لمسة وفاء: نيالا.. عبق الماضي ونبض المستقبل

الخرطوم: محمد أوهاج محمد

عام (1967)م كان عاماً للجهاد العربي لنصرة الشعب الفلسطيني وشرف الأمة العربية وتدنيسهم لأرض الأنبياء والرسل، الأمر الذي دعا معلمي مدينة نيالا يستشعرون نخوة المؤازرة تجاه إخوتهم في فلسطين وحددوا يوماً أسموه يوم فلسطين، فإقاموا المسارح والمعارض والمناشط الرياضية في تلك المرحلة العصيبة من عمر تاريخ الأمة العربية للوقوف مع الشعب الفلسطيني في خندق المقاومة وشحذ الهمم.

أنشطة ثقافية ورياضية

نيالا، تلك المدينة الطبية السباقة للمكارم كان لها موقف بطولي قاده المعلمون في تلك المدينة، فكان لهم قصب السبق بالمبادرة، وذلك بإقامة أنشطة ثقافية ورياضية احتوت على معارض في شتى ضروب المناهج، وذلك بمعية تلاميذهم، فتكونت اللجان ووزعت الأدوار على جميع المدارس وصارت كل مدرسة تعمل على إنجاح الجانب المناط بها لمدة ثلاثة أشهر متتالية.

كهف صناعي وثلاثة تلاميذ

ولأنها بلدة مترامية الأطراف احتوت على مدارس كثيرة، كان من ضمنها مدرسة نيالا الشرقية التي تم نقلي لها في نفس العام (67) من كسلا، وقد وقع على عاتقنا معرض التاريخ لجميع الفصول، فكونت وتلاميذي الأوفياء الصادقون جناح تاريخ أجدادنا القدماء الذي جذب الأنظار، واسترعى الانتباه لجميع الزوار الذين دفعوا مبالغ كبيرة مساهمة منهم للمشاركة في فلسطين، وظلوا يؤمنون على ذلك الجناح زهاء الشهر، برزت فيه مواهب المعلمين والتلاميذ، وقد تجلت بصورة واضحة في الكهف الصناعي الذي أعده بمهارة فائقة التلاميذ بمعية معلمهم، وكان كهف يسع لثلاثة أشخاص من أجدادنا القدماء مثّل الدور ثلاثة تلاميذ بوجوه مستعارة جسدت مظهر أجدادنا القدماء خاصة وأنهم يرتدون الجلود وشبه عراة ولهم شعر ولحية كثيفة تكاد تغطي صدورهم وأدوات صيد من الحجارة وأوانٍ للطبخ أيضاً، عكسوا خلالها صورة تكاد تكون حقيقية جسدت مظهر أجدادنا القدماء ومعيشتهم، وكان التلاميذ الثلاثة يظلون في الكهف اليوم كله قرابة الشهر.

إطلالة أنيقة

قد يتبادر في ذهن قارئ المقال سؤال لم هذا السرد كله؟ وما المغزى الذي حداني وحرك وجداني لاجتر تلك الأيام الناصعات في تلك البلدة الطيب أهلها ومعلميها وتلاميذها؟ حينما أطل على شاب وبدون سابق إنذار أنيق في ملبسه تبدو عليه علامات النعمة والمقام الرفيع أنه وزير المالية لحكومة جنوب دارفور في هذه الآونة، سأل عني وبحث عن مكاني، وبعد جهد جهيد تمكن الرجل من معرفة مكاني ومكان سكني ومكان عملي متكبداً المشاق وأنا أسكن في حي من أحياء أحزمة المدينة النائية، فكانت المفاجأة شخصاً بهذه الأناقة يسلم عليّ باسمي وبحرارة لم أعهدها وطفقت أشحذ ذاكرتي لا تذكر هذا الشخص الذي يحييني بهذه الطريقة، ولكن دون جدوى يبدو أن ضياع المعالم سبباً في عدم تمكني في التعرف عليه، وقد لاحظ الرجل الأنيق ذلك، فقدم لي نفسه معتذراً أنه الدكتور آدم محمد آدم الذي كان أحد تلاميذ مدرسة نيالا الشرقية في تلك الحقبة الزمنية والتاريخية، التي تحمل مضامين حياة لصبي نشأ وترعرع على يديكم الكريمتين تربية وعلماً وزراعة كحقول الأخلاق وبنياناً للمستقبل المتبع، وذلك قبل (47) عاماً فأنا هذا التلميذ بالأمس، الذي أقف أمامك جئتك لأشكر لك صنيع ما فعلت لي وزملائي، فقد كنت أحد التلاميذ الذين مثلوا دور أجدادنا القدماء وظللنا في الكهف مدة شهر، اليوم وأنا وزير لمالية حكومة الولاية بنيالا أقول لولا أنت وزملائك المعلمين بإخلاصكم وتقواكم وودعكم فينا لما كنت أنا العبد الضعيف في هذه المقامات.

حصاد زرعنا

قد شعرت حقاً في تلك اللحظة بقشعريرة المفخرة والإعزاز والعِبرة والعبرة تخنقني وأنا أجدد التحية بطريقة الأب والمعلم، فضممته على صدري شاكراً لله النعمة أن يكون هذا الشاب المتواضع الذي نأى بنفسه من نظم البروتوكولات ومراسم ذوي المقامات الرفيعة متواضعاً خاشعاً من بعد الله أمام أب من آبائه ومعلماً من معلميه، إنه فعلاً حصاد ما زرعناه في تلك الفترة التي كان حصادها المهندس والقاضي، والطبيب، والوالي، والوزير، والصحافي الشهير.

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. ما سمعنا ولا يوم واحد في اي من القنوات او الصحف او الاذاعات بيوم دارفور او يوم خراب دارفور !!!!!!!!نحن جنود طرش ساكت

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..