مع صاحب “مأساة يرول” الرشيد أحمد عيسى: الموسم المسرحي عظمة ترمى ليتعارك عليها المسرحيون

أجراه: عبدالرحيم حسن حمدالنيل
الرشيد أحمد عيسى أو )الملك( كما يحلو لعشاق المسرح والمسرحيين الحديث عنه بوصفه ملكاً متوجاً على خشبة المسرح السوداني، وذلك نسبة لدرجة الإتقان الهائلة التي تلازم أداءه المسرحي دائماً، الرشيد يتفق على أن المشهد الثقافي والفني في السودان أحد العلامات الفارقة في مسيرة المسرح السوداني، وذلك للبصمات الواضحة التي وضعها عبر الأعمال التي شارك فيها التي كان أحد أهم أسباب نجاحها، ولوضعه بصمة خاصة في طريقة الأداء المسرحي عموماً، اغترب عن السودان متوجهاً إلى دولة الإمارات العربية المتحدة قبل أكثر من أربعة أعوام، وعمل في إمارة الشارقة تحديداً، وذلك عقب الضائقة الاقتصادية التي استحكمت مؤخراً في السودان، وساهمت في هجرة معظم الفنانين السودانيين بل وحتى بقية الشرائح الأخرى.
التقته (اليوم التالي) وسألته عن المسرح السوداني، همومه، أحلام إنسانه، وطفنا معه عبر عدد من المحاور، فقال لنا مبتدئاً إفاداته التي كساها الشجن “أنا خارج الوطن منذ أربعة أعوام، أحلك السنوات وأكثرها عتامةً تلك التي يكون المبدع فيها بعيداً عن وطنه، بعيداً عن كل المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، خاصة السياسية التي تمضي بسرعة مذهلة لفناء هذا البلد العظيم، ما دفعني للهجرة كحال كل السودانيين الذين ضاقت بهم الأحوال في الوطن، الوطن الذي صنف إنسانه لإثنين لاثالث لهما، إما (شحات)، وإما (لص)، إن هذا النظام ترك كل شيء وقنن للفساد”.
سُترة حال
يواصل (الملك) الحديث عن الغربة وإيجابياتها قائلاً “الغربة ياسيدي تعطيك سُترة الحال، وتكسبك خبرات كبيرة في مجالات شتى، وتفتح الباب واسعاً لخيالك وأفكارك لتبدع خاصة إذا توفرت البيئة الملائمة، أنا في الشارقة سنحت لي الفرصة للعمل في بيئة صحية للغاية خاصة أنها إمارة الثقافة والمسرح، وحاكمها كما هو معروف الدكتور الشيخ سلطان بن محمد القاسمي كاتب مسرحي وراعي المسرح، وذلك بإنشائه الهيئة العربية للمسرح التي ترعى المسرح العربي ومبدعيه”. وحول ما تأخذه الغربة من المبدع يقول “تأخذ منك الغربة الكثير أولها ابتعادك عن جمهورك، وعن الخشبة التي أعشقها وعن المتغيرات التي تحدث في مناحي الحياة التي لا تدركها وأنت بعيد عن حسس الناس ومعاناتهم، الغربة يا سيدي أسوأ ما يحدث للفنان خاصة المسرحي الممثل”.
الحركة المسرحية ومأساة يرول
الحركة المسرحية الآن تعرفها أنت أكثر مني، ولكن ما أتابعه الآن من خلال زيارتي السريعة للوطن هناك تدهور مريع في أوجه الحياة المسرحية، التجفيف المستمر لميزانية المسرح، والفقر المدقع الذي يعاني منه المبدع المسرحي ولازال المسلسل مستمراً في كل ممارسات النظام لقهر المبدع ما يحدث للمسرح ومبدعيه انعكاس للحالة السودانية وللظلم والفساد الذي يقوم به هذا النظام.
يؤكد (الرشيد أحمد عيسى) في معرض حديثه عن تجربة مسرحية مأساة يرول التي كان أحد أهم أبطالها، أن أسئلة فنان المسرح في السودان ظلت تنطلق من عمق فكري، فكان سؤال الهوية أحد الأسئلة المركزية في مسرحية (مأساة يرول)، تلك الأسطورة الجنوب سودانية التي تناولها الأستاذ الخاتم عبدالله يونس من شمال السودان وعالجها بتلك اللغة الشعرية الرصينة، تناولت المسرحية جدلية الماء والجفاف إضافة لسوء استخدام السلطة الدينية، أيضاً كان موضوع الهوية في هذا التعشيق للأسطورة وحاملها اللغوي، كما أن العمل عندما قُدِّم شارك فيه كل أبناء الوطن، كاتبها من الوسط، مخرجها (السماني لوال) من الجنوب/ ممثليها من أرجاء الوطن المختلفة، كنا نعتقد ولانزال أن هذه المسرحية أنموذج لا مثيل له في الوحدة في التنوع، وفي أن الثقافة هي التي يمكن أن تحقق وطناً يحلم به الجميع.
* الممثل السوداني.. ما دهاه؟
قلت له ماذا حدث لأحلامكم يا أستاذ، هل تعبتم؟ أجاب بعد فترة صمت “ستظل أحلامنا محكومة بالأمل بأن هذا الوطن الغني بكل شيء حتماً ستمضي أحلام وآمال شعبه المناضل نحو التحقق، وأن الظلم والقهر قادر هذا الشعب على الثورة عليها، خاصة أننا شعب له تاريخ مجيد وناصع في زحزحة الطغاة، وسيعود المبدع ليلعب دوره في التغيير والبناء الدور الذي ظل يقوم به في أحلك الظروف”.
* هاجمته، البعض يتهم الممثل السوداني بالتمثيل، خاصة في المسلسلات التلفزيونية، بمعنى المبالغة في أداء الحركات التي تظهره متكلفاً؟
رد قائلاً “ياسيدي هذه فخاخ تنصب للممثل السوداني، أولاً الممثل في الدراما التلفزيونية أحد عناصرها فقط، هناك كتابة السيناريو أليس بها ضعف، الإخراج، بقية الفنيات العملية الإبداعية مجموعة عناصر لا يمكن أن تحاكم فقط أحد العناصر دون البقية، ثانياً الدراما التلفزيونية موضوعها معقد خاصة أن أساسها الإنتاج وهو غائب نهائياً، ثالثاً كيف يحاكم الممثل وكل أوجه الحياة منهارة في الوطن.
أزمة الفنون
يذهب الرشيد أحمد عيسى إلى أن المتغيرات التي حدثت في الربع قرن المنصرم، وطالت كثيراً من أوجه الحياة السودانية، لن يظهر أثرها الآن، تدهور الاقتصاد، الصحة، التعليم، الثقافة، هتك شامل لمقدرات إنسان السودان، ماذا تتوقع أن يحدث، كان يمكن لكل الفنون السودانية أن تتطور إذا توفرت الشروط الأساسية وأولها الحرية التي غابت طيلة تلك السنوات، تصور أن الشروط التي كانت توضع لإنتاج الدراما شيء مخز، ثانياً لايمكن أن نقدم أنفسنا إلا من خلال محليتنا، ولكن محلية مجودة، كل عناصرها مكتملة، أزمة الفنون يا سيدي الاستقرار، الحرية، الإنتاج الجيد المستمر، فمن خلال الاستمرار يتم التراكم الذي من خلاله تتحقق الجودة.
* سألته بماذا أنت مشغول الآن؟
* قال لي: بالإضافة لعملي الكثيف في الشارقة خاصة أنه في كل مدن الإمارة من إعداد للشباب في ورش ومهرجانات منها المدرسي والكشفي ومهرجان الشارقة للمسرحيات القصيرة وأخيراً كرنفال خورفكان إلا أنني أحاول أن أكتب، لدي بعض الكتابات التي أتمنى أن تجد طريقها إلى الخشبة منها مسرحية (حوش جبرين) و(الجبانة والأرضة) و(استيكه براندا في كرنقو عبدالله) مسرحيات مستوحاة من واقعنا؛ فالمسرح انعكاس للوجود الاجتماعي الذي هو في تشظٍّ وتمزق مستمر.
وعن صراعات المسرحيين بشأن أزمة المواسم المسرحية الأخيرة، قال الرشيد: يا سيدي ما يحدث للمسرحيين يحدث لكل الوطن، لاتوجد رؤية واستراتيجية واضحة من الدولة لكل شيء، ما يسمى بالموسم المسرحي المزعوم كأنك ترمي عظماً وتريد أن يتعارك عليه المسرحيون، هذا شيء مخزٍ، هذه ليست الحلول لأزماتنا، لابد من تخطيط سليم للموسم المسرحي يقوم به أصحاب الشأن وليس موظفون.
اليوم التالي