التفاصيل الكاملة لاعتقال أعتي ارهابي في العالم في السودان.. كارلوس

د . سمير محمود قديح
باحث في الشئون الامنية والاستراتيجية

ما إن أقلعت الطائرة متجهة إلى الخرطوم، حتى طار الخبر لباريس، واستلم رجل المخابرات الفرنسي الذكي “فليب راندو” البرقية على عجل، وكان أكثر الناس سعادة، إذ أن ما عمل له أخيراً ها هو يتحقق في هذه اللحظات. أخذت الـ?سي آي ايه? علماً وطوت ملفاتها وحفظتها ليوم سيأتي قريباً. كان على المخابرات الفرنسية قبل أن ترفع تقريرها كاملاً لمن يعنيه الأمر أن تُكمل عملها، ولم تتبقَّ لها سوى لقطة أخيرة هي الآن بانتظارها من الخرطوم.
بالفعل وصلت البرقية إلى الفرنسيين الذين استعدوا تماما لاستقبال الطائرة وكارلوس لوضعه تحت المراقبة لدراسة كيفية التعامل معه لاحقا. عملاء المخابرات الفرنسية الذين يقودهم دبلوماسي فرنسي من أصول عربية انتشروا في كل أرجاء المطار. ولكن حدث ما لم يكن متوقعا.. وصلت الطائرة وعلى متنها كارلوس بصحبة وزير خارجية السودان آنذاك حسين أبوصالح. استطاعت المخابرات الفرنسية تصوير كارلوس وهو يهبط من على سلم الطائرة السودانية القادمة من عمان. وكان هناك عملاء آخرون بالخارج للمراقبة والمتابعة، ولكن كارلوس كان أذكى من الجميع. لقد أفلت كارلوس.. أما كيف حدث ذلك؟، فتلك قصة طريفة.
ما إن هبط كارلوس من الطائرة حتى اتجه إلى دورة المياه ليخرج منها شخصا آخر.. هو سالم حميد، يرتدي الزي اليمني بجواز سفر يمني استطاع أن يعبر به من الأمن السوداني في مدخل المطار. في تلك اللحظة كان عملاء المخابرات الفرنسية عند مخارج صالة الوصول ينتظرون كارلوس بحسب الصورة والمواصفات التي أرسلتها إليهم المخابرات الأردنية وهو يتجه للطائرة السودانية المقلعة نحو الخرطوم. كان كارلوس يرتدي وقتها “تي شيرت وبنطلون جنيز” ويدرع في كتفه شنطة صغيرة. بعد نصف ساعة من الانتظار أصاب القلق رجال المخابرات الفرنسية، فطفقوا يبحثون في المطار عن شخص يحمل مواصفات الصورة التي بحوزتهم، ولكن هيهات لأن كارلوس حينها غادر المطار إلى جهة غير معلومة لديهم.. لقد اختفى كارلوس (فص ملح وداب) مما سيكلف المخابرات الفرنسية شهورا حتى يتم اكتشافه وملاحقته مرة أخرى.
إلى هنا لم يكن لجهاز الأمن السوداني أدنى علم بكارلوس وبوصوله للسودان. كارلوس في الخرطوم الآن، المعلومة عند ثلاثة أجهزة مخابرات وهي “السي إي ايه” والمخابرات الأردنية والفرنسية، ولكن للدهشة أفلت كارلوس منها جمعيا واختفى. طفق الفرنسيون يبحثون عن كارلوس في أرجاء الخرطوم المختلفة. تتبعوا كل المسافرين في تلك الرحلة الذين لم يكن بينهم أجنبي سوى ذلك اليمني. تتبعوا اليمني في كل الفنادق، فلم يعثروا له على أثر. كان كارلوس ذكيا بما يكفي، إذ أنه بعد خروجه من المطار استقل سيارة أجرة إلى فندق الهليتون بالخرطوم.. ليستخدم جواز سفر آخر لبناني يحمل اسم ” الحاج ياسين بديع”. وسجلت الغرفة 312 باسم هذا النزيل. لا أثر مطلقا لكارلوس.. أين كارلوس؟. مضت أكثر من ثلاثة أشهر والمخابرات الفرنسية مرتبكة تماما وفاقدة أي أمل في العثور عليه.. خطأ فادح ارتكبه كارلوس أدى للتعرف عليه بواسطة المخابرات الفرنسية.. ماهو؟
بعد شهر مكث فيه كارلوس بفندق الهيلتون، قرر مغادرته إلى مكان أكثر أمنا خاصة بعد الروايات التي سمعها عن اغتيال المعارض العراقي (مهدي الحكيم ) في بهو ذات الفندق الهيلتون. في ليلة مغادرته الأخيرة ارتكب حماقته الكبرى.. كانت المخابرات الفرنسية تراقب أي شخص له علاقة بكارلوس في أرجاء الدنيا. كان لكارلوس زوجة كوبية بفنزويلا بلده الأصلي، ولديه منها أبناء وبنات. قرر كارلوس في تلك اللية الاتصال بزوجته تلك في فنزويلا وكانت المخابرات الفرنسية تراقب تلفونها، فالتقطت المكالمة. ومنها علمت أن كارلوس لايزال بالسودان وهو في منطقة ما في وسط الخرطوم. وصلت تلك المعلومات إلى السفارة الفرنسية وعملائها بالسودان في وقت متأخر من الليل.. كان لابد من الانتظار للصبح حتى يتم الحصول على صاحب الرقم الذي اتصل كارلوس منه وموقعه. في الصباح كان كارلوس قد غادر الفندق إلى جهة غير معلومة. باكرا لهث عملاء المخابرات الفرنسية حتى توصلوا إلى أن الرقم يتبع لفندق الهيلتون، وفي الهيلتون كان عليهم أن يجدوا الغرفة التي تم منها الاتصال. بعد كثير من الجهد واستخدام العلاقات توصلوا للغرفة 312 ولكنهم وصلوا بعد فوات الأوان، فلقد أخبرهم موظفو الاستقبال أن اليمني “سالم حميد” الذي كان يشغل هذه الغرفة غادرها قبل ساعتين تقريبا ولا يعرفون إلى أين ذهب !!!. على أن أهم ما حصلوا عليه من المعلومات في الفندق هو رقم تلفون آخر كان كارلوس قد اتصل به في الخرطوم. وكان هذا هو الخيط الذي سيوصلهم لكارلوس لاحقا.
استأجر كارلوس شقة بالعمارات في شارع 35 على جهة المطار، وقال لي السمسار الذي أجر له الشقة إنه لم يعرف حقيقة كارلوس إلا بعد أن تم القبض عليه، وكان اسمه بالعقد عبد الله بركات مثبت في جواز سفر أردني. الغريبة أن هذا الشارع هو نفسه الشارع الذي كان يستضيف مبنى السفارة الفرنسية. كان (عبد الله بركات) ذلك اسمه في الجواز الذي خرج به من الأردن قبل أن يتم استبداله بجواز باسم “سالم حميد” اليمني وقبل أن يستبدل بجواز “الحاج ياسين بديع” اللبناني وهو الجواز الذي استقر به في الهيلتون.
تتبعت المخابرات الفرنسية صاحب الرقم الوحيد الذي اتصل به كارلوس أثناء إقامته بالفندق. كان الرقم لرجل أعمال سوداني شهير (طالبنا بعدم الكشف عن اسمه لأسباب تخصه) رغب كارلوس في لقائه باعتبار أنه رجل أعمال لبناني يرغب في التعامل معه. بالفعل التقاه مرة وحيدة في شقته بشارع 35 العمارت. قادهم سائق رجل الأعمال ذاك إلى موقع الشقة. إلى هنا تحصلت المخابرات الفرنسية على كارلوس الذي تعرفه جيدا. وبدأت مراقبة المنزل على مدار الساعة بواسطة عملاء كثر استأجروا شققا في نفس الشارع والعمارات المحيطة.
برقية عاجلة استلمها جهاز الأمن السوداني من مندوبه بباريس، محيي الدين الخطيب، تحمل في طيَّاتها دعوة عاجلة لوفد من الأمن لزيارة باريس على وجه السرعة للالتقاء بنُظرائهم هنالك لبحث القضايا المشتركة. استلم الجهاز الدعوة وحاول فك غموضها، فليس هنالك قضايا عاجلة ومشتركة مع فرنسا تتطلب زيارة أصلاً، وإن كانت هنالك قضايا، فهي ليست مُلحَّة. ولما كانت استراتيجية الإنقاذ تهدف لفك الحصار العالمي المُحكَم حول رقبتها، لم يستغرق نقاش تلك التفاصيل وقتاً، إذ سُرعان ما وافق الأمن السوداني على تلك الدعوة وبدأ التحضير لها بشكل عاجل. كان الفرنسيون قد قرروا الاتصال بالحكومة السودانية لاستطلاع رأيها حول الموقف من وجود كارلوس في الأراضي السودانية.
الحكومة السودانية حتى ذلك الوقت كانت خارج الشبكة تماما.. خارج الشبكة بشكل رسمي لا تعلم بوجود كارلوس في السودان بينما كان الشيخ حسن الترابي ومدير مكتبه المحبوب عبد السلام الطرفين اللذين لهما علاقة بالحكومة ويعلمان بحقيقة وجود كارلوس بالخرطوم. تم ذلك حين وصلت سيدة في الأربعينات من عمرها إلى مقر المؤتمر العربي الشعبي والإسلامي بشارع البلدية تطلب مقابلة الترابي. كانت تلك السيدة والتي لعبت دور البطولة في قصة كارلوس في الخرطوم وأدوارا أخرى خطيرة تصلح لأن تكون قصة لوحدها.. قد تعرفت على كارلوس في إحدى المناسبات بنادي الخرطوم الذي كان كارلوس من رواده. حكى لها كارلوس في ليلة فقد فيها وعيه عن حقيقته ولكن آثرت أن تحتفظ بسره للعلاقة الحميمة التي ربطتها به. طلب كارلوس من تلك السيدة التي كانت لها علاقة بالترابي لصلة تنظيمية تربطه بزوجها، طلب منها التوسط لمقابلة الترابي، فسعدت بالطلب، فأعطاها كتاب (نهاية الأرض) لكاتب بريطاني يدعى ديفيد يلوب. الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية لكارلوس. وهو الكتاب الذي وضعته أمام المحبوب عبد السلام طالبة منه مقابلة الترابي لأن صاحب الكتاب يرغب في مقابلته. سألها المحبوب إن كان ديفيد يلوب في السودان؟ فقالت “الذي كتب عنه هو من في السودان”!!. فقال المحبوب مندهشا: كارلوس في السودان!!!. المحبوب يعرف جيدا كارلوس بحكم دراسته في فرنسا.. أخذ المحبوب الكتاب ووضعه أمام الترابي قائلا: كارلوس في الخرطوم يرغب في مقابلتك. ابتسم الترابي كعادته وقال للمحبوب: (هل تعرف كارلوس؟ فقال المحبوب: لا… فواصل الترابى “يعني إذا جا أي زول هنا قال أنا كارلوس نعرفوا كيف”؟!!. طلب الترابي من المحبوب أن يترك له الكتاب ويعتذر للسيدة عن المقابلة ويقول لها سنتصل به. فعل المحبوب ذلك ورجعت السيدة حاملة رسالة من الترابي لكارلوس بوعد بالاتصال به فقط.
أخذ الترابي الكتاب واستدعى صلاح قوش الذي كان ضابطا صغيرا في الجهاز وقتذاك، وأخطره بالمعلومة بعد أن اطمأن على معرفته بكارلوس (كارلوس بالخرطوم) ويطلب مقابلتي وعليك معرفة مكانه من خلال ليلى أرملة أخونا(…). كان صلاح يعرف هذا الأخ الذي أشار إليه الترابي، إذ عمل معه في إحدى لجان التحضير للانقلاب.
حتى تلك اللحظة لم تكن الحكومة السودانية على علم بوجود كارلوس بالبلاد، فلقد طلب الترابي من صلاح إبقاء الأمر سرا بينهما إلى مرحلة لاحقة يتعرفون فيها على نوايا كارلوس. فبقي الأمن بعيدا، كان د. نافع علي نافع وقتذاك مديرا للجهاز وهاشم باسعيد مديرا للأمن الخارجي. وليلى وصلاح قوش يعلمان بوجود كارلوس بالخرطوم ولا أحد غيرهما.
بناءً على طلب الفرنسيين سافر باسعيد وقوش وحسب الله للقاء الفرنسيين ولكن الوفد عاد سريعا دون أي نتائج تذكر والسبب أن باسعيد أنكر وجود شخصية كارلوس أصلا. نفى أن يكون لها وجود في العالم قائلا إنه شخصية لا جود لها وهي من صنع خيال الفرنسيين ما فسره الفرنسيون أن الحكومة السودانية لا ترغب في التعاون. لكن سرعان ما كررت فرنسا طلبها للحكومة السودانية مطالبة بوفد سوداني آخر من الجهاز للحوار بحيث يكون أرفع، وأعلنت استعدادها لاستقبال مدير الجهاز د. نافع علي نافع، لم يكن نافع حتى ذاك الوقت على علم بوجود كارلوس بالخرطوم.
أخطر صلاح قوش الترابي بطلب الفرنسيين بلقاء دكتور نافع، وطلب منه وضعه باعتباره مدير الجهاز في الصورة قبل سفره إلى باريس. بالفعل استدعى الترابي دكتور نافع وأبلغه بكل المعلومات حول موضوع كارلوس. في باريس قبل وصول الوفد استعد العجوز رجل المخابرات الفرنسي الأشهر “فليب روندو” بـ”فايل” يحتوي على معلومات خطيرة ومهمة عن وجود كارلوس بالخرطوم. قبل مغادرة الوفد السوداني الذي يضم كل من د. نافع علي نافع وصلاح قوش وحسب الله وآخرين وتم استبعاد هاشم باسعيد.
حصد د. نافع بباريس استقبالاً حافلاً، وأفرد له جناح في بفندق “صُوفيتل” الفخيم وسط العاصمة الفرنسية باريس، لم يكُن أمام الوفد إلاَّ ساعتين بين وصوله لباريس وموعد لقاء نافع بـ”فيليب بارت” رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في الشرطة الفرنسية “دي.تي.اس.d.t.s”.. كان الفرنسيون في عجلة من أمرهم للقاء نافع، إذ كان موضوع كارلوس عاد للأضواء مجدداً، وبقوة ارتدَّت الحملة التي أطلقوها عليهم، واشتدَّ الهجوم الكثيف على جهاز المخابرات وعلى السيد “فيليب روندو”، الذي كان يتولى ملف كارلوس. بدأ الاجتماع بين الوفد السوداني الذي ضم د. نافع وحسب الله وصلاح قوش، بالإضافة لمحيي الدين الخطيب مندوب الجهاز الذي عمل مترجماً للوفد، فيما ضمَّ الوفد الفرنسي السيد “فيليب روندو” و”جيروم” مدير مكتبه والسيدة “كواليني” من مكتب “فيليب بارت”.. بدأ النقاش عاماً حول العلاقات السودانية الفرنسية وسُبُل تطويرها برؤية مشتركة.. أظهر الوفد الفرنسي استعداده للعب دور إيجابي في القارة الأوروبية لتلطيف علاقة السودان مع دول الاتحاد الأوروبي التي كانت في غاية السوء، الشيء الذي منع السودان من الاستفادة من أربعمائة مليون يورو أقرَّتها اتفاقية “لامي”. التلويح بهذه الورقة كان مقصوداً من الجانب الفرنسي كأنه التقط أحد المبدأين اللذين بنى عليهما الوفد السوداني استراتيجيته للتفاوض.. ما إن أنهى السيد “فيليب روندو” حديثه، حتى أطلَّت “كواليني” من مكتب جانبي تطلب د. نافع ومعه المترجم (الخطيب)، معلنة أن السيد “فيليب بارت” وهو رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في الشرطة الفرنسية “دي.تي.إس” بانتظارهما في الجانب الآخر من القاعة.
بدأ “فيليب بارت” بدون مقدِّمات يتحدَّث عن وجود كارلوس بالسودان، مستغرباً من عدم معرفة الوفد السابق لتلك الحقيقة، وهُم الآن بصدد دعوة السودان مجدداً للتعاوُن فيما يخص كارلوس، لأن قضيته أصبحت قضية رأي عام ولا يمكن ترك الموضوع دون حسم.. بدأ د. نافع يتحدَّث مؤكداً موافقتهم من حيث المبدأ للتعاوُن فيما يخص كل القضايا المطروحة. كان نافع يغمز لمبدأ التعاطي.. قال نافع بعد أن نظر للسيد “بارت”: «أنتم تقولون إن كارلوس الآن بالسودان ولكن معلوماتنا تؤكد وجوده بالأردن، إلا أن يكون قد وصل السودان دون علمنا، وإذا توافرت لكم معلومات عن وجوده بالسودان، فلا شكَّ سنتعامل إيجابياً معها». نظر “فيليب بارت” إلى ملفين أمامه قائلاً: «بالطبع لدينا ما يثبت وصوله للسودان»، وأتبع إفادته بأن أخرج “فيليب” صورة جواز لـ”عبدالله بركات” سلمها لنافع، وصورة أخرى شمسيَّة له في مطار الخرطوم على سلم الطائرة السودانية. تأمَّل نافع ما بين يديه وقال: «سنرى كيف يمكن أن تسير القضية.. سنجري التحقيقات اللازمة».. هذا نوع من القول لا يثبت ولا ينفي شيئاً، ففهم “فيليب” عبارة نافع وقال: «سيكون جيداً إذا تحققتم من المعلومات خلال اليومين القادمين بوجود الوفد حتى نستطيع أن نواصل الحوار حول القضايا الأخرى».. فهم نافع من جانبه الرسالة، وانتهى الاجتماع بعد تسليم واستلام “الرسائل” والصور.
كان على صلاح وحسب الله التحقق مما كانا متأكدين منه تماماً، وهو وجود كارلوس بالخرطوم. كانا يعلمان أن الفرنسيين يراقبون اتصالاتهم وتحرُّكاتهم. وبالفعل قاما بإرسال رسائل للخرطوم يُدركان أنها مكشوفة للفرنسيين يطلُبان فيها من إدارة الجهاز مدِّهم بمعلومات من الخطوط الجوية السودانية بقائمة الركاب القادمين على متنها للخرطوم في التاريخ الذي حدَّده الفرنسيون، وطلبا التحقق من قوائم الداخلين للبلاد في هذا التاريخ من الجوازات، ثم طلبا من الأمن الداخلي البحث عن شخص اسمه “عبدالله بركات” في فنادق العاصمة المختلفة، أو الحصول على أية معلومة لأردني يُدعى “عبدالله بركات” محدِّدين 48 ساعة فقط لإرسال تلك المعلومات.. كان صلاح سعد وحسب الله حتى ذلك الوقت مقتنعين بأن المعلومات التي سترسل من الخرطوم ستصل ليد الفرنسيين قبل أن تصل إليهم. كان صلاح يدرك أن عبدالله بركات اسم لا وجود له بالسودان، إذ أن كارلوس غيَّر اسمه لـ”بديع” حينما نزل بفندق الهيلتون.. المفاجأة التي وصلت بعد يومين من السودان، أن عبدالله بركات بالفعل موجود على قوائم المسافرين على الخطوط السودانية القادمة من الأردن، ولكن لا وجود له في “لستة” القادمين للسودان طرف الجوازات في ذلك اليوم!! الاحتمال الوحيد الذي افترضه الأمن السوداني أن يكون عبدالله بركات قد دخل السودان بجوازٍ آخر غير ذلك الذي غادر به العاصمة الأردنية!! ولكن الذي حيَّر المحققين أن قوائم المسافرين الداخلين للبلاد في ذلك اليوم لم يكُن بها سوى يمني يُدعى “سالم”، وهو الشخص الذي لم يعثروا له على أثر بالخرطوم!.
بدأ د. نافع يعرض على “بارت” النتائج التي توصَّلوا إليها، شارحاً كيفية دخول عبدالله بركات للسودان واختفائه، موضحاً أن جهودهم ستتواصل للعثور عليه، قال د. نافع.. عبدالله بركات غيَّر اسمه ودخل السودان بجواز آخر مزوَّر في الغالب. الخطة التي اتفق عليها الوفد الأمني هي مواصلة الإنكار لحصد المعلومات التي بحوزة الفرنسيين
استمع “فيليب بارت” لحديث نافع بإصغاءٍ شديد، وما إن انتهى، حتى سَحَبَ “بارت” “فايلا” آخر كان أمامه قائلاً: «لديَّ معلومات أخرى مفيدة».. كانت المعلومات الأخرى عبارة عن “ألبوم” صور.. بدأ “بارت” يسلِّم د. نافع صورة وراء الأخرى.. الصورة الأولى: لقطة لكارلوس وهو على بوَّابة سودانير بمطار الخرطوم، وثانية، وهي المفاجأة الكبرى لـ”د. نافع” إذ يظهر فيها كارلوس مرتدياً الجلاَّبية السودانية ويقف فيها أمام بوَّابة منزله (صورة الطهور!!)، ثم صورة رابعة له حين كان يهم بركوب عربته الكريسيدا أمام المنزل، وإلى جانبه شاب سوداني يلبس جلاَّبية، وصورة أخيرة له بنادي الخرطوم ومعه فتاة وطفل، ومكتوب على الصورة التي الملتقطة أمام المنزل: «منزل رقم (…) شارع 35 بالعمارات»!!.
في ذلك المساء الذي كان فيه الاجتماع منعقدا بباريس لتحديد مصير كارلوس.. كان كارلوس بالنادي السوري يمارس رقصا بديعا مع الإثيوبية “بلين” قال الراوي (فاض النادي السوري بالمدعوِّين. كان احتفاء الجالية الإثيوبية في ذلك العام مشهوداً. كانت المغنية الإثيوبية الشهيرة “إستير” قد وصلت الخرطوم بطائرة خاصة ومعها كامل طاقمها الفني، وبصحبتها مسرح مجهَّز تماماً. كان ليلة إثيوبية لم تشهد الخرطوم لها مثيلاً. حين وصل كارلوس لمنتصف دائرة النادي، وبرفقته هناء(زوجته السورية) التي ينسدل شعرها لأسفل خصرها الدقيق، في ذلك الوقت كانت “بلين” في قمة نشوتها تمارس رقصاً مدهشاً لم يَرَ كارلوس مثله، لا في بلاد العرب ولا العجم.. كانت بلين “تتقصَّع” لتنهض بصدرها كما الموج إلى أعلى، ثم تهبط تدريجياً مع إيقاعات “إستير” الشجيَّة، لتعود فاردة قوامها الجميل معطرة الأجواء بترديد الغناء خلف “إستير”، ثم تصعد المسرح لتشكل ثنائياً مع “إستير” لتهوي بالحاضرين إلى قاعٍ سحيق من التأوُّهات.
مارست “بلين” رقصها ذاك، مستعرضة جسدها الغض وإمكاناتها الفنية كأنها لاعبة باليه إثيوبية ماهرة… ضجَّت الساحة بغناء “إستير” وصوتها البديع، ولكن كل الأنظار كانت هناك حيث تنثر “بلين” إبداعاتها الفنية… خلت الساحة من الراقصين الذين تحوَّلوا برضاهم إلى “فرَّاجة”، إذ لا قِبل لهم بمنافسة تلك الساحرة في ساحة واحدة.. نظرت “بلين” إلى الساحة، فأبصرت كارلوس يلجها وهو في كامل أناقته.. كانت “بلين” وقتذاك تضرب بقدمها اليمنى الأرض مع إيقاع ساخن لأغنية شجيَّة.. بدأت “بلين” تزحف للخلف رويداً رويدا، حتى أمسكت بيدي كارلوس وطفقت تجرَّه للحلبة.. لم يتمالك كارلوس نفسه حين جذبها بيديه لصدره مستخدماً خبرته كأحد أشهر الراقصين بمقاهي كاراكاس بفنزويلا أيام الشباب.. أفرد كارلوس يديه مُبعداً “بلين” قليلاً ليمارس فاصلاً من الرقص وحده أذهل الحاضرين، ثم عائداً بسرعة ليُمسك بكلتا يدي هناء، قاذفاً بها إلى منتصف الساحة، وماداً يده الأخرى لـ”بلين”، ليبدأ ثلاثتهم رقصاً مجنوناً ما عرفته الخرطوم قط.. ثلاث قارات تنثر شذى رقصها البديع.. قدَّمت هناء فاصلاً من الرقص العربي السوري على إيقاع إثيوبي خالص، كما أبدع كارلوس في مقارعة “بلين” في رقص إثيوبي طالما أجاده أيام اليمن الجنوبي، حين كان علي ناصر وسالم البيض رفقاءً لمنقستو هيلا مريام.. في تلك الأيام كانت مقاهي اليمن الجنوبي مسرحاً لإبداعات الإثيوبيين.. أما “بلين”، فلم يدرك أحد كنهاً لرقصها، كان نسيجا وحده.. شدو “إستير” مسَّ شغاف قلوب الجالية الإثيوبية، فبكت في تلك الليلة بكاءً مراً..).
انخرط الوفد الأمني عقب عودته من باريس في سلسلة من الاجتماعات بغرض وضع خطة أكثر تحديداً للتعامُل مع قضية كارلوس بعد أن شهدت تطوراً لافتاً في الإعلام الفرنسي خاصة، والغربي عامة. بالفعل قدَّم حسب الله وصلاح سعد تصوُّرهما لكيفية التعامُل مع المرحلة القادمة في اجتماع موسَّع لقيادات الجهاز، خُصِّص لموضوع كارلوس. حدَّدت الخطة ثلاثة محاور:
– الأول، يتعلق بتأمين كارلوس شخصياً، بعد أن اتضح أن المخابرات الفرنسية والأمريكية تترصَّدان تحرُّكاته بدقة،
– المحور الثاني يتعلق بطرح خيارات التعامُل مع كارلوس، ومع الفرنسيين من الجهة الأخرى، فالصورة لم تكن واضحة فيما يتعلق بتلك الخيارات، واتضح أنها تحتاج لمزيدٍ من الوقت لإنضاجها.
– وركَّز المحور الثالث على الجوانب السياسية في القضية.
هنا أبدى صلاح ملاحظتين: الأولى، تتعلق بالمكاسب السياسية التي يمكن أن يحصدها السودان إذا أبرمت أية صفقة.. والثانية، هي ضرورة وضع القيادة السياسية في الصورة، إذ لم يعُد الأمر شأناً أمنياً بحتاً، فقد تقتضي التطورات قراراً سياسياً على أعلى مستوى. وافق الاجتماع على المحاور الثلاثة، وكلف لجنة برئاسة حسب الله لوضع تفاصيل الخُطة وعرضها على الاجتماع المقبل.
وصلت رسالة عاجلة من مكتب السيد فيلب روندو في باريس يُخطرُ فيها جهاز الأمن باعتزامه زيارة السودان خلال الشهر المقبل، لمواصلة الحوار حول الموضوع العالق بين الطرفين. تفسير الخطيب لتلك الرسالة أن الفرنسيين جادون في إغلاق ملف كارلوس، ويحاولون التوصُّل لنتائج سريعة. كان تقدير صلاح وحسب الله أن ما يقوم به الفرنسيون نوعٌ من الضغوط التي يجب ألا يُستجابُ لها. ولذا قرَّرا أن يتجاهلا الرد على البرقية، أو على الأقل ألاَّ يرُدا عليها بشكلٍ عاجل، وخاصة أنهم في سباقٍ مع الزمن لترتيب أمورهم داخلياً.
قدَّم صلاح للترابي تقريراً ضافياً حول لقاءاتهم مع الفرنسيين، وأطلعه على الاستراتيجية التي تمَّ وضعها للتعامُل مع قضية كارلوس.. بدا الترابي زاهداً في موضوع كارلوس تماماً، فلم يُبد رأياً، بل استمع لما قاله صلاح بدون تعليق. أثار صلاح خلال اللقاء ضرورة إطلاع القيادة السياسية بالبلاد على الموضوع، فبحسب تقديراتهم إنهم قد يحتاجون لاتخاذ قرارات سياسية بالدرجة الأولى، فالفرنسيون ضاغطون لحسم أمر كارلوس.. اتفق الترابي مع صلاح دون أن يقُل كلمة. استغرب صلاح لزُهد الشيخ في ملف كارلوس، ولم يتحدَّث معه مرة أخرى فيه إلا في مناسبتين، إحداهما حين كان الشيخ مغادراً لأسبانيا عابراً بفرنسا، والمرَّة الأخرى قبيل اجتماعٍ شامل للقيادة السياسية في نهاية العملية.
وصل روندو برفقة مدير مكتبه جيروم إلى مبنى جهاز الأمن، وتلقى الترحيب اللازم، وبدأ المحبوب بفرنسية صافية أدهشت روندو في الأنس مع الضيوف مستعرضاً معرفته الواسعة بفرنسا تاريخاً وفكراً وفناً. ثم قال إنه كان شاهداً على مجموعة من الأحداث التي هزَّت باريس، غامزاً للعمليات التي قام بها كارلوس بباريس.. وصل صلاح وحسب الله متأخِّرَيْن بدقائق عن موعد الاجتماع.. بدأ حسب الله الاجتماع بشُكر الوفد الفرنسي على الحفاوة التي حظي بها وفدهم في باريس، ناقلين تحيات دكتور نافع لفليب بارت، مُبدين استعداهم للاستماع للسيد روندو بذهنٍ مفتوح.. ترجم المحبوب هذا الترحيب المحدود بروندو بإسهاب وجد ترحيباً من روندو، واستغرق عشر دقائق وسط دهشة صلاح وحسب الله من مقدرة المحبوب على تلك (اللولوة) الرائعة!!
«نحن الآن نستمع إليك بذهن مفتوح»، قالها حسب الله لروندو، وترجم المحبوب.. وبدأ فيليب روندو يشرح الموقف الفرنسي من قضية كارلوس.. تقريباً حكى روندو قصة كل الجرائم التي ارتكبها كارلوس على مستوى العالم، وما ارتكبه من جرائم على الأرض الفرنسية. ومضى للقول إن فرنسا لن يهدأ لها بال إلا بالقبض على كارلوس ومثوله أمام العدالة، مشيراً إلى أن التعاون الفرنسي الذي بدأ في قضية الجزائر مع السلطات السودانية يمكن أن يمضي بأفضل ما يكون إذا ما تمَّت تسوية قضية كارلوس.. كان الفرنسيون إبان اشتداد الأزمة الجزائرية وصعود جبهة الإنقاذ بعد فوزها المُجهَض بالانتخابات 1992م قد طلبوا من دكتور الترابي لعب دور في الحوار بينهم وبين جبهة الإنقاذ، التي كان الترابي يتمتع بعلاقات جيِّدة مع أشهر رموزها (بلحاج عباس).
بدأ حسب الله يقص على فيليب روندو الكيفية التي دخل بها (عبدالله بركات) إلى السودان دون علمهم، وأن مخابرات دولة ما، قد قرَّرت التخلص منه فدفعته لداخل السودان.. «لقد دلَّت تحرياتنا بعد المعلومات التي زوَّدتمونا بها أن الشخص المعني هو مستثمرٌ لبناني، أو هو مسجَّل في سجلاتنا الآن باسم (بديع الحاج ياسين) وأنتم تقولون إنه كارلوس.. طلبنا منكم بصمات لكارلوس حتى نقارنها ببصمات السيد بديع، ولكن لم يصلنا شيء، ومع كامل احترمنا لكل المعلومات التي قدَّمتموها من صورٍ ومستندات، إلا أننا لازلنا نفتقد الدليل الحاسم».. هنا نظر الجميع للسيد روندو وهو يأمُر مدير مكتبه جيروم بفتح الشنطة الصغيرة التي يحملها ليسلم أشرطة وورق عليه بصمات، قائلاً: «هذه هي، أو هذا هو الدليل. بإمكانكم أن تتأكدوا الآن».. نظر ثلاثتهم إلى المحبوب عبدالسلام طمعاً في مزيد من (اللولوة) للمخارجة.
بدا كارلوس مرتبكاً، وهو يقول لصدِّيق (الاسم الحركي في العملية لصلاح قوش) ما عنده من معلومات حول وجود عناصر إسلامية ثورية من السعودية ودول الخليج الآن بالخرطوم ويقومون بأنشطة. أنكر صدِّيق معرفته بأي أنشطة تقوم بها جماعات إسلامية، وأقرَّ بدخول مستثمرين عرب للبلاد بغرض توظيف أموالهم في مشاريع زراعية وطُرُق وغيرها.. قال كارلوس إن معلوماته تقول إن عناصر ثورية إسلامية قد دخلت السودان. حدَّق صدِّيق في كارلوس محاولاً أن يفهم…
قال كارلوس: «لابد من قيام هذا الحلف، وهو الحلف الذي سينقذ العالم»!!
– قال صدِّيق: «أي حلف؟»…
– كارلوس: «حلف الإسلامين الثوريين والثوريين العالميين»…
– اندهش صدِّيق لهذه الأحلاف العجيبة التي يفكر بها إرهابي عالمي مطارَد..
– قال كارلوس وقد رأى اندهاشة صدِّيق: «إذا استطعنا إنجاز هذا التحالف سنهزم الإمبريالية، وسنحرِّر الدول العربية والقُدس!! كان ذلك حلم أبي راميريز سانشيز.. كان أبي يقول لي إن السوفيت سيحرِّرون العالم ويقودنه لهزيمة الإمبريالية العالمية. كان أبي حين قذف بي لجهنم الحزب الشيوعي الفنزويلي يسعى لتحقيق هذا الحُلم الذي عاش حياته يناضل من أجله، ولكن للأسف طريقة السوفيت العقيمة هي التي هزمت أحلام أبي.. أنا أحاول أن أبحث عن طُرُق أخرى أكثر ذكاءً، طُرُق خلاَّقة لا يفكر بها الإمبرياليون.
بدا الاجتماع هادئاً وصلاح وحسب الله يشرحان للمجتمعين من قيادات الجهاز الخيارات المتاحة للتعامُل مع قضية كارلوس. قال حسب الله إن الخيار الأول الذي يرونه منطقياً هو الطلب من كارلوس مغادرة السودان.. صلاح: «يستند هذا الخيار على أسباب عديدة.. أولها، أن كارلوس تعده العديد من الفصائل الفلسطينية مناضلاً ضحَّى في سبيل قضيتهم لعشرات السنوات، وليس من مصلحتنا إفساد العلاقة مع تلك الفصائل التي تعتبر الآن السودان البلد الوحيد الذي يجاهد ويدعم قضيتهم دعماً حقيقيا.. ثانياً، أن كارلوس استجار بالسودان وأي تعامُل غير موافق معه يسبب حرجاً دينياً لنا، ثم إنه حتى الآن لم يتضرَّر السودان من وجوده ، فهو لم يفكر في القيام بأي عمليات انطلاقاً من السودان. الحقيقة أن نشاط كارلوس في العشر سنوات الأخيرة توقف تماماً ولم يعُد يشكل الخطر الذي كان يمثله في سبعينات وثمانينات القرن الماضي».
أضاف حسب الله: «إن كارلوس الآن ليس مطلوباً إلاَّ من قبل الفرنسيين في قضية مقتل شرطيين وقبل أعوام برأته محكمة فرنسية من تفجيرات في العاصمة باريس (تفجير محل دروغستير جيرمان 1974). هذا الخيار يجنبنا إشكالات كثيرة تتعلق بسمعة وصورة السودان عند العرب والمسلمين».. وقال حسب الله: «هذا الخيار مرهون بموقف كارلوس من مغادرة السودان ومدى قبول الفرنسيين للفكرة».
صلاح: «الخيار الثاني هو تسليمه للفرنسيين. وهو الخيار الذي يسعى له الفرنسيون بشتى السبل. هذا الخيار قد يفيد العلاقات السودانية الفرنسية وقد يساهم في تحسن العلاقات السودانية الأورُبية. يقطع هذا الخيار الطريق على الولايات المتحدة الأمريكية الطريق في استخدام قضية كارلوس لفرض عزلة عالمية علينا وخاصة بعد إشارت مادلين البرايت أن السودان يستضيف إرهابيين».
حسب الله: «إضافة لذلك، يتيح لنا هذا الخيار أن نضع شروطاً سياسية للاستفادة من العملية بمعنى أن باستطاعتنا تحقيق بعض المكاسب المباشرة».. مضيفاً: «عيب هذا الخيار الوحيد أنه سيؤثر سلباً على صورتنا في العالمين العربي والإسلامي».
صلاح: «الخيارات الأخرى مثل الاحتفاظ بكارلوس ليست ذات جدوى، فلم تعد له قيمة الآن وليس وارداً الاستفادة منه، فالطرائق التي يعمل بها ومعه المنظمات الثورية التي ينتمي إليها لا تناسبنا وعفا عليها الزمن.. دور كارلوس وتلك المنظمات انتهى الآن».
بدا الحوار حول الخيارين المطروحين ساخناً، حول أخلاقية التعامُل مع كارلوس وعن البُعد الديني في عملية تسليمه إذا ما تقرَّر ذلك. تمَّ نقاش الجانب السياسي من العملية بصورة براغماتية تُوازِنُ بين المكاسب والخسائر، وكيف تثق الدولة بوعود الفرنسيين، وهل هنالك مكاسب مضمونة ستحقق بمجرَّد الاتفاق على الصفقة؟! هنا بدأ طرح بعض التفاصيل المتعلقة بإنهاء علاقة فرنسا بالتمرُّد فى الجنوب وفك الحظر عن الأموال المُجمَّدة في اتفاقية لامي وغيرها. ولكن رأياً غاضباً رأى أن تترك التقديرات السياسية للقيادة العُليا ويحصر الجهاز رأيه في التقديرات الأمنية لعملية التسليم من عدمها.. هذا ما تمَّ رفعه للقيادة السياسية، وكُلف صلاح وحسب الله بعرض الخيارات مصحوبة بالتقديرات الأمنية مع إبداء الآراء السياسية كملحوظات لتتبنى القيادة أي من الخيارين تراه مناسباً.
بدأ اجتماع الثلاثي المفوَّض (حسب الله – المحبوب عبدالسلام – صلاح) بفيليب روندو ومدير مكتبه جيروم بحديث واضح وصريح أسْعَدَ روندو كثيراً.. قال حسب الله في بداية الاجتماع: «الآن تأكدنا من أن السيد (بديع) المستثمر اللبناني هو بالفعل كارلوس من خلال البصمات والمستندات التي قدمتموها».
أضاف صلاح: «استغرقت تحرياتنا هذا الزمن لأسباب عديدة، فالقضية كما تعلمون معقدة وتحتاج لصبر»…
ضحك روندو وقال: «صبرتُ على كارلوس خمسة وعشرين عاماً»..
اقترح المحبوب أن توضع أجندة للحوار الذي يبدأ الآن في ظلِّ التطوُّرات الجديدة، مشيراً إلى ضرورة وضع خيارات التعامُل مع كارلوس كلها على الطاولة ليجري الحوار بشفافية.
أكد روندو على اقترحات المحبوب، مشيراً إلى أن المحبوب يُدركُ أهمية الشفافية في ثقافة الفرنسيين..
– حسب الله: «مجرَّد إعلاننا بوجود كارلوس بالخرطوم يؤكد أننا راغبون في التعامُل بالشفافية اللازمة»..
– صلاح: «يعلم السيد روندو أن كارلوس لم يدخُل السودان برغبة الحكومة، ولاهي دعته أو استضافته.. جهة ما دفعت به إلينا.. من المؤكد أيضا أن السيد روندو يدرك حساسية قضية كارلوس في العالم العربي، وهي الشيء الذي جعلكم تطلبون من السوريين والعراقيين لاحقاً إبعاده إلى الأردن، وليس تسليمه لكم.. علاقة كارلوس عموماً بالقضية الفلسطينية وبالفصائل وثيقة، هم يرون أن كارلوس ناضل في سبيل قضيتهم.. وكما تعلم موقفنا من القضية الفلسطينية وعلاقتنا الممتدة مع فصائلها كافة، الشيء الذي يعقد طرائق التعامل مع كارلوس.. ولا شك أن الفرنسيين واعون بهذه التعقيدات.. نحن الآن نود أن نبحث معكم بكل وضوح طريقة التعامُل مع كارلوس في كافة أبعادها»..
– تساءل روندو: «هل يعني ذلك أن المطلوب منا طرح خيارات، أم أن الخيارات ستأتي من طرفكم لنناقشها؟»..
– قال حسب الله: «ليست القضية قضية خيارات، فالخيارات واضحة أمامنا، فإما تسليم كارلوس لكم بواسطة الإنتربول، أو إبعاده إلى دولة أخرى تقبل به، على أن تتعاملوا أنتم معه من بعد بالصورة التي تقرِّرونها»..
– «صحيح، أنا أوافق أننا أمام خيارين فقط».. قال روندو..
– صلاح: «نحن نبحث عن خيار يجنبنا الخسائر السياسية.. لابد أن نجد طريقاً آمناً حتى لا تنفجر القضية في وجهنا.. وقتها لا نعرف موقف أصدقائنا الفرنسيين على أي نحو سيكون»..
– ابتسم روندو قائلاً: «سنكون بجانبكم دائماً»..
– قال المحبوب: «نحن ننتظر من أصدقائنا مساعدتنا، تدركون مدى حاجة السودان للأصدقاء في هذه الظروف التي يمر بها»..
– قال روندو للمحبوب: «من قبل احتجنا مساعدتكم في الجزائر وتعاملتم معنا بشكل إيجابي.. لا شيء يمنعنا من عونكم متى ما استطعنا»..
اقترح حسب الله رفع الاجتماع لترك الفرصة لروندو لمخاطبة باريس في شأن الخيارين، وتوضيح موقفنا منها.. فقال روندو انه مفوض بالكامل.. «ولكن لا بأس من رفع الاجتماع لنواصل بعد يومين».
تلقى د. نافع علي نافع تقريراً بكل ما دار في اجتماعات (الثلاثي) مع المندوب الفرنسي، وكتب تعليقاً يُشيرُ لضرورة عرض الخيارين للقيادة السياسية التي جرى تنويرها بشكل محدود.
دعا حسب الله وصلاح والمحبوب للاجتماع الذي سينعقد مساء الغد.. شدَّد نافع في تعليقه على ضرورة بناء جسور ثقة مع الفرنسيين على خلفية الملف، واعتبر أن كسب ثقة الفرنسيين هو المكسب المنتظر من كل هذه القضية.
في مساء ذات اليوم، تمَّ تسريب خبر حول وجود كارلوس بالخرطوم، الشيء الذي أغضب الثلاثي المفاوض، إذ اعتبروا أن ذلك من تسريبات الشرطة الفرنسية لزيادة الضغط عليهم، وخاصة بعد أن استلموا تقرير روندو حول اجتماعات الخرطوم. أُبلغ هذا الموقف عاجلاً للسيد روندو بالخرطوم، مشيرين لضرورة عدم نشر أي معلومات حول ما يجري بالخرطوم إلا بعد الاتفاق بشكل كامل على تفاصيل العملية. أنكر روندو أنّ أياً من منسوبيه له صلة بتسريب معلومة حول كارلوس بالخرطوم، مشيراً إلى أن وفدهم سيصاب بخيبة إذا فشلت مهمتهم لأي سبب.
استغرق (المفاوضون الثلاثة) أقلَّ من ساعة زمن، وهو ما الذي أتاحه لهم رئيس الجلسة لسماع قضية كارلوس.. سار الثلاثة وفق الخُطة التي أعدوها مسبقاً، وعرضوا القضية بشكل موجز ومقنع.. صحيح أن بعض الأصوات – كما توقعوا – كانت خارج الشبكة، وبعضها الآخر كان غاضباً من إبقاء قضية كهذه في الخفاء لمدة ستة أشهر كاملة دون علم المكتب القيادي.. لم يتوقف المجتمعون كثيراً في الإشكالات الجانبية، وركزوا على مناقشة الخيارين المطروحين.. خلُص الاجتماع في نهاية الأمر لتجديد الثقة في تيم التفاوض، وقرَّروا أن يتركوا الباب مفتوحاً للخيار الثاني (خيار التسليم) إذا استجدَّ جديد. كما طالب الاجتماع المفاوضين الرجوع إليه لأخذ القرار النهائي بعد التوصل مع الفرنسيين للاتفاق.
تنفَّس ثلاثتهم الصعداء بانتهاء الاجتماع بالسلامة ودون خسائر تُذكر، إلا أن مهمَّتهم من الآن وصاعداً ستُصبح مراقبة كارلوس، ولن يكون بوسعهم التحرُّك أو التفاوُض بحرية كما فعلوا طيلة الأشهر الماضية. الآن مهمَّتم في اتجاهين: الفرنسيون من ناحية، وكارلوس من الناحية الأخرى.. الفرنسيون مقدور عليهم، إذ ليس بوسعهم أن يتصرَّفوا خارج ما هو متفق عليه.
«سنكون شفافين لأقصى درجة، فقط نرجو أن تتفهموا موقفنا وهو موقف سهرنا عليه طويلاً. بالأمس طرحنا رأينا للقيادة السياسية للدولة، ولحُسن الحظ وجدنا تقديراً للمسافة التي اجتزناها معكم.. وهناك تطلع لعلاقات فرنسية – سودانية متطوِّرة».. قال المحبوب..
«نحن مكلفون لنبحث معكم الخيار الوحيد المتاح لنا الآن وهو خيار مغادرة كارلوس. علينا بحث تفاصيله حتى لا نضيِّع الوقت في بحث خيارات طرحناها أمام القيادة، وأبدت تحفظات حولها ».. قال حسب الله.
«نحن ندرك أن الخيار المفضل لكم هو خيار التسليم وللأسف بعد اجتماع القيادة بالأمس لم يعد هذا الخيار موجوداً على الطاولة».. أكد صلاح..
في الأثناء، كان فيليب روندو يسجِّل على أوراق صغيرة اعتاد أن يدوِّن عليها تفاصيل اجتماعاته، فدوَّن كل كلمة قالها الثلاثي المفوَّض. بعد أن أنهى الثلاثة كلماتهم، رفع الجنرال العجوز رأسه وأصلح نظارته وبدأ ينظر اليهم لثوانٍ، قبل أن يتوجَّه إليهم بحديثه: «سأكون صريحاً معكم.. أخشى أن تكون حساباتكم السياسية ـ مع احترامي لها ـ بها كثير من الخلل.. دعوني أشرح لكم القضية.. كارلوس بالنسبة لنا قضية تتعلق بأمن فرنسا.. لقد فجَّر ودمَّر وقتل مواطنين فرنسيين أبرياء، وسبَّب جُرحاً غائراً لدى الفرنسيين واهتزَّت ثقتهم في شُرطتهم وأمنهم، ولا شيء يمكن أن يعيد الاطمئنان إلى نفوسهم سوى أن يروا كارلوس أمام العدالة، وقتها سيرتاح أهالي الضحايا، ويستعيد المواطنون الثقة في أمن بلادهم.. وهذه أشياء لا يمكن الاستهانة بأثرها على مستقبلنا. لا شك أنكم تعرفون ماذا يعني أن يفقد المواطنون الأمن في بلادهم؟ أنا كنت جنرالاً محارباً في الحرب العالمية الثانية.. كنا نقاتل من أجل هذا المعنى تحديداً.. أنتم شباب وقد مات آلاف الشباب الفرنسيين في أعماركم لتبقى فرنسا آمنة، إذ لا قيمة لدولة لا توفر الأمن لشعبها. كارلوس الآن يعني لنا ذلك.. إكساب أجهزة الأمن المصداقيَّة والقدرة على حماية مواطنيها بالوصول دائماً للمجرمين، ويعني أيضاً أنه ليس بوسع أحد أن يرتكب جرائمه على الأرض الفرنسية ويفلت من العقاب.. فرنسا لن تتسامح في ذلك.. مرَّت أكثر من عشرين عاماً ونحن نطارد كارلوس.. قد يرى كثيرون أنه لا معنى لذلك، ولكن جوهر الحكاية أننا لا نطارد شبحاً اسمه كارلوس.. إننا معنيُّون بأمننا، وكارلوس يمثل عنواناً لتلك العناية»..
أُرهق المحبوب عبدالسلام وهو يترجم هذا الجُزء الطويل من إفادة فيليب روندو، بينما جفَّ حلق روندو، فتناول كوب ماء بجانبه.. «هذا بعض ما أود أن أقوله لكم».. واصل روندو: «أرجو أن تسمعوني جيداً، فلديَّ نقطتان مهمتان: الأولى، تتعلق بالخيار الذي وضعتموه أمامي الآن، وهو خيار إبعاد كارلوس عن السودان. هذا الخيار يفرض علينا تعقيدات شتى، أولها بحسب معرفتنا أنه لا دولة الآن على كوكب الأرض على استعداد لاستقبال كارلوس، فهو ليس أكثر من عبء على الأنظمة.. لقد طاردناه في سبع دول وظللنا نحصُل على ذات النتيجة، وهي إبعاده إلى خارج حدودها، وللأسف ليس هنالك دولة ترحب به الآن على أراضيها بسبب انه لم تعُد له قيمة، فمنظماته انهارت كلها.. لم يعُد كارلوس يخيف أحداً، كما انه لا يحقق مصلحة لدولة، بل سيعقد علاقات أي دولة تأويه مع العالم.. تلك هي مشكلة أولى ستواجهنا، أو بالأحرى ستواجهكم حال استقرَّ رأيكم على هذا الخيار.. المشكلة المعقدة الثانية، هي أن كارلوس واعي تماماً بهذه الحقائق، فلن يجازف بالخروج من السودان لأي دولة لأنه يدرك أن الضمانات منعدمة. أنا أعرف كارلوس، فهذا الملف بيدي لأكثر من عشرين عاماً.. أعرف تماماً النفسية التي ينطلق منها كارلوس، والحذر الذي يحيط بكل تصرُّفاته.. فحين يلوح خطر ما في أفق حياته، غالباً ما يتصرَّف بطريقة لا يتوقعها أحد.. هل باستطاعتكم معرفة ردَّ فعل كارلوس حال إبلاغكم له بمغادرة السودان؟! أنا نفسي لا أستطيع التنبؤ بما سيجري في اليوم التالي.. عليكم أن تكونوا حذرين.. نحن لا نكاد نفهم جيداً طرائق استجابته في لحظة الخطر».
تابع روندو مكملاً حديثه: «دعوني أذهب بكم للنقطة الأخيرة، وهي موقف فرنسا.. مؤكد أن الفرنسيين سيشعرون بخُذلان شديد من موقف الحكومة السودانية، والتي كانوا يتطلعون إليها بأن تعينهم في إغلاق هذا الملف الذي أثقل ضمائرهم بأوجاع كثيرة.. بالطبع سيكون ذلك مؤشر سيء على عدم استعداد القيادة السودانية للتعاطي بشكل إيجابي بفتح آفاق العلاقات الفرنسية السودانية على مستقبل تتحقق فيه مصالح الأطراف كافة».
أخذ روندو نفساً طويلاً، وجمع قصاصات أوراقه الصغيرة من أمامه، ونظر لجيروم الذي أخذها منه إلى الشنطة.. وقال: «أرجو أن أكون قد أوضحتُ لكم الموقف كما أتصوَّره.. الآن ليس لديَّ المزيد لأقوله لكم… عليكم أن تُمعنوا النظر في ما قلت.. لستُم مطالبين الآن بمواصلة التفاوُض، وسأكون بالخرطوم لمدة 48 ساعة أخرى
كان المحبوب يعرف طريقة الفرنسيين حين لا يرغبون في مواصلة الحديث أو رغبتهم في إنهاء اجتماع ما.. عادة تترك الطاولة أمام المتحدث الرئيس خالية تماماً وهو ما فعله روندو.. بغضب.. اقترح المحبوب رفع الاجتماع ومواصلته في الغد.. انفضّ الاجتماع هناك، وترك الجميع وكأن على رؤوسهم الطير.. استخدم هذا الجنرال المدهش كل ما عرفه من تقنيات ومهارات في التفاوض.. (كان يدرسها في جامعات فرنسا)..
– المحبوب: “صعب، لأن تلك الدول لن تسمح له إلا عبر إجراءات رسمية. كارلوس دخل السودان بلا تأشيرة ولن نجد دولة أخرى تسمح بذلك في العالم.. ثم إن الدفع به لأي دولة بطريقة غير قانونية يمكن أن يسبِّب لنا إشكالات سياسية وقانونية”.
– حسب الله: “المهم في هذه النقطة موقف كارلوس نفسه، هل سيوافق على الذهاب لأي دولة ودون أن يجد الضمانات الكافية؟!”…
– صلاح: “هو على كيفو!!”…
– حسب الله: “طيِّب، إذا ما على كيفو، ما نسلمو وننتهي.. إذا القصة بالقوة يعني”…
– قال المحبوب: “الموقف الفرنسي أيضاً سيكون مهماً، لأن فرنسا بالتأكيد لا ترغب في تسليمه لأية دولة، ولن توافق على إبعاده لأية دولة غير متعاونة معها، أو يمكن أن تتيح الفرصة لكارلوس للاختفاء إلى الأبد”…
– صلاح: “تلك مسؤولية الفرنسيين، ولا أعتقد أننا سننتظر موافقتهم إذا ما وجدنا دولة يمكن أن تستقبله”…
– حسب الله: “الغرض من طرح هذه النقطة هو أن إيجاد دولة ليس عصياً، فهنالك احتمال لا يزال قائما، والأهم أن بحث هذا الاحتمال، وإمكانية تحقيقه لابد أن يكون مهمة الطرفين، مهمتنا ومهمة فرنسا”…
– المحبوب: “هذه نقطة جيدة، على العموم يمكن أن تطرح للحوار مع روندو، على الأقل سنعرف ماذا إذا كانوا مستعدين للتعاوُن في البحث عن تلك الدولة أم لا؟”…
– صلاح: “القضية التي انتبهتُ لها أثناء الحوار بالأمس، هي أن روندو ركَّز كثيراً على الأمن الفرنسي، وكأنَّ أمن الآخرين ليس مهماً بذات الدرجة.. بمعنى، أن الفرنسيين الذين يطلبون منا الآن تسليم كارلوس بدعوى أن ذلك يحقق الأمن لمواطنيهم، لا يأبهون لأمن مواطنينا.. مثلاً، إذا قُمنا بتسليم كارلوس غداً، فكيف نأمن ألاَّ تكون بلادنا مسرحاً لعمليات إرهابية انتقامية من الجماعات التي ينتمي لها كارلوس؟ وما أكثرهم.. السوريون والعراقيون حين اكتفوا بإبعاده عن أراضيهم كانوا يتحسَّبون لتلك المخاطر.. لماذا نعرِّض نحن أمننا للخطر إذا كان الجميع يرفضون هذه المغامرة؟. وإذا كان أمن الفرنسيين بهذه الدرجة من الأهمية، فما الذي يجعل أمن السودانيين ليس مهماً وبلا قيمة؟! فالمطالبة بتسليم كارلوس ستعرِّض أمننا للخطر”…
كاد المحبوب وحسب الله يُصفِّقان لصلاح لأن تلك النقطة كانت حاسمة ومقنعة لدرجة بعيدة، غير أنهما اتهما صلاح بأن جلساته مع كارلوس قد أثَّرت في أفكاره بشكل عميق!!.
‏لم تشهد قاعة الاجتماعات في جهاز الأمن في تاريخها اجتماعاً متوتراً وعاصفاً كالذي شهدته في ذلك اليوم.. كان ثلاثي الفريق المفاوض (حسب الله وصلاح والمحبوب) في غاية التوتر، وكذلك العجوز الجنرال فيليب روندو.. تدفقت أنهُر من الحُجج من المُشاركين في الاجتماع، بينما كان السيد جيروم مدير مكتب روندو يسجِّل كل كبيرة وصغيرة بعناية فائقة.
– حسب الله: “نحن آسفون إذا أخذنا بعض الوقت لبلورة خيارنا الذي سنطرحه الآن عليك. كما تعلم، فإن القضية المطروحة شائكة وتحتاج لكثير من الجهد وإعمال الفكر حتى نتوصَّل لقرارٍ صائبٍ يستجيب لتطلعات كل الأطراف ويحقق مصالحها. القرار الذي اتخذ في أجهزتنا المعنيَّة هو مغادرة كارلوس لجهة يُتفقُ عليها بيننا وبينكم ما أمكن ذلك، أخذنا هذا القرار بناء على حيثيات تتعلق بمواقفنا المبدئية كما تتعلق بمصلحتنا وأمننا القومي”.
– المحبوب: “أظن أننا قلنا من قبل إن مواقفنا المبدئية والتزامنا بعدالة القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في استعادة أراضيهم ودعم نضالهم العادل ظلت سياسة ثابتة للسودان منذ سنوات طويلة، ولذا فإننا حسَّاسون تجاه أي قضية يمكن أن تهز هذا الموقف المبدئي. قضية كارلوس والتزامنا بمعالجتها بحيث لا تُضارُ مواقفنا القومية تأتي في هذا السياق. فلن يكون بوسعنا هندسة ترتيبات تُخِلُّ بالتزاماتنا القومية، فكارلوس لدى المنظمات الفلسطينية التي ندعم نضالها رفيق أعطى للحركة الفلسطينية عمره وجهده، رغم اختلافنا معهم حول هذا التقييم، ولكن لن نستطيع تجاوزه على الأقل الآن.. صحيح أن كارلوس متهم بارتكاب جرائم بحق الفرنسيين، ما يجعل فرنسا على حق في المطالبة بمثوله أمام العدالة. ولكن من جانبنا لا نود أن نمثل شرطياً لأي طرف. مهما اختلفت تقديراتنا، ولكن بدا لنا القرار الأصوب أن يُبعَدَ كارلوس عن أراضينا ما لم يستجد جديد يغيِّر الحسابات السياسية في المستقبل”.
– قال صلاح الذي كان أكثرهم حماسا في ذلك اليوم: “قلت يا سيد روندو إن أمن فرنسا ومواطنيها يتعلق بقضية كارلوس. وهذا من حقكم، كما أنه من حقنا مراعاة أمننا وأمن مواطنينا بذات الدرجة. تسليم كارلوس قد يؤثر على أمننا القومي. تعلمون أن دولاً كثيرة ظلت ترسل كارلوس لخارج حدودها بسبب المخاوف الأمنية التي يمكن أن يسبِّبها تسليمه لفرنسا.. انتقل كارلوس من لبنان إلى سوريا، إلى العراق، إلى اليمن، إلى سوريا مرَّة أخرى، ثم أُبعد منها إلى الأردن، التي دفعت به إلينا، دون علمنا كما تعلمون، بل كما وافقتم عليه أنتُم، وكنتُم تراقبون العملية بحسب معلوماتنا حتى ساعة إقلاع الطائرة من مطار الأردن.. إذن أنت?

تعليق واحد

  1. لم اكمل المقال لان هناك لن اقول كذب ولاكن انظر معي .؟؟؟؟
    إذ أنه بعد خروجه من المطار استقل سيارة أجرة إلى فندق الهليتون بالخرطوم.. ليستخدم جواز سفر آخر لبناني يحمل اسم ” الحاج ياسين بديع”. وسجلت الغرفة 312 باسم هذا النزيل .. وفي الهيلتون كان عليهم أن يجدوا الغرفة التي تم منها الاتصال. بعد كثير من الجهد واستخدام العلاقات توصلوا للغرفة 312 ولكنهم وصلوا بعد فوات الأوان، فلقد أخبرهم موظفو الاستقبال أن اليمني “سالم حميد” الذي كان يشغل هذه الغرفة غادرها قبل ساعتين تقريبا ولا يعرفون إلى أين ذهب !!!.
    الغرفة 312 بي اسم منو ياكارلوس ؟؟ بي اسم اليمني “سالم حميد” ولا اللبناني ” الحاج ياسين بديع”. ؟؟؟

  2. حسب مااعرف وتعرف مجالس الخرطوم في تلك الفترة ( قبل بيعه للفرنسيين) ان كارلوس قد حضر الى السودان بعلم وموافقة السلطات السودانية وذلك بعد ان تعرضت دول الشام الى ضغوط من الحكومة الفرنسية. رفضت تلك الدول تسليمه نسبة لما قدمه للفسلطينيين واختاروا نقله لدولة اخرى والحكومة السودانية “دقت سدرها”.

  3. اشتري اقامه كارلوس في الخرطوم اسامه بن لادن وباع الترابي كارلوس
    للفرنسين ب 50 مليون دولار

  4. ما خرجت به من هذه الروايه لوكانت كل تفاصيلها صحيحه أن صلاح قوش رجل مخابرات وطنى من الطراز الأول وخساره أبعاده من الجهاز .

  5. “صلاح: «الخيار الثاني هو تسليمه للفرنسيين. وهو الخيار الذي يسعى له الفرنسيون بشتى السبل. هذا الخيار قد يفيد العلاقات السودانية الفرنسية وقد يساهم في تحسن العلاقات السودانية الأورُبية. يقطع هذا الخيار الطريق على الولايات المتحدة الأمريكية الطريق في استخدام قضية كارلوس لفرض عزلة عالمية علينا وخاصة بعد إشارت مادلين البرايت أن السودان يستضيف إرهابيين».
    حسب الله: «إضافة لذلك، يتيح لنا هذا الخيار أن نضع شروطاً سياسية للاستفادة من العملية بمعنى أن باستطاعتنا تحقيق بعض المكاسب المباشرة».. مضيفاً: «عيب هذا الخيار الوحيد أنه سيؤثر سلباً على صورتنا في العالمين العربي والإسلامي».”
    ***
    وقد خرج السودان من المولد بدون حمص ومازالت سياسة العصا والجذرة تلاحقه.

  6. يا الكوز الفي الزير، الكيزان كلهم ببقو وطنيين مع الاجانب، اما نحنا السودانيين ديل بينقلبو لينا بعاعيت عديل، و عينك ما تشوف الا النوووووور

  7. يعني (بَلْوَة) رموها علينا والآن يتهرَّبون منها”.
    هذا ما قاله المدعو حسب الله،
    ومنذ ذلك الحين و السودان مكب لكل زبالات العالم من إنس و جن

  8. اسمعو ياشمالين القصة دي مضروبة وأحسن ليكم تنتبحو لمفاوضات السلام الدائرة في اثيوبيا بين الحكومة والجبهة الثورية بدل القصة التي لا يقبلها طفل مدرسة ابتدائية.

  9. ياناس ها… انتو بصحكم؟! رواية اجاثا كريستي دي شنو؟؟؟!!! و لا حكاية و لا رواية. الحكاية و مافيها بلد هاملة زي بيت العزابة اليخش يخش و اليمرق يمرق . اسع دي في بيت العزابة لو لقيت زول غريب بتسالوا جاي من وين و لا ماشي بتين؟؟؟؟

  10. بالمناسبة، المصريون عملت معاهم شنو أمبارح؟”..
    – حسب الله: “والله كمان ديل عجيبين، عاوزين يبيعوا ويشتروا فينا بدون أي مقابل.. قالوا إن الفرنسيين طلبوا وساطتهم في موضوع كارلوس وإن وزير الداخلية الفرنسي سيزور القاهرة، وينصحوننا بالتجاوُب مع رغبتهم في تسليم كارلوس.. وقالوا إنهم على استعداد للعب دور مع الاتحاد الأوروبي من أجل إعادة العلاقات مع السودان إذا وافقنا على التسليم.. وحين قلتُ له إننا على استعداد لترحيل كارلوس للقاهرة على أن يتم تسليمه من هناك، كاد يقفز من الشباك..
    اكتر نقطة عجبتني في الموضوع،وعلى العموم كل الاسماء المذكورة في هذا السرد قابضين ملايين الدولارات مقابل تسليم كارلوس ابتداء من المكروه حتى شيخهم الذي علمهم السحر

  11. بالجد رواية تبدو كالبوليسية ممتعة..تأليف..وسيناريو..وديكور..واخراج..وانتاج و “مونتاج” مونتاج دي حلوة “بالرغم من انها واقعية”..رواية زي الفيلم فيهو بطل ورئيس الخيانة وعوير الفيلم..وفيهو عوين الكيزان كمان ناس “سعاد حسني”!! لحدي هنا دي “الاستراحة” يلا منتظرين نشوف نهاية الفيلم..يا حليل كلوزيوم..لك التحية د. سمير قديح…

  12. ما يشكك في القصة موضوع ان كارلوس وصل السودان بدون علم الحكومة دا كلام فارغ، فلا يمكن ان يكون موضوع الدول التي تستقبله الشغل الشاغل لفرنسا و الأردن و العراق و سوريا الخ ….. ثم يصل الخرطوم بدون علم الحكومة. الذي نذكره من زمان ان الرجل استقدمته الحكومة السودانية لتدريب حراس الترابي (الذي يدعون جهله التام بالموضوع في وقت كانت كل الامور بيده)، ثم ان وصول كارلوس للخرطوم جاء في وقت كانت حكومة الاخوان واثقة من تهيؤاتها و قدرتها على إخضاع و تركيع العالم تحت قدميها. و لم تكتمل قصة التسليم حيث توقفت الرواية التي امامنا كانها مبتورة. و اشك أيضاً في عدم علم المرحوم هاشم با سعيد بالموضوع خاصة و الرجل كان مسئولا عن الأمن الخارجي التي تقع قصة كارلوس في صميم اختصاصه، هذا بلإضافة الى ان با سعيد بالمناسبة هو الذي قام بعملية اصطحاب و تسليم كارلوس لفرنسا.

  13. البشلعبه مكشوفه لانكار دعوتهم لكارلوس بنية التعاون معه لاغتيال بعض الزعماء العرب والقيادات الأسلاميه التي تعرف أكاذيبهم
    الترابي يعلم
    علي يعلم
    نافع يعلم
    البشير أخر من يعلم بوجوده
    فبلاش كذب .. الشعب أذكى من ذلك

  14. ﺑﻲ ﺣﻤﺺ… ﺍﻟﺒﻨﻚ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻐﺮﻣﺘﻪ ﻣﺎﻣﺎ ﺍﻣﻴﺮﻛﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻫﻮ ﺍﻛﺒﺮ ﺑﻨﻮﻙ فﻓﺮﻧﺴﺎ.. ﺗﺴﻌﺔ ﻣﻠﻴﺎﺭ ﺩﻭﻼﺭ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﺴﻮ ﺩﺍﻥ .. ﺩﻭﻟﺔ ﺯﻱ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﺷﻨﻮ ﺍﻟﻳﺠﺒﺮ ﺩﻭﻟﺔ ﻋﺎﻗﻠﺔ ﺯﻱ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺗﺘﻌﺎﻃﻒ ﻣﻌﺎﻫﺎ ﻭﺍﻟﺜﻤﻦ ﻏﻀﺐ ﺍﻼﻧﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻝ ﺩﻳﻦ ﻭﺍﻟﺒﻴﺎﺽ ﻭﻗﻴﻢ ﺍﻟﻐﺮﺏ؟؟؟؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..