقفٌ واجه الاتحاد بسببه انتقاداتٍ حادَّة من المراقبين، والذي اعتُبِرَ بمثابة خطأ جسيم، إذ حشر اتحاد العُمَّال في نزاع سياسي حزبي، مِمَّا ألحق ضرراً مقدَّراً بشعبيَّته وسط عُضويَّته من النقابات وقواعده العماليَّة. وقد كان لهذا الموقف تداعيات خطيرة، فقد وضع الاتحاد على مسار تصادُمي مع القوى السياسيَّة التقليديَّة، والتي ما زالت تبعاته تطارد الحركة العماليَّة. وربَّما يُفسِّر هذا التوترات الملحوظة في العلاقة بين النقابات والدولة خلال الفترات الديمقراطيَّة اللاحقة، حيث كانت الأحزاب التقليديَّة على سُدَّة السُّلطة في حكومات ائتلافيَّة (١٩٥٧-٥٨، ١٩٦٤-٦٩، ١٩٨٥-٨٩). والسبب في ذلك هو انضمام اتحاد العمال إلى الحزب الشيوعي، واليسار عموماً، في معارضته للاتفاقيَّة، مِمَّا بعث رسالة إلى القوى التقليديَّة مفادُها أن الشيوعيين واليساريين يتحكَّمون فيه، ويُسيطرون على الحركة النقابيَّة، وبالتالي لا بُدَّ من محاربة الحركة العماليَّة نتيجة لولائها السياسي (طه، ١٩٧٠.. علي، ١٩٩٦). ومن جهة أخرى، فَشِلَ الإضراب المُعلن عنه نسبة لتفضيل غالبيَّة النقابات طريق التوافق الوطني لصالح الاتفاقيَّة، فرفضوا المشاركة في الإضراب. وكان هذا بمثابة نذير لأوَّل انقسام خطير في صفوف الحركة العماليَّة، هدَّدت بنسف هدفها المنشود في الوحدة. وهكذا، ظلت الحركة منقسمة على نفسها حتى عقد الاتحاد العام لنقابات عُمَّال السُّودان مؤتمره العام الخامس في مايو ١٩٥٨.
3- أفضت الإستراتيجيَّة غير المدروسة التي اتبعها الحزب الشيوعي في معارضته لاتفاقيَّة ١٩٥٣ إلى انشقاقٍ في أوساط الحركة النقابيَّة السودانيَّة، الحدث الذي ترك بصماته على مستقبل العلاقات بين القوى التقليديَّة والنقابات، والتي تراوحت من الارتياب والشكوك المتبادلة إلى الصراع المفتوح. وكما أكد الباحثون والمراقبون، فهذا لا يقدح في دور الحزب المفتاحي في إنشاء وتطوير الحركة النقابيَّة السودانيَّة، مِمَّا مكَّن الحركة من لعب دور فعَّال في الفترة بين ١٩٤٧ و١٩٥٤ (بشير، ١٩٨٧). وقد يَسهُلَ فهم دور الحزب الشيوعي إن قرأناه في سياق التنافُس والصراع بين القوى التقليديَّة نفسها، خاصَّة بين طائفتي الأنصار والختميَّة ومناصيريهما، حول مستقبل السُّودان. فقد أحدث التنافُس المرير بين المجموعتين، وارتباط كل مجموعة بأحد طرفي الحُكم الثنائي، تشويشاً على هدف النضال الوطني، وبالتالي تنفير وعُزلة الجيل الصاعد من السُّودانيين المتعلِّمين في حواضر السُّودان. وبينما يتوق هؤلاء للانعتاق من الحُكم الاستعماري، إلا أنهم لا يميلون لفكرة ?وحدة وادي النيل?، وفي نفس الوقت يشتبهون في تقارُب حزب الأمَّة اللصيق بالإدارة الاستعماريَّة. وهكذا، وجد الحزب الشيوعي تربة خصبة وسط هذه القطاعات الساخطة من المجتمع الحضري، ولبلورة مقاصد وأهداف الحركة الوطنية نحو تحرير البلاد من الهيمنة الاستعمارية وبناء السُّودان المستقل الذي يحميه شعبه (طه، ١٩٧٠).
4- وفَّر الحزب الشيوعي للحركة النقابيَّة مصدر الأيديولوجيا والتنظيم والرؤية السياسيَّة، مِمَّا ترك بصمات واضحة علي الحركة العماليَّة لوقتٍ طويل (بشير، ١٩٨٧). والشيوعيون أنفسهم، بالرغم من إدراكهم للظروف ?الموضوعية? التي دفعت بنشأة الحركة النقابيَّة، يفخرون بتقديمهم لها القيادة، وهو العامل ?الذاتي? الحاسم والضروري لتطوُّر الحركة. وبحسب رأيهم، فإنَّ «النمو المتزايد للحركة جاء نتيجة للدور المِفصَلي لهذا العامل الذاتي، في وقتٍ احتاج فيه إدراك هذه الظروف الموضوعيَّة إلى قدرٍ كبير من الوعي وبُعد النظر والخيال والقدرة على التغلب على الصعوبات» (القدَّال، ١٩٩٣، ص ٣٥٢).
الاستقطاب السياسي والصدام مع الحكومات الوطنية
1- نقلت فترة الحُكم الذاتي وحكومات ما بعد الاستقلال (١٩٥٤-١٩٥٨)، العلاقات بين الدولة والنقابات إلى مرحلة جديدة تميَّزت بالمُواجهات والنزاعات. فيبدو أن نفور القوى التقليديَّة من، أو على الأقل اللامبالاة تجاه الحركة العماليَّة خلال الفترة الاستعماريَّة، قد تمَّ ترحيلها لتَسِمَ هذه العلاقات في مرحلة ما بعد الاستعمار. فهكذا، تحوَّل ?حُلفاء الأمس?، في النضال المُشترك ضد الاستعمار، إلى أشرس الأعداء في أعقاب استلام أوَّل حكومة وطنيَّة منتخبة للسُّلطة في عام ١٩٥٤. وأضحى التوتر والصدام طابعاً مميزاً للعلاقة بين الدولة والنقابات في ظِلِّ كل الحكومات المنتخبة حتى نوفمبر ١٩٥٨. فلم تكن للقوى التقليديَّة رغبة خالصة في إقحام نفسها في صراع العمال من أجل انتزاع حقوق التنظيم أو الاعتراف بتنظيماتهم. هذا قاد المراقبين إلى الاستنتاج بأن «سمةً أساسيَّةً للحُكم الاستعماري، وكذلك لحقبة ما بعد الاستقلال، تجلَّت في الاستقطاب السياسي للقوى السياسيَّة بالبلاد وانقسامها إلى مجموعتين متصادمتين. فمن جهة، العناصر التقليدية ممثلة في أحزابها (الأمَّة، الوطني الاتحادي، الشعب الديمقراطي)، وطوائفها الدينيَّة، ومن جهة أخرى، القوى غير التقليديَّة والتي شكَّلت تحالفاً سائباً بين الحزب الشيوعي، الاتحاد العام لنقابات عُمَّال السُّودان، ومنظمات المهنيين والموظفين والفنيين واتحادات المزارعين» (مصطفي، ١٩٩٣).
2- ومع أن هذا الاستقطاب، الذي يصور علاقة الدولة والنقابات كصراع بين القوى التقليدية والحديثة، يشخص السياسة السودانية جيداً، غير أنه ليس من الإنصاف في شيء أن نضع الحزب الوطني الاتحادي في سلة واحدة مع حزبي الأمَّة والشعب الديمقراطي، فيما يتصل بموقفهم العدائي من الحركة النقابية. ومن أجل فهم صحيح للعلاقات المتأزِّمة بين الدولة والنقابات، لا بُدَّ من التشديد علي ثلاث نقاط ومعالجتها تحليلياً. أولها، بالرغم من أن الشيوعيين، وحلفائهم، كانوا على قيادة الاتحاد العام لنقابات عُمَّال السُّودان، إلاَّ أن علاقاتهم لم تكُن متوترة، على الأقل ظاهرياً، مع عضويتهم بسبب الانتماءات الطائفيَّة، بل أظهروا إدراكاً واضحاً بدور ووظيفة النقابة، وحاولوا إخفاء اتجاهاتهم الحزبيَّة والسياسيَّة ?اليساريَّة? (علي، ١٩٩٦). وفوق ذلك، عملت قيادات الاتحاد العام بجديَّة لتفادي عزل أعضائها ذوي الولاءات الطائفيَّة، خاصة المنتسبين للطريقة الختميَّة. بل واتبعت منهجاً هدف إلى غرس الروح النقابيَّة وتعزيز انتماء العُمَّال لتنظيماتهم النقابيَّة، مِمَّا جعلهم أكثر وعياً بهذا الانتماء وإعلائه فوق الولاءات الطائفيَّة.. ثانياً، كان الوطني الاتحادي بمثابة حزب ?الوسط? السياسي المدعوم من قبل المُتعلمين والمثقفين والتُجَّار، خاصة في المُدُن، وقطاعاتٍ كبيرة من العُمَّال والمزارعين. وهكذا، فإن طبيعة مناصري الحزب الوطني الاتحادي، خلافاً لعضوية حزبي الأمَّة والشعب الديمقراطي، دفعت الحزب للسَّعي من أجل النفوذ في الحركة النقابيَّة وكسب بعض المواقع في قيادة الحركة.. ثالثاً، شكَّلت طائفة الختميَّة، إلى حدٍ كبير، القاعدة الاجتماعيَّة لغالبيَّة العُمَّال، إذ كان التوجُّه السياسي العام للعُمَّال ذو طبيعة ?اتحادية?.
3- إذن، فالظروف التاريخيَّة والموضوعيَّة التي نشأت في سياقها الحركة العماليَّة، كانت مُؤاتية تماماً لبناء تحالُفٍ استراتيجي بين الوطني الاتحادي، والاتحاديون عموماً، وحركة العُمَّال الديمقراطيَّة. وكان من الممكن لهذا التحالف أن يكون قابلاً للتحقيق، خاصة والشيوعيون في قيادة الاتحاد العام للعُمَّال كانوا يعملون من خلال الهيكل التنظيمي لـ?الحركة السودانيَّة للتحرُّر الوطني – حستو?. ولم تكن ?حستو?، التي تحوَّلت للحزب الشيوعي السُّوداني في ١٩٥٦، في ذلك الحين كياناً ماركسياً لينينياً على المستويين الأيديولوجي والتنظيمي، بل كانت مفتوحة للأحزاب السياسية الأخرى. وهكذا، كانت الأبواب مُشرعة للتفاعُل المتبادل بين العُمَّال وحركة المثقفين الاتحاديين. ومع ذلك، أضاعت القيادات الاتحاديَّة هذه الفرصة، وعوضاً عن ذلك، بحثت عن مصادر الدعم الجماهيري الجاهزة، ممثلة في قيادات الختميَّة، بينما نأوا بأنفسهم عن القوى الاجتماعيَّة الديمقراطيَّة الأكثر تأهيلاً تاريخياً وموضوعياً للوقوف بجانب المثقفين الاتحاديين في معركتهم ضدَّ القوى التقليديَّة الطائفيَّة. بمعنى آخر، استبدل مثقفو الوطني الاتحادي هذه المعادلة ?التاريخيَّة? بتحالفٍ ?ظرفي? مع الطائفيَّة على حساب التحالف مع القوى النقابيَّة الديمقراطيَّة (حاج حمد، 1996).
4- ومع ذلك، فقد جاء هذا التحالُف غير المدروس بنتائج عكسيَّة على أصحابه. فمباشرة في أعقاب اجتماع ?السيدين? الأوَّل (السيِّد علي الميرغني والسيِّد عبدالرحمن المهدي) في اكتوبر ١٩٥٥، تمَّ سحب البساط من تحت أرجُل المثقفين الاتحاديين. فالطريقة الختميَّة لم تعُد تحتمل هذا القدر من الاستقلاليَّة لهؤلاء المثقفين، فاتفق السيِّدان على إسقاط حكومة الوطني الاتحادي الوطنيَّة الأولى في نوفمبر ١٩٥٥. ولو أن النجاح لم يحالفهما في هذه الخطوة، إلا أنَّ السيِّدين، في اجتماعهما الثاني في ديسمبر من نفس العام، تمكَّنا من حِرمان الحزب الوطني الاتحادي من الحُكم بمفرده، وشكَّلا حكومة ائتلافيَّة في الثاني من فبراير ١٩٥٦. وكان هذا التحرُّك بمثابة تمهيدٍ لإزاحة الوطني الاتحادي تماماً من الحكومة، ومن ثمَّ الهيمنة الكاملة لتحالف الختميَّة والأنصار على حُكم السُّودان في ٥ يوليو ١٩٥٦، بعد أسبوع فقط من تأسيس حزب الشعب الديمقراطي كواجهةٍ سياسيَّة للختميَّة في ٢٨ يونيو ١٩٥٦.
5- بانصرافه عن العُمَّال وقضاياهم، وولوجها في زواجٍ غير مقدَّس مع البرجوازيَّة الوليدة والقوى الطائفيَّة، اكتسب الحزب الوطني الاتحادي روحاً معادية للنقابات، بل عَمَدَ إلي خلق الانشقاقات في أوساطها. فالحزب، حتي قبل وصوله للسُّلطة، شرع في سياسة إعاقة فعاليَّة الاتحاد العام للعُمَّال وذلك باختراق قيادات النقابات المُؤثرة، خاصة نقابة عُمَّال السكك الحديديَّة. وفور توليه السُّلطة، أعلن الحزب سياسته الموسومة بـ?تحرير ولا تعمير?، والتي قوبلت بمقاومة قوية من قبل اتحاد العُمَّال بحُجَّة أن التحرير لا يعني شيئاً بدون تنمية اقتصاديَّة واجتماعيَّة، وأنه لخطأ جسيم أن تُحرَمَ القوى التي ناضلت وقدَّمت التضحيات من ثمار التحرير. ومن جهة أخرى، شعر الشيوعيون، تحت مظلتي ?حستو? والجبهة المعادية للاستعمار، بالخطر من مثقفي ?الوسط? السياسي بحُكم أنهم يمثلون المنافس الوحيد المحتمل للسيطرة على الاتحاد العام للعُمَّال، وبالتالي استخدموا كل الوسائل السياسيَّة المتاحة لحرمان الوطني الاتحادي من أي قدرٍ من النفوذ النقابي عن طريق عزل عناصر الحزب من المواقع القياديَّة في النقابات المنتسبة للاتحاد العام للعُمَّال.
6- من الجدير بالذكر، أن الموقف العدائي لحكومة الوطني الاتحادي نحو الحركة العماليَّة لم يقتصر على الحركة العماليَّة فحسب، بل سُرعان ما وجد اتحاد مزارعي مشروع الجزيرة نفسه في نزاعٍ مع الحكومة. وبعد صراعٍ طويل للاعتراف الرسمي بالاتحاد وحقوق المزارعين، جاءت القشة التي قصمت ظهر العلاقات بين الحكومة والمزارعين، علي وجه الخصوص، والحركة العماليَّة عموماً، عندما تمَّ اعتقال ٢٨١ مزارعاً من مشروع جودة (في التماس بين النيل الأبيض وأعالي النيل) وحبسهم في غرفة صغيرة في ثكنات الجيش بمدينة كوستي، مِمَّا أدَّى إلي مقتل ١٩٠ منهم اختناقاً. وقد قوبل الحادث بغضبٍ شعبي واستنكار وإدانة عبَّرت عنها سلسلة من التظاهُرات والإضرابات من قطاعاتٍ مختلفة من المجتمع السُّوداني (حاج حمد، ١٩٩٦).
7- وفوق ذلك كله، أقدم الاتحاد العام لعُمَّال السُّودان علي التنسيق سوياً مع الجبهة المعادية للاستعمار، من جهةٍ، والقوى الطائفيَّة ممثلة في حزب الأمَّة، ولاحقاً حزب الشعب الديمقراطي، من جهة أخرى، بُغية الهجوم علي حكومة الوطني الاتحادي. وتمَّ ترفيع هذا التنسيق إلى مستوى أعلى، وذلك بتشكيل جبهة الاستقلال في ٢٩ يناير ١٩٥٥. وقصد الشيوعيون بالتحالف مع أكثر القوى تقليديَّة إلى توجيه ضربة قاضية إلى، واستباق أي تدخُّلٍ محتمل من جانب الحزب الوطني الاتحادي في الاتحاد العام للعُمَّال، وبالتالي خلق قاعدة اجتماعيَّة مستقلَّة، والحفاظ علي التحكُّم الكامل على الحركة العمالية. وقد أثبتت هذه الإستراتيجية أنها قصيرة النظر، فما أن آلت مقاليد الحُكم لهذه القوى، في يوليو ١٩٥٦، حتى تحوَّلت علاقات التحالف إلى مواجهاتٍ وصراعاتٍ أبديَّة.
تبدل التحالفات وتصاعُد المواجهات: سقوط النظام النيابي
1- إذن، لم تدَّخِر القوى التقليديَّة أي جهدٍ لتجيير الانشقاق الذي وقع في صفوف الحركة العماليَّة، في أعقاب معارضة اتحاد العُمَّال لاتفاقيَّة 1953، لصالح إستراتيجيتها المحسوبة لإضعاف الاتحاد، الذي يُوفِّر له الشيوعيون القيادة والروح النقابيَّة. نجحت هذه الجهود في سعيها لإفشال الإضراب العام الذي دعا له اتحاد العمال في 27 أبريل 1956، احتجاجاً على سياسات وتوجُّهات الحكومة العدائيَّة. فقد عارضت نقابات العُمَّال الحكوميَّة المنشقة عن الاتحاد، بما في ذلك نقابة السكَّة حديد، الإضراب. وهي مناسبة لم تتردَّد الحكومة في استخدامها لتعميق الانشقاق وتجاوز الاتحاد، فأعلنت علي الفور استعدادها للتفاوض مع النقابات الحكوميَّة، كل على حده. وانسجاماً مع هذه الخطوة، دعت نقابات عُمَّال الحكومة المنشقة، بقيادة نقابة عُمَّال السِكَّة حديد إلى ما أطلقوا عليه ?المؤتمر العام للنقابات المتحدة?، في أبريل 1956، للتداول حول ما أسموه خيانة اتحاد العُمَّال لأهداف الحركة النقابيَّة. وخرج المؤتمر بفكرة إنشاء ثلاثة اتحادات منفصلة، واحد لعُمَّال الحكومة، والثاني لعُمَّال القطاع الخاص، والثالث للحرفيين المستقلين وبقية قطاعات العُمَّال. هدف هذا الاقتراح، في جوهره، إلى الحل الفعلي للاتحاد العام للعُمَّال، مِمَّا جرَّده من قوَّته، ليُصبح منظمة سياسيَّة عاجزة تفتقر الى الأهليَّة. ومع ذلك، دعا مؤتمر لاحق للمجموعة المنشقة إلى إنشاء ?اتحاد نقابات عُمَّال الحكومة السودانيَّة?، والذي شهدته 8 نقابات فقط من مُجمل 20 نقابة. وهكذا، لم يستطع الاتحاد حديث التكوين أن يصمُد، وفشل في تثبيت نفسه كتنظيم قابل للحياة (طه، 1970).
2- ومن جانبها، عملت قيادة الاتحاد العام لنقابات عُمَّال السُّودان بجد لاستعادة النقابات المنشقة وإعادة الوحدة في صفوف الحركة العماليَّة. وقد أعطى تهديد الحكومة، بتخفيض بدل غلاء المعيشة، ابتداءَّ من يناير 1957، دفعة قويَّة لجهود الاتحاد المتواصلة للحفاظ على وحدة العمال. وهذا ما حدا بالاتحاد للدعوة إلي إضرابٍ عام وجد استجابة واسعة من العمَّال، بما في ذلك نقابة عمَّال السكَّة الحديد ?المنشقة?. وفي مواجهة حركة عماليَّة مُوحَّدة، سحبت الحكومة تهديدها (طه، 1970). انتهز اتحاد العمَّال الفرصة وأعلن عن استعداده، بهدف إعادة توحيد الحركة العمالية، لقبول تشكيل نقابة جديدة للعاملين بالحكومة ضمن هيكله التنظيمي (قسم السيد، 1979). وهكذا، حُكم بالفشل مرَّة أخرى على محاولات الحكومة الرامية لتوسيع الشرخ داخل الاتحاد العام لنقابات عُمَّال السُّودان. وإن بدت غير مكترثة لانتصار اتحاد العمال، أدخلت الحكومة تعديلات علي قانون 1948، الذي سمح بتأسيس وتسجيل الاتحادات النقابية على غرار اقتراحات المؤتمر العام للنقابات المتحدة، السابق ذكره في أبريل 1956. وعلي الرغم من الموت المبكر لــ?اتحاد نقابات عُمَّال الحكومة السودانية?، سعت الحكومة بشدَّة لتكوين اتحادٍ جديد، وان كان هذه المرَّة تحت مسمَّى ?اتحاد نقابات عمال الحكومة المركزية?.
3- وفي خِضَمِّ عداء الحكومة تجاه الحركة العماليَّة، نجح الاتحاد العام لنقابات عُمَّال السُّودان في عقد مؤتمره العام الخامس، تحت شعار ?مؤتمر الوحدة?، وإجازته لدستور جديد عالج قضيَّة موقف الاتحاد بشأن السياسة ?الحزبيَّة? وأمَّن على استقلاليَّة الحركة العماليَّة من أي شكلٍ من أشكال النفوذ السياسي الخارجي. وهكذا، استطاع الاتحاد العام للعُمَّال استعادة مصداقيَّته المفقودة والاحتفاظ بشعبيَّته، كما استأنف التفاوض الجماعي، حول مطالب العُمَّال، مع الحكومة (سلام، 1991). ذهبت الحكومة لأبعد من ذلك، بإعلانها الاتحاد العام لنقابات عُمَّال السُّودان منظمة غير قانونيَّة، بينما رفضت تسجيل اتحاد نقابات عُمَّال الحكومة السودانيَّة (طه، 1970).
4- تسبَّب إحباط الحكومة من نجاح الحركة العماليَّة في توحيد صفوفها، في تصعيدها لترهيب وتخويف الاتحاد العام للعمال، مستخدمة في كل يوم خدعة جديدة لإعادة فتح الجراح. ومن ناحية أخرى، كان الوضع الاقتصادي يتدهور بوتيرة متسارعة، بما في ذلك عدم القدرة على تسويق محصول القطن لموسم 1956-57، مع ارتفاع تكاليف المعيشة، في حين ظلت الأجور ثابتة. وقد تضاعفت هذه الأوضاع بالائتلاف الهش بين حزبي الأمَّة والشعب الديمقراطي، والنزاع المحتدم حول قضايا السياسة الخارجيَّة، والتصديق على اتفاقيَّة المعونة الأمريكيَّة. خلقت كل هذه الظروف بيئة مواتية للاتحاد العام للنقابات لتعبئة العُمَّال على أسُسٍ اقتصاديَّة وسياسيَّة، على حدٍ سواء.
5- أفضت هذه التطوُّرات إلى منعطفٍ درامي في الأحداث بعد أن أعلن الاتحاد العام عن إضرابٍ عام في أكتوبر 1958. اكتسب قرار الإضراب تأييداً إجماعياً من نقابات العُمَّال والعديد من المجموعات المنظمة الأخرى وأحزاب المعارضة. فشكَّل الإضراب منصَّة التقاء للمعارضة لشنِّ الهجوم على الحكومة، مِمَّا أسفر عن تشكيل الجبهة الوطنيَّة، والتي ضمَّت: الاتحاد العام لنقابات عُمَّال السُّودان، اتحادات المزارعين، الاتحادات الطلابيَّة، الحزب الشيوعي السُّوداني، الوطني الاتحادي وعناصر أخرى. وكانت الجبهة تسعى إلى إسقاط حكومة رئيس الوزراء، عبدالله خليل، بذريعة الفشل الذريع لسياسات الحكومة الداخليَّة والخارجيَّة، عل حدٍ سواء، في التخفيف من حدَّة المشاكل التي تواجهها البلاد. وإدراكاً منه لعدم القدرة على البقاء في حال طرحت المعارضة صوت الثقة في الحكومة، دعا رئيس الوزراء الجيش، تحت قيادة الفريق إبراهيم عبود، للاستيلاء على السُّلطة في 17 نوفمبر 1958.
6- ومن المهم هنا أن نلاحظ، وللمفارقة، أن الحزب الوطني الاتحادي، بعد أن أضاع الفرصة التاريخيَّة لإقامة علاقات إستراتيجيَّة مع الحركة العماليَّة، قبل وأثناء تسنمه للسُّلطة، جاء في وقتٍ لاحق للتكاتُف مع الاتحاد العام للعُمَّال والحزب الشيوعي في المعركة ضد القوى الطائفيَّة التقليديَّة. وعلى قدم المساواة، ينطبق هذا على قيادة الاتحاد من الشيوعيين التي مدَّت يد العون لنفس القوى ضمن خُطتها لهزيمة حكومة الوطني الاتحادي. ويبدو أن هذا السلوك التكتيكي الانتهازي قد زرع بذور الشك والريبة في الحركة النقابيَّة، والعُمَّال على وجه الخصوص، من ناحية الأحزاب السياسيَّة.
الحكم العسكري الأول: التوجس من الحركة النقابيَّة
1- دائماً ما تكون الأنظمة العسكريَّة المتشدِّدة، وبطبيعتها، منشغلة بأمور الأمن والنظام العام، لا تحتمل ولا تطيق تنظيمات المجتمع المدني، خصوصاً النقابات والتي تعدُّها هذه الأنظمة خطراً على هيمنتها الكاملة على السُّلطة. وهكذا، فالأمر الرئاسي الأوَّل الذي أصدره ?مجلس الثورة? الذي كوَّنته قيادة القوَّات المسلَّحة عقب الانقلاب، في 17 نوفمبر 1958، مباشرة قضى بإعلان حالة الطوارئ في كل البلاد، وحرمان الأحزاب السياسيَّة من ممارسة نشاطها، وحَلِّ التنظيمات والاتحادات النقابيَّة وإلغاء قانون النقابات لسنة 1948. وأعلنت السُّلطة العسكريَّة أن قرار تعطيل العمل بهذا القانون أملته ضرورة مراجعته، بغرض تعديله بما يتفق مع الوضع الجديد. بينما في الواقع هدف هذا الإجراء أساساً، ولو أن ذلك لم يُعلن على الملأ، إلى خلق حركة نقابيَّة ضعيفة وتابعة تخضع تماماً لسُلطة الحكومة.
2- لم يغِب هذا القصد الخفي على قيادة الاتحاد العام لنقابات عُمَّال السُّودان والتي أعلنت على الفور مطالبتها بحق الاتحاد بمزاولة نشاطه كممثلٍ شرعي للعُمَّال والمشاركة في مراجعة القانون واحتفاظ العُمَّال بكافة الحقوق والامتيازات التي كفلها لهم ذات القانون. ولجأت الحركة العماليَّة، في ظِلِّ مناخ سياسي يبغض التعددية، إلى إتباع أساليب المقاومة والتحدي والدفاع حتى تستجمع قواها السياسيَّة في انتظار اللحظة المناسبة للمبادرة بالهجوم والمواجهة المفتوحة، التي اكتسبتها من خبرتها سيأسى التعامُل مع الحُكم الاستعماري وأنظمة الحكم الليبرالية معاً. بينما اعتبرت الحكومة العسكريَّة رد فعل الاتحاد تحدياً سافراً لسُلطتها، ولذا شرعت في حملة من الاعتقالات وإصدار الأحكام بالسجن في حق قيادات اتحاد العُمَّال، بما في ذلك السكرتير العام للاتحاد (طه، 1970).
الانتقال من المقاومة السرية إلى المعارضة الصريحة والانتفاضة الشعبية
1- ترهيب الحكومة وملاحقتها للقيادات العماليَّة بالاعتقال والمحاكمات، ضاعفت من تصميم العُمَّال على مقاومة وتحدِّي أوامر السُّلطات العسكريَّة التي هدفت إلى زرع الفتنة وسطهم، وشق صفوفهم، وحرمانهم من حق التنظيم. فتقدَّم عدد من قيادات التنظيمات النقابيَّة في مختلف أرجاء البلاد بعرائض الاحتجاج إلى الحكومة، مطالبين بعودة الحركة النقابيَّة على أساس قانون 1948، والإطلاق الفوري لسراح كل زملائهم النقابيين المعتقلين والمسجونين. وقابلت الحكومة هذه العرائض بمزيدٍ من الاعتقالات في حق كل الذين تقدَّموا بها. ودفعت هذه الأحداث التي استمرَّت طوال عام 1959 عُمَّال سكك حديد السُّودان بالدخول في إضراب تعبيراً عن تأييدهم لهذه المطالب. ومع أن السُّلطة العسكريَّة نجحت في سحق الإض
في الحاضر وهو الأهم نقابات تونس هي التي كشفت زيف خطاب الإسلام السياسي. في فرنسا النقابات اليوم لها دور فعال في الحياة السياسية. والأهم النقابات يجب أن تكون متسلحة بثقافة العصر وتعرف ما يطلبه الإقتصادمن تجديد لأدبياته والإجتماع وما يعتريه من ظواهر وكذلك الإلمام بما ينبغي أن تكون عليه السياسة.منذ أكتوبر الي يومنا هذا مرت حقب فيها إنهارت النظرية الكنزية وتبعتها النيو لبرالية التي توجت بالأزمة الإقتصاديةالراهنة.
في خطاب فرانسوا هولاند في مسألة تبني الديمقراطية الإشتراكية كان رأي النقابات واضح أنها نقابات متسلحة بعلوم العصر ولم تعطي وجههاالى الماضي وظهرها الى المستقبل كحال الذين مازالوا مسجونين في أحداث إكتوبر.
كعادة المفكرين العظام يصدح كمير بالفكر الوضاء الذي سيضئ طريقنا في قادم الايام
كل واحد مغترب ومرطب (مغتربي اروبا وامريكا التكنو قراط تحديدا )يقعد كنوع من همسات اشواق الوطن يكتب وينظر فنظريا يالواثق كمير وعمليا انتهي دور بل وجود النقابات بالسودان فعلام إجترار الذكري ؟؟ وأي درس سنتفيده من مقال طويل عريض .واي فائدة سنجنيها من إجترار تاريخ مايو او اكتوبر فتلك امة قد خلت لها ماكسبت وعليها ما اكتسبت والاهم من ذلك انكم كمفكرين ونُخب ادمنتم الفشل فلا طريقا انرِتم ولا كقامات فكرية جابهتم من داخل الوطن فانعدم تأثيركم فاصبحتم مجر ضربات علي الكي بوردومقالات مآلها الارشفة , وحتي خطابك موجه لأبناءجيلك والتجارب التى اوردتها فاشلة سواء اكتوبر او مايو والانقاذ الآن ياله من فشل ذريع ومريع ,القوي الحديثة هم شباب سبتمبر اليفع الذي تصدوا بصدورهم العاريةوواجهوا الموت وقدموا انفسهم فدي للتغيير القادم والايام ستكسبهم خبرة وسيشتد عودهم ويقوي وسيتم كل الاصنام والوجوه القديمةشباب من غرب وشمال وشرق وجنوبه يجمعهم حب السودان الموحد بلا تمييز وانه لقريب
أتفق معاك 100% وكلامك رصين ينم عن وعي وإدراك ويا ليت كل شعبي بمثل هذا الوعي والادراك حتى نعرف كيف نكنس الحثالة والوساخة التي دنست بلدنا .
أخي الكريم أمس شاهدت فيديو تخيل البشير يتكلم في اجتماع سري مع خواجات حول إنشاء مستشفيات خاصة بالمليارات وهو رئيس الجمهورية يتحدث كرجل أعمال عن الارباح والخصسائر وكان في الاجتماع المتعافي والبشير يقول بالعربي والنتعافي يترجم الناس الفقراء نعمل يتعالجوا في القطاع العام (أصلاً منتهي) والمقتدرين والاثرياء يتعالجون في مستشفى البشير التخصصي (الخاص) ويقول البشير يمكن أن نجني أرباح طائلة من هذه المستشفيات … يقول الخواجة لازم نقبض 5 مليون دولار مقدم حتى نبدأ الشغل … وللمعلومية هذا الاجتماع تم تسريبة عبر قنوات خاصة وهو حقيقة اجتماع سري للغاية Confidential & Private Meeting . البشير حمار ولا يشبه رؤساء العالم وهو يفكر بعقلية طفيلية … الرؤساء يفكرون في راحة ورفاهية شعوبهم ولا يفكرون بعقلية النهب والسلب والحرمنة المقننة باسم الدين هؤلاء خطر على كل العالم وليس على السودان وبقائهم يشبه الصراصير التي تسبب الغثيان والسرطان ولابد من إبادتهم إن أردنا وطنا نظيفا ومحترما … تصور كنت أطالع في وجوه الاجانب وهم يجتمعون مع رئيس جمهورية برتبة جزار وهو يفكر بعقلية طفيلية متخلفة في كيفية أن يغتنى على حساب شعب يدعي بأنه رئيسه كنت أحس بخجل شديد أني سوداني وهذا الاراقوز يمثلني وهو يعقد صفقات تجارية لمص دماء الشعب وإفقاره وهو يتاجر بالبلد والمواطن معاً …
لم نجد بين المراجع,
مركز توثيق تاريخ الحركة النقابية السودانية
المحرر المسئول د. صديق الزيلعي.
ربما تجده مفيدا.
caeser] 11-13-2014 12:57 AM
انت ياود اب زهانه حالم …. التاريخ هو الهادي و المعلم
——————————————————
عليك الله وفي ذمتك دي الله بسألك التاريخ بتاعنا هدانا لشنو ولاغير فينا شنو ولااهتدينا منو بشنو ياخ انحنا من 56م انقلاب عسكر ديمقراطيه عقائديه حكومة مابعد الاستقلال ولعت في عهدها حرب الجنوب جاء العسكر ناس عبود باعو حلفا جات ديمقراطية طائفية جاء نميري هدم وكسر البلد وهدا اقتصادها وحطم نقاباتها وجو الاسلامويون مافي داعي اوريك عملت شنو يبقي اتعلمنا كيف ولا اهتدينا كيف اتحداك رد؟؟ ياخ عندنا منظراتيه 90% منهم في ارض المهجر زي الواث كمير ده المفكر الحقيقي والشايل هم البلد يناضل في بلده بقلمه وفكره ياهو ديل ناس عووضه وشبانه يتسجنوا يتحظروا واهو ده منصور خالد بكتب في السودان وليتهم يكتبوا فيما يفيد سيبنى من التنظير الفارغ ده مقال طويل عريض كنا وكنا والنقابات عملت وسوت ماذا نستفيد لا من النوع البقرأ ويستفيد من تجاربه ولابنتعلم من تجاربنا مادام مفكرينا ضاربين الترطيب وقاعدين في بلاد تركب الافيال وبلاد درجة بردها 30 تحت الصفر وييكوا علي اطلال الماضي اللي ضيعوه وضيعونا والبلاد معانا
ان الظلام لن يطول بقائه وغدا سيأتى الصبح اجمل منظر.
العمل النقابى دائما وابدا مؤسس على الدمقراطية وحفظ الخدمة المدنية من الفساد والمفسدين والانسان المناسب فى المكان المناسب بعيد عن المحسوبية والحزبية الخ..
وهذا لن يتم الا فى وجود حكم دمقراطى ومعارضة قوية واعية ونقابيين احرار شجعان.
كل المرافق الخدمية فى السودان ترهلت بعدم وجود المعارض الحقيقى وهو النقابى الذى اصبح جزء من الدولة ومنفذ لكل قراراتها ايجابية كانت او سلبية!
انتهى دور وعمل النقابى وانتهت الخدمة المدنية التى كانت مضرب الامثال فى كل العالم .
ماحياتى ان ضيعتها دون ان ابنى بنأء للغد
انا ان عشت وشعبى مرهق مستذل ثم لم امدد يدى
لصراع الظالم المستقل وصراع المستبد الظاهرى
انا لست بأنسان له عيد ميلاد انا لم اؤلد
عيد ميلادى الذى اعرفه يوم كافحة واحببت الكفاح
وتمست فى دمائى ثورة تذرف الظلم تذروه الرياح