خواطر حول الدولة المدنية (3) حرية الحركة والتنقل .اا

خواطر حول الدولة المدنية (3) حرية الحركة والتنقل
منى بكري ابوعاقلة
[email protected]
استرسالاً لما بدأناه من تواصل خواطرنا حول الدولة المدنية، ولتقريب الشقة بين النظرية والتطبيق، نود أن نقدم نماذج عملية من دولة المدينة المنورة، ونقرأها مع أنموذج المشروع الحضاري الاسلامي (السودان)، لنرى ما عليه الخلاف والاختلاف في التطبيق والممارسة بين دولة المدينة ودولة المشروع الحضاري السوداني في شأن حرية الحركة والتنقل.
فيما ورد من نصوص في حرية التنقل والحركة، قال سبحانه وتعالى ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)﴾ ( سورة الملك)، والمقصود بها أن يكون الإنسان حراً في السفر والتنقل داخل بلده وخارجه دون عوائق تمنعه، والتنقل حق إنساني طبيعي تقتضيه ظروف الحياة البشرية من الكسب والعمل وطلب الرزق والعلم ونحوه ، ذلك أن الحركة تعتبر قوام الحياة وضرورتها، وأنها مبجلة ومقدسة وفق معايير الشريعة الاسلامية. و لا يمنع الإنسان من التنقل إلا لمصلحة اقتضت الحفاظ على الأرواح، كما فعل عمر بن الخطاب ? رضي الله عنه ? في طاعون عمواس، حين منع الناس من السفر إلى بلاد الشام ،الذي كان به هذا الوباء، ولم يفعل ذلك الا تطبيقا لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه و إذا وقع بأرض و انتم بها فلا تخرجوا فرار منه). و لاجل الحث على ممارسة الناس لحقهم في التمتع بحرية التنقل، حرم الإسلام الاعتداء على المسافرين، والتربص بهم في الطرقات، و أنزل عقوبة شديدة على الذين يقطعون الطرق و يروعون الناس.
أما من شأن دولة المشروع الحضاري الاسلامي، وبالنظر إلى الدستور الانتقالي السوداني لعام 2005، فقد جاء متوافقاً مع روح ونصوص الشريعة الاسلامية، وذلك كما ورد في حرية التنقل والإقامة المادة 42 (1) لكل مواطن الحق في حرية التنقل وحرية اختيار مكان إقامته إلاّ لأسباب تقتضيها الصحة العامة أو السلامة وفقاً لما ينظمه القانون. (2) لكل مواطن الحق في مغادرة البلاد وفقاً لما ينظمه القانون وله الحق في العودة.
ورغم وضوح نصوص الدستور السوداني، التي تؤمن بحرية الحركة والتنقل، إلا أن دولة المشروع الحضاري الاسلامي انتهت بنقض ومخالفة نصوص الشريعة الاسلامية وما جرى عليه العمل في دولة المدينة، ولم تكتف بذلك، بل خافت حتى نصوص الدستور الانتقالي، واتجهت لتطبيق ممارسة، بحظرها سفر النساء للخارج، وذلك بما أتت به من قانون الجوازات واجراءات الهجرة لعام 1990 ؛ الذي يحظر سفر النساء خارج السودان دون موافقة ولي الأمر (المحرم) وهو ( الأب، الزوج، الأخ، او حتى الأبن). ولكن، نجد أن قانون الجوازات والهجرة، لم يبين لنا، من أين ولماذا أتي هذا المنع؟ وعلى أي الأسس استند في مرجعيته؟؟؟ وأي مصلحة عامة يخدم؟؟؟ وما هو الضرر الناجم من سفر النساء حتى يستلزم التقييد؟؟؟.
ما أعرفه، أن نصوص قانون الجوازات والهجرة، شكلت تناقضاً صارخاً وشنيعاً مع نصوص الدستور السوداني وكذلك شكلت مخالفة للممارسة العملية التى أتى بها الرسول (ص) وسيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه)، والتي اقتضت مصلحة الحفاظ على الأرواح، حيث جاء القيد استثناءاً على حرية الحركة والتنقل وحماية لمصلحة عامة، حيث أن الحرية أصل في الاسلام، وحتى حرية الكفر مباحة.
في حين جاء القيد بأن تمنع المرأة السودانية من السفر للخارج، وحتى السفر إلى الحج، دون مرافقة المحرم أو موافقته، دون توضيح الدواعي التي أدت لفرض ذلك القيد. ونرى حتى على مستوى التطبيق له، فقد أتى مشوهاً حيث لم تتساوى في المنع كل النساء، فهنالك نساء ينتمين للمشروع الحضاري، يستطعن أن يسافرن كيف ومتى وأنى شئن بحيث لا يشملهن هذا المنع.
ولم نسمع بفتوى صدرت من علماؤنا الأجلاء لتوضح مستوى التناقض والانتهاك التي وقعت فيها دولة المشروع الحضاري. ولا ادرى لماذا لم يفتى علماء دولة المشروع الحضاري الاسلامي في ذلك، في حين أنهم أفتوا وأجازوا كل ما له علاقة سياسية، فلماذا لم يفتوا في الحقوق القانونية والدستورية؟ في حين أن العلماء في مختلف مشارق الأرض ومغاربها حتى علماء السعودية أفتوا في هذا الأمر وقال الشيخ العبيكان ” أن سفر المرأة من دون محرم، سواء بالطائرة أو غيرها، جائز” وأستند على فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) بأنه يجوز للمرأة أن تسافر للحج من دون محرم إذا أمنت على نفسها”. ولكن يبدو أن دولة المشروع الحضاري وعلماؤهم الأجلاء لم يسمعوا بهذه الفتاوى أو يتجاهلوها حرصاً وطمعاً في النفوذ وولاء السلطان، ولذا أبقوا على أصل المنع الذي ينكل بالتعاليم الاسلامية ويتنكر حتى لقوانين ودستور دولة المشروع الحضاري ناهيك عن الشريعة الاسلامية.
ويزداد الأمر غرابة، لأنه في غير حالات المنع التي نص عليها قانون الجوازات والهجرة، تأتي حالات منع كثيرة جداً حدثت من السلطات الأمنية لمواطنين حاولوا السفر وتم منعهم عنه، والذي أعرفه، لا يوجد نص صريح في قانون جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني، يمنع السفر، ولكن رغم ذلك، تدل الممارسات التي تقع على تقييد حرية التنقل والحركة لاعتبارات أخرى لم يسندها قانون، بل هي تخضع لأهواء وأمزجة مستبدة تريد التحكم بمصائر الناس وتقييد حركتهن في التنقل دون وجه حق. فتم فرض مزيد من القيود على حرية الحركة والتنقل، مع استمرار حملات الاعتقال، وأعمال التنكيل، ولم ينج السياسيين والصحفيين والاعلاميين والأكاديميين، ونشطاء حقوقيين وأعضاء المجتمع المدني من المنع حيث طال الجميع.
ومن الممارسات نذكر على سبيل المثال لا الحصر: ذكرت منظمة هيومان رايتس ووتش، “كانت قوات الأمن في مدينة الابيض قد منعت في مطلع يونيو/حزيران 2011م مراسلين من قناة الجزيرة من السفر إلى جنوب كردفان”. وفي هذا الاطار، قالت الصحافية السودانية “لبنى احمد حسين” لوكالة فرانس برس “أن السلطات منعتها من السفر الى لبنان حيث كان يفترض ان تشارك في برنامج تلفزيوني”. كما منعت أجهزة الامن ناشطين سياسيين واكاديميين واعضاء منظمات مجتمع مدنى من التوجه إلى مدينة كمبالا للمشاركة في مؤتمر تقييم وتطوير المحكمة الجنائية الدولية، من بينهم الدكتوره مريم الصادق المهدى والدكتور بخارى الجعلى. كما منعت السلطات الامنية دكتور الباقر عفيف، من السفر عبر مطار الخرطوم بعد ان اكمل كل الاجراءت، وكذلك منعت السلطات الأمنية دكتور الترابي، وذلك بعد أن أكمل إجراءات سفره علي الخطوط القطرية المغادرة إلي الدوحة. وغيرهم كثر لا يتسع المجال لذكرهم. في حين أن كل من ينتمي لدولة المشروع الحضاري له حرية في الحركة والسفر لا تحده حدود أو قيود.
ولكن، حين يأتى الأمر بوضع القيود على حرية الحركة والتنقل، فلابد من وضع تساؤل مهم وهو: من الذي له الحق في وضع هذه القيود؟؟ في الإجابة على هذه التساؤل، نورد ما ذكره المفكر الاسلامي المغربي (الأدريسي) في حوار أجرى معه يوم 24/09/2011 ? بصحيفة – أخبار الناس، حيث قال ” يجب ألا نضمر شرا بالحرية أو سوءا بها، أو أن نسعى كسلطة مستبدة، سواء كان الواحد منا أبا أو مديرا أو رئيسا أو حاكما دكتاتوريا، أو أي صاحب سلطة عليا، أن نتربص بالحرية ونرفع شعارا مخادعا بها، ثم نأتي إلى ضرورة تقييدها منطقيا ونبدأ من خلالها في اغتيال الحرية، فالأعمال بالنيات، ولذا يجب أن نؤمن بأن الذي يقيد الحرية هو رب الحرية الذي خلقها، وهو الذي خلق الإنسان الذي بدونها لا يعيش، وبالتالي يجب أن نكون أوفياء للمنطق الإلهي في تقييد الحرية”.
ومن هنا، يبدو أن دولة المشروع الحضاري الاسلامي السوداني قد نصبت من نفسها حارساً وراعياً لحرية الحركة والتنقل، بهدف قمعها ووأدها لتنفيذ مآرب وليس احتكاماً وامتثالاً لأوامر الله سبحانه وتعالى ولا اتباعاً لسنة رسوله الكريم ولكن إمعاناً في مصادرة الحريات دون وجه حق، ودون إعطاء تبريرات لمخالفة ما نص عليه الدستور السوداني.
ويواصل المفكر الاسلامي “الادريسي” بقوله ” أن القيود التي يضيفونها من عندهم ومن عقليتهم وتقاليدهم…مثل بعض القيود على حرية المرأة وحركتها داخل المجتمع المسلم؛ إذ نجد أن المسلمين أضافوا لها قيودا في لباسها وحركتها وفي علاقتها بالرجل، ظنا منهم أنها من الدين، وإنما هي من عصر الانحطاط وما دخل على المسلمين من ثقافة الروم والفرس والهنود وغيرهم”. انتهى الاقتباس عن الادريسي.
كما يمكنني القول، أنه في ظل انعدام فهم حقيقي يفسر النصوص القرآنية كما أتت، وفي ظل ممارسات شاذة تنحرف عن ممارسات دولة المدينة وما جرى عليه العمل، وتشوبها شبهة أهواء وأدواء، بفتح الباب لاستدراك واستثناءات وضعوها من عند أنفسهم لقمع الحريات. فمن هنا تأتي المخالفة، لأن الله سبحانه وتعالى لم يأت بنقص ليتم استكماله واستدراكه بفهم مشوه وسوء نية لا تخدم إلا مصالح القلة الحاكمة.
وأنني أُؤمن بأن الحرية تخلق الإبداع والتجدد والانفتاح وأنها تتماشى مع الاحتياجات الانسانية وتطورها وليس العكس. وأن حرية الحركة والتنقل حقّ للجميع أعترف به الاسلام دون قيود، إلا التي أتت في إطار الشريعة الاسلامية وما جاءت به وأتى ذلك متوافقاً ومتناغماً، مع القوانين العالمية، حيث ينص الاعلان العالمي لحقوق الانسان، لكل شخص الحق بمغادرة أي دولة كانت بما فيها دولته ولكلٍّ الحقّ بالعودة إلى بلادهم، بل ولكل شخصٍ الحق في التنقل بحرية في بلاده.
موضوع جدير بالبحث والتنقيح والتحري خصوصاً من جانب الممارسات الاسلامية العملية في زمن الرسول (ص)، ولكني أود لو استرسلت الاستاذة منى حول القيد على الحرية وقدمت لنا أرءاً فقهية حوله، لأن موضوع بات يترك للتقدير الخاص دون مراعاة الضوابط العملية الفقهية حوله.
ركزت الأستاذة منى بكري على ما هو هام من تقييد حرية الانسان السوداني بمنعه من السفر خارج البلاد ولكنها نسيت شيئا مهما جداً وهو شهادة الاستيفاء لمغادرة البلاد فقد تكرم علينا الاخ رئيس الجمهورية قبل اعوام مضت بإلغاء تأشيرة الخروج للسودانييين و التي كان يعمل بها منذ زمن بعيد و بعد انتقادات و مجاهدات من كتاب صحفيين و غيرهم تم إلغاء ما يعرف بتاشيرة الخروج لانها تخالف الدستور ولانه من حق اي مواطن مغادرة البلاد في اي وقت يشاء طالما كان يحمل جوازا للسفر ساري المفعول و سجله الجنائي خالي من المنع. هلل الناس و كبروا بهذا القرار وشكروا السيد رئيس الجمهورية لشجاعته و احقاقه للحق ولكن كانت الصدمة من وزارة الداخلية ممثلة في الادارة العامة للجوازات ان أتت علينا بما يعرف بشهادة الاستيفاء نعم الغينا تأشيرة الخروج و فرضنا هذا الإجراء فتم استبدال محمد بمحمد احمد. فعلى كل مسافر ان يذهب كما في السابق لاي مكتب جوازات و دفع رسوم اورنيك و دفع الدمغات وتعبئة الطلب و مقابلة الضابط للحصول على التصديق و دفع الرسوم التي تضاعفت عما كانت عليه ايام تأشيرة الخروج و التدقيق في القوائم و الانتظار حتي استلام شهادة الاستيفاء و كل ذلك بعد تقديم المستندات المطلوبة من تذكرة سفر و خدمة إلزامية و إثبات مقدرة مالية و خلافه و لمزيد من الاستخفاف بعقل المواطن السوداني يتم اصدار شهادة الاستيفاء كورقة منفصلة لا علاقة لها بجواز السفر كما كانت تأشيرة الخروج و مع مرور الوقت و لان الناس قد نسوا تم الغاء هذه الورقة و إرجاع الشكل القديم لتاشيرة الخروج بالختم على الجواز بدون ان يكتب تاشيرة خروج فاكتفوا بختم الضابط و عللوا لذلك بان المعلومات موجودة في الكمبيوتر بما في ذلك المطارات السودانية الدولية. بمعنى اخر تم إرجاع العمل بنظام تأشيرة الخروج فلماذا؟
1/ اذا كان الهدف تقييد حركة الناس من السفر فالحل يكمن عند اصدار جواز السفر فكيف تمنحني جوازا للسفر وتطلب مني إذنا عندما ارغب في السفر فما فائدة الجواز و ما الغرض من الحصول عليه غير السفر بعد دفع مئات الجنيهات لاستخراجه فان كنت ستطلب مني إذنا عندما آريد ان ان أسافر فلا تمنحني له من الأساس.
2/ اذا كان الغرض جباية الاموال فقولوا ذلك صراحة وليس لنا غير الرضوخ و سنقوم بدفع اي مبلغ يفرض علينا في المطار عند كاونتر الجوازات.
3/ اذا كان الغرض تقييد سفر المجرمين و الممنوعين من السفر فأسماؤهم تحدث كل ساعة و موجودة في كمبيوترات كل الاجهزة الأمنية فامنعوهم عندما يأتون للسفر بل هى فرصة لاعتقالهم ان كانوا هاربين او على ذمة قضايا و لا داعي لذكر ان عشرات المجرمين والمطلوبين تم تهريبهم عن طريق مطار الخرطوم مع العمل بنظام تأشيرة الخروج المسبقة.
4/ ليست هنالك دولة واحدة في العالم غير جمهورية السودان تفرض على مواطنيها هذا الإجراء حتى سوريا الدكتاتور الاسد قامت بإلغاء تأشيرة الخروج منذ زمن بعيد.
5/ مخالفة دستور السودان الانتقالي لعام 2005 و الذي لم يقيد سفر السوانيين خارج البلاد.
6/ الغش ومخالفة قرار السيد رئيس الجمهورية بإلغاء تأشيرة الخروج.
7/ هذا نداء للسيد الرئيس و للصحافة و منظمات المجتمع المدني من اجل الوقوف بقوة و الصراخ بأعلى صوت لإلغاء هذا الاجراء اللعين و الذى تضررنا منه نحن المغتربين فكم من مرة يفكر المغترب بقضاء إجازة احد الأعياد او حتى عطلة نهاية الاسبوع مع اهله في السودان و يتراجع عندما يتراءي له بعبع تأشيرة الخروج و التي لا تمنح للمغتربين و لا لغيرهم في المطار كما يدعي اهل الجوازات و ذلك حتى بعد تسديد الضريبة او (المساهمة الوطنية الإجبارية) و الزكاة و رسوم الخدمات.
8/ نريد ان ننعم بحرية القدوم و الخروج من بلادنا وتما نشاء وكيفما نشاء ولا أظن ان ذلك مستحيلا.