احمد عثمان مكي زعيم غير قابل للنسيان

(1) كنا ثلة من الصادقين مثلما ندعي في تلك الايام ، في جنوب النيل الازرق ويومئذ توقفت مفاوضات السلام بين الحكومة والحركة الشعبية بسبب احتلال الحركة الشعبية مدينة توريت ، واشتعلت الحرب وذهبت اثر تلك المعارك صعوداً الي السماء انفس طيبة وطاهرة ، الشهيد هشام فرح والشهيد محمد عبد الله خلف الله والشهيد العميد عبد المنعم الطاهر وغيرهم من الاخيار الانقياء الاتقياء ، وفي غمرة هذه الاجواء الحزينة كانت تتوالي علينا كل يوم سيرة شهيد قد رحل الي دار الخلود ، وفي يوم اشد حزناً جاءنا الناعي ينعي الينا رحيل احمد عثمان المكي والحزن عليه يومها يكاد يصيبنا في مقتل ، ورغم ان اخبار الموت في الغابات والأحراش اقل مرارة وحزناً لكن الحزن علي ود المكي كان كبيراً بقدر تعلقنا به كزعيم محتمل للمرحلة التالية في مسيرة الحركة الاسلامية ، في تلك اللحظة إذا بواحد من المجاهدين يسألنا ببراءة وسذاجة وصدق هل استشهد احمد عثمان المكي في توريت ، وبالطبع كانت الاجابة الصمت وليس هناك من جواب لهذا السؤال سوي الصمت المشوب بالاستغراب والتعجب .
(2) جيلنا في الحركة الاسلامية لم يلتقي احمد عثمان المكي كثيراً بسبب هجرته التي تطاولت الي بلاد العام سام ، ولكن تاريخ الذكريات في الحركة الاسلامية ظل شاهداً علي حضوره الباذخ فلا يكاد مجلس من مجالس الاسلاميين يتناول سيرة الحركة وتاريخها إلا وود المكي حضوراً مميزاً فيه بتاريخه الناصع الجميل ومواقفه البطولية ، كيف لا وهو رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في السبعينات وما ادراك ما جامعة الخرطوم في السبعينات ، كيف لا وهو قائد ثورة شعبان ضد مايو ، كيف لا وهو اسطورة جامعة الخرطوم في مقاومة الظلم والدكتاتوريات ، كيف لا وهو ملك المنابر الطلابية بلا منازع .
(3) لم يعرف تاريخ الحركة الطلابية منذ رواق السنارية في الازهر الشريف و خلاوي الشيخ ادريس ود الارباب في العيلفون مروراً بمدرسة غردون وجامعة الخرطوم قائداً طلابياً تجاوزت سيرته وصيته اسوار مؤسسته التعليمية مثل ود المكي ، فود المكي وهو ما يزال طالباً في جامعة الخرطوم أصبح ايقونة شعبية للجماهير يتردد اسمه وهجاً والقاً فوق الالسن التي تنشد العزة والكرامة والثورة حتى صار منافساً لكبار الساسة والزعماء في تلك الايام .
(4) ظلت علاقة ود المكي بالدكتور الترابي علي مر السنوات رغم ابتعاد ود المكي يكسوها كثيراً من الود والاحترام وقد سمعت ممن اثق به ان الدكتور الترابي قال ان الحركة الاسلامية لو لم تنجب غير احمد عثمان المكي لكفاها ذلك ، ولعل الدكتور الترابي كان يدخر الرجل لمرحلة من مراحل تطورات الحركة الاسلامية ، ولعلي به يستدعي مقولة سيدنا عمر لو كان ابو عبيدة حياً لخلفته ، ولكن اقدار الرحيل حرمت الحركة الاسلامية من قائد كبير وكما يقول المحبوب عبدالسلام في نحيبه ونعيه لود المكي انه افضل زعيم ما حظينا به ، ظل الدكتور الترابي ضنيناً يمارس عادة الصمت النبيل في الحديث عن ابنائه النجباء ، اتمني ان يكون الحديث عن ود المكي استثناء فمن يستنطقه عن ود المكي .
(5) سيرة ود المكي ظل يشوبها كثير من الغموض والدهشة ، و الدهشة تطرح سؤالاً كبيراً لماذا غاب احمد عثمان المكي عن مشهد الانقاذ طوال العشرية الاولي استوزاراً او مستشاراً او حزبياً وهو من هو في تاريخ الحركة الاسلامية زعامة وقيادة ، لماذا دفعت الحركة الاسلامية بأحمد عثمان مكي في كنبة الاحتياطي طوال حقبة الانقاذ الاولي رغم انه افضل نجومها ، طبيعة الاجابات التي تتولد من هذا الغموض تطرح اجابة لكنها ليست كافية لوحدها وهي ان صراع الانداد في الحركة الاسلامية اطاح بزعيم كان سيحدث اثراً كبيراً في مستقبلها ولكن لؤم الاسلاميين والغتاتة التي تميزوا بها كما يقول احمد سليمان المحامي جعلت من قائد شعبان خارج قائمة الفعل المعلن والظاهر طوال سنوات العشرية الاولي من الانقاذ .
(6) تعالت الاعناق وهي تنظر الي مواقف قادة الحركة الاسلامية في السرادق والساحات عند المفاصلة الشهيرة والناس يومها كان ينظرون بمنظار دقيق المثالية لهذه المواقف بين معسكر السلطة ويعني الضلال والسقوط الذي لا وقوف بعده ، وبين معسكر الدكتور الترابي ويعني الوفاء للفكرة والقيم الربانية والحق الذي لا ضلال بعده ، ومن غيره يمكن ان تتطلع اليه الاعناق وتقاس به المواقف ، احمد عثمان المكي كان من المنضمين الي تيار الحق يومئذ وكان انحيازه فتحاً كبيراً فانحاز معه كثيرون فأحياناً الحق يعرف بالرجال .
(7) شاهدت فيلماً امريكياً يحكي عن اطلاق سراح الرهائن الستة في السفارة الامريكية ايام الثورة الايرانية والرجل الذي قاد هذه العملية كرمته الدولة الامريكية بوسام سري خلعته منه بعد تسليمه له لدواعي السرية ، وبعد عشرين عاماً كرمته الدولة الامريكية علناً وأعادت له الوسام ، هذه الحادثة تستدعي سؤالاً عريضاً ماذا كان احمد عثمان المكي يفعل في امريكا فرجل مثله ليس جديراً به انه كان يبحث عن المال او انه استهوته الحياة الامريكية ، ولذلك نحن في حوجة لمن يعيد لنا اكتشاف ود المكي في امريكا وفي الصين وفي ماليزيا وماذا فعل للحركة الاسلامية والأمة الاسلامية في سنوات الهجرة الطويلة علي الاقل حتي نعطي الرجل ما يستحق من المعروف ولو بالدعاء .
(8) اخيراً : الي اصدقاء ود المكي القدامى والي عارفي فضله ، هل ما زال التنافس واللؤم علي اشده والرجل يتمدد في قبره ، لماذا لا نتذكره كما يتذكر الناس قادتهم وزعمائهم ، هل ما قدمه ود المكي لحركته وأمته لا يشفع له في تكريم يليق به ، لقد اصبح للخاتم عدلان مركزاً للفكر ، وأصبح لعبد الكريم مرغني مركزاً للثقافة ، وأصبح لمجذوب الخليفة منظمة اجتماعية فلماذا يموت ود المكي مرتين .
علي عثمان علي سليمان
[email][email protected][/email]
والدي الذي عاصر اتحاد اولاد المكي قال عنه انه نسيج وحده قدره اعداؤه قبل الأصدقاء, وقد كانت له صولات وجولات ابان ثورة شعبان خاضها في شجاعة نادرة ونامل من معاصروه وعلى راسهم د. حسن مكي وبعض قيادات الشيوعيين الكتابة عنه سلبا أو ايجابا.
هذاء رجل أمة شهد بذلك المنافس قبل الصديق رحمه الله
شخص ناصر الإنقاذ طوال سنوات تيهها و مات و هو يخوض حروبها الدينية المفارقة لأبسط الحقوق و الأخلاق و القيم، ماذا يمكن أن يقال عنه بوجهة نظر محايدة؟ و لماذا يمكن أن أن نظن أنه كان سيكون مختلفاً لو أن رفاقه كانواتخلوا عن لؤمهم (لؤم الإسلاميين) الذي ذكرته و استوزروه أو مكنوه من شأن عام، ما الذي كان سيعصمه عن الفساد كما كل أبناء الحركة الإسلامية الذين تولوا مناصب عامة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
قبحكم الله يا هؤلاء بقدر نسيانكم لاحمد عثمان مكي
نعم كلام سليم والله .
الشعوب لا تحتفى الا بمن يترك اثرا بعد موته .. لم نقرأ كتابا او نرى اثر لفكر خلفه هذا الرجل .. اسماء كثيرة تقلدت رئاسة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم , التجانى عبد القادر , داؤؤد يحى بولاد , فاروق أحمد آدم , امين بنانى نيو , بشير آدم رحمة .. اين هم الآن .. صاروا نسيا منسيا .. اسماء لمعتها الحركة الأسلاموية .. أصلب العناصر لأصعب المواقف .. عناصر هشة أغرتها السلطة فتحولوا الى مفسدين فى الأرض .. من نعم الله على أحمد عثمان مكى انه مات بعيدا قبل ان تنغمس اياديه فى فساد سلطة الكيزان .. لا نملك الا نترحم عليه وندعو له بالمغفرة وحسن القبول !!!