الهادي آدم.. (نصوص) في الذكرى..!

عثمان شبونة
* شاهدته في منتدى (المساء).. وجهه مشبع بالرضى مع غضب طفيف جداً في تلك الليلة؛ ولعل مصدر “الطفافة” هو النقاش الجانبي الذي أثار فيه الاستبصار للراهن الثقافي والاجتماعي والسياسي، فطفق ينتقد بعض مظاهر الصور الجديدة الشوهاء في سودان اليوم.
* قلت له: أكون أكثر غضباً منك كلما قرنوا اسمك بتلك الآحادية الضيقة في قصيدة “أغداً ألقاك” وكأنّ قيمتك فقط في هذا النص.
* قاطعني: أنا شخصياً لست حفياً بهذا التضييق، وأعتبر نفسي أكثر اتساعاً..!
* ثم تداخل الحديث بيننا وتنوّع ــ على قِصَرِه ــ في موضاعات متفرقة؛ ويبدو أنه في شوق إلى الجمهور حين قال: (هذا المنتدى سيريح صدري كثيراً.. أنا الآن مزدحم بأشياء أكبر من الشعر كما أرى). وقبل توجهه إلى المنصة قال لي: (نحن من جيل يحس دائماً بأنكم صغار مهما كبرتم، وهذه الحاسة تؤكد محبتنا لكم، وأيضاً “شفقتنا” عليكم).
* (تونّستُ) مع الهادي آدم في (بواكير 2006).. أو.. ثرثرتُ بصحبته قليلاً بحساب الوقت المسروق، فأحسست من خلاله بأن الوطن (كان) بخير.. وكم هو جميل:
إن الجمال غريزة حرّى
تجيش بها المشاعر
يقوى ويضعف أسرها
ما بين إنسان وآخر
* هي أشعاره ــ هكذا ــ سهلة للقلب.. والمتابع لها ما بين خفوتها وقوّتها يلحظ التنوع في موضوعاتها؛ ويستدرك أنه أمام “روح إنسانية” متأثرة جداً بما حولها؛ لا تهدأ هواجسها وتفاعلاتها مع كل حدث و”جمال”.. فالومضات الإنسانية وردت في المئات من قصائده؛ وتشبّع كثيرها بحِكمٍ أوجدتها خبرات الحياة، وأزمنة الشاعر فوق التراب والأرصفة والمدن التي مشى فيها:
كشفت لي الحياة عن كل سرِّ
فهي تفضي إلى ما ليس يفضَى
وهبتني اللُّباب إذ منحت غيري قشوراً
رفضتها الأمس رفضَا
رُبَّ غرٍ رأى الأمور كما تبدو لعينيه
فاستراح وأغضى
غير إني أقلِّب الأمر
حتى أدرك الحق في مداه فأرضى
بتُّ لا أمقت الصديق إذا جار
ولا أشتكي إذا الدّهرُ عضّا
لو درى المشتكي لأودعَ شكواه الفيافي
فأكثر الناس مرضَى..!
رُبَّ من حسبته ناعم البال
قضى العمر ليس يَطْعَمُ غَمْضا
وخليٍّ عن الهموم تباكى
راكضاً في قوافل الهمِّ ركضا
* قصيدة (تجارب) من صميمات سن الحِكمة؛ فقد استكانت ثورات الصبا لدى الشاعر؛ صار يحدِّق في أبواب النفسِ طويلاً، مستمداً عناصر “قوته الجديدة” من إيمانه بالحق وشمسه التي لا تغرب إلاّ لتفاجئنا بشعاع “يقيني” يفيض بين آفاق الملأ مهما تجاسرت أنفاق العتمة:
شُغِل الناس “بالصغار” فراحوا
يقتل البعض في الصغائر بعضا
وإذا الباطل استطال وألوى؛ في عناد
وأصبح الأمر فوضى؛
لا تضيق بالحياة؛ فالسحب لا يحجبن شمساً
ولسن يخفين ومضا
إن للحق قوّة ذات حدٍ
من شبَاة الرّدى أدق وأمضى
* فليستلهم القارئ ما يشاء من براح التسامح والحُسن في (ديوان) الهادي آدم.. الشاعر والمُربّي.. ففي كتابه الباكر (كوخ الأشواق) تسري إيماضات تنهل من ذات الأمكنة والمشاعر (الحنينة) الدفيئة:
أنا لا أذمُّ الناس مهما أسرفوا فيما يُشين
أنّى تذُمّهم؛ وتعلم أنهم ماءٌ وطين
جُبلوا على حب البقاء فكان داؤهم الدفين
ولعلهم لولا ابتغاء الحرص في ما يبتغون
كانوا ملائكة تجلُّ عن النقائص والظنون
أنا “منهمو” بل كيف ما كانوا أكون
من أجل ذلك صِرت أغفر للبرية أجمعين
* غفر الله لشاعرنا الهادي آدم (1927 ــ 2006).. وفي ذكرى رحيله التي تمر اليوم (29 نوفمبر) نشعر بانتقاص المنابع الطيبة.. والعزاء أن آثاره ستظل (هادياً) للأجيال عبر الحقب؛ مهما ازدرت الخطوب..!
ـــــــــــــــــــــــــــ
الأخبار ــ السبت
29 نوفمبر 2014
يا عثمان شبونة لم تذكر إنو أم كلثوم تغنت له من قصائدة وكذلك قصيدة أمي التي كانت تدرس في الصف الثانوي العالي زمان.