المصير الديمقراطي للسودان…(2)اا

خلوها مستورة
المصير الديمقراطي للسودان…(2)
طارق عبد الهادي
[email protected]
مكان الطلقة عصفورة ، مكان السجن مستشفى ، مكان الحزن أغنية ، لم يتحقق الحلم حتى مات صاحب الحلم ، أهل الحكم أنفسهم احتفوا به في سنيه الأخيرة واستمتعوا بفنه حتى مماته ،إذن فلم كان التضييق على الناس و على المبدعين في مطلع التسعينات وأدير التلفزيون المتنفس الوحيد حينها بطالبانية قتلت الإبداع ، لا يدرك أهل الحكم ما هي الظروف التي أنجبت مثل محمد وردي ، أولها بيئة التسامح الاجتماعي التي تمتع بها في شمال السودان ولكنه تسامح في رصانة واحترام قد لا يعرف مثله و يدرك طبيعته الكثيرون لأن هذا السودان متنوع ومتدرج مثل قوس قزح في عاداته الاجتماعية فلا يمكن لجهة او مجموعة ان تحتكر كل الحقيقة ، عاملا آخر ساعد في تشكيل وردي هو الجو الليبرالي المشجع للإبداع والفنون أواخر الخمسينات والستينات و حتى السبعينات ، اسميها عشرية الانجليز الذين تركوا أفضل خدمة مدنية سرنا بعدهم بانضباط في العشرية الأولى فقط كما قال لي الوالد وهو مربي كبير من 1956م حتى 1965م كانت الأمور في القمة ثم بدا التدهور قليلا في العشرية التي بعدها ، حتى أضعنا كل شي النظام والنظافة والفخامة وطلة السودانيين البهية ، انه الجو العام الذي يجعل الكسب ممكنا ومتاحا للمبدعين والمهنيين والحرفيين والدولة لم تكن تحتكر المال والأعمال ولم تكن قابضة اقتصاديا لا بل ولا تحجر على صاحب عمل وإبداع وتهجره ، هاجر وردي الى مصر قديما وحديثا ، كل المبدعين هناك احمد بهاء الدين ، احمد زكي ، طه حسين والعقاد نشئوا في ظل الملكية والليبرالية وارسي الأساس حينها لتقدم الفنون ، ثورة عبد الناصر العسكرية التي استمرت 60 عاما شهدت تراجعا في كل شيء هذا لا يعني أنها كانت بلا انجازات لقد وسعت التعليم ووزعت الثروات بالتساوي ولكن خطا عبد الناصر انه لم يقتدي بنهرو في الهند ليسير في الطريق الديمقراطي انظر اين الآن الهند واين مصر ستعرف الفرق ، الأولى أي الهند رسخت أقدامها والثانية مصر تريد ان تبدأ الآن! الطريق من أوله ، حققت الانقاذ الطرق والجسور والتعليم مقابل سلبيات كثيرة ، التنمية في المقام الأول هي تنمية فكرية وثقافية واجتماعية للإنسان قبل الحجر والأرض والزرع هذه تأتي طواعية حينما يسود التنافس الشريف والعدالة في الفرص ، المجتمعات الحرة هي التي تنهض بالبلدان وليس الدولة ، لقد رحل برحيل وردي جزء من تراث وفن هذه البلاد و احد الأعمدة لا شك قد انهار … ذلك أن ما أنجزه السودانيون في قديمهم من الفن من كلمة رصينة مكتوبة وملحنة ومغناة منذ ستين عاما والى ما قبل العشرين عاما الأخيرة لم يسبقهم إليه شعب في المنطقة عربيا وإفريقيا و لن يتكرر ذلك مرة أخرى . ظروف نجاح وردي سببها أننا لم نكن طالبانيين و لا منغلقين ، معظم نجوم الفن والغناء في مصر في الستينات والسبعينات مروا بالسودان يعرض عادل امام مسرحياته في كل البلاد العربية و يمنع من السودان ويمنع الكثير من المطربين الحضورلا اعرف لماذا ، الآن جيل الشباب المصري جيل الثورة لا يعرف شيئا عن السودان سوى انه بلاد المجاعة والحروب لانعدام زيارات المبدعين والتفاعل ، فعلنا الشيء ونقيضه نطلب الثقافة العربية والتفاعل معها ونقفل بلادنا في وجوههم نريدهم أن يتغيروا بمزاجنا لا… نحن سوق كبير بعد مصر حجما وكنا سنحظى بمكانة الكل يجري خلفها ولكننا نقفل على أنفسنا ثم نتصايح أنهم يهمشوننا …الحياة مصالح في العالم وعند العرب الذي له مصلحة عندك سيأتيك ويضعك في حدقات العيون.