عام على رحيل سعاد إبراهيم أحمد?..الذكرى ستبقى حيّة

ما هي العوامل التي ساهمت في التكوين الفكري لسعاد وكيف انضمت لصفوف الحزب الشيوعي؟
نشأت سعاد في أسرة مستنيرة تحترم حرية المرأة ?. فمتى شعرت بالتمييز ضدها كامرأة لأول مرة وكيف كانت ردة فعلها؟
وهى طالبة في جامعة الخرطوم وقفت ضد اتفاقية مياه النيل وضد التهجير القسري لأهالي حلفا.
إعداد : مديحة عبدالله
عام مضى على رحيل الأستاذة سعاد إبراهيم أحمد لم تغب أبداً عن سجل النضال اليومي لأجل الديمقراطية والسلام والعدالة الاجتماعية تلك القيم التي حملتها سعاد في عقلها وقلبها، لم تساوم أو تتنازل قط ولم تجبن عن مواجهة شراسة النظام في محاولاته كسر إرادة المناضلين وظل منزلها ومكتبها قبلة للمعارضين من كل الفئات ووجد فيه الشباب والنساء الملاذ والسند والمؤازرة. ثمة معلومات وحقائق عنها كسياسية ومدافعة عن حقوق المرأة لا يعرفها الكثيرون حيث اتصفت بالعناد والجسارة في التمسك بوجهة نظرها وأسلوب حياتها الخاص الميدان التقت بالأستاذة فتحية فضل صديقة الراحلة سعاد إبراهيم أحمد التي شهدت محطات هامة في تأريخ حياتها المفعم بالحيوية وذلك بحكم زمالة الدراسة والصداقة التي استمرت حتى لحظة الوفاة، والميدان تتقدم بالشكر لدكتور محمد هلال الذي سَهَّل مهمة القيام بهذا اللقاء.
والأستاذة فتحية فضل التي زاملت الراحلة سعاد في محطات مهمة في حياتها تخرجت في جامعة الخرطوم وعملت في معهد الإدارة العامة?الخرطوم، وابُتعثت لأمريكا حيث تخصصت في علوم المكتبات، ثم شاركت في تأسيس معهد الإدارة العامة بصنعاء ضمن فريق الأمم المتحدة ومن ثم عملت بالكويت بالمؤسسة العربية لضمان الاستثمار لحين التقاعد. تحدثت عن الأستاذة سعاد بكل تقدير ومحبة وحزن فماذا قالت؟ .
قالت الأستاذة فتحية: تميزت سعاد إبراهيم أحمد بأنها كتاب مفتوح لكل الفئات الإجتماعية التي تعاملت معها (عمال وشباب ونساء ومثقفين) ظل منزلها مفتوحا على الدوام وظلت هي هي لم تتغير وتتحدث عن نفسها بكل بساطة.
بدأت علاقتي بها منذ المرحلة الثانوية في مدرسة أم درمان الثانوية، وتوطَّدت هذه العلاقة في السنة الدراسية الأخيرة وساعد على ذلك أن الدراسة الثانوية في ذلك الوقت (1949) كانت (5) سنوات فسكنا معا في داخلية البنات، وساهمت عدة عوامل أخرى في تقوية العلاقة بيننا، منها الاهتمامات المشتركة في الاطلاع على الكتب الأدبية والشعر العربي والانجليزي وكانت مكتبة الأستاذ محمد صالح الشنقيطى (زوج عمة سعاد) تمدنا بكل ما يروي شغفنا للإطلاع، خاصة الكتب التي تتصدى للقضايا الاجتماعية، وساعد على ذلك أيضا الزمالة والصداقة بين والدينا إضافة إلى التعارف بين الأسر بحكم التخصص المهني لوالدي ووالد سعاد في مجال الهندسة.
وتمضى الأستاذة فتحية في سردها لذكرياتها مع الراحلة سعاد، فقالت: خلال الدراسة الثانوية كانت الساحة السياسية تمور بالإضرابات الطلابية بما في ذلك الطالبات ? خلال تلك الفترة تعرضت سعاد لبعض المشاكل والاتهامات بالعمل ضد هذا التيار في تقربها من الإدارة المدرسية خصوصا المعلمات البريطانيات. شخصيا، كنت أرى أن بعض تلك الاتهامات كانت بسبب إجادتها اللغة الانجليزية وكونها ابنة العم إبراهيم أحمد الذي كان يتمتع باحترام عميق من الإدارة البريطانية وأيضا لقربه من حزب الأمة وتسبب ذلك في كثير من المضايقات لسعاد وتجاوزتها لكونها كانت قوية الشخصية ومتماسكة.
المرحلة الجامعية والاتجاهات السياسية:
شّكلت المرحلة الجامعية بداية جديدة وإضافة في شخصية الراحلة سعاد، قالت الأستاذة فتحية: شهد العام 1955 دخولنا جامعة الخرطوم كلية الآداب واختارت سعاد التخصص في مجال الاقتصاد واللغة الانجليزية بينما اخترت أنا دراسة الاقتصاد والفلسفة، لكن استمرت علاقتنا قوية وسكنا في غرفة واحدة، وانتمت سعاد للمستقلين في الجامعة بينما كنت أنا في صفوف الحزب الشيوعي.
ومضت في حديثها قائلة: أخذت الشخصية القيادية لدى الراحلة سعاد تتبلور وتظهر من خلال عملها وسط المستقلين في الجامعة وشغلت موقع نائب رئيس اتحاد الطلاب باسم المستقلين وقامت بإلقاء خطاب الاتحاد نيابة عن رئيس الاتحاد في ذلك الوقت الأخ عمر سعيد، كما ظهرت شخصيتها القوية تجاه القضايا العامة وبرز ذلك عند توقيع اتفاقية مياه النيل (1958-1959) ففي زيارة لها في مصر حملت معها الاتفاقية وهى طالبة جامعية وذهبت لمقر مجلة روز اليوسف وأبدت رأيها حول قضايا منطقة وادى حلفا منتقدة الاتفاقية وبدأ منذ ذلك الوقت ظهور اهتمامها بمشاكل أهل المنطقة.
وعن الأسباب التي دفعت الأستاذة سعاد للالتحاق بصفوف الحزب الشيوعي قالت فتحية فضل: لقد تضافرت عدة عوامل أقنعت سعاد للانتظام في صفوف الحزب الشيوعي السوداني، منها: أنها أخذت تطلع على مطبوعات الحزب التي كنت اتركها في الغرفة بكثير من الاهتمام والإعجاب، إضافة إلى أنها نشأت في أسرة تتيح حرية التفكير وحرية الاختيار وتتميز بالحرية الاجتماعية ومن مظاهر ذلك أن سعاد كانت تستخدم العجلة في تنقلاتها في وقت كان ذلك يعتبر من المحرمات بالنسبة للمرأة. وفى خضم تلك الأجواء لاحظت سعاد الاختلاف بين طرح الحزب الشيوعي في القضايا السياسية وبين المستقلين إضافة للموقف الواضح للحزب تجاه قضية المرأة. وهنا أرى لزامًا علىَّ أن أؤكد ما كانت تصرح به كثيرا بأنه لا فضل لأحد في تجنيدها للحزب الشيوعي رغم ادعاءات بعض الشخصيات بهذا الشرف.
سعاد إبراهيم أحمد ?موقف مبدئي تجاه قضية المرأة:
قالت الأستاذة فتحية ردا على سؤالي حول العوامل التي دفعت سعاد لاتخاذ مواقف مبدئية تجاه قضية المرأة هل توجد أسباب ذاتية لذلك مع علمنا بمدى الحرية الاجتماعية التي كانت تتمتع بها في محيطها الأسرى؟ قالت: نعم سعاد كانت تتمتع بحرية حركة واسعة أتاحت لها الانضمام لمناشط كثيرة خارج الإطار الدراسي في الجامعة ? إلا أن هناك مواقف ذاتية شعرت خلالها بالتمييز ضدها كامرأة فعقب التخرج عملت في مصلحة الإحصاء وترأست فريق للقيام بمسح في منطقة وادى حلفا ضمن مشروع قامت بتمويله الأمم المتحدة مما أتاح لها تغطية قرى متفرقة فاتهمت بأنها ومجموعتها ساهموا في تأجيج الحركة الجماهيرية ضد التهجير المجحف لأهالي وادى حلفا فعمدت سلطة إبراهيم عبود لإسقاط اسمها من التقرير وتم فصلها لاحقا.
سعاد رفض قاطع للتمييز:
نشاط سعاد ذلك لم يكن مرحبا به من قبل الأسرة لعوامل مختلفة وتصاعد الأمر عندما حاولت أسرتها منعها من المشاركة مع نساء وداى حلفا في تجمع مناهض للترحيل في ميدان أبو جنزير، وتعاملت مع حرمانها في المشاركة في ذلك التجمع بحدة وقررت أن تعتبر نفسها حبيسة المنزل وهنا تأكد لسعاد بأنها قد تعرضت للتمييز والاضطهاد رغم تمتعها بحريات كبيرة نسبيا، وبعد أن التحقت بالعمل في جامعة الأحفاد كأستاذة لغة انجليزية، وكان لها إسهامات بجانب التدريس في الجمعيات وتعلقت بها الطالبات للدرجة التي صارت (قصة شعرها موضة وسط الطالبات) وربما كانت تلك أحد العوامل التي كشفت أمام سعاد التمييز الذي تتعرض له المرأة حتى لو نشأت في كنف أسرة متحررة، الشيء الذي دفع بها التمسك بمواقفها وحفزها على اختيار شريك حياتها بمحض إرادتها رغم انه لم يكن من الأسرة.
سعاد تصالح المظهر والمضمون:
قالت الأستاذة فتحية: تجمع سعاد في شخصيتها أشياء تبدو متناقضة إلا أنها منسجمة مع تكوينها وشخصيتها القوية المتميزة فهي عنيدة عنيفة لكن يقابل ذلك شخصية رقيقة عطوفة كريمة لدرجة التهور أحيانا، كانت تجيد أي عمل تقوم به سواء كان نشاطا فكريا أو اجتماعيا أو حتى منزليا، وتكاد لا تفصل بين ما هو عام وخاص وكانت تضع مصلحة الحزب الشيوعي في قمة أولوياتها في أي منحى من مناحي حياتها، لذلك ارتقت المواقع القيادية وأصبحت عضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، كانت حريصة على الارتباط بالسودان وأهله لذلك أصرت على أن يدرس ابنها الوحيد في مدارس سودانية حكومية في بداية مراحل تعليمه، وعاشت متواضعة في منزلها بالخرطوم هذا المنزل الذي ظل مفتوحا طوال ساعات اليوم وأولت اهتماما خاصا لقضايا النساء والشباب ومنطقة وداى حلفا وكل القضايا النوبية، فقد كان لها القدح المعلى في أنشاء مركز الدراسات النوبية الذي سمى باسمها بعد الرحيل.
وفى ختام ذكرياتها الغنية قالت الأستاذة فتحية: اختم حديثي بإزجل الشكر والوفاء لسعاد، إذ أتاحت لنا هذا اللقاء والتحية والتجلة لصحيفة (الميدان) الغراء العزيزة علينا وللأستاذة رئيسة التحرير.
* في رحيل القمر (تُبرز داخل المادة)
مخاطبة في الذكرى السنوية الأولى لرحيل أختي وصديقتي سعاد: عفواً سعاد، فقد كان الوقت بيننا قصيراً دائما رغم علاقتنا الممتدة لأكثر من ستين عاماً إلا أنه لم يتسع لأعبر لك عن جزيل شكري ووافر محبتي وعظيم امتناني للكثير الكثير الذي غمرتني به بكل أريحيةٍ ومحبةٍ وسخاء بالوقت والجهد، كان قمته وأنا في دروب وحشة وغربة الترمُّل المبكِّر ? كنت بجانب أسرتي سندي وعضدي لاجتياز مصاعب الحياة وبالطبع لا استثني أسرتك الكريمة ?. لقد كانت زياراتك المتفرقة في تلك الأيام تنقل لنا نبض الحياة خارج دائرة الحزن المسيطرة على كل أهل البيت.
عفواً سعاد! لقد غافلتنا وانسحبت عن الدنيا، ورغم العلل التي كانت تنتاشك أمامنا، إلا أن شجاعتك النادرة في تحمل المرض وكتمانه حتى من أطبائك أعمتنا عن الحقيقة إلى أن فاجأنا رحيلك المْر ?.فهل من سماح؟؟.
أخيراً باسمك يا سعاد وباسم كل أحبَّائك خصوصاً من تمكن معاودتك بمستشفى (تُقى) أن أتقدم بأجزل الشكر والتقدير لأسرة المستشفى ليس للعناية الطبية الفائقة التي أحاطوك بها فحسب، بل لاهتمامهم بأن تظل المستشفى مفتوحة ومرحبة بزوارك الكُثر، وكأنها بيتك يا سعاد الذي لم يضُدَّ أحدا قط، فمعذرة على العبء الذي فُرض على إدارة المستشفى، فشكراً مستشفى تقى.
فتحية فضل ديسمبر 2014
*اقتباس: اسم مقطوعة لعازف العود العراقي عرفة شمت، أهداها لروح شقيقته التي اغُتيلت غدراً وانتقاماً منه لهروبه من وطنه بعد الإفراج عنه.
الميدان
سعاد أبراهيم أحمد المناضلة القامة العظيمة التى قلما عرف السودان امرأة مثلها ناضلت ونافحت من أجل حقوق المرأة, فأليتغمدها الله بواسع رحمته.