فقهاء هذه الأزمنة

(كلام عابر)
فقهاء هذه الأزمنة
عبدالله علقم
[email protected]
حينما كانت جحافل التتار على مشارف بغداد العباسية كان القوم غارقون في الجدل الأجوف مثل هل تبطل الصلاة إذا كان المصلي يحمل على كتفه جوالا من “الضراط” ، (ولا مؤاخذة)؟ بل ذهب بعض المتفيقهين ومتعالمي اللغة ليخوضوا في تفاصيل هذه الفعلة فيسموا ضرطة البعير بالردام والحمار بالحصام والعنز بالحبق ، وهلمجرا، و انزلق بعضهم محللا ومحرما.
وفي موقع اسفيري قرأت السؤال التالي: ما حكم أكل الفسيخ المملح مع العلم أن البائع يخرج أمعاء السمك قبل التمليح،أي أن الفسيخ يكون يسير النتن ولا يضر في الغالب؟ ولم يعدم المستفتي من يرد عليه وبعضهم يستند إلى الأحاديث النبوية الشريفة ليتوصلوا كلهم إلى تحليل الفسيخ مع الكراهة ما لم يتغير تغيرا يمنع أكله.
وعندما كانت جيوش محمد الفاتح تدق أبواب مدينة بيزنظة أو القسطنطينية والتي تعرف باستانبول اليوم، كان لهم أيضا جدلهم الشاغل الذي حمل فيما بعد اسم الجدل البيزنطي ، فكانوا يتناقشون حول كم ملاك أو شيطان يمكن أن يقف على راس الدبوس ، وفي رواية أخرى كانوا يختلفون حول من الأسبق خلقا … البيضة أم الدجاجة وفي رواية اخرى كانوا يتناقشون حول جنس الملائكة.
وعلى نفس النهج وبعد قرون طويلة جاء المهندس عبدالمنعم الشحات المتحدث باسم الدعوة السلفية في مصر ليقول ان احتراف كرة القدم وتنظيم المسابقات حرام شرعا لكن كرة القدم ذاتها حلال لأنها من باب “اللهو المباح” كما وصفها، لكن الحرمة تتمثل في اجراء المسابقات لها (مثل منافسات الدوري ) ودفع أموال للاعبين (يعني احتراف اللاعبين) ، وقال ان الاحتراف جعل اللاعب يحصل على مليونين وثلاثة ملايين في الموسم، والمحلل (الرياضي) يحصل على مائتي ألف جنيه في الشهر، بينما تهاجر العقول الطيبة خارج الوطن، وذهبوا لبناء أمريكا لأنهم لم يجدوا من يقدرهم في مصر. والواضح أن عبدالمنعم الشحات الذي انسل سهما من الماضي البعيد ليستقر في قلب الحاضر يعلم أن أمريكا هي جنة الرياضيين المحترفين مثلما هي جنة العلماء والعقول حيث يبلغ دخل النجم الرياضي المحترف من الاعلانات وحدها عشرات الملايين من الدولارات في السنة وليس مليونين أو ثلاثة ملايين من الجنيهات المصرية.
ثم خفف من فتواه بتحريم احتراف كرة القدم في معرض حديثه عن اللاعب “ابوتريكة” فقال إن ابوتريكة مثال للاعب الملتزم ولا أرضي له هذه المهنة (أي احتراف كرة القدم) ..فهو غير جائز لكن على ابوتريكة أن يستفتي آخرين فمن الممكن أن يحللوا له الاحتراف.
ومن حيث المبدأ يفترض في من يتصدى للإفتاء، كما يقول الذين يعلمون ، معرفة الكتاب و السنة وفهم قواعد اللغة العربية لسبر غور كيفية دلالات الألفاظ على المعاني وحكم خواص اللفظ من عموم وخصوص وحقيقة ومجاز وإطلاق ويفترض فيه أيضا معرفة أصول الفقه ومقاصد الشريع المتمثلة في الحفاظ على الدين والنفس والعقل والنسب والمال ومراعاة مصالح العباد ومعرفة واقع الإجماع، واذا افترضنا أن المهندس الشحات مجتهد وملم بكل ذلك فوق المامه بعلم ومهنة الهندسة، فلا يبدو أنه ملم بأحوال عصره وظرف مجتمعه الذي يعيش فيه ، كما يشترط في المجتهد ، ليتمكن من تكييف الوقائع التي يجتهد في استنباط أحكام لها، ء فالمجتهد كالمفتي لا بد له من معرفة واقعة الاستفتاء ودراسة الظروف الاجتماعية المحيطة بها والعوامل المؤثرة في الواقعة، فمعرفة الناس أصل يحتاج إليه المجتهد، والمجتهد يجب أن يكون عالماً بالأمر والنهي وطبائع الناس وعوائدهم وأعرافهم والمتغيرات الطارئة في حياتهم، فالفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والأحوال، وإلا سيفسد المجتهد على الناس أمورهم في غفلته وتنطعه وبعده عن واقع الحياة. باختصار.. عليهم أن ينصرفوا لما ينفع الناس ويتصدى لتحديات العصر.
و العالم من حول عبدالمنعم الشحات تجاوز عصر الانترنت وثورة الاتصالات ليدخل عصر الخلايا الجذعية ويستعد للانطلاق في رحلات تجارية تحمل ركاب الأرض للكواكب البعيدة والشحات ومن على شاكلته ما زالوا يجادلون كأهل بيزنطة في البيضة والدجاجة ورأس الدبوس و تحليل وتحريم الفسيخ والدوري واحتراف الرياضة ولحم الأرانب وتقديم القدم اليسرى أو اليمنى عند دخول المرحاض، ومن ثم يتراكم التخلف ويتواصل ويتأصل ، والعصر لا ينتظر أحدا وحركة الكون لن تتوقف.
والله المستعان على ما يصفون.
(عبدالله علقم)
[email protected]
اخي عبد الله انا من اشد المتابعين لكتاباتك علي قلتها واتفق معك في كثير مما اوردت ولكن ان يصل الامر الاسهزاء بالسنة فذلك يوردك مورد الهلاك الذي لا اتمناه لك فقولك اخير ا بتقديم الرجل اليمني او اليسري في المرحاض فهذا من سنة الاسلام الذي علمنا حتي طلوع الخلاء اي قضاء الحاجة وادابها اتمني لك الهداية