تعديل الدستور.. ترسيخ الدولة الأمنية

د. ياسر محجوب الحسين

لعل أبرز ما في تعديلات دستور السودان الأسبوع الماضي وما أكثر التعديلات، تعزيز صلاحيات جهاز الأمن بل جعلها صلاحيات مطلقة، ورأى بعض الخبراء أن التعديلات أعطت الأمن كافة الصلاحيات الممكنة وغير الممكنة، كذلك أتاحت تلك التعديلات للرئيس عمر البشير تعيين الولاة بدلا من انتخابهم.. بموجب هذه التعديلات الكارثية أصبحت الفقرة المتعلقة بصلاحيات جهاز الأمن تنص على: “يكون جهاز الأمن الوطني قوة نظامية مهمتها رعاية الأمن الوطني الداخلي والخارجي ويعمل هذا الجهاز على مكافحة المهددات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية كافة والإرهاب والجرائم العابرة للوطنية” وأضيف بند جديد ينص على: “ينظم القانون إنشاء محاكم جهاز الأمن والمخابرات الوطني وتشكيلاتها واختصاصاتها وسلطتها وإجراءاتها وخدمتها القانونية”.. وكانت المادة السابقة كانت تحصر صلاحيات هذا الجهاز فقط “جمع المعلومات والتحليل”.. صحيح أن الدستور المعدل جاء إثر توقيع اتفاق السلام بمشاركة الحركة الشعبية بمعنى أن يد الحزب الحاكم برئاسة البشير لم تكن مطلقة إلا أن هذه المادة كانت في دستور ما قبل مشاركة الحركة الشعبية تنص على: “تكون خدمة الأمن الوطني خدمةً مهنيةً وتركز في مهامها على جمع المعلومـات وتحليلها وتقديم المشورة للسلطات”.. أي أن تحول الجهاز لقوة قمعية أمر مستجد يصب في ترسيخ الدولة الأمنية لا بناء الدولة المدنية، وقد تم التمهيد لهذه الخطوة بضم قوات غير نظامية ذات سمعة سيئة تطاردها اتهامات دولية بارتكاب جرائم حرب في دارفور، وسمتها الحكومة بـ”قوات الدعم السريع”، وسبق أن اتهم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون هذه القوات في تقرير قدمه إلى مجلس الأمن الدولي في أبريل الماضي بالقيام بهجمات ضد المدنيين.

ويأتي تعديل المادة التي قضت بتعيين الولاة من قبل الرئيس بدلا من انتخابهم في سياق ترسيخ الدولة الأمنية أيضا، ونصت على “يعيين الرئيس ولاة الولايات وشاغلو المناصب الدستورية والقضائية والقانونية الأخرى وقيادات القوات المسلحة والشرطة والأمن، ويعفيهم وفق أحكام القانون”، وكان من المفترض أن تجري انتخابات الولاة في أبريل القادم قبل يستبق البشير ويطلب تعديل الدستور ويحذر نواب حزبه الذين يشكلون أكثر من ٩٥٪ من مجمل النواب ويقول لهم بنبرة تحذيرية طالبا إجازة التعديلات “بدون شوشرة”.
لم يكن الاتجاه نحو تشديد القبضة الأمنية أمرا غريبا على العقلية الحاكمة؛ فقد ألقت الإجراءات القاسية التي اتخذها حزب المؤتمر الوطني الحاكم قبل عامين تجاه أحد قيادييه البارزين، أضواءً كاشفةً على الطريقة الفظة التي يدار بها الحزب.. تلك الفظاظة لم تكن بسبب صرامة تطبيق اللوائح كما حاول حينها البعض السباحة في بحر التبريرات، بل كانت نوعاً من هيمنة العقلية الأمنية وشرعنة الحرب على الرأي الآخر.. كان الدكتور غازي صلاح الدين رئيس كتلة نواب المؤتمر الوطني في البرلمان (قبيل إقالة حزبه له) ورئيس حركة الإصلاح الآن، يجادل قادة الحزب بالتي هي أحسن ويطرح أفكاره مستخدماً نهجاً ناعماً وحواراً متزناً.. كان الرجل يحاول كشف المزيد من المثالب لأغراض الإصلاح الحزبي، وقد عبّر في دراسة له عن عدم رضاه عن مآلات نظام الإنقاذ بقيادة الرئيس البشير بعد (٢٥) عاماً، وهو يعقد مقارنة لصالح التجربة التركية التي تصغر التجربة السودانية بعدد وافر من السنوات.

فإن كانت العقلية الأمنية والإجراءات التعسفية ديدن التعامل مع عضويته، بل مع قياداته التاريخية؛ فإن تعامله مع مكونات المجتمع والقوى السياسية الأخرى، سيكون بالضرورة أكثر فظاظة وأوجع من وقع الحُسام المـهنّد.. هذه النهج نتج عنه تنامي الضيق والتبرم من النهج الإقصائي من لدن عقلية أمنية مسيطرة على تفكير قيادته، وأفرز تحركات مضادة بدأت كممارسات سياسية مشروعة وانتهت بمحاولة انقلابية عسكرية، وكان ذلك دلالة على ذروة الاستياء والاحتقان.

لا يعلم الحزب الحاكم أن المعالجات الأمنية لا تزيد الأوضاع إلا تعقيدا؛ لقد أظهرت أحداث سبتمبر من العام قبل الماضي شرخا خطيرا في الأمن الاجتماعي وأن مصيبة الحكومة أكبر من مجرد وضع اقتصادي متردٍ واحتجاجات شعبية على إجراءات رفع الدعم عن أهم سلعة إستراتيجية وهي الوقود ليرتفع بنسبة (55%). فلم تشهد الخرطوم حينئذ مظاهرات نمطية، مطلبية أو سياسية بالمعنى المعروف؛ حيث أفرزت المعالجات الأمنية للمظاهرات الواسعة، توترات اجتماعية وطبقية خطيرة.

المدهش أنه كلما تعقّدت الأزمة السياسية في السودان أمعن الممسكون بمقاليد الأمور في الخرطوم في اجتراح الحلول الترقيعية والجزئية التي لا تقود إلا إلى مزيد من التأزيم.. في يناير من العام الماضي طرح البشير مبادرة سياسية بدت لأول وهلة كوصفة سحرية لأزمة شاملة ومتطاولة، تتخطى لأول مرة دوامة الاضطراب السياسي وحالة (اللا) استقرار منذ أن اعتلى الرجل سدة الحكم عبر انقلاب عسكري في يونيو من العام 1989. تلك (الوثبة) وهو الاصطلاح الذي أطلقه البشير على مبادرته؛ اعترفت صراحة بعدم توفر الحريات السياسية والصحفية ولذا تضمنت قراراّ جمهورياّ بإطلاق الحريات السياسية والصحفية. بيد أن الحزب الحاكم يمثل الضلع الأبرز في الأزمة السياسة التي تضرب بخناق البلاد.

يبدو أنه من الصعب أن يعترف حزب البشير بأن الحل الشامل لأزمة البلاد يتمثل في ضرورة وجود حكم قومي ومعالجة قضية الدين والدولة وبسط الحريات الأمر الذي سيفضي بالضرورة إلى تحقيق سلام شامل وإنعاش الاقتصاد وإعادة بناء علاقة السودان بالمجتمع الدولي. فالبلاد تعاني اليوم من وضع اقتصادي مأزوم ونقص مريع في العملة الصعبة وديون بمليارات الدولارات، ليصنف السودان في أدنى سلم التنمية الإنسانية والفساد وحرية الصحافة، فضلا عن عزلة دولية ضاربة بجذورها، والأسوأ من ذلك كله على الإطلاق تهديد الكيان السوداني كله.

الشرق

تعليق واحد

  1. الصورة المصاحبة :

    يا ادم العريس لافتتك ناقصة زغاريد الحقنا بتغيير اللافتة لانه لا عرس بدون زغاريد اشراقة ضرورى جدا لزيادة البهجة الله يسد نفسك لافتتك اكيد طيرت الزبائن

  2. لماذا انتخابات ولماذا ترشح اولا نقف علي انجازات الانقاذ :
    1/ فصل الجنوب عن الشمال
    2/ تاجيج الحرب في النيل الازرق
    3/ تاجيج الحرب في جنوب كردفان
    4/ تاجيج الحرب في دارفور وابادة اهلها وارتكاب جرائم حرب بنص القانون الدولي
    5/ تاجيج الحرب في شرق السودان
    6/افقار المواطن السوداني ونهب خيرات السودان والفساد الذي يزكم الانوف
    7/ اهدار موارد السودان وتبديد الاقتصاد السوداني وارتفاع التضخم انخفاض قيمة العملة السودانية في مقابل العملات الاجنبية وسرقة موارد الدوله لمصلحة حرامية السلطة من البشير وزوجته واهل بيته وطقمته الفاسدة
    8/ تدمير المشاريع الزراعية والصناعية
    9/ تدمير التعليم بعدم تاهيل الخريجين اصبحت الجامعات تخرج الفضائح
    10/تهجير وتشريد الكفاءات من السودان
    11/ نشر سيايسة العنف في الاوساط الطلابية ونشر المخدرات والفساد الاخلاقي واقتيالات في اوساط الطلاب
    12/ تكميم الافاه والحجر علي حرية الفرد والحرية الصحفية
    13/ تدويل قضاية السودان وادخال قوات اجنبية الي ارض السودان
    14/ القضاء علي كرامة الشعب السوداني بالتدخل في شوؤن جيراننا من الدول
    15/ نشر سياسة التصفيات منذا بداية حكم الانقاذ باعدام اشرف الرجال في نهار رمضان
    ( عدد 28 ضابط في 28/رمضان بدم بارد )
    16/ ارتكاب افظع الجرائم مع كل من يقول لا للنظام الهالك باذن الله
    17/ اقتيال نقيب الاطباء اقتيال مجدي وجرجس
    18/ التخلي عن سيادة السودان واراضيه من حلايب وشلتين والفشقة
    19/ سرقة مواد الدولة وبناء العمارات الشاهقة وتحويل المبالغ الي الخارج ماليزيا وغيرها ولكن يا البشير عود القذافي ليس ببعيد
    20/ القضاء علي الريف وتهميش مواطن الريف واصبح جل الشعب السودان في الخرطوم وترك الزراعة والصناعة والرعي وخير مثال مشروع الجزيرة
    21/ عدم توفر الدواء وكلفته العالية وانتشار امراض لم يعرفها السودان من قبل مثل الايدز والتهاب الكبد الوبائي والسرطانات وذلك نسبة لتدهور الاقتصاد وتفشي الرذيلة والاهمال الصحي وعدم الرقابة علي المواد الغذائية المسرطنة
    22/ الفساد الذي استشرى في البلاد والثراء الفاحش بسرقة موارد الدولة وافقار الشعب
    23/ انتشار الجهل والامية والتخلف وامراض التخلف صحيح جامعات بالكوم وتاهيل معدوم
    24/ التدثر بثوب الدين وهم المنافقين والمنافق اشد خطرا من المشرك لان المنافق يظهر خلاف ما يبطن كرهتوا الناس في الدين بكذبكم ونفاقكم وفسادكم
    خلاص كفاية ارحلوا عن جنازة البحر السودان ارحلوا عن الشعب السوداني الفضل ارحلوا قبل ان تاتي الطامة الكبرى وحيث لا ينفع الندم

  3. يا ادم طلح الله لا خت فيك بركة…يا اخى قول عشة طلح او التاية طلح…الطلح دا للنسوان ..لاتقرن اسم الرجال بالطلح

  4. ياسر دا مش البوق الكيزاني الذي كان يدافع بأستماتة عن هذه الشرزمة الفاسدة ولا واحد غيرو !!!!

  5. من البديهي أن يجيد الشخص ماتعلمة أو تخصص فيه لذلك تجد تعاليم ومناهج الكلية الحربية في كل شئ إبتدءأ من بنود الدستور مرورا بالقوانيين إنتهاءأ بالدورة المدرسية من هنا إتفق العالم بعدم صلاحية العسكر في الحكم .. ولكن من يفهم الديك “

  6. يا جماعة نحن هسة ما فاهمين حاجة هل مقصود قرد الطلح البنطط زى البشير لما يشوف اخوات نسيبة التايوانية مش نسيبة الاصلية ام المقصود الطلح البجيبو عبد الرحيم محمد حسين فى ضهرية عربيتو وبقول لحرس الرئيس لازم تسلموا لوداد فى يدها وفاطنة خالد ما تشوفكم افيدونا ما المقصود يا احبابنا اهل الراكوبة الحطبها ما طلح 0

  7. تعرف بالمقال ده يا دكتور خلاص انت بقيت حقنا (تب) ومن حقك علينا ندافع عنك اذاتعطرضت لاي من اشكال قانون الامن الجديد (الله يستر عليك) اما انك تكتب في الشرق القطرية دلالة على انك عدت للدوحة يبقى ما عندك مشكلة اكتب براحتك

  8. عقيدة عقدة المسخ المشوة البشير العسكرية يظن نفسة يدير ف وحده عسكرية وليس بلد اكبر منه قامة ومكانة هذا المسخ لا يتعظ ويعتبر من هبات ابريل واكتوبر ودول الجوار العربي والدولي مهما سن الدساتير و القوانين وتسلح حتي قدمية مصيره الي سقوط لا ادري كيف يستعين ببدرية وشمو وبقايا نميري لتوطيد حكمة هو لا يدري بانه سوف يكون مسئولا عن كل شئ بحكم انه القائد الاعلي لجميع القوات النظامية والمليشيات وهي لا تستطع ان تدافع عنه غير توريطة ف مجازر واغتصابات جديده يكفي جرائم دارفور وبقية المديريات الي العاصمة اتعظ من الشاه شاوسيسكو السادات بوكاسا عيدي امين حبري منقستو بوشينية موبوتو بوكاسا مبارك بن علي واليمني علي وحاليا بشار والحكم ف النهاية بيد الله ينزعه ويهبه لمن يشاء ف ارحم لك الهروب الي لاهاي تجد النت والمكتبة والتلفزيون والرياضة والغرف المكندشة عارف براك هنا حراسات بلدنا والله والله لم ولن تصلها منهم من يريدون ان يحشروا عكاكيزهم ومنهم من يريد ذبحك من الاضان الي الاضان لن تحميك وتمنحك اللجوء الصين او ايران او قطر

  9. يعني بعد كده القوات المسلحة السودانية دورا حيكون شنو ؟!!! وهل الخطوه دي اعتراف بعدم ثقة الحكومة بالقوات المسلحة ؟
    تعيين الولاة من انتخابهم ما فارق كتير لأنو حتي المنتخبين البشير اقالهم ومافي مادة في الدستور تمنعه يعني تحصيل حاصل زي ما قال للوالي المقال الحزب هو الجابك ما المواطنين !
    البرلمان نصه جهلاء والباقي منتفعين ولو ختوا ليهم قانون يحكم عليهم بالاعدام حيبصموا عليه !

  10. بعد احتقار الجنوبيين الاكياء ودفعهم للانفصال ثم احتقار وازالال معارضة السودان القديم والجديد وقتل الناس في الهامش والمركز غير المبرر ..جاءت -الانقاذ باخر سؤاتها باحتقار الشعب السوداني ..بمنعه من اختيار من يمثلونه في كافة المستويات
    وخرجت الانقاذ من نيفاشا ودستور 2005 خروج نهائي لم يعد لديها الي التزام دولي يبرر بقاءها او استمرارها..وذكلك جنت على نفسها براقش
    ونشوف الانتخابات دي “كان جات” الحيمشي ينتخب منو؟؟ من الشعب السوداني الفضل
    ونشوف الاذكى منو الشعب او الكيزان ؟؟!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..