تسعون بالمائة من الفتيات يستخدمن كريمات تفتيح البشرة بإفراط ويصرفن مليوني دولار..

الخرطوم ? زهرة عكاشة

بالنسبة لمدير مركز فرساي للتجميل (شاهندا تبيدي) فإن تجمل الفتيات ليس أمراً جديداً، فهو منذ الأزل لتكون جذابة وجميلة ومحور حديث المجتمع الذكوري، وتعتقد أن ذلك لن يتأتى إلا عبر اللون الأبيض، لكن في حقيقة الأمر أن اللون ليس هدفاً أو مكسباً للجمال. لكن بحسب شركات تجميل عالمية فإن نساء الوطن العربي يستهلكن خمسة أضعاف الأوروبيات وتسعة أضعاف الأمريكيات من مستحضرات التجميل، فقد سجلت التقديرات حجم مبيعات مستحضرات التجميل في المنطقة العربية ثلاثة مليارات دولار عام “2010”، وأشارت دراسة لشركة الأبحاث “يورو مونيتور إنترناشيونال” لأن الاستهلاك في سوق مستحضرات التجميل والعناية بالجمال العربية قد تضاعف بنسبة “300%” ما بين “2009” و”2012″م.

في السودان الأمر لا يختلف كثيراً إذ تتعطر المرأة وتتجمل لزوجها منذ الأزل كذلك، وتشير الأخبار إلى أن السودان خسر أكثر من مليوني دولار في أدوات التجميل للعام المنصرم، رغم تمتعها بأشياء طبيعية تجعل المرأة جميلة وجذابة دون اللجوء إلى استخدام الكيماويات وغيرها من الأشياء التي تحصل عليها من مشاهدة الفضائيات والشبكة العنكبوتية.

وتقول شاهندا إن طالبات الشهادة العربية ساعدن في انتشارها بترويجها والإعلان عنها، واصبح الاطباء والصيادلة أيضا جزء من المشكلة بتركيب هذه الكريمات وبيعها لأن ربح الكريمات أكثر من العقاقير ولا رقابة ترى ذلك لتمنعه، وتابعت: في حقيقة الأمر نحن شعب مغرم بالتقليد الأعمى، حتى انتهى زمن الدخان والدلكة لكن المرأة الواعية هي من تستمر في استخدامهما.

أكدت شاهندا من واقع تجربتها أن النساء من كل الأعمار باتت تستخدم تلك الكريمات حتى صار الأمر مخيفاً بالنسبة لها، وقالت إن “90%” من الفتيات، ومن بينهن عروسات، يستخدمن كريمات تفتيح البشرة بإفراط، لكن الفئة الأكثر إقبالاً عادة ما تكون من الطبقة الوسطى، وما دونهاـ لارتفاع نسبة الجهل وقلة الوعي، وأقول إن ذلك يشكل خطراً يتهدد حياتهنّ ويقودهنّ إلى التهلكة؛ مثل العروس التي تركت الصبغة على رأسها يوماً بحاله، لاعتقادها أن هذه المدة ستعمق مفعولها وتجعل شعرها أشد سواداً ولمعاناً، ولأن مسامها كانت مفتحة نتيجة لاستخدام الكريمات، ماتت قبل أن تستمتع بحياتها، وقالت: “المؤسف في الأمر أن الكريمات ليست حكراً على المرأة فقط، بل أضحت تجذب الشباب الذكور أيضا، وأقبلوا عليها بقوة”.

وأكدت شاهندا أن القيمة المادية لا تقف حاجزاً أمام الفتاة لأنها تدخر مصروفها الجامعي لدفع قيمة فاتورة الكريمات، مهما كانت كلفتها، وحذرت من استخدام المكواة وكريمات فرد الشعر، لأنها ألدّ أعداء الشعر، ونبهت إلى أن جميع أنواع مواد فرد الشعر تنتهي مدة صلاحيتها في “6” أشهر فقط، وليس ثمة ما يسمى بـ(الفرد الدائم)، وأضافت: هذه إحدى الثقافات الخاطئة المنتشرة الآن.

كل الجمال

المفهوم الخاطئ السائد وسط الفتيات تجاه استخدام الكريمات الكيماوية هو ما يؤرق الدكتورة (ندى سمير)، وهي اختصاصية في الأمراض الجلدية، وما يثير حنقها أنّ الفتيات يسعين من وراء ذلك للحصول على أكبر قدر من الجمال، غير آبهات بالآثار الصحية الناجمة من ذلك، ومن خلال تجربتها وجدت أن الفتيات يحاولن بشتى الوسائل والطرق أن يغيرن لونهن إلى الأبيض، غاضات الطرف عن السبب الرئيس والحكمة الإلهية التي جاءت باللون الأسمر الناقع الجميل.

بالنسبة للدكتورة ندى، من الطبيعي أن تهتم كل أنثى بجمالها، لكن ما ليس طبيعيا أن تلحق الضرر بنفسها، عبر الاستخدام غير المرشد لكريمات تفتيح الوجه والبشرة، وأشارت وهي تتحدث لـ( اليوم التالي) إلى أن الاستخدام المفرط لـ(الكورتيزون) خاصة لفترات طويلة، يؤدي إلى ترقق الجلد وظهور الشعيرات الدموية، ولفتت إلى أن اللجوء إلى (البوتيكات) ومحال خلط الكريمات من الأخطاء الشائعة التي تقع فريستها الفتاة، لأنها تلجأ إلى شخص لا يعرف شيئا عن استخدامات تلك الكريمات سوى أنها تفتح اللون، فمثلاً (الكورتيزون) يستخدم لعلاج السرطانات، ومن آثاره الجانبية تفتيح اللون، وكذلك حقن (الإنسولين).

وطالبت د. ندى كل الفتيات بالوقوف عند هذا الحد، وتقول: من الخطأ الإدمان على الأشياء الضارة بالصحة، كل شيء يمكن علاجه، فقط عليك اتخاذ القرار، المشاكل إذا وقفت عند الطبقة الخارجة للبشرة والوجه والشعر فهذا مقدور عليه، لكن بمجرد نفاذها داخل الجسم يصبح من الصعب معالجة ذلك، لأنه يتعامل مع الغدد الصماء وهو أخطر جهاز في جسم الإنسان لكسله المعروف، فبمجرد امتصاصه لتلك المواد يخمل ويتوقف عن العمل، وينتظر المد الخارجي، متابعة الموضة خاصة التي تتعلق بالبشرة، من أسوأ الأشياء.

غزو فكري واستلاب ثقافي

يشير أستاذ علم الاجتماع بجامعة الرباط الوطني الدكتور (حسين عبد الرحمن) إلى أن الاستخدام المفرط للكريمات جاء نتيجة للعولمة الثقافية التي أضعفت ثقة المرأة بنفسها حتى تكون عرضة للاستلاب الثقافي وتنفذ ما تخطط له بعض شركات ومؤسسات الدول الكبرى للسيطرة على المجتمعات من خلال تدمير الثقافات القومية والاجتماعية للشعوب، بتحويل حياتها إلى سلعة لجني الأرباح المادية، بعد أن أثبتت لها التجربة أن احتياجات النساء والأطفال هي الأكثر رواجاً، فعملت على استغلال ذلك بإنتاج أدوات تجميل تعمل على تفتيح لون البشرة باعتبار نقطة ضعف المرأة ومكمن جمالها في نفس الوقت، فتسعى جاهدة للتشبه بالنساء الأخريات متناسية ما فيها من أضرار صحية واقتصادية واجتماعية.

وقال إن الدراسة التي أجراها دكتور صالح الرقب بعنوان (العولمة وآثارها وأساليب مواجهتها)، أثبتت أن العولمة طمست الهوية الثقافية للأمة الإسلامية ـ ونحن جزء من هذه الأمة ـ بانتشار الأزياء ومستحضرات التجميل الأمريكية، وبحسب الإحصاءات التي أجراها في عام “1997”م، فإن تكلفة شراء نساء الدول العربية لمستحضرات التجميل تقدر بـ”4″ ملايين دولار، أي أن هناك “884” ألف كيلوجرام أنفقت على صبغة الشعر، و”334″ ألف كيلوجرام لطلاء الوجه، و”4″ آلاف كيلوجرام مواد لتطرية الجلد و”599″ ألف كيلوجرام لوقايته من الشمس، و”401″ ألف كيلو جرام لتجعيد الشعر وتنعيمه، هذه الأرقام تبين أن هؤلاء النساء منذ ذلك التاريخ وحتى الآن يجددن في مسألة تفتيح البشرة حتى انعكس ذلك على الآخرين.

وأكد د. حسين أن الأمر يرتبط بشكل مباشر بشخصية الفرد وحالته النفسية والاجتماعية، فالمرأة الواثقة من نفسها والمعجبة والفخورة بها أقل اهتماماً باستخدام هكذا أشياء تؤثر على شكلها الحقيقي وصحتها أيضا، بينما تستخدمها التي تحس بالدونية ولا تشعر بالثقة في نفسها، ومع ذلك فإن التنشئة السليمة للأبناء باتباع السلوك القويم والاعتداد بالنفس وتعميق الثقة في نفوسهم هي ما ستحميهم من الغزو الفكري والاستلاب الثقافي الذي بات يقف إلى جانبنا بفعل التطور التكنولوجي.

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..