راية حمراء : ربما يبالغ الناس حول تفشي ظاهرة الانتحار لكن الأمر يتطلب مأخذاً جاداً.. رجاءً حافظوا على حياتكم

الخرطوم – زواهر الصديق
لو خيّر صحفي تحقيقات في إجراء مقابلة صحفية تذلل فيها المستحيلات والصعاب لاختار أن تكون مع شخص منتحر، فليس هناك أمر مهم أكثر من معرفة التضاريس النفسية لمنتحر، وما الذي بعثرها؟، وأي نوع من النوازع انتابته، وأي هواجس مزقته، وأي نوع من الهزائم والانكسارات والصراعات سحقته حتى تدنت لديه قيمة ذاته، فهانت عليه الحياة، وكانت محطة أولى بالمغادرة دون النظر لأسرته ومن هم حوله؟.
حتى الآن لا نجد إلا تهويمات عامة وغير أصيلة حول تفكير عدة أشخاص قرروا إنهاء حياتهم!!
ثمة قصص للانتحار آخذة في التزايد، وكل واحد من ضحاياها رسم نهاية وسيناريو وطريقة لإنهاء حياته. بالطبع هو أمر مفزع، لكن هناك ما هو أشد إفزاعا حين يتعلق الأمر بالملاحظات الصادرة عن اختصاصيين نفسيين.
يقول البروفيسور علي بلدو، وهو اختصاصي مشهور في الطب النفسي: “سيزداد عدد المنتمين إلى نادي المنتحرين في العام المقبل”. ربما كان بلدو مبالغا في تقديراته، لكن الأمر يتطلب مأخذاً جاداً لمعرفة ما آلت إليه الحالة النفسية للمجتمع، خصوصاً وأن الرغبة في مغادرة الحياة أصبحت ظاهرة تتناقل صورها وسائل الاتصال الحديثة. وغير ذلك، ثمة حالات يتم تصنيفها كوفاة طبيعية، وهي في الواقع حالات إاتحار، مثل الامتناع عن تلقي الخدمة الطبية وعدم التبليغ عن المرض وعدم الأكل والشرب، إضافة لحالات لا يتم الإفصاح عنها، خوفا من الملاحقات القضائية والاجتماعية، ويقول بلدو في هذا الصدد إن ظهور حالة انتحار واحدة يعد بمثابة قمة جبل الجليد الذي يخفي تحته العديد من الحالات المنتشرة، ويضيف بلدو وهو يتحدث لـ(اليوم التالي): “الجديد في هذه الظاهرة هو الخروج بها من المستشفيات والبيوت إلى الشارع العام”، ويشير في ذلك إلى عدد من الضحايا الذين وجدوا معلقين في أفرع الأشجار وآخرين مذبوحين أمام الدواوين الحكومية الرسمية.
بالطبع فإن تناقل مثل هذه الصور أمر مثير للاشمئزاز، ومن شأنه أن يترك كدمات وندبات نفسية عميقة، لأن رؤية الناس لهذه الحالات تمثل، في حد ذاتها، صدمة كبرى وتبث شعورا بالخوف لمن يراها، “كما تمثل نموذجا سيئا للاقتداء به وكسر حاجز الرهبة”، كما يقول بلدو، ما يشجع الآخرين لينحو ذات المنحى. ويحذر بلدو من أن الانتحار علنا من شأنه أن يزيد الرغبة سرا لذوي السلوك المضطرب، كما أن البعض سيشعرون بالذنب وتقريع الذات لعدم قدرتهم على عمل شيء لمساعدة من قرر إنهاء حياته بنفسه.
وبالطبع فإن الانتحار هو محصلة نهائية لعوامل كثيرة منها الاجتماعي، كالمشاكل الأسرية والنزاعات والخلافات الزوجية والتغيير الاجتماعى العميق في تركيبة المجتمع، ويضاف إلى ذلك أسباب نفسية مثل: الاكتئاب والانفصام، والتعاطي والإدمان واضطرابات الشخصية، جنبا إلى جنب مع ما يمكن أن نطلق عليه (آثار التدفق الهائل للمعلومات في الفضاء المفتوح).
وبحسب دراسة أعدت حديثاً فإن هناك علامات للتوجه الانتحاري، تتمثل في عامل السن، فكلما زاد العمر عن الأربعين عُد مؤشرا خطرا، بجانب تعاطي الكحول، فقد تزيد نسبته خمسين مرة من عموم الناس الذين شملتهم دراسة محاولات الانتحار السابقة، بجانب محاولة الانتحار بسبب فقدان عزيز وغال، والغضب الشديد. وتشير الدراسة التي أعدتها الباحثة (سلافة الزين) إلى أن أكثر الفئات لجوءا للانتحار هم فئة الشباب لابتعادهم عن القيم الإنسانية.
وتشير دراسة الباحثة سلافة الزين إلى أن الشروع في الانتحار يتضمن، من حيث حالات المقدمين عليه، انتحارا يقوم به الأسوياء، وآخر يقوم به مرضى نفسانيون، وطبقا للدراسات الميدانية التي أجرتها الباحثة، فإن هذه الفئة تشكل 2% من المنتحرين، ويكون الدافع للانتحار أفكارا أو معتقدات أو عادات، ويكون سلوكا مختارا ومقصودا، والقسم الثاني انتحار المرضى، وهؤلاء يقبلون على الانتحار بتأثير اضطراب عقلي أو نفسي.
وأشارت الباحثة إلى أن حوالي 35% من حالات الانتحار ترجع إلى الأمراض النفسية والعقلية، وتشير الدراسة إلى أن نسبة الانتحار تزيد عند الإناث، ففي إحصائية عام 2007، رصدت حوالي (579) حالة انتحار، (460) من الإناث و(119) من الذكور، وأرجعت ارتفاع حالات الانتحار لدى الإناث إلى الأمور العاطفية والتجارب الفاشلة في الزواج مثل المنع أو الإكراه على الزواج.
وأوصت دراسة سلافة المعنونة بـ(الشروع في الانتحار)، وتحصلت عليها (اليوم التالي) من الباحثة، بحتمية التعاون بين علم النفس وعلم الاجتماع والقانون، لدراسة ظاهرة الانتحار وتوعية الشباب وتذكيرهم بالمصير الذي يلاقيه المنتحر.
قانوناً، فإن المادة (20) من القانون الجنائي، الشروع في الانتحار، تعتبر جريمة مستقلة يعاقب عليها الجاني بالعقوبة المقررة السجن مدة لا تتجاوز سبع سنوات؛ وفي القانون الجنائي السوداني، تنص المادة (133) على أن من يشرع في الانتحار بمحاولة قتل نفسه بأية وسيلة يعاقب بالسجن سنة أو الغرامة أو السجن والغرامة معا. وتناولت المادة (134) من القانون أن تحريض المجنون أو الصغير أو السكران على الانتحار يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز سنة، فإذا حدث الانتحار نتيجة للتحريض يعاقب بالعقوبة المقررة
اليوم التالي