التصحيح الضروري لمعنى الالتزام

عادل إبراهيم حمد
تتسع كل يوم الشُّقة بين الحكومة والمعارضة ولا يبقى ملمح للتفاوض إلا اسمه، ولا أثر للحوار إلا ذكرى يومه الأول حين تبادل الفرقاء الابتسامات.. من أسباب البطء في حركة الحوار الجاد انشغال كل فريق بأخطاء الطرف الآخر من دون الالتفات لما يدور في معسكره. أي أن كل فريق يهيئ للآخر الأجواء الأفضل لما برع فيه خصمه. ويكون المفسر الرئيسي للحالة في بعض الأحيان، خوفاً في المعارضة من الاتهام بموالاة النظام أو التعب من النضال أو الرضوخ للإغراء. ويعد الأخير الاتهام الأخطر الذي يجعل المعارضين يتحسسون من إبداء أية ملاحظة ناقدة لأداء أي من زملائهم من المعارضين أو أي من التنظيمات المتحالفة.. وينفر الحكوميون من إبداء أي رأي ناقد إما خوفاً من فقدان الموقع الحكومي وما يحققه من مصالح ووضع اجتماعي ومالي مريح، أو خوفاً من مخالفة الرأي لرأي الرئيس الذي أصبح محور النظام وقطبه الأوحد. فيضيع الرأي وقد يجر على صاحبه الغضب الرئاسي وتبعاته. فقد اكتملت في السودان الحالة الدكتاتورية بكل أركانها. ويكفي أن نشير إلى أن الرئيس هو الداعي للحوار، وفي الوقت ذاته هو المبادر باعتقال المحاورين ما لم يبصموا (بالعشرة) على رؤيته بحذافيرها.
أدرك بعض أركان النظام بعد فوات الأوان خطر الفردية التي أسهموا في خلقها، وظنوا واهمين إمكانية ضبطها إذا دعا الحال، فصاروا مضطرين يزينون آراءهم ويظللونها حتى فقدت الآراء ملامحها الحقيقية من كثرة المساحيق. وهكذا أصبحت الحالة السودانية في معسكر الحكومة تحت رحمة الفردانية حتى أصبح ساسة الحزب الحاكم يترقبون أوقات اعتدال مزاج الرئيس أو يتحسسون مواضع رضاه، أو يتجنبون أثناء طرح رأيهم ذكر اسم شخص يبغضه الرئيس، ولهذا فصل غازي صلاح الدين لمجرد إدلائه برأي يقول بعدم إمكانية ترشيح الرئيس لدورة ثالثة، رغم أن رد الفعل المنطقي هو الرد عليه ببساطة بإمكانية ترشيح الرئيس، وهكذا ضاع اتفاق نافع – عقار لأن الرئيس رفضه. وهكذا يعلن الرئيس على الملأ (مكافأة) الصادق المهدي على توقيعه اتفاقاً مع الجبهة الثورية بفتح بلاغ ضده ومحاكمته متى ما عاد للبلاد.
في هذه الأجواء تظهر شخصيات تتواءم مع الحالة السياسية، فقد يجلس في صالون فسيح أحد الوجهاء ممن ولجوا باب السياسة من مدخل اجتماعي، يعلن لضيوفه أنه مع المشروع الحضاري ومع التمكين ومع التأصيل.. يقولها بهتافية تخفي جهله لأي معنى لهذه (الشعارات)، ثم يقول إنه مع الجمهورية الثانية ومع إعادة انتخاب الرئيس لدورة جديدة ولو كانت الثالثة، لأن الرئيس (ود بلد). وأنه مع الخصخصة ومع القروض الربوية ومع الشريف بدر ولو تورط في بيع خط هيثرو، وأنه مع بيع هذا الخط لو باعه الشريف لأن الشريف لا يمكن أن يقع في خطأ كهذا، ومع قانون مشروع الجزيرة لعام 2005، ومع بناء السد في كجبار، ومع تجميد نشاط مركز الدراسات السودانية، ومع ربيع عبدالعاطي في كل ما يقول.
في الجانب الآخر قد يظهر من لا يعرف من علوم الزراعة شيئاً، لكنه يعلن وبلا أدنى إحساس بالحاجة لحجة علمية أنه ضد زراعة القطن المحور وراثياً.. وبذات الطريقة التي لا يبدي فيها حجة لم يطالبه بها أحد من مؤيديه أو معارضيه. يعلن الرجل أنه ضد تفكيك مستشفى الخرطوم، وأنه ضد دستور 2005 الذي لم يقرأ فيه سطراً، وضد قانون الانتخابات لعام 2008، وضد دمج فاتورة «الموية» في فاتورة الكهرباء، وضد إعادة ولاية غرب كردفان، وضد «المتعافي» في أي موقع كان.
مثالان يشوشان على أي محاولة لإيجاد تيار معارض بموضوعية، ولخلق آخر موال بموضوعية، يشوش الأول على من يريد المعارضة لكنه يخشى أن يجره الالتزام -بفهم المعارضين- إلى أن يكون في موقع الضد (على طول). وإلا فهو عرضة للاتهام بالانكسار والانبطاح. أما المثال الثاني فقد نفّر من أراد تأييد الحزب الحاكم، حيث يعني الالتزام -بفهم الحاكمين- عدم إبداء أي تحفظ. وإلا فإن اتهامات التفلّت جاهزة. خاصة أنها قد تكون ضرورية للتخلص من المنافسين الأذكياء، ولذا يوصف من يواجه رفاقه في ذات المعسكر بـ(الشجاعة) وهي صفة تطلق عادة على من يصادم أعداءه في معسكر آخر. لكن الاستثناء في مرحلة التطور السياسي الحالية لا تستغرب معها الغرائب.. وعندما يقود التطور إلى الوضع الطبيعي فلن يكون اتخاذ موقف سياسي مؤيد أو معارض يستدعي استدعاء أوصاف الشجاعة والبطولة.
? [email][email protected][/email] العرب
الرجاء الرد بكل موضوعية و شجاعة. هل انت مع حقيقة ان الفرخة خلقت ثم باضت ام ان البيضة خلقت ثم فقست فرخة؟.
من الذي قال ان الوطن ينزلق؟ لان فعل الماضي هو (انزلق). انتهى درس العصر!