تصاويرة تطابق واقع الكاميرا الفوتوغرافية..( الكاريكاتيرست ) أمبدي في حوار

* قد يكون لمعنى السياسة عند الكاريكاتيرست دلالة مختلفة لمعناها عند السياسيين أنفسهم!.
* الكاريكاتير السوداني بخير مقارنة برصيفه العربي والأفريقي، لأنه قام على معرفة تشكيلية ممتازة!.
* الصحافة السودانية الورقية اليومية شكلت عقبة أسهمت في تأخير التفكير الكاريكاتيري على نحو عالمي!.
خبر فني تناقلته وسائط التواصل الاجتماعي وبعض الصحف والمجلات المتخصصة، فوز الكاريكاتيرست السوداني (أمبدي) في مسابقة قبرص ونيله جائزة موقع (بيت الكرتون العربي) بالأردن بعد إحرازه للمركز الثاني عام 2014 في تلك المسابقة الدولية!.
وعند تصفحنا لسيرته الذاتية في هذا الحقل يتضح لنا أن هذا الاستحقاق الفني لم يكن المرة الأولى بالنسبة لهذا الفنان الموهوب، بل سبقت ذلك عدة منافسات دولية واقليمية استطاع أن يتحصل فيها جميعها على درجات ناجحة أهّلته ليتبوأ مراكز متقدمة وينال عدداً من الجوائز المخصصة. فأول هذه المسابقة التي شارك فيها كانت في ديسمبر 2007 بدولة الصين حيث نال فيها (جائزة الإمتياز)، بعد إحرازه للمركز رقم 50، وقتها عبر عن ذلك بأنه لم يصدق فوزه الذي أحرزه من بين الفائزين، خصوصاً وأن الأعمال المشاركة كانت قد فاقت الـ 3000 عمل!، ما أهله لكي يزداد حماساً اكثر دفع به لخوض التجربة التالية، ليحرز (جائزة الإمتياز) للمرة الثانية بعد أن حلً في المركز الـ 40، يقول أمبدي (إنّ الجوائز ورغم أنها شرفية وليست مادية، إلا انها ساهمت بشكل كبير في تتويجه فيما بعد بالعديد من الجوائز، فنال مبدعنا ثلاث دبلومات شرفية من البوسنة والهيرسك وجائزة شرفية في كل من سوريا وأذربيجان وأمريكا والبرازيل، الأمر الذي دفعنا للتعرف على تجربة هذا الكاريكاتيرست الذي ساهم في إعلاء شأن الكاريكاتير دولياً وإقليمياً، فدلفنا لمرسمه بكل هذا الفضول الصحفي.هو الريح أمبدي أبوبكر من مواليد السبعينيات، حيث ولد وترعرع بمدينة أمدرمان التي درس فيها المرحلة الابتدائية بمدرسة الرشاد والمتوسطة بالأميرية والعالي بوادي سيدنا، ثم دخل ?عن رغبة ? كلية الفنون الجميلة بجامعة السودان وتخرج فيها عام 1999متخصصاً في قسم التلوين.
حاوره: حسن الجزولي
* كيف انجذبت لفن الكاريكاتير وهو أحد أفرع الفنون البصرية ندرة في الاشتغال به في السودان؟!.
** بدأت علاقتي بفن الكاركاتير بعد العام 2002، أي بعد التفرغ من الدراسة الجامعية، حيث أهداني أحد الأصدقاء كتاباً لرسام كاركاتيرعالمي. هذا الكتاب هو الذي غير مجرى حياتي التشكيلية والكاركاتيرية، الكتاب كان عبارة عن رسومات كركتيرية (بدون تعليق)، أدهشتني الفكرة وجودة التصميم وبساطة التكوين. فكرت في عمل فعل فني موازي لهذا الكتاب، وكان نتاج ذلك دخولي إلى عالم فن الكاركاتير العالمي الذي يعتمد فيه الرسّام على الصورة فقط من غير أي تعليق.
* وكيف هيأت نفسك وروضدت ريشتك على الخروج من النمط السوداني إن جاز التعبير لتراهن على (صمت الكاريكاتير) ؟!.
** كان من الصعب طبعاً ان أخرج من الحالة الكركتيرية السودانية التي تأسست على السرد والحكي والكلام كما هو متبع الآن في (الكاركاتير الصحفي)، ولكن مررت في التجربة بنجاح والحمد الله، فرسمت للصحافة السودانية ورسمت للعالم، فكنت (أثرثر) مع الصحافة السودانية صباحاً وأرسم بعدها ب ( صمت ) محاكياً ومقلداً لأعمال الفنانيين العالميين!، وبعد ظهور الإنترنت في السودان، إمتلكت أول جهاز حاسوب في نهايات 2007، ودخلت عالم النت، وهذه هي الفترة الثانية من حيث علاقتي بفن الكاريكاتير العالمي وبداية دخولي لعالم المسابقات.
* ربما أنها مغامرة أن تبدأ هكذا بل وتدلف للمنافسة في مثل هذه المسابقات سواء كانت دولية أو إقليمية، وما هو مدهش فيها نجاحك بالمراكز المتقدمة والجوائز التي نلتها بشرف!.
** ما أشرت إليه بخصوص المسابقات عبارة سرد مختصر لمشاركاتي الكاركاتيرية الخارجية والتي بدأت كما ذكرت لك بدخولي إلى عالم الإنترنت 2007 حيث تمكنت من زيادة ثقافتي الفنية فيما يخص هذا النوع من الفنون، تلك الثقافة التي كنت أفتقدها هنا في السودان، هنالك على شبكة الإنترنت وجدت أمثلة لا حصر لها لكيفية تنفيذ العمل على نحو عالمي، تعرفت من خلالها على طريقة رسم وتنفيذ الأعمال التي تؤثر مباشرة على عقل ووجدان المتلقي، تعرفت على الكاركاتير ( الآخر ) تماماً.
* ما الذي يستهوي أمبدي من موضوعات فتجذبه للاشتغال عليها في فن الكاريكاتير؟!.
** أنا معجب جداً بالكاركاتير السياسي ، فالسياسة هي ملتقى النشاط البشري كافة، وهي خلاصة للرياضة والطب والهندسة والغناء والرسم والمسرح، الكاركاتير السياسي هو (أبو الكاركاتير)، لذلك أحب أن أرسم الكاركاتير السياسي، وفيه أجد نفسي وألواني وريشتي ومشاكلي وحلولي. غير أنه وبعد إطلاعي كما ذكرت لك على الاعمال العالمية، وجدت أن التعريفات و المصطلحات اللغوية والاكاديمية شئ والتعريفات الكاركاتيرية الخاصة بفن الكاركاتير شئ آخر، فقد يكون لمعنى (السياسة) عند فنان الكركتير دلالة مختلفة لمعناها عند (السياسيين) أنفسهم و لغيرهم من طلاب علم الإجتماع مثلاً!، الإختلاف ينبع من زاوية الرؤية التي يقف عندها الفنان متأملاً للمصطلح (سياسة)، فالرؤية الساخرة التي تشكل العمود الفقري لفن الكاركاتير، قد تقود الفنان لإفساح المجال لخياله لـ (إضافة أو حذف) بعضاً من حروف كلمة ( سياسة ) لتصير للكلمة دلالات ومعاني لغوية وإيحاءات نفسية ذات صبغه وجدانية أخرى.
* وهذا يعني باختصار أن الكاريكاتير العالمي وتعريفاته له مدلول ولغة خاصة به؟.
** يمكن أن أقول لا يوجد شئ إسمه (كركتير سياسي)، فالكركتير الآن أصبح (ملتقى حركات فنية) ، أصبح شبيهاً بالحديقة العامة المفتوحة للجمهور، ستجد في اللقطة الكركتيرية الواحدة المضمون السياسي ستجد المضمون الرياضي ستشاهد تلميحاً بصرياً ذكياً للواقع الإجتماعي، وهكذا هو الكاركاتير العالمي الذي يسود و يسيطر على معارض و مسابقات الكاركاتير.
* يا ترى ما هو تقييمك لفن الكاريكاتير السوداني؟!.
** الكاركاتير السوداني بخير وسيظل بخير خصوصاً إذا ما قارناه برصيفه العربي والأفريقي، لأنه قام على معرفة تشكيلية ممتازة، أسست على خبرة إنجليزية قديمة منذ عهد الإستعمار وتدريس مادة الفنون بالمدارس إنتهاء بكلية الفنون، هذه شكلت معرفة بصرية كبيرة لإنسان السودان يمتد أثرها المباشر وغير المباشر إلى الآن.
* وإلى أي درجة يمكنه هضم المفهوم الذي تتحدث عنه حول (الكاريكاتير الصامت)؟!.
** لأن الكاركاتير فن لا يدرس، فقد أصبحت لدينا إشكالية في تطوير الكاركاتير السوداني!، نحن ممتازون في الرسم، نعم ، ولكننا (متأخرون) في (التفكير الساخر)، فن الكاركاتير هو فن (الفكرة الساخرة) ، لن تصل للعالم برسوماتك ولكن بأفكارك. أنا الآن أرسم من عشرات الفنانين العالميين، ولكنهم أفضل مني لأنهم برسمون الكاركاتير بالعقل والحكمة ، وأنا أرسم بالفرشاة والألوان، لتنافس عالمياً يجب أن تفكر (عالمياً). ضربت لك مثلاً بنفسي لأدلل لك على أن الرسام السوداني يجب أن يطور أفكاره بصورة أكبر من التي عليها نحن الآن!.
* في رأيك ما هو دور الصحافة السودانية في تنمية الوعي البصري بفن الكاريكاتير؟!.
** واحدة من العقبات الكبرى التي أسهمت في تأخير التفكير الكاركاتيري على نحو عالمي ، هي ( الصحافة السودانية الورقية اليومية )، التي أراها قّيدت شكل وأسلوب وطريقة تنفيذ العمل الفني وحاصرته بل ووظفته لتمرير الرسالة الفنية الخاصة بأهل الصحافة و البعيدة نوعاً ما عن ( مزاج فن الكاركاتير )، لتبيان هذه النقطة يجب أن نؤكد أن فن الكاركاتير لا علاقة له بـ( الصحافة ) ، هو فن مثله مثل الرسم و النحت و الموسيقى و الغناء إلخ .. ولم يلتحق و ينتمي للصحافة إلا من باب الوصول السريع إلى المتلقي. أي أن العلاقة تجارية مادية ثم أخيراً (فنية). وهكذا إنقلب رأس الهرم، أصبحت الصحافة لا تحتاج لـ( الفن ) بقدر ما تحتاج لـ( التجارة ) وبالتالي لم يكن للصحافة الدور الكبير في تطوير الكاركاتير السوداني لأنها في الأساس قائمة على أشخاص ليست لديهم الرغبة في تطوير هذا النوع من الفنون، صحافتنا السودانية منفتحة على كل شيئ عدا ( الكاركاتير العالمي ) إقرأ ملاحقنا الثقافية ستجد تحليلاً لأعمال بيتوهفن و موزارت ، سيصادفك مقال عن العمارة في قرطبة القديمة ، ونقداً مؤسساً لجوائز مهرجان كان السينمائي ، ولكنك لن تجد ولو بالصدفة كركتير للعالمي ( آنخيل بولخين ) الذي يعد أفضل رسام في العالم هذا العام ، لذلك لن أنتم ك(رسام كاركاتير ) للصحافة السودانية وسأظل دوماً متحاملاً عليها ومحِّملاً لها جزءاً من مسؤولية عدم رغبتها في ( تطوير عقلي الكاركاتيري) ، وأقول أن عدم رغبتها تلك ناتجٌ من عدم معرفتها بفن الكاركاتير العالمي طبعاً ، لذلك أصبحت أنا ومجموعه كبيرة من أصدقائي الكاركاتيريين ( متفوقين ) على كثير من القائمين على أمر الصحافة السودانية في فهمنا للكاركاتير ومدارسه الفنية و النقدية ، فأصبحت الوجعه وجعتان وجع العارف الذي ينتظر من رئيس التحرير .التقييم ( الفني ) !! و التصحيح ووضع الدرجات !. مثال لذلك كنت قد إشتركت في مسابقة عن ( غابات الأمازون ) بالبرازيل وتم إختياري ضمن أفضل 17 عمل من بين مئات الاعمال ، لو كنت أسيراً للصحافة السودانية لما تجرأت على الإشتراك في هذه المسابقة العالمية ، ولو عرضت الكاركاتير الذي شاركت به على صحافتنا السودانية لكان مصيره ( سلة المهملات ) بحجة أن القارئ السوداني من الصعب أن ( يفهم ) الأعمال التي ليس بها تعليق!. لذلك كله أدعو الكاركاتيريست السوداني إلى الخروج من محلية صحافتنا إلى فضاء الإنترنت . هنالك سيتعلم كيفية إحترام الفنان و تقديره لذاته أولاً ، سيبدأ في تطوير مهاراته في الرسم و التلوين و التصميم و الإخراج الفني للعمل على نحو مختلف عن السائد في صحافتنا الآن ، التي تهتم فقط بالكاركاتير اللغوي وتقودك للوراء حينما تطلب منك أن تكون عارفاً بأمور السجع والتورية و الكنايات و الإستعارات.
* إلى لماذا تعزي غياب المعارض الجماعية والفردية لهذا النوع من الفنون في السودان؟!.
** لن تكن هنالك معارض وورش كاركاتير بالسودان لأن أمر الفنون في السودان موكل لغير أهله!. معظم المنشغلين بالفن تراهم موظفون وليسو فنانيين وهذه واحدة من إشكاليات معظم دول القارة الإفريقة والعالم الثالث على وجه الخصوص، دائماً ما تأتي الثقافة في ذيل الترتيب. أضف لذلك إلى أن السلطة دائماً ما تنظر إلى الكاركاتير على أنه فعل معادٍ، لذلك لن تفتح لك الصالة ولن تجهد في تنظيم المعارض الكاركاتيرية ما لم تضمن أن المعروض يتماشى مع وثبتها الثقافية. لذلك لا أحلم بمعرض كاركاتير سوداني برعاية المؤسسة الرسمية!.
الميدان
ما كان تجيب لينا ولو كاريكاتير واحد تدعيما لمقالك عن الرجل حتى نرى بصمته ويعرفه الجميع