انجليزي علب

كنا في وقت ما من تاريخ السودان القريب نعتد اعتدادا كبيرا بمعرفتنا و إجادتنا للغة الانجليزية و كنا كذلك نعتبرها جزءا مكملا للشخصية الديوانية التي لا تكتمل أناقة مقامها إلا بإجادة هذه اللغة، و لا اخالني مخطئا إذا قلت أن كثيرا من السودانيين قد أتيحت لهم فرصا للعمل في مواقع مرموقة في مختلف أنحاء العالم بسبب إجادتهم لهذه اللغة فضلا عن مؤهلاتهم العالية كما لا يخفى عليكم و لذلك كان بعضنا يرى أن عدم إجادة الانجليزية منقصة لمن يتولون المناصب العامة في بلد كان نظام الخدمة المدنية يسير فيه على النمط البريطاني ، و لهذا كانت تصدر منا بعض العبارات التي تدل على استيائنا من عدم استخدام أو نطق هذه اللغة على الوجه الصحيح مثل ( عاين الانجليزي الدُراب دا ) أو( دا انجليزي علب) لا ادري ما العلاقة بين اللغة الإنجليزية والعلب ولا الجهة التي أطلقت عبارة ( انجليزي علب ) و لكني اعتقد غير جازم بأن الذي أطلقها لابد أن يكون احد الأساتذة الأجلاء الذي ساءه أن ينحدر مستوى هذه اللغة إلى درجة أصبح الناس يستعينون فيها بما يتداوله العامة من لغة ركيكة للتعبير عن أنفسهم علي طريقة الاخوان الظرفاء في فرقة الهيلاهوب (والله إنت “كوتشن” مارك ساي ما بتعرف التكتح ) منتقدين في ذلك العبارات الإنجليزية التي تصدر جزافا من(ناس السوق ) و أنصاف المتعلمين لإيهام غيرهم بأنهم على قدر من العلم والمعرفة إلى حد يستطيعون فيه حشر بعض الكلمات والعبارات الانجليزية أثناء تخاطبهم مع الآخرين دون عناء و أنهم “يمشون حالهم” إذا ما حشروا في زاوية التعلم و المتعلمين والمثقفين.
و تحضرني بهذه المناسبة قصة حدثت لي و أنا أقف منذ سنوات مضت في شارع المعونة بالخرطوم بحري( و هذا اسمه الذي عرفه به الناس لسنوات و كان المقصود المعونة الأمريكية) بانتظار وسيلة للمواصلات إلى حلفاية الملوك حيث كنت اسكن وقتذاك و فجأة تعطلت إحدى عربات الملاكي بقربي و حاول راكباها الاثنين عبثا تشغيل محركها و لكنه كان في كل مرة يمنيهم بالدوران (تك… تك….. تك…. تتك…. تتك ) ثم ما يلبث أن يصمت صمت القبور وبعد عدة محاولات رأى مستخدمو هذه السيارة ( الهكر) أن يستفيدوا من خدماتي ما دمت واقفا هكذا لا شغل و لا مشغلة فنادوا على ” ايدك معانا يا شاب ” فتوكلت على الحي الذي لا يموت و بدأت معهم مشوار الدفر الذي انتهي بعد مسافة غير قصيرة بدوران المحرك الذي أثار من الدخان و الأتربة ما غطى سماء المنطقة ، فأنتظر السائق انقشاع ما أثاره محرك سيارته من زوابع ليبدي لي شكره و امتنانه علي مجاهدتي معه مضيفا إليها (آسفين على الطرابل يا خي ) فاعتقدت انه قال( الطُراب) فربما يكون الأخ من أصول مصرية أو انه عاش في مصر حينا من الدهر فتأثر بطريقتهم في النطق فبدأت في نفض ثيابي مما أصابها و قلت له مجاملا : لا ياخى ما في (تراب) و لا حاجة الموضوع بسيط ولكني لاحظت أن زميله اخفي ابتسامة ماكرة و هو ينظر إلي ثم ما لبثا أن أسرعا إلى السيارة حتى لا يتوقف محركها مرة أخرى و لعلهما من فرط فرحتهما نسيا أنى ما أزال بالجوار فسمعت زميل السائق يخاطبه : بالله صاحبك دا لابس قيافة كدا و ما عارف كلمة (طرابل) بالانجليزي يعني شنو ؟ فرد عليه صاحبه : أنا عارف ياخي ؟ ما هم ديل أفندية آخر الزمن ثم قهقها مسرورين و أنا انظر إلى سيارتهما تسير وهي ( تعرج ) من كثرة ما بكفراتها من رقع و لكني لم اعرف سببا لهذا السرور المفرط ولم افطن إلى انه يقصد كلمة trouble يعني إزعاج إلا بعد أن أعدت التفكير في مجمل ملابسات هذه الدفرة و خاصة الابتسامة الماكرة التي لم أدرك معناها إلا متأخرا فتمتمت : غلطان أنا التعبت نفسي في الدفر و المدافرة معاكم يا …….، أما الحكاية الثانية فكانت مع احد الأقرباء ? عليه رحمة الله -الذي كانت طبيعة عمله تأخذه إلى لندن من حين لآخر ، فطلب منه الغسال الذي يجاورهم أن يحضر له هدية من تلك البلاد ( ياخي ما تجيب لينا حاجة من (لندون) دي يا إبراهيم) فكان أن استجاب إبراهيم لطلبه واحضر له هدية مناسبة ففرح بها أيما فرح و ملأ المكان بضحكة مجلجلة مضيفا إليها (سانك يو فور نوسنق nothingيا ابراهوما يا ظريف ) فلم يكن أمامنا إلا أن نشاركه الضحك واصبحنا نتداول عبارته هذه ردحا من الزمن بقصد المزاح و الهزل مع الزملاء. و لابد لي من الإشارة بعد كل هذا إلى إن إجادة الأجيال السابقة من الخريجين و غيرهم للغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الأجنبية الأخرى لم يقلل أبدا من إجادتهم للغة العربية فقد كنا محظوظين بأن شهدنا عهد الأستاذ الموسوعة الذي يجيء إلى حصة المذاكرة و يسمعك من أشعار العرب و الفرنجة ما يدهشك و يجيبك على أي سؤال في معظم المواد دون عناء ثم جيء لنا بالتعريب فلم نُجِد العربية و لا الإنجليزية على حد سواء.

يحيى حسين قدال
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يا حليل الزمن السمح داك يا استاذ ، بقينا نجتر الذكريات فلم يعد في حياتنا شيئا يمكن ان يوصف بالجمال هذه الايام ، و ين زمن ال spellingو ال dictation و ال readers التي كانت تزيد حصيلة الطلاب من هذه اللغة المهمة بل اللغة الاكثر انتشارا في العالم. العالم يتقدم و نحن نخطو الف خطوة للوراء.

  2. هذه من تحولات الزمان.
    منذ أيام سمعت محادثة بين إثنين من العرب.قال زميلي للآخر في الهاتف : البي أم عصاية.!
    و لعله يقصح حرف (P) الأفرنجي.فتأمل.

  3. يصل الكاتب المحترم الة هذ1 النتيجة في حتام مقاله”إن إجادة الأجيال السابقة من الخريجين لم يقلل أبدا من اجادتهم للغة العربية:
    تلك هي الخقيقةالتي غابت عن الاتقاذيين وهم لسعون في هدم الذخيرة اللغويةلاجيال السودانيين طنا منهم ان لم تقوية للعربية وهو في الواقع هدم للغتين كليهما.تهانينا

  4. أضيف لك هذه الطرفة في نفس السياق . أعمل في شركة سعودية ومديرنا لغته (دراب) وزار الشركة وفد ألماني بعد صلاة الظهر ودام اجتماعهم مع المسئول عن زيارتهم حتى صلاة العصر. وهم ينوون المغادرة شد المدير على يد الضيف وهو يقول له (Good night) وفي باله أنه يقول له goodbye . احتار الضيف ثم في ابتسامة ذات مغزي قال له : It is too early my friend وهنا انفجرنا ضاحكين وصاحبنا لا يدري لماذا ولم يكن يجرؤ أحد على إفهامه الطرفة.

  5. ياقدال غريبة ما تفهم انجليزى علب مع انها واضحة فكل المعلبات كما هو معروف ( فواكه, لحوم ,خضروات …الخ) لا تكون جيدة كالطازجة (الاصلية) وكلك نظر

  6. يديك العافية أستاذنا أبو محمد وأنت دوماً تحملنا وتطوف بنا في كل ما هو جدير أن ننتبه له ونحن نسير نحو بناء دولة فتية تملك من الأدوات ما يجعلها تدخل في تيار الحضارة التي انتظمت العالم لتسهم بما هو خير للإنسانية واللغة (الإنجليزية) لا شك هي من تلك الأدوات.
    خطر ببالي وأنا أطالع مقالك مقولة لأحد علماء الاجتماع في صياغ تعريفه لثقافة مجتمع ما تطرق للغة ذاكرا بأنها عربة الوعي الجمعي. أتساءل هل كان الاعتداد بمعرفة اللغة في الزمن الذي ذكرته كان وعياً متقدما لأهمية اللغة الإنجليزية التي أضحت في زماننا هذا هي عربة الوعي العالمي.

  7. اخي يحيي ليه بتقلب علينا المواجع والله ما عندنا هم مع الغيال غير تحسين لغتهم الانجليزيه والغربيه والخط واذكر ونحن طلبه في مصر كان اخواننا المصريين بحسدونا علي لغتنا الانجليزيه وجمال الخط اما الان فالحال تبدل لا انجليزي ولا عربي ولا خط ويا حليل ابوضامر وصالح ابكر وسفيان الرفاعي وبقيه العقد الفريد بالابيض الثانويه

  8. العزيز القدال : ( (سانك يو فور نوسنق nothing) لهذه الاستراحة اللغويه ..
    وايضا : اضافه لما ذكره الاخ/ سيد محمد : هنالك ايضا من العرب من يقول : ( B ) بى ام بطن ،،( P ) بى بدون بطن ..

  9. يا حليل الزمن السمح داك يا استاذ ، بقينا نجتر الذكريات فلم يعد في حياتنا شيئا يمكن ان يوصف بالجمال هذه الايام ، و ين زمن ال spellingو ال dictation و ال readers التي كانت تزيد حصيلة الطلاب من هذه اللغة المهمة بل اللغة الاكثر انتشارا في العالم. العالم يتقدم و نحن نخطو الف خطوة للوراء.

  10. هذه من تحولات الزمان.
    منذ أيام سمعت محادثة بين إثنين من العرب.قال زميلي للآخر في الهاتف : البي أم عصاية.!
    و لعله يقصح حرف (P) الأفرنجي.فتأمل.

  11. يصل الكاتب المحترم الة هذ1 النتيجة في حتام مقاله”إن إجادة الأجيال السابقة من الخريجين لم يقلل أبدا من اجادتهم للغة العربية:
    تلك هي الخقيقةالتي غابت عن الاتقاذيين وهم لسعون في هدم الذخيرة اللغويةلاجيال السودانيين طنا منهم ان لم تقوية للعربية وهو في الواقع هدم للغتين كليهما.تهانينا

  12. أضيف لك هذه الطرفة في نفس السياق . أعمل في شركة سعودية ومديرنا لغته (دراب) وزار الشركة وفد ألماني بعد صلاة الظهر ودام اجتماعهم مع المسئول عن زيارتهم حتى صلاة العصر. وهم ينوون المغادرة شد المدير على يد الضيف وهو يقول له (Good night) وفي باله أنه يقول له goodbye . احتار الضيف ثم في ابتسامة ذات مغزي قال له : It is too early my friend وهنا انفجرنا ضاحكين وصاحبنا لا يدري لماذا ولم يكن يجرؤ أحد على إفهامه الطرفة.

  13. ياقدال غريبة ما تفهم انجليزى علب مع انها واضحة فكل المعلبات كما هو معروف ( فواكه, لحوم ,خضروات …الخ) لا تكون جيدة كالطازجة (الاصلية) وكلك نظر

  14. يديك العافية أستاذنا أبو محمد وأنت دوماً تحملنا وتطوف بنا في كل ما هو جدير أن ننتبه له ونحن نسير نحو بناء دولة فتية تملك من الأدوات ما يجعلها تدخل في تيار الحضارة التي انتظمت العالم لتسهم بما هو خير للإنسانية واللغة (الإنجليزية) لا شك هي من تلك الأدوات.
    خطر ببالي وأنا أطالع مقالك مقولة لأحد علماء الاجتماع في صياغ تعريفه لثقافة مجتمع ما تطرق للغة ذاكرا بأنها عربة الوعي الجمعي. أتساءل هل كان الاعتداد بمعرفة اللغة في الزمن الذي ذكرته كان وعياً متقدما لأهمية اللغة الإنجليزية التي أضحت في زماننا هذا هي عربة الوعي العالمي.

  15. اخي يحيي ليه بتقلب علينا المواجع والله ما عندنا هم مع الغيال غير تحسين لغتهم الانجليزيه والغربيه والخط واذكر ونحن طلبه في مصر كان اخواننا المصريين بحسدونا علي لغتنا الانجليزيه وجمال الخط اما الان فالحال تبدل لا انجليزي ولا عربي ولا خط ويا حليل ابوضامر وصالح ابكر وسفيان الرفاعي وبقيه العقد الفريد بالابيض الثانويه

  16. العزيز القدال : ( (سانك يو فور نوسنق nothing) لهذه الاستراحة اللغويه ..
    وايضا : اضافه لما ذكره الاخ/ سيد محمد : هنالك ايضا من العرب من يقول : ( B ) بى ام بطن ،،( P ) بى بدون بطن ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..