حمور زيادة: لو كان بيدي لعدلت على “شوق الدرويش” حتى لحظة الجائزة

حوار- محب جميل:

حمور زيادة، أحد هؤلاء الذين يكتبون عن المجتمع السوداني من وجهة نظر مغايرة، منذ مجموعته القصصية الأولى “سيرة أم درمانية” عام 2008، لفت إليه الأنظار بشدة، حتى جاء بعدها بعملين، هما “الكونج” عام 2010، و”النوم عند قدمي الجبل” عام 2014.

اهتم حمور بالكتابة عن الحريات والمجتمع المدني، ورصد من خلالها حكايات بسيطة عن الحياة السودانية وثقافتها، ومؤخرا، فاز بجائزة “نجيب محفوظ” للأدب من الجامعة الأمريكية بالقاهرة 2014. بشأن كتاباته ومشاريعه الثقافية، كان لـ”دوت #مصر” معه هذا الحوار.

حوار مع الكاتب السوداني حمور زيادة الفائز بجائزة نجيب محفوظ للرواية 17-12-2014- تصوير سعيد أسعد (1)

– ما الذي يعنيه لك الفوز بجائزة “نجيب محفوظ” ككاتب سوداني؟
بالتأكيد، يوجد مستويان من التقدير، أولهما شخصي يسعدني جدا، وثانيهما عام، حيث إنها ذهبت إلى كاتب سوداني، وهذا يسعد شريحة أكبر من القراء، خصوصا غير المهتمين بالأدب السوداني. هناك إحساس عام، ليس فقط لدى السودانين وحدهم، ولكن لدى العرب ككل، أن الأدب السوداني خارج دائرة ضوء الاهتمام النقدي، اللهم إلا أسماء قليلة كـ”الطيب صالح”، وأسماء أخرى محدودة تحاول جاهدة أن تشق طريقها، لكنها لم تحصل قبلا على التقدير وهذا النوع من الجوائز القيمة.

– لماذا ينسب النقّاد الفضل في الرواية السودانية إلى الطيب صالح، وهل جنت شهرته على كتاب السودان؟
إذا قلنا إنه فوّت الفرصة، فبالتالي سيكون هذا نوعا من الإدانة التي لا يتحملها أدب الطيب صالح، لكن أنا شخصيا لا أقتنع بمسألة تفويت الفرصة، حيث إن كل عمل أدبي يأخذ حصته بما هو مقسوم له من القراءة والمتابعة، هناك أدب رديء يجد حظا من الانتشار، وأدب جيد لا يجد مثل هذا الحظ.

دعنا نقل إن لكل عمل قَدره الخاص، وبالتالي لست مقتنعا أن الطيب صالح شكّل حجابا على باقي الكتاب في السودان، لكنه يظل بالتأكيد الاسم الأبرز والأشهر في مسيرة الرواية السودانية، أما عن أسباب شهرته وانتشاره على المستويين العربي والعالمي، فهذا أمر لا يمكن لومه بسببه.

– في رواية “شوق الدرويش” أصبحت العبودية حلقة اتصال بين أفراد النصّ، هل ترى أن العبودية بأشكالها صارت واقعا مفروضا على هوية العربي؟
الإنسان في رحلة عبودية بطبيعة الحال، وعندما نتحدث عنها كنظام اجتماعي ظلّ موجودا حتى فترة السبعينيات، حيث يوجد بعض الدول العربية والإسلامية التي تتعامل به، مثل موريتانيا، وكذلك داعش التي تحاول إعادة هذا الأمر إلى منطقة الشام. الإنسان بطبيعته عبد لأمور شتى، كالمال، التكنولوجيا، الشهوة، الطموح، الاحتياجات. وفي النهاية مسألة التحرر الكامل إشكالية كبيرة منذ الإنسان الأول في الكون، إنها رحلة نحو الحرية والتخلص من الرِق والأسر.

– أشارت الأديبة سلوى بكر إلى أنك اعتمدت على وثائق تاريخية ومرجعيات ثابتة في الرواية، فهل يمكن للقاريء أن يكتفي بهذا العمل لمعرفة تفاصيل الثورة المهدية؟
على الرغم من حرصي الشديد على الدقة التاريخية، فأنا لا أنصح أي شخص مهما كان أن يعتمد على الرواية كمرجع تاريخي، ومن يريد أن يعرف تاريخ الثورة المهدية، عليه أن يرجع إلى وثائق وكتب التاريخ، لكن يمكن اعتبار أن فن الرواية يقوم بأنسنة بعض الموضوعات التاريخية كما في دراما “ليالي الحلمية” مثلا. الرواية في النهاية محاولة لأنسنة المروية التاريخية وليست مرجعا ثابتا.

– شخصية “ثيودورا” تحولت من امرأة مبشرة إلى أَمَة وسبيّة حرب، هل توقعت كتيب “داعش” للتعامل سبايا النساء قبل صدوره؟
لا أدّعي هذا، فقد بدأت في كتابة الرواية قبل أن تظهر “داعش”، لكن المؤكد أن مسألة الرِقّ، ومحاولة العودة بالمجتمع إلى القرن السابع ليست من ابتكار “داعش”، وعندما تتحدث مع أي مواطن عربي بخصوص نظرته للعالم والإنسان، ستكتشف أن هناك جذورا داعشية متأصلة فيه، فـ”داعش” لم تهبط علينا من السماء.

أما عن مسألة استرقاق “ثيودورا”، فليس لها علاقة بـ”داعش”، لأنك ستجد أن هناك فقها شعبيا يقول إن هؤلاء الخواجات يمكن التعامل معهم بموقف الحروب، وبالتالي التعامل مع نسائهم مباح، هذا الفقه ليس أصوليا بل شعبيا، وبالتالي يصبح الزنا بالمسلمة حراما، أما الأجنبية فلا، لأنها غنيمة حرب.

– شخصية البطل “بخيت منديل” تسعى للانتقام على طول الخط، ويتحول الانتقام إلى محرض لاكتشاف هويته، هل هذا صحيح؟
هذا سؤال تحليلي نقدي إلى حد كبير، وفيه تحليل لشخصية البطل، وبالتالي سأترك المهمة للقاريء أو الناقد، أنا لا أفضل أن يقدم الكاتب تفسيرات أو ترجيحات معينة، فأنت تكتب العمل والقاريء له الحق في التأويل والتفسير.

– هل دفعتك أعمال تاريخية معينة كـ”الزيني بركات” لكتابة رواية تاريخية، أم أن أحداث الثورة المهدية حرضتك على ذلك؟
الموضوع شخصي، فالأدب التاريخي كرواية “الزيني بركات”، التي ضربت بها المثل رمزية إلى حد ما، فجمال الغيطاني كتبها كي ينتقد وزير الداخلية في تلك الفترة، وكذلك جورجي زيدان كتب رواية بعنوان “أسرية المتمهدي” عن فترة المهدي، رصد فيها الثورتين العرابية والمهدية، وكانت هناك قصدية معينة من خلال العنوان، وقد أراد جورجي زيدان أن يقول إن هذا الرجل مدّعٍ وناشر للفساد والفتنة في السودان.

أما “شوق الدوريش” فتنحو نحوا مختلفا، هي رواية تحاول عرض ما حدث في ذلك الزمن، وفق مصادر ومراجع، بغضّ النظر عن كوني سودانيا، ورؤيتي للثورة المهدية وأحداثها، اعتمدت على وجهة نظر بعض المرويات الأجنبية والوثائق، وعن وجهة نظر السودانين للأحداث، من خلال مرويات تلك الفترة، حتى وإن كانت متضادة، للوصول لأكبر قدر ممكن من الصورة الحقيقة الموجودة في ذلك الوقت.

لاحظ أن شخصا مثل “سلاطين باشا” وهو نمساوي، كان يعمل في السودان وأُسر في فترة الثورة، رأى أن الأمن كان مستتبا والأمور تسير على ما يُرام، حتى جاء هذا الرجل الكذاب مُدعي المهدية بفتنته، وأحدث في السودان الخراب، وكانت هذه أيضا وجهة نظر بعض المصريين في القرن التاسع عشر، وكانت تكتب في الجرائد، أما “أحمد العوام”، أحد أنصار عرابي، فكان يرى أن هناك فسادا وفجورا دينيا جعل منها أمرا واجبا، وبالتالي كان لا بدّ من تناول وجهتي النظر.

– ماذا عن النزعة الصوفية في الأدب السوداني؟
الثقافة الصوفية، أصل الثقافة السودانية، والثورة المهدية ثورة صوفية بالأساس، وقد يبدو هذا الأمر غريبا فأنت تتحدث عن صوفية متطرفة تكفّر الآخر، عندما قال الإمام محمد أحمد المهدي: “أنا المهدي المنتظر ومن لم يؤمن بي فقد كفر”، فلم يقل ذلك من فراغ، ولم يربط ذلك بنصوص دينية، بل أسسها على ثقافات صوفية وعلامات نبوية متوارثة، والثقافة الصوفية أصيلة عند أهل السودان، ويمكنك ملاحظة ذلك أيضا في شخصيات أخرى مثل “الحسن الجريفاوي” الذي آمن بالثورة.

– عادة ما تحفل الأعمال الأدبية التاريخية بقصة عاطفية تخفف من حدّة الأحداث، فهل قصدت ذلك؟
صراحة لم يلفت انتباهي ملاحظة كهذه، وأعتقد أنها ذكية، التيمات العاطفية في الأدب وخصوصا التاريخي لا بدّ أن تكون موجودة، وبالتالي تختلف مساحتها من عمل لآخر. في رواية “شوق الدرويش” كان مدخلي لها هذه التيمة العاطفية منذ البداية، قبل الشروع في الرواية، وليس لتبرير التاريخ.

– هل ترى أن الضغوط والأحداث الجارية في المنطقة تؤثر على حرية النص المكتوب بشكل عام؟
لم تكن الضغوط أبدا هي العائق أمام الرواية في يوم من الأيام، لكن السؤال هو أين موقع الكتابة في ظل التحديات الجديدة والعولمة؟ وخصوصا السينما التي أصبحت تهديدا كبيرا للنصّ المكتوب، وأضف لذلك أيضا آليات عصر العولمة والنصوص الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي.

– ككاتب سوداني ينشر في #مصر وله رصيد أدبي، هل أفادتك الثقافة المصرية في كتاباتك؟
بالتأكيد، فعلى المستوى النظري أي احتكاك بالثقافات المختلفة يوسع نظرة الإنسان ورؤيته للعالم، وسنواتي في #مصر ساعدت على تطوير أفكاري ورؤيتي الأدبية والثقافية، ولعلي إلى حد ما أندم على أنني لم أخرج من السودان في فترة مبكرة، ولكنها أقدار في النهاية.

الكتابة من خارج الوطن، تساعدك على تطوير نفسك لأنك لا تخاطب شريحة ضيقة محدودة من القراء الذين يشاركوك نفس اللهجة والثقافة، بل شريحة أوسع من القراء، عن نفسي أحسّ هذا الاختلاف حينما أقلب في مجموعتي الأولى “سيرة أم درمانية” التي كتبتها في السودان، حين أعيد قراءتها أحس أنها موجّهة للكاتب السوداني، وتحتاج إلى قدر كبير من الثقافة السودانية كي تفهمها، ودون قصد أن تتنقل إلى التعبير عن أفكارك إلى أسلوب يناسب الشريحة الأوسع التي تحتك بها.

– أي الكتّاب العرب تلفت أعماله انتباهك؟
أحب ربيع جابر اللبناني، وحاجي جابر الإريتري، هذه أسماء أعتبرها مهمة جدا، في السودان أحب عبدالعزيز بركة، وبالنسبة لي هو كاتب محقق، وأي رواية له ستوفر لي المتعة سواء “صابت أم خابت” فليست تلك المسألة، إنه ممتع ومختلف، أما في #مصر فهناك أسماء عديدة، مثل: طارق إمام، أحمد عبداللطيف، محمد خير، وأحب إيهاب عبدالحميد بشكل شخصي.

– ما جديدك في الفترة المقبلة؟
بدأت في رواية جديدة منذ شهر يوليو، لكنني بطيء جدا، وأجرّب كتابة العمل أكثر من مرة، ولو كان بيدي كنت سأعدل على “شوق الدرويش” حتى لحظة صعودي لمسرح الجامعة الأمريكية واستلام الجائزة، وليس لحظة دخولها المطبعة، ولا أعلم متى ستنتهي الرواية الجديدة.
دوت مصر

تعليق واحد

  1. لقت نظري اليه انه كان يرسم مسلسلات قصصية وهو في السنة السادسة او السابعة اساس . الرسم كان يفوق عمره ولكن الذي اقتعني انه استثنائي هو ال(zooming)! كان ذلك اكبر من عمره بمراحل . للاسف لم اقرأ ايا من رواياته . ولكن المصريين ليسوا كرماة الا مع المبدعين حقا وخصوصا غير المصريين . مبروك له ولوطنه

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..